ورقة يكتبها: أحمد التلاوي

في خطوةٍ تشريعيةٍ من شأنها توجيه بوصلة الحياة السياسيَّة في تركيا إلى زاوية جديدة ضمن معركة الإصلاح السياسي والدستوري التي يقودها حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان؛ وافق البرلمان التركي في قراءةٍ أولى على تعديلٍ دستوري يقضي بانتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي العام المباشر، بدلاً من النظام المعمول به حاليًا؛ حيث يتم اختيار الرئيس من جانب البرلمان.

 

وتأتي هذه التعديلات بعد الأزمة السياسيّة الأخيرة التي شهدتها تركيا بسبب إصرار القوى العلمانية هناك على عرقلة ترشيح حزب العدالة والتنمية لوزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء عبد الله جول لمنصب الرئاسة في البلاد، وقد جاءت الموافقة على التعديل بأغلبية (356) صوتًا من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الوطن الأم- من يمين الوسط- مُقابل معارضة (69) نائبًا من باقي المُعارضة، وامتناع (9) عن التصويت.

 

ويتضمَّن التعديل الدستوري المُقترح أيضًا تعديلات جديدة في منظومة الحكم في تركيا فيما يخص الانتخابات العامَّة ومنصب الرئيس؛ حيث تنص على تعديل مدة رئاسة البلاد من ولاية واحدة مدتها سبع سنوات إلى نظام ولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد، وفي الانتخابات العامَّة تنص التعديلات على جعلها كل أربع سنوات بدلاً من خمس كما هو حاليًا.

 

وطبقًا للائحة العمل الداخليَّة للبرلمان التركي والنظام الموجود في الدستور فإنَّ هذه التعديلات بعد إقرارها في القراءة الأولى يجب على نواب البرلمان إعادة بحثها مرة ثانية، وبعد التصويت عليها في قراءتها الثانية تُعرض على رئيس الجمهورية- أحمد نجدت سيزر- للمُصادقة عليها لكنَّه وبموجب صلاحياته المراسيمية لن يستطيع أنْ يُحيل النص من جديد إلى البرلمان.

 

مشكلات دستورية

في ظل المشكلات العديدة التي يحفل بها الدستور التركي على مختلف مستوياته؛ وبخاصةٍ فيما يتعلَّق بالترتيبات الخاصة بنقل السلطة والتعامُل مع الأقليات العرقية والدينية الموجودةِ هناك؛ فإنَّ قضية الإصلاحات الدستورية تعتبر واحدة من أبرز اهتمامات حزب العدالة والتنمية منذ أنْ جاء إلى حكمِ البلاد في أعقاب انتخابات العام 2002م.

 

 الصورة غير متاحة

 أعضاء بالبرلمان التركي يصوتون لاختيار الرئيس

ويندرج مشروع هذا التعديل الأخير ضمن حزمة إصلاحات دستورية قدمها حزب العدالة والتنمية لحل الأزمة التي نجمت عن عجز البرلمان عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية ممَّا أدَّى إلى الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة تحدد لها يوم 22 يوليو 2007م القادم موعدًا لها.

 

وفي هذا الإطار كان جول قد كتب في صحيفة الـ(لوموند) الفرنسية مقالاً قبل فترة وجيزة تحدَّث فيه عن مبررات المساعي التركية المحمومة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكان من ضمن حديث جول في مقاله هذا بعض المؤشرات على الإصلاحات التي أدخلتها حكومة حزب العدالة والتنمية على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة في البلاد، وفي الإطار أشار جول إلى أن حكومة حزبه نجحت في تعديل ثلث مواد الدستور التركي تقريبًا لتحقيق هدفَيْن؛ أولهما تصويب بعض أوجه القصور في الدستور، والثاني التواؤم مع متطلبات المعايير الأوروبية.

 

وفي حقيقة الأمر فإنَّ مشكلات الدستور التركي لا تقتصر على مواده فحسب، بل تمتد إلى الأُطر التي وضعها لتسيير الحياة السياسية في البلاد مُنذ وضع دستور الجمهورية العلمانية في تركيا في العشرينيات من القرن العشرين بعد الانقلاب السافر الذي قاده مصطفى كمال أتاتورك ضد دولة الخلافة العثمانية، وأطاح بآخر رم