لا شك أن المفاجأة الكبرى هي الموقف المصري الذي عبَّر عنه الرئيس مبارك في قمة شرم الشيخ مساء يوم 25/6/2007م في إيجازٍ، ومحوره أن الحوار الوطني الفلسطيني هو المدخل الحتمي لحل الأزمة، أما شرعية أبو مازن التي التقى عندها كل المشاركين فهي ليست محل تحدٍّ أو نزاع حتى من جانب حماس، وليس واردًا المفاضلة بين شرعية حماس في السياسة وشرعيتها في المقاومة من ناحية، وبين شرعية أبو مازن كرئيسٍ للسلطة الوطنية، وأن الخلل قد بدأ باهتزاز ميزان رئاسة السلطة عندما حصر أبو مازن نفسه كرئيسٍ لحركة فتح وليس لكل الفلسطينيين؛ ولذلك تم اتهامه بالتآمر وبأنه انحاز فورًا لفتح، واعتبر انتصار حماس في الحرب الأهلية انقلابًا على السلطة ذاتها؛ معنى ذلك أن تأكيد شرعية أبو مازن ليس موجهًا ضد حماس من الناحية الفنية وإن كان مفهومًا على أنه الوجه الآخر لمناوأة حماس في ظل هذه الظروف.

 

والثابت أن موقف مصر كان حاسمًا لأن ارتكازه على الحوار جنبًا إلى جنبٍ مع دفع الصهاينة إلى سلامٍ جدي قد توازى معه موقف معتدل تمامًا من جانب أبو مازن يناقض تمامًا موقفه قبل القمة؛ حيث رفض كل حوارٍ مع ما أسماه الانقلاب الدموي الإرهابي ووصف حماس بأنها منظمة إرهابية، وهو خطاب يترنم الصهاينة بسماعه.

 

أما الملك عبدالله فقد التزم الحذرَ دون أن يذكر حماس وإنما شدد رديفًا لذلك على دعم موقف أبو مازن، وهو تحصيل حاصل؛ لأن موقف أبو مازن نفسه قد اتجَّه إلى الاعتدال والتركيز على ثوابت الموقف الفلسطيني في مواجهة الكيان الصهيوني، مثيرًا بوضوح قضايا الاستيطان والجدار العازل والحواجز والحصار وتعويق قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين والوصول إلى مفاوضات الوضع النهائي حول القضايا الأساسية.

 

وإذا كان أبو مازن لم يقترب بوضوحٍ من أولوية الحوار الوطني كما نادي الرئيس مبارك، فإنه لم يكرر عداءه السابق المعلن لحماس، وشدد على شروط التسوية، كما شدد على أنه رئيس كل فلسطين بضفتها وغزتها وقدسها، وهذا لن يتحقق بالطبع فيما هو واضحٌ بإلغاء حماس أو القضاء عليها؛ معنى ذلك أن موقف مبارك المفاجئ قد وضع أبو مازن في مأزق، فلا هو يستطيع أن يعمل وفق الأولوية الصهيونية ضد حماس، ولا هو يستطيع بنفس القدر أن يتجاهل الموقف المصري الذي عاد إلى ما قبل التصريحات والتصرفات المُتعجِّلة صوب دعم أبو مازن والعبارات القاسية ضد حماس.

 

ومن الواضح أن الرئيس مبارك حدد موقف مصر قبل القمة بناءً على حسابات تبين له أنها بحاجةٍ إلى مراجعة.. في نفس السياق كنتُ أول مَن سعد بهذه اللهجة التي صيغ بها خطابه؛ لأن الانحياز لفتح ضد حماس يُسهم في تحقيق الأهداف الصهيونية ضد الفلسطينيين ويعد قطيعةً تاريخيةً بين مصر وفلسطين تضر ضررًا بليغًا بمصالح مصر القومية.

 

من ناحيةٍ أخرى، فإن موقف أولمرت ورهانه على موقف مصر المعادي لحماس قد أُصيب بالإحباط وأفرغ المؤتمر كله من قيمته في نظر الكيان؛ ذلك أن أولمرت يسعد بلا شكٍ لمجرَّد الدعوة في هذه الظروف وبالتصريحات المصرية الرافضة لحماس، كما جاء إلى شرم الشيخ متفائلاً بإنشاء حلفٍ يُنفِّذ مخططه بالتخلص من حماس.

 

معنى ذلك أن موقف أولمرت قد ارتكز على أولوية مطلقة؛ وهي تأكيد القطيعة بين حماس وفتح والإعلان عن عددٍ من الخطوات لتبديد أية محاولات لجمع عباس وحماس مرةً أخرى، وبدت أمام أولمرت أنها فرصة تاريخية تحققت بسبب "نضال" إسرائيل وجهودها المكثفة لخنق حماس؛ ولذلك أعلن أولمرت عن لقاءاتٍ أسبوعية مع أبو مازن، ظاهرها متابعة عملية السلام وباطنها تكثيف التآمر على حماس بدعم أبو مازن سياسيًّا وعسكريًّا وماليًّا، واتخاذ عددٍ من الإجراءات لكي يرسل رسالةً واضحةً للشعب الفلسطيني، وهي استعداد الكيان لتحقيق كل آماله والسلام مع "إسرائيل" ولكن بدون حماس، وعلى الشعب الفلسطيني أن يختار بين حماس أو السلام والرخاء وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني، ونقل فلسطين من الصراع إلى السلام الشامل يختفي فيها الإرهاب والتطرف, وهو سبب تعثر التعايش بين الشعبين الفلسطيني و"الإسرائيلي"، كما شدد أولمرت أيضًا على أن حماس هي التي أعاقت كل فرص السلام بين الشعبين واللقاء بين آمالهما، كما لوَّح بإطلاق سراح سجناء فتح وحدهم ممن لم تلوث أيديهم بدماء اليهود بشرط أن يكتبوا تعهد بالامتناع عن الإرهاب في المستقبل.

 

وهكذا تباينت مواقف الدول الأربع في شرم الشيخ، فغياب السلام هو الذي فجَّر الساحة الفلسطينية في نظر مصر؛ ولذلك فالتكامل بين السلام الصهيوني الفلسطيني وبين السلام والحوار داخل فلسطين أمر حتمي، وأن السلام بين الصهاينة وفتح واستبعاد حماس لا يجوز، كما تُدرك مصر أن عروض الكيان وتحمسه تمليها رغبة الصهاينة بانتهاز الفرصة وطرق الحديد وهو في قمة سخونته، فأبو مازن غاضب من حماس، وهو في نفس الوقت لم ينسَ أن يُذكِّر أولمرت بأن للسلام قواعد أساسية هي التصرفات الصهيونية في المعابر والاستيطان والجدار العازل والإغلاق والحصار، وليس في مجرَّد الإفراج عن الحقوق المالية للفلسطينيين أو رفع الحصار عن الضفة وحدها.

 

وفي نفس الوقت فإن الكرم المفاجئ لأولمرت وحماسه للسلام ليس حُبًّا في عباس وغرامًا بلقاء أسبوعي معه لدعم هذا السلام، ولكنه رغبة في تأبيد عزل حماس وفصل الضفة عن القطاع وتأكيد السلام بغير حماس، بحيث لا يكون لهذا الكرم معنى إذا أقدم عباس على حوار حماس وإعادتها إلى الساحة.

 

فهل صحيح أن قمة شرم الشيخ لم تخرج بجديد كما علَّقت حماس؟ الصحيح هو أن قمة شرم الشيخ قد تغيَّر ريحها، فبعد أن توجسنا من هذه القمة بناءً على مواقف أطرافها الأربعة قبلها، تنفسنا الصعداء عندما شددت مصر على الحوار الفلسطيني، وفي نفس الوقت على التحرك للسلام بين الفلسطينيين والصهاينة، وهذه هي مفاجأة القمة السارة، وهي التي تصدَّرت تحليلات المراقبين، ويبقي الرهان "الإسرائيلي" على تأكيد عزل حماس وضربها في غزة وتشويه صورتها أو إضعافها حتى تقبل بالشروط الصهيونية، أو إقناع مصر بالعودة إلى حالة الغضب والتعاون معها على إقامة سلامٍ بلا حماس.. وهذا الرهان سوف تكشف الأيام المقبلة عن نتائجه، ولكن الحوار بالنسبة لصالح القضية والعرب أمرٌ حتميٌّ مهما كانت عقباته وصعوباته.