حكايات ومواقف مع هدى شعراوي
طلب مني بعض الإخوة الكرام، الذين يتابعون هذه الحلقات، أن أتحدث عن علاقة السيدة زينب الغزالي- رحمها الله- بالسيدة هدى شعراوي رئيسة الاتحاد النسائي المصري، وهي بالفعل علاقة مهمة، بدأت بإعلان في إحدى الصحف عن دورة تدريبية في التمريض، يقيمها الاتحاد النسائي المصري، وأن هذه الدورة سوف تُعقد في باريس.. تقدمت "زينب" بأوراقها لحضور هذه الدورة، لكن الشخص المسئول رفض بشدة أن يقبل الأوراق، لأن هذه الدورة- كما قال لها- مخصصة للفقراء، أما هي فكانت من عائلة معروفة، وأنه كان يعرف والدها- رحمه الله- ولكنها أصرت على تقديم الأوراق، فاحتكما إلى السيدة هدى شعراوي، التي ناقشتها وأعجبتها شخصية هذه الفتاة الجريئة، ودعتها لزيارتها في مكتبها للتعرف عليها، بعد أن وعدتها بالسعي لقبولها في الدورة.. جاءها والدها في رؤيا منامية، ليطلب منها عدم السفر، فقررت على الفور إلغاء الفكرة، واعتذرت لرئيسة الاتحاد النسائي، لكن هدى شعراوي طلبت منها الانضمام للاتحاد والمشاركة في أنشطته وفعالياته، وبالفعل أصبحت "زينب الغزالي" أصغر عضوةً في الاتحاد النسائي المصري، وكان عمرها في ذلك الوقت 18 عامًا.
وجدت السيدة هدى شعراوي في "زينب" قوة الشخصية، وأمارات التحدي، وملامح الزعامة، فاحتضنتها واهتمت بها وشجعتها، بل إنها رشحتها لعضوية مجلس إدارة الاتحاد النسائي، ولم يكن قد مضى على قيدها في سجلات العضوية سوى ستة أشهر فقط! في الوقت الذي كانت فيه عضوية مجلس الإدارة مقصورة على زوجات كبار رجال الدولة من الوزراء والباشوات، وبالتالي وجدت هدى شعراوي معارضةً شديدةً، لكنها نجحت في ضم زينب الغزالي إلى مجلس الإدارة.
كان الاتحاد النسائي المصري هو أول هيئة نسائية تنشط في مجال المرأة على مستوى مصر، وربما على مستوى الوطن العربي كله، وكان يهدف إلى الدفاع عن حقوق المرأة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمرجعية غربية ليبرالية، وبالتالي اشتهر بأنه "علماني" أي بعيد عن الدين، لكن هدى شعراوي، كما وصفتها زينب الغزالي، كانت متدينةً مصليةً لا تخاصم الدين عن علم، ولكن عدم المعرفة الصحيحة بتعاليم الدين، كان عائقًا أمام رؤية الاتحاد النسائي.
زينب الغزالي |
لم يكن هذا الالتزام الأخلاقي الذي قطعته "زينب" على نفسها، هو الذي يمنعها فقط من انتقاد الاتحاد النسائي أو السيدة هدى شعراوي، بل كانت على قناعة كبيرة بأن الاتحاد النسائي لم يكن يخالف المفاهيم الإسلامية في قضايا المرأة أو في غيرها عن علم، وأن ثقافة العاملات فيه كانت- لسبب أو لآخر- بعيدة عن الثقافة الإسلامية الأصيلة، ولو وجد الاتحاد من يمد له يد المساعدة، ويعاونه على الاقتراب من المفاهيم الإسلامية لتغيرت وجهته، أما موقفها من السيدة هدى هانم شعراوي فكان أكثر عمقًا ووضوحًا، فقد كانت تعلم أنها من بيت كريم، وأن صفاتها الشخصية تؤهلها للزعامة، وأنها لم تكن علمانيةً بمعنى رفضها للدين وكراهيتها له، بل كانت متدينةً التدين الفطري العادي، وأنها لم تكن تدعو لفسق أو انحراف أو خروج على الدين، وربما وجدت هدى شعراوي في زينب الجانب الديني الذي تحتاجه وترتاح إليه.
واصلت زينب علاقتها مع هدى شعراوي، حتى مرضت الأخيرة مرض الموت، فطلبت زينب لتراها، وحضرت زينب اللحظات الأخيرة في حياة زعيمة الاتحاد النسائي.. كان ذلك في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وفاضت روحها وهي تمسك بيد زينب الغزالي رحمهما الله رحمةً واسعةً.
----------