من أعظم ما كتَب الإمام الشهيد حسن البنا- رضي الله عنه وأرضاه- رسالة التعاليم؛ لِمَا فيها من ضوابطَ للفهم وشرحٍ للفكرة الإسلامية، وإزالةِ أيّ التباس أو مفاهيم مغلوطة قد يلحقها البعض بها، فضلاً عن مراحل تحقيق الفكرة من التعريف والتنفيذ والتكوين.
وعِظَم هذه الرسالة أنها موجَّهةٌ إلى الإخوان المسلمين فقط لا غيرهم؛ لذا سمَّاها الإمام البنا "التعاليم"، والتعاليم مجالها الوحيد التنفيذ؛ لذا يقول يقول الإمام: "هذه رسالتي إلى الإخوان المسلمين، الذين آمَنُوا بسموِّ دعوتِهم، وقدسيةِ فكرتِهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها أو يموتوا في سبيلها.. إلى هؤلاء الإخوان فقط، أوجِّه هذه الكلمات، وهي ليست دروسًا تحفظ، ولكنها تعليماتٌ تنفَّذ، فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون..
أما غير هؤلاء، فلهم دروس ومحاضرات وكتب ومقالات ومظاهر وإداريات، ولكلٍّ وجهةٌ هو موليها فاستبقوا الخيرات، وكلاًّ وعَدَ الله الحسنى".
ثم يشرح الإمام أركان البيعة العشرة: "الفهم الإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والإخوة والثقة".
تم يتحدث في أصول الفهم التي تضمن سلامة فهم الأخ فهمًا صحيحًا للإسلام بغير انحراف عن جوهره، ولا انجراف إلى أفكار تعاديه وتخرجه عن شموله؛ فيقرر الإمام الشهيد: "الإسلام نظام شامل، يتناول مظاهر الحياة؛ فهو دولة ووطن أو حكومة وأمه، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أوكسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء".
فمن فصل الدين عن الدولة لم يفهم الإسلام وليس من العاملين على منهج الإخوان، ومن فصل الدعوي عن السياسي من حيث المرجعية والمنطلق لم يفهم الإسلام؛ فليس المقصود الفصل الإداري أو الهيكلي".
من لم يفهم أن الثقافة والأخلاق لا بد أن تخضع لضوابط الإسلام مخطئٌ؛ فمعيار الحسن والقبح للثقافة والأخلاق الإسلام، لسنا ضد الإبداع، لكن ضد السخافات التي تنال من هوية الأمة وثقافتها الإسلامية، والتي لا هدف لها إلا أن تنظر إلى كتاب الله على أنه كتاب تراث فكري أدبي يجوز الحذف منه والإضافة، وغير ملزم، ويمكن الطعن فيه، مثل أن يقول أحدهم إنه كتاب ضد المواطنة، بدليل الآية: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 110)، وتقول سيدة علمانية: "إن القرآن ضد المرأة والمساواة بالرجال، بدليل ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾ (النساء: من الآية 11)، وبدليل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (النساء: من الآية 34) أو أن الإسلام ضد السامية، مثل ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ (المائدة: من الآية 82).
وتقول العلمانيات: لماذا لا يسمح الإسلام بتعدد الأزواج، كما سمح للأزواج بتعدد الزوجات؟! ألا يعد ذلك ثقافة؟! إنها السخافة لا الثقافة، والغريب أن تُطبَع مثل هذه الكتب على نفقة الدولة؟!!
وتقول علمانية أخرى إن المرأة من حقِّها منْحُ جسدها لمن شاءت، ولكن لا تمنح قلبها إلا لمن أحبت، وبالطبع ليس شرطًا أن يكون زوجًا!!
أرأيتم ماذا يريد العلمانيون؟!! يريدون عزل الإسلاميين عن مرجعيتهم، وتكوين هوية جديدة غير الإسلام، وهي الحرية الشخصية المقدمة على حرية المجتمع.. حرية العري، والانحراف والسخافة، والتهجُّم على المقدسات، واعتبار الحج وثنيةً!! والطواف وثنيةً!! ورمي الجمار وثنيةً!! والسعي بين الحجَرين وثنيةً!!.
وقد عقد العلمانيون مؤتمرات في مصر تحت اسم "العلمانية"- بكل بجاحة- يحذِّرون فيه من تنامي التيار الإسلامي، وأعلنوا انزعاجهم من تنامي أعداد المحجبات، وقالوا إن مصر تحوَّلت إلى إيران، وأكدوا انزعاجهم من عدم تسليم المحجَّبات عليهم باليد، وأن طريقة سلام المحجبات أشبه بالطريقة اليابانية!!.
ويصور العلمانيون أن مصر في خطر؛ لأن الشعب المصري تنامت فيه مظاهر الالتزام بالإسلام، من خلال مشاهد صلوات التراويح وصيام النوافل، وكثرة الشباب الذي يرتاد المساجد، والالتزام بالزيِّ الإسلامي.
ويعي العلمانيون صعوبةَ تحوُّل المجتمع المصري من الالتزام بالإسلام إلى تغيير هويته الثقافية والأخلاقية إلى مجتمع إباحي، لا همَّ له إلا إشباع الغرائز؛ لذا قرَّروا أن يبدأوا مشروعهم بمراحل:
المرحلة الأولى:
- حق الارتداد عن الإسلام إلى المسيحية، وقال مسئول الكنيسة عندما سُئل عن أمنيته قال: "أمنيتي إذا اعتنق مسلم المسيحية أن تستخرج له بطاقة"!! والهدف التلاعب بالدين والانتقاص من قدره، فضلا عن إتاحة حرية التبشير والتنصير.
المرحلة الثانية:
- الضغط عبر وسائل الإعلام وبعض النخب السياسية في فصل الدين عن الدولة، وكأن الدولة الأصل فيها ألا تكون لها هوية ولا بصمة تعبر عن شخصيتها الدستورية.
المرحلة الثالثة:
- الضغط المتواصل لتغيير وإلغاء المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وقد قاموا بجمع توقيعات من بعض النخب المسماة "المثقفة" في وثيقة، ولم يستطيعوا إلا جمْعَ أعدادٍ قليلة، وخاب سعيهم في الضغط على النظام في تعديل "المادة الثانية"، ولكنهم رحَّبوا وبشدة في تعديل "المادة 5" التي تحظر قيام الأحزاب على أساس ديني، وكأن بلدًا غالبيتُه مسلمون ليس من حق هذه الأغلبية أن يكون لها حزبٌ مرجعيته الإسلام، رؤيته ومنطلقه الإسلام.
لذا قامت ثورة هؤلاء العلمانيين عندما خرج برنامج الإخوان المسلمين يؤكد الإسلامية ويعتز بالانتماء للإسلام، لا يسعى للمصالح على حساب المبادئ والثوابت، لا يبرر الوسائل والمواقف تحقيقًا للغايات، بمعنى أنه ليس براجماتيًّا، وإنما هو برنامج نابعٌ من أصول الإسلام، ويحتكم إلى توثيق الإسلام.
هذه تعاليم الإمام؛ فمن عمل بها كان من الإخوان، ومن خالفها لم يكن، والله يهدي السبيل.