حفل الإفطار السنوي لقادة العمل الإسلامي
كان إيمان الداعية زينب الغزالي وشخصيتها القوية وإخلاصها الشديد لما تدعو إليه, كل ذلك كان يُتيح لها ما لا يتاح لغيرها من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية, فكانت تتقدم خطوات إلى الإمام دائمًا على طريق الدعوة, وبرغم الضغوط الأمنية التي أعقبت اغتيال الرئيس السادات, ثم اتساع نطاق الاعتقالات في صفوف الإسلاميين, إلا أنها سنَّت سنةً حسنةً في تلك المرحلة, وهي دعوة قيادات العمل الإسلامي إلى حفل إفطار رمضاني في فيلتها بحي مصر الجديدة كل عام منذ منتصف الثمانينيات.
كانت تدعو ما يقرب من مائة وخمسين شخصية من العاملين للإسلام, سواءٌ من تيار الإخوان المسلمين- الذي كانت تنتمي إليه- أو من التيارات الإسلامية الأخرى، أو من الشخصيات الإسلامية العامة.
كان هذا الإفطار السنوي فرصة كبيرة لاجتماع قادة العمل الإسلامي في جوٍّ رمضاني إيماني رباني, وكانت الداعية الكبيرة تحرص على تقديم أفضل أنواع الطعام واللحوم والفواكه والحلويات والمشروبات, وتخص عددًا من الضيوف بأكلات معينة, تعرف أنهم يحبونها, وكانت تحرص على خدمة الضيوف بنفسها, ولا تتناول إفطارها الأساسي إلا بعد أن ينتهي ضيوفها من إفطارهم، ويغادروا المنزل لصلاة التراويح.
وبالإضافة إلى خدمة الضيوف كانت زينب الغزالي تحرص على أمرين: الأول هو السؤال عن السائقين القادمين مع الضيوف, حتى تقدِّم لهم طعام الإفطار، ربما بنفسها، وتتأكد من أنهم أفطروا على نفس أنواع الطعام التي تناولها الضيوف, والأمر الثاني- وهو الأهم من وجهة نظري-: البحث عن "المخبرين" المكلَّفين من جهاز أمن الدولة بمراقبة الإفطار والضيوف الذين يشاركون فيه, وعددهم ونوعياتهم.. إلخ؛ حتى يأخذ هؤلاء المخبرون حظَّهم من الإفطار مثل السائقين تمامًا، ورغم ما عُرف عنها من الصلابة وقوة الشخصية والحدَّة في مواجهة سياسة جهاز أمن الدولة, إلا أنها كانت شديدة الرفق بهؤلاء المخبرين وتقول بالتعبير العامي المصري: "دول غلابة"!
لم يكن أحدٌ يتخلَّف من المدعوِّين لحفل الإفطار الرمضاني الذي كانت تدعو إليه زينب الغزالي- في أحد أيام النصف الأول من شهر رمضان كل عام- إلا لعذر قهري, فهو فرصة للتعارف والتآلف والحوار, بالإضافة للاستمتاع بما لذَّ وطاب من طعام, واستمر هذا الاحتفال السنوي لأكثر من خمسة عشر عامًا, حتى بدأت الداعية الكبيرة تدخل في سنّ الشيخوخة, وبعد أن مرضت أختها, التي كانت تشرف على إعداد الإفطار, اقترحت زينب الغزالي إقامة الاحتفال في أحد الفنادق, لكنَّ الإخوان شكروها وأشفَقوا عليها من المجهود الكبير في هذه السن.
وربما كان هذا الإفطار هو الحافز الذي دفع الإخوان إلى إقامة حفل إفطار سنوي, بدأ في فندق الأمان بالجيزة عام 1986م- 1406هـ في عهد الأستاذ محمد حامد أبو النصر رحمه الله, وما زال مستمرًّا إلى الآن.
![]() |
زينب الغزالي |
ورغم المجهود الكبير قبل وأثناء حفل الإفطار, وكانت قد جاوزت السبعين من عمرها, إلا أنها كانت تشعر بسعادة غامرة, لتشريف كل هؤلاء الدعاة والعلماء بيتها, وقيامها على خدمتهم وراحتهم..
رحم الله الداعية الكبيرة, وأجزل لها العطاء، والحمد لله أولاً وأخيرًا.
--------