حكاية التاجر علي المصري ابن الجوهري البغدادي

فلما كانت الليلة الحادية والتسعون بعد المائة الثالثة بعد الألف التاسعة؛ قالت فقرزاد:
بلغني أيها الملك السعيد، والرأي السديد، أنه لما ذكر كبير العسس السلطان، اهتز المكان؛ ولم تتحمل المركب كل هذه الجلبة والضوضاء، فتفككت ألواحها وهوت في الماء، وغرق في الماء من غرق، ولكن التاجر علي المصري إلى لوح قد سبق، وتشبث به تشبث الوزير بكرسي وزارته، طمعًا في النجاة بحياته بعد أن خسر تجارته، وأخذ الماء يتقاذفه من مكان إلى مكان، وقد أحاطت به الأهوال والحيتان، ولكن الله سبحانه قد كتب له الحياة، والسلامة والنجاة، إذ انتشلته مركب من المياه، وسافر معها حتى دخل دمشق بعد عدة أيام، وبينما هو ماشٍ في شوارعها رآه أحد الكرام، فأخذه إلى منزله وأقام عنده، ثم إنه رأى بعد مدة، الخروج قافلةً متوجهةً إلى بغداد، فتذكر أنها بلدة الأصول والأجداد، فعزم على السفر مع تلك القافلة، فخرجوا بعد صلاة الظهر والنافلة، وحنن الله عليه رجلاً من التجار، صار يأكل ويشرب ويسير معه بالليل والنهار، إلى أن بقى بينهم وبين بغداد مسافة يوم واحد، فطلع على القافلة قطاع الطريق، فأخذوا ما معهم من الأموال والعبيد والرقيق.

 

فسار كل واحد من القافلة يقصد محلاً يأوي إليه، وأما علي المصري فإنه قصد بغداد، واجتهد غاية الاجتهاد، حتى وصل إليها عند غروب الشمس، والبوابون مرادهم أن يقفلوا باب المدينة، فتوسل إليهم بلهجة حزينة، فقبلوا أن يبيت معهم الليلة حتى الصباح، وقالوا له من أين أتت بك الرياح؟

 

فأخبرهم أنه جاء من مدينة مصر بالجواهر والمال، وكانت معه تجارة وبغال وأحمال، فسبقتهم لكي أنظر محلاً أحط فيه تجارتي، فلما سبقتهم قابلني جماعة من قطاع الطريق أخذوا حوائجي وبغلتي، وما نجوت من هذه المصيبة، إلا بأعجوبة.

 

فأكرمه الحراس وأخذه أحدهم في الصباح الباكر، إلى تاجر حاذق ماهر، فصدق أنه تاجر ومعه أحمال، فأطلعه دكانه وبذل في إكرامه الكثير من الأموال، وبعد الشراب والطعام، وحينما حل وقت المنام، نادى التاجر على أحد عبيده: يا مسعود، خذ سيدك واعرض عليه البيتين في الشارع المسدود، والذى يعجبه منهما اعطه مفتاحه، ثم تأكد من انبساطه وارتياحه، فتوجهت أنا والعبد ومشينا إلى ناحية بعيدة، حتى وصلنا إلى درب فيه ثلاثة بيوت جديدة، كلها مقفولة ففرجني مسعود على البيت الأول وكان غاية في الجمال، ثم فرجني على الثاني وكان يقرب من الكمال، وقال أيهما أعطيك مفتاحه لتسكن فيه، فقلت وهذا البيت الكبير الثالث لمن سيدك يبقيه؟

 

فقال العبد مسعود: لا حاجة لك به لأنه معمور بالجان، ولم يسكنه من قبل إنسان، إلا ويصبح ميتًا ولا نفتح بابه المقفول، أبدًا حتى ولو لإخراج المقتول، بل نطلع على سطح أحد البيتين ونخرجه منه!

 

فقال علي المصري ابن التاجر حسن الجوهري البغدادي: افتحه لي أتفرج عليه، فقد انشرحت نفسي إليه.

 

وقال في نفسه: إن هذا غاية المطلوب، فأبيت فيه وأصبح ميتًا وأرتاح من الكذب والفقر والهروب.

 

فلما فتحه فإذا البيت نظيف جميل، لم يرَ له من قبل مثيل، فقال: لقد اخترت هذا المنزل، فهو الأنسب لي والأمثل.

 

فأخذ العبد في النواح والصياح، ثم قال: لا أعطيك المفتاح، حتى أشاور سيدي.
فلما وجد التاجر عزم علي المصري المبيت في البيت الكبير، ولم ينفع الكلام أن يثنيه عن قراره الخطير، طلب منه أن يكتب إقرارًا على نفسه بالمسئولية، إذا حدثت له المصيبة وجاءته المنيّة.

 

فكتب له الإقرار، ثم أخذ المفتاح وذهب إلى تلك الدار، وصعد إلى الفراش لينام، فإذا بشخص يناديه بأفصح كلام، ويقول: يا علي يا ابن حسن التاجر، هل أنزل عليك الذهب والجواهر؟
فقال: وأين هذا الذهب وتلك الجواهر؟

 

فما قال ذلك؛ حتى صبَّ عليه الذهب والسبائك! حتى امتلأت الحجرة والمكان، ثم ناداه: اعتقنى إذًا الآن.

 

فقال له علي المصري ابن حسن الجوهري البغدادي: لن أعتقك حتى تخبرني عن السبب، الذي من أجله أعطيتني هذا الذهب.

 

فقال: إنه كان مرصودًا عليك من قديم الزمان، إذ كان بيننا معشر الجان، مسابقة ورهان، وهي أن من يدخل هذا المكان، ويستطيع أن يُبكي حالُه جميعَ الحاضرين من بني الجان، يأخذ كل ما نملكه من كنوز وأموال، ومن لم يبكينا قتلناه في الحال.

 

 فقال علي المصرى: نعم فقد تعرضتُ لمصائب كثيرة، وحوادث مريرة.
 فضحك الجني وقال: إن ما حدث لك شيء تافه ومكرر، ولكن الذي أبكانا هو الشيء الذي لا يعقل ولا يتصور!

 

فقال: وما هو ذلك الذي لا يعقل ولا يتصور؟!
 فقال الجني: ألست أنت من البلاد التي يجري فيها نهر النيل، ورغم ذلك لا تجدون الطريق أو السبيل، إلى كوب ماء نظيف يشربه طفل أو عليل!

 

أولست أنت من بلاد الزراعة، التي تستورد القمح من بلاد الصناعة!
أولست أنت من البلاد التي يموت أهلها في العبّارات، ولا يجدون مَن يقدم لهم العون أو المساعدات!

 

ثم تطرق الجني إلى الحريات، وما يسمى حديثًا بالانتخابات، ثم أجهش في البكاء، ورفع يديه إلى السماء، يجرأ قائلاً: ماذا جنيت يا ربي لتعذبني برؤية هذه الأشياء؟!
وهنا انخرطت فقرزاد في البكاء والعويل والنواح، فسكتت عن الكلام المباح.