خيرت الشاطر ورث عن أبيه تجارةً وأرضًا زراعيةً، وسافر للخارج من أجل تنمية ثروته، وكلما افتتح مشروعًا أغلقتْه الحكومة، وصادرَتْ أموالَه ونصف عمره ضاع في المعتقلات.. وأحمد عز كان يلعب درامز في ملهى ليلي، وتبرَّع لجمعية جيل المستقبل واحتكَر الحديد، وثروته أصبحت 40 مليارًا.

 

ربما يكون خيرت الشاطر- رجل الأعمال القوي داخل جماعة الإخوان المسلمين والنائب الثاني للمرشد، والذي تمَّ التحفظ على أمواله وغلق شركاته- نموذجًا لرجل الأعمال الإخواني الذي تُلاحِقُه الدولة منذ بدأ نشاطه التجاري، ورغم ذلك هو مستمرٌّ في تحقيق المزيد من المكاسب، على الرغم من أن أيَّ اتهامٍ من الاتهامات التي توجِّهها له الحكومةُ منذ عام 1992م كفيلٌ بأن يُسقِطَ أيَّ تاجر بالضربة القاضية التي لا يقوم بعدها أبدًا.

 

نموذج خيرت الشاطر كرجل أعمال سياسي تضطهده الدولة لاختيار شبيه له لكن على الجانب المضاد؛ فإذا كان الشاطر رجل أعمال ناجحًا ذا سمعة جيدة رغم اضطهاد الحكومة له، فإن أحمد عز نموذج لرجل أعمال ترعاه السلطة ويستخدمها هو لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب الدولة نفسها ومواطنيها الغلابة.

 

وتتبع السيرة الحياتية والتجارية لكلا النموذجين والمقارنة بينهما كفيلٌ بأن يُلقي لنا الضوء على المهزلة التي تعيشها مصر.. أحمد عز وخيرت الشاطر يُعبران تمامًا عن هذين النموذجين المتناقضين فكلاهما في نفس المرحلة العمرية تقريبًا "خيرت يكبر عز بتسع سنوات فقط"، وأحمد عز خريج هندسة الإسكندرية، كما أن مكان كل منهما في جماعته يشبه مكان وقوة الآخر..

 

خيرت هو الرجل القوي في صفوف الإخوان والعقل المدبر للجماعة وأحمد عز هو رجل التخطيط ورجل جمال مبارك في الحزب؛ ولذاك فهما أفضل مَن يمثلا النموذجين، خيرت كرجل أعمال إخواني صاحب سمعة جيدة تضطهده السلطة وعز كرجل أعمال تقرَّب من السلطة وتربَّح تحت رعايتها وسمعته الاقتصادية السياسية تحتها ألف خط أحمر وأخضر وبكل الألوان.

 

وقد يمتلك خيرت الشاطر سيرة مالية وشخصية واجتماعية وسياسية واضحة ومعروفة للجميع، على عكس أحمد عز- إمبراطور الحديد كما يلقبونه- سيرته المالية والاجتماعية والشخصية تشبه كثيرًا بيوت جحا في تركيبها.. كلها طرق ملتوية ومتاهات تملؤها الاتهامات والشائعات التي وجهت له بشكلٍ رسمي تحت قبة مجلس الشعب.

 

عز ورحلة الصعود "زواج المال والسلطة"

أحمد عز الذي وُلد في يناير 1959م ودخل جامعة القاهرة وحصل على بكالوريوس هندسة، واشتهر عنه أنه كان شابًا رومانسيًّا يحب الموسيقى الغربية، ويحترف العزف على الدرامز (طبلة متطورة شوية) بدأ حياته عازفًا ضمن فرقة موسيقية بأحد فنادق القاهرة الشهيرة عام 1987م، كما روى رجل الأعمال رامي لكح في دراسة أعدها "معهد كارنيجي" الأمريكي عن المقربين من جمال مبارك، وإذا كان أحمد عز قد حاول كثيرًا أن يُقنع الرأي العام بأنه سليل عائلة غنية منحته ورثًا كبيرًا استطاع أن يكبر به ويطوره فإن المتداول عنه- طبقًا لرواية النائب طلعت السادات- أنه كان من أسرة مستورة وضعها المالي كانت تمتلك ورشًا للحدادة تطورت؛ لتصبح محلاً لبيع الحديد، وتلك التجارة لم تكن لتصبح بداية حقيقية لتكوين ثروة تُقدَّر الآن بحوالي 40 مليار جنيه، وربما كان أحمد عز قد عانى نفسيًّا كثيرًا حينما وجَّه له طلعت السادات في المجلس العام الماضي كلامًا بمعنى أنه ينتمي لأسرة متواضعة، مما دفع عز للرد عليه بأن جدوده معرفون بنفوذهم وثروتهم، وهو الرد الذي عبَّر عن أزمةٍ نفسيةٍ لدى أحمد عز أكثر ممَّا عبَّر عن الحقيقة التي تقول: إن عز كان فعلاً ينتمي لأسرة لم يعرف عنها امتلاك ثروة هائلة، كما لم يعرف عنها وجود أشخاص أصحاب نفوذ سوى سيد زكي وكيل مجلس الشعب السابق ورئيس اتحاد التعاونيات في فترة الثمانينيات والذي قيل إنه يرتبط بصلة قرابة مع أحمد عز.

 

في بداية التسعينيات بدأ أحمد عز نشاطه الاقتصادي حينما تقدَّم للمهندس حسب الله الكفراوي وزير التعمير الأسبق بطلب الحصول على قطعة أرض في مدينة السادات لإقامة مصنع لدرفلة الحديد، ولم تكن قيمته تتجاوز 200 ألف جنيه وحتى عام 1995م لم يكن هناك على الساحة شخص يُدعى أحمد عز.. مع بداية هذا العام بدأت استثمارات عز مع مشروع سيراميك الجوهرة، وبدأت صور أحمد عز تظهر للمرة الأولى على صفحات جريدة الأهرام المتخصصة في الاقتصاد والإنتاج، ونحن نعرف سمعة تلك الصفحات التي يدفع لها رجال الأعمال من أجل البحث عن مزيدٍ من النجومية التي تفيد في السوق وتساعد كثيرًا في أنظمة التحايل.. هكذا كانت بداية الظهور؛ ظهور برشوة.

 

أصبح ظهور عز طبيعيًّا بعد المساحات الكبيرة التي نشرت في هذه الصفحات؛ لتتحدث عن استثماراته، وكان عز وقتها يبحث عن مظلةٍ تحميه وجدها في شخص نجل الرئيس، حتى شهد مؤتمر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 1996م والظهور الأول للثنائي الذي لن يفترق بعد ذلك، وشاهد الناس كلها أحمد عز وهو يجلس باسمًا بجوار جمال مبارك.. وهو يبحث عن عيون الكاميرات التي تُرضي غروره وتمنحه صورة الانطلاق بجوار ابن الرئيس الدفع الفوري له أهمية كبرى في حياة أحمد عز ومثلما دفع للصفحات المتخصصة بالأهرام، دفع أيضًا لجمال مبارك ولكن بطريقٍ غير مباشر، فقد أدرك أن صورته التي ظهر فيها بجوار نجل الرئيس ثمنها غالٍ فبادر بالحفاظ على علاقته بجمال، وكان أول المساهمين في جمعية جيل المستقبل التي بدأ بها جمال مبارك رحلة صعوده، وكان هذا عام 1998م، من 1998م حتى 2000م كان أحمد عز يجني ثمار توطيد علاقته مع جمال مبارك فقد شهدت تلك الفترة نموًا هائلاً في استثمارات رجل لا يعرفه أحد، بدأ يحتكر صناعة السيراميك مع أبو العينين، وزاد نشاط مصنع الحديد وأنشأ شركة للتجارة الخارجية، وامتلك مثله مثل مجموعة من رجال الأعمال المقربين من السلطة مساحات من الأراضي في السويس وتوشكى وأصبح وكيلاً لاتحاد الصناعات، ولكن اللعبة الكبرى كانت عام 1999م؛ حيث استغل عز أزمة السيولة التي تعرَّضت لها شركة الإسكندرية الوطنية للحديد والصلب الدخيلة بسبب سياسات الإغراق التي سمحت بها الحكومة للحديد القادم من أوكرانيا ودول الكتلة الشرقية فتقدم بعرض للمساهمة في رأس المال، وبالفعل تم نقل (500ر543) سهم من اتحاد العاملين المساهمين بشركة الدخيلة لصالح شركة عز لصناعة حديد التسليح وبعد شهر واحد تمَّ إصدار ثلاثة ملايين سهم لصالح العز بقيمة 456 مليون جنيه، وبعد ذلك وفي شهر ديسمبر من نفس السنة أصبح عز رئيسًا لمجلس إدارة الدخيلة ومحتكرًا لإنتاج البيليت الخاص بحديد التسليح، وهذا التعيين جاء مريبًا لأنه تمَّ على أساس أن عز يمتلك 27% من أسهم الدخيلة رغم أنه لم يقُمْ بسداد ثمن الأسهم التي اشتراها.

 

جنى عز ثمار ما دفعه كمساهمةٍ في جمعية جمال مبارك في سنتين فقط على المستوى المادي بعدها بدأ يجني الثمار على المستوى السياسي فبدون أي مقدماتٍ وجد أحمد عز نفسه في فبراير 2002م عضوًا في الأمانة العامة للحزب الوطني ضمن الهوجة الأولى لدخول رجال الأعمال مجال العمل السياسي على يد السيد جمال مبارك، وكان دخول عز متوازيًا مع جمال مبارك وهو التوازي الذي سيستمر كثيرًا غير أن أحمد عز سبق جمال مبارك ورشَّح نفسه في انتخابات 2000م، وتمَّ تفصيل دائرة منوف على مقاسه على اعتبار أن مصانعه موجودة بمدينة السادات وأصوات العمال وحدها كفيلة بنجاحه، وهو ما كان، وفجأةً أصبح أحمد عز وبدون أي مقدمات كذلك رئيسًا للجنة التخطيط والموازنة في مجلس الشعب، وفي الوقت نفسه أصبح أحمد عز زميلاً لجمال مبارك ضمن لجنة الإصلاح التي تشكَّلت في الحزب الوطني بعد الأداء الضعيف للحزب في الانتخابات وفي سبتمبر 2002م كان المؤتمر العام للحزب، وكان أحمد عز على موعدٍ مع لعبته القديمة التي تفتح أمامه الأبواب المغلقة إنها لعبة الدفع الفوري، أنفق عز بسخاءٍ على المؤتمر وكالعادة حصد ما دفعه وأصبح عضوًا في أمانة السياسات، ولم يكن مجرد عضو عادي؛ بل كان من المسيطرين والمحركين الأساسيين كما قال الدكتور أسامة الغزالي حرب بعد خروجه من الحزب، وأصبح واضحًا للكل أن عز قد أصبح رجل جمال مبارك الذي أسند له وبدون مقدمات أيضًا رئاسة لجنة الحفاظ على الأراضي الزراعية، وفي عام 2003م كان هناك تدشين رسمي لتلك العلاقة، حينما كان أحمد عز رفيقًا لجمال مبارك أثناء سفره إلى الولايات المتحدة.

 

وكان عز يأبى أن تمر عليه السنة دون أن يحصل على قوة ونفوذ أكبر، جاء عام 2004م ليحصل على منصب أمين العضوية وهو المنصب الخطير داخل الحزب الوطني، ولكي تعرف مدى أهميته يكفي أن تعرف أنه كان منصب كمال الشاذلي في وقتٍ ما، وبالتزامن بدأت فائدة الغطاء السياسي الذي اشتراه عز بفلوسه تظهر، تعامل مجلس الشعب مع استجواب النائب أبو العز الحريري ضد أحمد عز بالمزيد من البيروقراطية حتى تمَّ تعطيله.

 

وفي عام 2005م عاد أحمد عز للعبته القديمة الدفع الفوري وقام بتمويل حملة الرئيس الانتخابية، وكالعادة لم يخرجْ من المولد بلا حمص؛ بل حصل على أهم منصب في الحزب وهو أمين التنظيم وللصدفة كان أيضًا منصب كمال الشاذلي؛ لأن عز لا يحصل على مكاسبه بالقطعة فقد حصل بالتزامن على مكاسب طائلة نتيجة احتكاره الحديد وارتفاع سعر الطن والمضاربة في البورصة تحت غطاء حماية سياسية سمح له بالتلاعب الذي جعله يربح 1200 مليون جنيه فيما لا يقل عن ثلاث ثواني بعدما هبط سعر حديد الدخيلة بدون مبررٍ وبدون سبب من 1300 جنيه إلى 1030 وهي اللحظة التي اشترى فيها عز حوالي 4 ملايين سهم.

 

الشاطر ورحلة الكفاح

(حلم الأسرة المصرية في الشاب المناضل المتفوق)

هذه الحياة التي بدأها أحمد عز في أوائل التسعينيات وانتهى بها وهو يحمل ثروة تُقدَّر بحوالي 40 مليار جنيه دون أن تقوم الدولة بمساءلته من أين لك هذا؟؛ بل وقامت بحمايته من استجوابات نواب الشعب ووفَّرت له الغطاء القانوني والسياسي في الكثير من الأحيان من أجل تحقيق تلك المكاسب التي لا سند لها تقابلها حياة أخرى بدأها الشاطر اقتصاديًّا في أوائل الثمانينيات تنتهي الآن بثروة يقدرها البعض بحوالي 40 مليون جنيه وتقدرها الدولة بحوالي 15 مليون جنيه فقط ومع ذلك تتهم الرجل بغسيل الأموال وكأنَّ الحصول على 15 مليون جنيه في نظر الحكومة المصرية يحتاج لمجهودٍ شاق يفوق مجهود الحصول على 40 مليار جنيه، وبعيدًا عن اللوغريتمات الحكومية فإن خيرت الشاطر أو الصقر الكامن الذي يُرعب حكومة مبارك بأكملها وُلد في الدقهلية عام 1950م ومتزوج وله عشرة أولاد وثمانية أحفاد طبعًا أسرة خيرت الشاطر متماسكة وطبيعية ولم نسمع في يوم إشاعة على الرجل تقول بأنه يسعى خلف راقصة معينة أو فنانة جميلة بينما هناك شائعات تنشرها الصحف ويسمعها الناس عن علاقة بين عز وميرفت أمين قد تنتهي بالزواج وغيرها من الفنانات.

 

خيرت الشاطر حاصل على بكالوريوس هندسة الإسكندرية بالإضافة إلى عدة شهادات أخرى لا يحلم بها أحمد عز أو لا يهتم بها من الأصل مثل ماجستير الهندسة من جامعة المنصورة- وليسانس الآداب جامعة عين شمس قسم اجتماع- ودبلوم الدراسات الإسلامية من معهد الدراسات الإسلامية- ودبلوم المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة- ودبلوم إدارة الأعمال جامعة عين شمس- ودبلوم التسويق الدولي جامعة حلوان.

 

وفي الوقت الذي كان فيه أحمد عز يتعلم كيف يلعب على الدرامز أو يبحث فيه عن ملهى ليلي أو فندق خمس نجوم للعمل ضمن فرقة موسيقية كان خيرت الشاطر طالب إعدادي هندسة يقود انتفاضة الطلبة 68م ويقيم معسكرًا داخل كليته التي حاصرتها قوات الأمن ويحمس الطلاب ويسيطر على انفعالات أصدقائه رغم أنه كان الأصغر سنًّا وينتهي الحصار ويذهب خيرت إلى معتقل الحضرة وتصدر الدولة قرارًا خاصًّا بتجنيد خيرت الشاطر رغم أنه لم يبلغ السن القانونية لدخول الجيش ويعود في 1972م؛ ليقود الطلاب مرةً أخرى في حركةٍ طلابية جديدة عام 1973م ويلقبه زملاؤه بالزعيم.

 

كان خيرت الشاطر طالبًا مجتهدًا وصاحب سمعة طيبة بين زملائه هادئ الصوت لا ينفعل، وكان نموذجًا للابن المصري الذي نتمناه في بيوتنا يحصل على تقدير امتياز في كهرباء الاتصال ويتم اضطهاده بسبب نضاله السياسي، وكما يغلقون شركاته الآن بسبب نضاله السياسي قانون من قبل يرفض تعيينه في الجامعة بسبب قيادته للحركة الطلابية فيعود الشاطر إلى المنصورة ويتم تعيينه بجامعتها التي كانت جديدة وفي حاجةٍ للأساتذة والمعيدين، وظل بالجامعة حتى أصبح مدرسًا مساعدًا بكلية الهندسة حتى عام 1981م حينما أصدر السادات قرارًا بنقله خارج الجامعة ضمن قرارات سبتمبر 1981م.

 

سافر بعدها خيرت الشاطر إلى دول الخليج، ثم ذهب إلى لندن للحصول على الدكتوراه وبدأ نشاطه التجاري من هناك، فقد ورث خيرت الشاطر عن والده تجارةً وأراضي زراعية، وكان والده من التجار المشهورين في الدقهلية.

 

عاد خيرت الشاطر من السفر وأسس مع حسن مالك المعتقل معه الآن شركة (سلسبيل) والتي كانت من أولى وكبرى شركات الحاسب الآلي في مصر، بالإضافةِ إلى عدة مشروعات أخرى مثل تنظيم وإدارة المعارض إلى عدة مشروعات أخرى مثل تنظيم وإدارة المعارض الكبرى وتمليك المشروعات الصغيرة بالتقسيط وإنشاء سلاسل من محلات تجارية في مجالات مختلفة بالإضافة إلى تأسيس شركة لتصدير الخامات للخارج والعمل في المجال الزراعي والحيواني.

 

ونظرًا للنجاحات التي بدأ يحققها خيرت الشاطر تمَّ اختياره عضوًا في مجلس إدارة المصرف الإسلامي، ومجلس إدارة بنك المهندس والعديد من الشركات المساهمة الأخرى.

 

وفي الوقت الذي بدأ فيه مشروع سلسبيل يتطور، وبدأ خيرت الشاطر في استيراد التجهيزات اللازمة لتصنيع الحاسب الآلي في مصر، وبعد أن وصلت المعدات إلى ميناء الإسكندرية تمَّ القبض عليه وتقديمه للمحاكمة ومصادرة كل الأجهزة وإغلاق الشركة وبعد 11 شهرًا تمَّ تبرئته ولكن ظلت الشركة مغلقة، ولم يحصل على أمواله حتى الآن.

 

ولك أن تتخيل أننا كنا في ذلك الوقت 1992م نملك إمكانية وجود شركة مصرية تصنع الحاسب الآلي في القاهرة... لك أن تتخيل كم الخسارة التي خسرتها مصر والفرصة التي أهدرها الجهاز الأمني في أن تكون مصر الدولة رائدة بجد في ذلك المجال على مستوى منطقة الشرق الأوسط ولكن تقول لمَن؟

 

وحتى تعرف الفرق بين رجل الأعمال الذي تزوَّج الحكومةَ ورجل الأعمال الذي تضطهده الحكومة راجع التواريخ، وستجد أنه لم تكن تمر سنة على أحمد عز إلا حصل على مكسبٍ مادي من الهواء أو منصبٍ سياسي غير مبرر، بينما لم تكن تمر سنوات على خيرت الشاطر إلا وكانت الدولة تستضيفه في سجونها وتغلق له شركاته وتصادر أمواله.

 

عام 1995م، تشهد اعتقالاً آخر لخيرت الشاطر؛ حيث حُكم عليه بخمس سنوات خرج منها ليستأنف نشاطه الاقتصادي في مجال الأدوية وتصدير المنسوجات للخارج، وأسس في ذلك الوقت شركات مثل (حياة) للأدوية والأنوار للأدوات الكهربائية ومالك ورواج وغيرها.

 

في هذه الأيام حدث نفس السيناريو بالضبط في الوقت الذي كان فيه خيرت الشاطر يقوم بشراء أرض في 6 أكتوبر من أجل إنشاء مصنع لتصنيع الأثاث على الطراز التركي يعمل به آلاف العمال المصريين قامت الدولة بالقبض عليه ومصادرة أمواله.. هل تعرف مقدار الأموال المديونة بها الدولة لخيرت الشاطر منذ عام 1992م وحتى الآن؟ أعتقد أنها كثيرة جدًا ويمكن أن تكون هي نفس الفلوس التي تمنحها الدولة لأحمد عز ليقوم بغسيلها على اعتبار أنها مجهولة المصدر.

 

الفرق بالطبع كبير بين أحمد عز الذي يمثل رجل أعمال الدولة وخيرت الشاطر رجل أعمال الإخوان الذي تضطهده الدولة، ففي الوقت الذي كانت مشروعات خيرت الشاطر الاقتصادية تحمل الصفة التنموية "حاسبات أدوية وغيرها" أي مشروعات تفيد البلد وتوفر مساحة من العمالة لصناعة جديدة ومهمة وحيوية مصر في حاجة إليها؛ فإن أموال أحمد عز كلها تأتي على حساب الشعب المصري سواء عن طريق التعامل في البورصة أو احتكار الحديد أو سياسة إغراق السوق، وبينما كان خيرت الشاطر ينشر مشروعاته التجارية في الشمال والجنوب الذي لا تهتم به الحكومة ويفتح المزيد من بيوت العاملين كان أحمد عز يساهم باحتكاره في إفلاس أكثر من 20 ألف شركة مقاولات بسبب أسعار الحديد التي كان يحددها بمزاجه محتكرها الأول، وكان عدد كبير من أصحاب مصانع الحديد يُهدد بتصفية أموالها والهجرة بسبب هيمنة أحمد عز على السوق.

 

وإذا كنا لم نسمع أو لم تقل لنا الحكومة إنه في يومٍ ما كان خيرت الشاطر مدينًا لها أو متهرب من دفع الضرائب، فإننا سمعنا ومن تحت قبة البرلمان أن أحمد عز مدينًا للدولة المصرية بحوالي 500 مليون جنيه، وقد جاء هذا في استجوابٍ قدَّمه النائب حمدي حسن في العام الماضي جاء فيه أن أحمد عز لم يدفع للدولة حق استغلاله لرصيف التعدين بميناء الدخيلة فلماذا تتغاضى الدولة عن حقها الذي يستغله أحمد عز بينما تقوم بسرقة ومصادرة أموال خيرت الشاطر عقابًا له على انتمائه الفكري.

 

وإذا كنت تعرف أنه لم يتم توجيه أي اتهامٍ بالسرقة أو بالتلاعب لرجل الأعمال خيرت الشاطر بالاستجوابات وكراتين الأوراق التي تدين عز لدى نواب مثل محمد عبد العليم داود وسعد عبود وطلعت السادات يرفض مجلس الشعب التعامل معها بجدية إرضاءً لأحمد عز أشهرها استجواب النائب طلعت السادات المقدم العام الماضي عن ثروة عز الظاهرة فقط والتي قُدرت بحوالي 40 مليارًا وحصوله على 15 ألف فدان في أراضي خليج السويس والتلاعب في البورصة.

 

ولم يرد أحمد عز ولا رجاله ولا المتحدثون باسمه حتى الآن على هذه الاتهامات الوارده في الاستجواب اللهم إلا إذا كان سجن طلعت السادات هو الرد الوحيد على هذه التهم.

 

هذا بخلاف الاستجواب الشهير للنائب أبو العز الحريري الذي جاء معتمدًا على أرقام الجهاز المركزي للمحاسبات والذي جاء فيه أن عز استولى على شركة الدخيلة رغم أنه لا يملك سوى 30% من الأسهم، بالإضافة إلى احتكار عز للحديد تسبب في إهدار 32 مليار جنيه من مال الدولة العام خلال أربعة أعوام فقط.

 

تهمة خيرت الشاطر هي تمويل الجماعة المحظورة، بينما الفرخة التي تبيض ذهبًا لأحمد عز هي تمويل الحزب الوطني ونجل الرئيس، وإذا كان عز ينفق على مسئولي الحكومة ويقوم بتصدير الحديد لإسرائيل بثمن مخفض فإن جزءًا من أموال الشاطر كما قالت الحكومة بنفسها يذهب لتمويل حركة المقاومة حماس.. أليس مَن يمول المقاومة الفلسطينية أفضل مليون مرة ممن يقوم برشوة مسئولين فاسدين؟

 

وإذا كان خيرت الشاطر يستغل أمواله كما تقول الحكومة لتمويل أنشطة الإخوان التي تعارض النظام فإن المهندس أحمد عز يستغل أمواله في جمع نواب الوطني وحشدهم في جلسات تمديد قانون الطوارئ الذي يكتم على أنفاس مصر.

 

المقارنة ما زالت مستمرة وفيها التالي، الرئيس مبارك يذهب بكل سعادة ويبتسم للمصورين وهو يفتتح مشروعات أحمد عز التي يقيمها بفلوس الغلابة من المواطنين، بينما يرسل الرئيس مبارك رجال جهازه الأمني إلى خيرت الشاطر كلما أراد أن يفتتح مشروعًا جديدًا؛ حيث يقومون بوضع يد خيرت الشاطر في الكلابشات وإغلاق مصنعه ومصادرة أمواله حدث ذلك مع سلسبيل وحدث أيضًا مع مصنع الأثاث.

 

المزيد من الفروق.. فتابعونا

أحمد عز العقل المخطط للحزب وقائد الانتخابات الأخيرة نال هزيمة بالضربة القاضية أمام خيرت الشاطر العقل المدبر للإخوان حينما نجح الإخوان في اكتساح الانتخابات والحصول على 88 مقعدًا، ولولا تدخل الأمن وتحول المستقلين لكانت هزيمة، وهذا يعني أن خيرت الشاطر الرجل صاحب التاريخ النضالي قادر على هزيمة عز سياسيًّا في أي مواجهة؛ وهي بالفعل المواجهة التي طلب الشاطر من أبنائه، وهو خلف القضبان أثناء محاكمته أن يعلنوا تحديه لأي مسئول حكومي من أول رئيس الجمهورية وحتى أصغر وزير في مناظرة على الهواء مباشرةً قانونيًا واقتصاديًّا وسياسيًّا وتعهَّد بهزيمتهم وفضحهم لو تجرأوا ووافقوا على ذلك.

 

الفروق الإنسانية بين عز والشاطر حاضرة بقوة والفجوة واسعة بين رجل أعمال تضطهده الحكومة؛ لأنه شريف ويدافع عن فكره سياسية تعارض الحكومة، ورجل أعمال تساعده الدولة على نهب ثروة عامة لمجرد أنه يمول الحملات الانتخابية لحزب الرئيس ولرئيس الحزب.

 

بعد تلك السطور الطويلة السابقة عمومًا أعتقد أنه لا توجد مقارنة أسهل من تلك الموجودة في هذه السطور؛ لأن النتيجة كانت محسومة حتى من قبل التفكير فيها قلنا قد يثق في السلطان ويظل يأمل منه خيرًا، ولكنه إن سلَّم على أحد رجاله سيسرع بعدها لكي يقوم بعض أصابعه.

-----------

** نقلاً عن جريدة الدستور المصرية في عددها الصادر يوم الأربعاء 7/3/2007م