فهمي هويدي

 

أما وقد أصبح الجميع يتحدثون عن الشرعية الفلسطينية، فإن ذلك يغدو مبررًا لتحرير المسألة وتقصي حقيقتها؛ ذلك أننا تعلمنا من دراسة الفقه الدستوري أن للشرعية ركنين، أولهما قبول الأغلبية التي تعبِّر عن رأيها من خلال الانتخاب الحر، وثانيهما احترام الدستور والقانون، وبهذا المفهوم، فإن الشرعية الفلسطينية تصبح حاصل جمع رئيس السلطة المنتخب، ورئيس الحكومة التي تمثل الأغلبية، والمجلس التشريعي المنتخب، وهو ما يعني أن اختزال الشرعية في رئاسة السلطة دون غيره يعد خطأً محضًا، وربما كان حقًا أُريد به باطل. رئيس السلطة له شرعيته لا ريبَ، ولكنه يظل جزءًا من الشرعية وليس كلاًّ لها.

 

وحصر الشرعية فيه وحده، لسحب الشرعية عن الحكومة والمجلس التشريعي هو من قبيل التغليط والباطل الذي يُرَادُ الترويج له.. بسببٍ من ذلك فإننا حين نتطرق إلى المسألة الشرعية فينبغي أن يظل حاضرًا في الأذهان أن لها ثلاثةَ أعمدة، وليس لواحد فيها أن يهدم أو يلغي شرعية العمودين الآخرين.

 

الركن الآخر في الشرعية المتمثل في احترام الدستور والقانون شابَهُ لبسٌ كبير، ويتطلب وقفة أطولَ.. لكن قبل أن أتحدث عن هذا الجانب ألفت الانتباه إلى مسألة شكلية ذات مغزى؛ ذلك أن الطريقة التي تمَّت بها صياغة المراسيم الرئاسية التي صدرت تباعًا في الآونة الأخيرة تبعث على الدهشة حقًّا؛ فرئيس السلطة صدَّق نفسه وتصرَّف كأنه رئيسٌ حقيقيٌّ في دولة مستقلة، وليس مجرَّد موظف كبير في نظامٍ خاضعٍ للاحتلال.

 

كما أن صياغة تلك المراسيم استخدمت لغةً غامضةً، اندثرت في أدبيات الخطاب السياسي والقانوني، من ناحية أن الرئيس عباس في مراسيمه أحال إلى "الصلاحيات المخولة لنا"، ولم يُشِرْ إلى طبيعة تلك الصلاحيات ومرجعيتها، لسبب جوهري هو أنه ليس في القانون الأساسي (الدستور) أية نصوص يمكن الاستناد إليها فيما ذهب إليه، وحتى مصطلح تحقيق المصلحة العامة لا قيمةَ له من الناحية القانونية؛ لأنه مطاط ولا حدودَ له، ثم إنه يرهن مستقبل المجتمع لتقدير المسئول ومزاجه الخاص، وكان ملاحظًا في صياغة تلك المراسيم، أنها استخدمت عبارة "رسميًا بما هو آت"، وتلك لغة تُعبِّر عن انتفاخٍ لا مبررَ له في قاموس الصياغة السياسية والوطنية، منذ أكثر من مائة عام في الأقل.

 

إذا انتقلنا من الشكل إلى الموضوع، فإن الإجراء الدستوري الوحيد الذي اتخذه رئيس السلطة الفلسطينية هو إقالة الحكومة، وهو الحق الذي مارسه طبقًا للمادة 45 من القانون الأساسي، أما كل ما تلا ذلك من مراسيم، فانها لا تستند إلى أية مرجعية دستورية أو قانونية، وفي ظل أي نظامٍ قانوني وسلطة قضائية مستقلة، فإن هذه المراسيم يمكن الطعن فيها وإبطال مفعولها، وحتى نكون أكثر دقةً، فربما استثنينا مرسومه بإعلان حالة الطوارئ، لأن ذلك من حقِّه دستوريًّا "عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حربٍ أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية".

 

هذا إذا افترضنا أن ما جرى في غزة يُمثل تطورًا ينطبق عليه أحد تلك العناوين، ومع ذلك، فنص المادة 110 من الدستور تشترط أن تتحدد مدة الطوارئ التي يعلنها رئيس السلطة في ثلاثين يومًا، يجوز تمديدها ثلاثين يومًا أخرى بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي (وهو ما يلتزم به الرئيس أبو مازن)، (لقد نص المرسوم الذي أصدره رئيس السلطة في 14/6 على تشكيل حكومة مكلفة بتنفيذ أنظمة وتعليمات حالة الطوارئ)، وتزاول هذه الحكومة مهمتها بعد تأدية اليمين القانونية أمام رئيس السلطة الفلسطينية؛ وذلك كله لا أصلَ ولا سندَ له في الدستور أو القانون، وما أقدم عليه أبو مازن في هذا الصدد تصرف خارج القانون بإطلاق، لماذا؟

 

أولاً: لأنه ليس من حق رئيس السلطة تشكيل حكومة جديدة من جانبه، وطبقًا للدستور، فإن حق الرئيس في إقالة الحكومة لا يمنحه أية صلاحية لتشكيل حكومة جديدة من تلقاء نفسه، وإنما يؤكد الدستور مسئولية الحكومة ا