- وزير الأوقاف طالبه بتأجيل استقالته من التدريس فقال له: "هل تضمن لي عمري"؟!

- لم ينَم الليل أثناء الاحتلال السوفيتي وفرح عندما وافقت الجامعة على نقله إلى باكستان

- رئيس الوزراء الأردني أقالَه من الجامعة بسبب "كاريكاتير" يهين العرب والمسلمين

 

حوار- إيمان يس

الدكتور عبد الله عزام، مجاهد يعيدك إلى زمن الأبطال العظام، ضحَّى بحياته من أجل إعلاء لواء الإسلام، قاد المقاومة الإسلامية في أفغانستان، وكان مشروعه الأول تحريرها من السوفيت والشيوعية، فضَّل الجهاد والقتال ثم الاستشهاد على الجلوس في الغرف المغلقة ليعمل أستاذًا في الجامعات السعودية، استُشهد عزام يوم 26 نوفمبر عام 1989م، ويمر الآن 18 عامًا على رحيله.

 

(إخوان أون لاين) التقي بزوجته المجاهدة "أم محمد"، فأجرينا معها حوارًا موسعًا عن الشهيد البطل، وأهم المحطات التي توقَّفا فيها، وكيف كان جهاده ونضاله.. فقالت: إن د. عبد الله عزام بدأت مسيرته الجهادية عام 1967م؛ حيث أسس في الأراضي الأردنية معسكراتٍ وقواعدَ في الأغوار في الأردن لقتال الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وقد التحق الشيخ عزام بالحركة الإسلامية منذ كان عمره اثني عشر عامًا، وكان يزور الشيخ محمد عبد الرحمن خليفة الذي كان وقتها مراقبًا عامًّا لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وروت لنا "أم محمد" جهاده وتاريخه، ومن هي الشخصيات التي أثَّرت فيه، وإلى نص الحوار:

* كيف كانت قصة ارتباطك وزواجك من الدكتور عبد الله عزام ليكون شريكًا لحياتك، رغم ما كان يملأ حياته من جهاد وسفر ومخاطر؟

** الحقيقة أنني تزوجت وعمري 14 عامًا، فلم يكن اختيارًا مباشرًا مني، ولكن كان الاختيار من قِبَل الأسرة، وقد أخذوا رأيي استئناسًا، فسنِّي وقتها كان لا يسمح بالحكم على الأمور أو الاختيار، وكان لا بد من مساعدة الأسرة، فجاء والدي وأخبرني أن شابًّا مستقيمًا تقدَّم لخِطبتي، وأنه يختار ما يحقق لي السعادة في الدنيا والآخرة، فهي نصيحة الأهل واختيار الأهل بالدرجة الأولى، وبالفعل كان زوجي إنسانًا مستقيمًا، لديه من العلم والأدب والأخلاق والدين وكل الجهات، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله.

 

* كيف جاء اختيار الدكتور عبد الله عزام لكِ كزوجة، وكيف مرَّت مراحل الزواج بدايةً بالخِطبة؟

 الصورة غير متاحة

عزام تأثر بفكر الشهيد سيد قطب

**

أسرتنا- بفضل الله- معروفة بالسمعة الطيبة والأخلاق الحسنة، وقد كان د. عزام وقتَها في البكالوريوس في جامعة دمشق، وحصل عليه بعد عام ونصف من زواجنا، وكان يعمل ويدرس في نفس الوقت، وكانت دراسته بالانتساب، وعمله في فلسطين في الضفة الغربية، فهو من طولكرم وأنا من جنين، لكن الأسرتَيْن متعارفتان، وبينهما نسب منذ زمن، وقد تمَّت الخطبة نهاية عام 1963م، وكان العقد في نفس العام، وتمَّ البناء عام 65، أي بعد عام ونصف من الخطبة.

 

* بمَن تأثَّر د. عزام في فكره وقراءاته؟ وكيف كان في طفولته؟

** في طفولته كان له بعض الأساتذة في مدرسته، منهم أستاذ كان ملتزمًا وكان من شباب الإخوان، فأخذ على عاتقه تربيته، وصحِبَه ولازَمَه في كل تحركاته، وفي قراءاته تأثر بفكْر الشهيدَين حسن البنا وسيد قطب رحمهما الله، وأعلام الأئمة، لكن التأثير المباشر تربويًّا وحركيًّا كان بالشهيد سيد قطب.

 

أسعد يوم!!

* كيف كانت بداية علاقة د. عزام بالجهاد؟
 
** منذ أن تعرَّفْتُ عليه وهو شَغُوفٌ بذكْر الجهاد ومحبٌّ للجهاد في سبيل الله، وبعد زواجي بعامَين احتلَّ اليهود فلسطين كاملةً عام 67، فأصبح يتمنَّى دائمًا أن يبدأ الجهاد، وأن يدافع عن دين الله سبحانه وتعالى، وكان دائمًا يُلقي دروسًا، ولقاءاتُه كلها لا يذكر فيها إلا الجهاد، وبعد ذلك يسَّر الله لهم أمر الجهاد في فلسطين، فكان من أوائل الناس الذين التحقوا بالجهاد، وكان وقتها مدرسًا في مدرسة ثانوية، ولم يكن يتبقَّى على انتهاء العام الدراسي سوى شهرين فقط، وكان وزير الأوقاف وقتها رجل ملتزم كان يحبُّه كثيرًا، وعندما قدم استقالته من التدريس وقتها قال له الوزير: كيف تترك الفصول هكذا دون مدرّس والامتحانات بعد شهرين فقط؟! ابقَ هذَين الشهرَين حتى أضمن لك راتبك 3 أشهر (الصيف)، ومن المؤكَّد أنك بحاجة إلى هذه الأموال فيما أنت مقبل عليه، قال: أوافقك بشرط أن تجيبني عن سؤالي: هل تضمن لي أن أبقَى حيًّا حتى ينتهي العام الدراسي وألتحق بالمجاهدين؟! إن حدث هذا فسأُكمل العام الدراسي، فدُهِشَ الوزير من هذا الكلام وأجابه: أنا لا أضمن لنفسي الحياة طرفةَ عينٍ، فكيف أضمنها لك؟! فأجابه عزام: إذن.. لا تقف في وجهي؛ فأنا أخشى أن ألقى الله قبل أن ألبِّيَ داعي الجهاد، ولم يجد الوزير أمامه إلا أن يقبل الاستقالة، فتنفَّس عزام الصعداء قائلاً: هذه العقبة الأولى قد انتهت، بقيت العقبة الثانية، كيف أدبِّر أمري مع زوجتي وأولادي؟!

 

وعاد إلى البيت في هذا اليوم وجلس القرفصاء أمامي، ثم نظر إليَّ قائلاً: لو جاء أحدٌ من الناس وأخبرك بأني ذهبت إلى الجهاد في سبيل الله ماذا ستفعلين؟! فنظرتُ إليه وقلتُ له: إن كفيتني أنا وأبنائي ماديًّا ولم تتركْنا عالةً على الناس نتكفَّفُهم، فهذا الطريق لا أستطيع أن أقول فيه شيئًا؛ لأنه دينُ الله وأمرُ الله، فقط لا تتركنا عالةً على الناس، اكفلنا ماديًّا ونحن معك، فكبَّر، وقال: هذا أسعد يوم في حياتي! أما كفايتكم ماديًّا، فلكم ما لي وعليكم ما عليَّ، لن أفضِّل نفسي عنكم في شيء، وكل ما أملكه لكم فأنا لا أريد شيئًا، ولكن لا تطمعوا كثيرًا فسأعطيكم ما يكفيكم حياة الكفاف؛ فالمسلمون بحاجة لكل قرش، فنحن في جهاد وهم أولى بكل شيء، ثم قال: إذن.. توكلي على الله، وجهِّزي كل شيء؛ فسأذهب بكم إلى بيت آخر قريب من الحدود الفلسطينية الأردنية؛ حتى أستطيع أن آتيكم كل فترة، وتكوني في نفس الوقت قريبةً من أقاربك في شمال الأردن، وقد جلسنا عندهم أربعة أشهر، وكنت وقتها في شهري الخامس لولدي محمد ثالث أبنائي، ووضعته وأبوه في الجهاد، ثم انتقلت إلى بيت جدتي لأمي، فهم يسكنون قريبًا جدًّا من هذه المنطقة.

 

واستمر هذا حالنا حتى أُغلق باب الجهاد في الأردن، بعد حرب أيلول الأسود، التي نشبت بين منظمة التحرير والجيش الأردني، فعدنا إلى الأردن، وتم تعيينه وقتها معيدًا في معهد شرعي، لمدة أقل من سنة، ثم انتقلنا إلى مصر عام 1970م؛ ليتفرغ لدراسة الدكتوراه.

 

مع زينب الغزالي

* كيف كانت الفترة التي قضيتموها بمصر؟ وما هي ذكرياتك عن هذه الفترة؟
 
 الصورة غير متاحة

زينب الغزالي

** كانت فترة طيبة.. فترة دراسةٍ واستزادةٍ من العلم وحفظٍ لكثير من آيات كتاب الله سبحانه وتعالى، وأيضًا هي فترة الغربة، وهي تعينك على العبادة والخلوة مع الله سبحانه وتعالى، وتفرُّغ لتربية الأولاد، وفترة للتواصل مع الكثير من إخواننا وأخواتنا في مصر، ومن قضى إلى ربه، نسأل له الرحمة والمغفرة، والذين بقوا نسأله سبحانه وتعالى أن يبارك في صحَّتهم ممن استفدنا منهم، وكنت لم أتعدَّ العشرين من عمري، وكان معي 4 أطفال؛ فقد ولدت ابني حذيفة في مصر، وكنت مشغولة مع الأولاد كثيرًا، ولكنِّي تأثرت بكثير من الشخصيات وأكثرهم السيدة زينب الغزالي، عليها رحمة الله وتغمَّدَها بعظيم رحمته، فقد تلقَّيت منها الدروس، والتقيت بها في أماكن متعددة، وكنت رفيقتها في الكثير من المؤتمرات في باكستان والأردن.

 

* من خلال مصاحبتك لزينب الغزالي، ما أهم ملامح هذه الشخصية؟ وماذا تعلمتِ منها؟

** جلستُ معها عدة مرات، واطَّلَعتُ على تاريخها المصوّر والمكتوب والذي رأيته، واستمعت لها في عدة دروس ومحاضرات، وكانت سببًا لتوعيتنا على قصة الجهاد، تمنَّيْتُ أن أكون مثلها وأقدِّمَ لدين الله مثلما قدمت، وفي كل موقف في الجهاد وفي المحن كنت أتخيَّلها وأقول: سبحان الله، وعندما كانت تشتدُّ المحن علينا في أي وقت كنت أتذكرها وأقول: ماذا نحن فعلنا؟! فما زلنا لم نقدم شيئًا بالنسبة لما قدمته هي وغيرها، والأشياء التي تَحَمَّلوها في سبيل الله، كانوا دائمًا قدوتَنا، ولا أنسى أخواتنا: حميدة قطب، وأمينة قطب، وغيرهما الكثير.

 

كنا وقتها في مقتبل العمر وفي بداية حياتنا، وبحاجة لهذه النماذج؛ فكان لهن أثر كبير في حياتنا، وما زلت ألتقي ببعض من تعرفنا عليهم في مصر في موسم الحج أو العمرة أو في بعض المؤتمرات.

 

* من تعاملك مع هذه الشخصيات، هل هناك مواقف أثَّرَتْ فيكِ من حياتهم؟

** جميع مواقفهم في محنة السجن كانت لا تفارقني في رحلة جهادنا.

 

* هل عاصرت فترة محنة الإخوان في السجون أثناء وجودكِ بمصر؟

** لا.. فهم خرجوا بعد وصولي بشهرين أو ثلاثة، وكنتُ من أوائل الناس الذين استقبلوهم بعد الخروج من السجن، وقد خرجنا من فلسطين في الأيام العشرة الأولى لاحتلال اليهود لكامل فلسطين، وخرج عزام مشيًا على الأقدام، عشرة أيام حتى وصل للأردن!! وما هي إلا سنة و8 أشهر حتى أنهى دراسة الدكتوراه، وقد تعرضنا لكثير من المضايقات، وتنقَّلنا بين حوالي 20 بيتًا في هذه الفترة البسيطة، فقد كانت هناك محاولات كثيرة لترحيله من مصر قبل أن يُنهي دراسته، ولكن الحمد لله أنه اجتازها في فترة وجيزة.

 

* وماذا كان تصرفكم بعد هذا الأمر؟

** عُدنا بعدها إلى الأردن، وعمل مدرسًا في الجامعة الأردنية لمدة 8 سنوات، ثم فُصِلَ من الجامعة عام 1980؛ حيث كان يدرِّس مادة "حاضر العالم الإسلامي"، وكان منهجه أن يصدق طلابه، فكان منفتحًا معهم ويجيب على جميع أسئلتهم عن الحركات الإسلامية والجهاد وغيره، وقد حمل على عاتقه أن يربِّي الشباب على الجهاد، ويغرس فيهم فكر الجهاد، فلم يكن يمر شهرٌ واحدٌ حتى يصطحبهم إلى المخيمات 3 أيام عند حدود فلسطين في نهاية كل شهر، وذات مرة، حدث صدامٌ مباشرٌ بينه وبين رئيس الوزراء آنذاك؛ بسبب "كاريكاتير" رسموه في الجريدة الرسمية في الأردن، مثَّلوا فيه المسلمين بأنهم عملاء لأمريكا "طائرة تحلق في السماء كتب عليها USA" وينزل من الطائرة رجل يلبس الزي العربي "جلابية وحطة وعقال" وملتحٍ، ويحمل في يده سيفًا مكتوبًا عليه "USA".

 

فاتصل بجريدة (الرأي) وطلب التحدث مع رسَّام الكاريكاتير، وسأله ماذا تقصد بهذا الرسم?! هل تريدون أن تشعلوا حربًا بينكم وبين الإسلاميين في هذا البلد?! فردَّ عليه الرسَّام: أنت رجل جاهل.. أنا أقصد بهذا الكاريكاتير إله الحرب وإله السلم، فثار عزَّام لكلامه، قائلاً: عذر أقبح من ذنب!! أنت في بلد دين الدولة فيه الإسلام، ولا نعبد إلا الله، أتتحدَّى مشاعر الأمة كلها؟! مَن هو إله الحرب؟ هل يوجد إله غير الله؟ فأجابه الرسام: ألا تقرأ التاريخ؟! أنت رجل غير مثقَّف وعامّي!!

 

فأفصح له عزام عن شخصه، وقال: إن لم تعتذر غدًا على صفحات الجريدة ذاتها، فسوف ترى، فلكم الجريدة ولنا المنابر، وستخطب المملكة من شمالها إلى جنوبها حول هذا الأمر، وسنقاطع الجريدة.. افتح مخازنك كي تضع بها جريدتك، فأجابه الرسام: أنت تهدِّدني؟ وأغلق الخط في وجهه، ومباشرةً قام بفتح الخط الأحمر مع رئيس الوزراء؛ حيث تربطه به صلة نسب "زوج أخته"، فحاولوا الضغط على عزام كي يعتذر لكنه رفض، ورُفعت دعوى قضائية ضده، وسخَّر الله له مَن دافع عنه وانتهت المشكلة، إلا أنهم تربَّصوا به وفُصِلَ من الكلية بعد شهر واحد من هذا الحادث!!.

 

من السعودية لباكستان

* وكيف كان تأثير هذا الأمر عليكم؟

** بعد هذا الأمر توجَّهنا إلى السعودية ولم نُقِمْ فيها إلا 9 أشهر، وأصبحنا نسمع عن الجهاد في أفغانستان، وكان- رحمه الله- شخصية محبوبة جدًّا أينما وُجِد، فسبحان الله يلتف الشباب حوله، فأصبح من الملاحظ أنه أينما دخل كان معه جمهورٌ من الطلاب.. أينما خرج وأينما تحرَّك دائمًا حوله طلابه، فلفت نظرَهم هذه الظاهرة التي لم يرونها من قبل، فأصبحوا يراقبونه ويراقبون الطلاب الذين يسيرون معه، فشعروا بأنه شخصية خطيرة، له كلمة مسموعة، ويقتدي به الطلاب، وأرادوا التخلُّص منه، ولكنهم كانوا قد أبرموا معه عقدًا بخمس سنوات، وهو بدأ يسمع عن الجهاد في أفغانستان، ويريد أن يتخلَّص من هذا العقد ولا يدري كيف.

 

كنتُ أشعر به كل ليلة عندما يريد أن ينام وكأنه ينام على الجمر، يتقلب من جنب إلى آخر، يقول: اللهم اجعل لي فرجًا ومخرجًا، أسألك أن تجعل لي فرجًا ومخرجًا، وإذا بهم في أيام قليلة يعلِّقون إعلانًا بأن هناك تعاونًا ثقافيًّا بين السعودية وباكستان، وأنهم سيقيمون جامعةً إسلاميةً هناك، ويريدون أن يعيروا بعض الأساتذة من الجامعات السعودية للتدريس هناك، وعلى الراغبين تسجيل أسماؤهم.

 

تهللت أساريره لقراءة الإعلان قائلاً: قد جعل الله لي مخرجًا، هذا هو الفرج، وسجَّل اسمه دون أن يسأل عن شيء، فتعجب منه الموظف وسأله قائلاً: كيف تسجِّل اسمك هكذا دون السؤال عن شيء؟! أنت عندك أولاد في الإعدادية، ألا تريد السؤال عن المدارس والحياة؟! أجابه عزام: مَن يتقِّ الله يجعل له مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، سَجِّل اسمي ولا أريد أن أسأل عن شيء، وبمجرد أن تقدَّم عزام بالطلب انتهت مدة الإعلان، ثم فوجئنا بعدم تقدم أحد غيره!! وكأن الإعلان وُضِعَ له خصِّيصًا!! وكأن رغبة الطرفين توافقت في إرادة التخلص من الطرف الآخر.

 

* كيف كان وقْع خبر الانتقال إلى باكستان عليكِ؟

** جاء إليَّ عزام قائلاً: لتكن ملابسكم في حقائبكم، أنا لا أعلم أين سنذهب، ولا أريد أن أذكر الآن إلى أين سنذهب، وخيَّرني قائلاً: نحن سنسافر وأنت أمامك ثلاثة خيارات، ولا أريد الإجابة الآن، فكِّري لمدة أسبوع: إن رأيتِ أن تجلسي هنا في السعودية في بيتك، وهو بيت أستاذ في الجامعة، قصر والفرش كله أوروبي وسيارة أمريكية وسائقها ومدارس أولادك مضمونة، فلكِ ذلك، وراتبي سيُصرف لكم، أو ترجعي إلى الأردن وبيتك موجود أيضًا وسيارتك، وتعيشي بين أهلك وصديقاتك وحبيباتك، أو تأتي معي تحت أي ظرف يقابلنا، ولست مسئولاً عن أي شيء، فكِّري واستخيري، وربنا يلهمكِ الثبات والرشاد، ثم أخذني إلى ذلك البيت في السعودية، وكنت لم أرَه من قبل؛ لأنني منذ لحظة وصولنا إلى السعودية فضَّلت أن أعيش بجوار الحرم في مكة.

 

* وأي الخيارات الثلاثة كان اختيارك؟

** لم أحتمل الصبر في هذه الحيرة لمدة أسبوع، لم أحتمل إلا يومًا واحدًا، ثم قلت له: لماذا تترك لي الخيار؟! هذا هروبٌ من المسئولية، أنا عندي أولاد بحاجة إلى أبّ، ماذا سيفعل لي القصر أو حتى الأهل والأقارب؟! وأنت تحمِّلني مسئولية 7 أطفال: 4 ذكور و3 إناث، كيف أتحمَّل هذه المسئولية وحدي؟ أنا لا أريد لا هنا ولا هناك، وإذا تعلقت أنت في الهواء فلنتعلق فيك وأنت حرّ، فتهلَّل مستبشرًا، وقال: والله، اخترتِ الذي أريد، وهذا أحبُّ إليَّ من أي اختيار آخر.

 

* هل كنت سعيدة بهذا الاختيار؟!

** نعم.. فرغم كل الصعوبات، إلا أن السعادة التي تنبثق من داخل الإنسان في هذه الفترة لا توصف، فسواءٌ فترة الجهاد في فلسطين أو في أفغانستان، كانت أجمل فترات حياتي؛ ففي فلسطين ورغم أننا كنا نعيش في غرفة واحدة  ومنافع مشتركة عند ابن عمي، وشجار أولادي مع أولاده، إلا أن السعادة من الداخل لا أستطيع أن أصِفَها، ثم انتقلت إلى غرفة 2.5× 3 أمتار، وكانت هي المطبخ، وهي الضيوف، وهي النوم، وحتى الاغتسال نغتسل في داخل الغرفة، والحمَّام مشترك مع أسرة مجاهد آخر، ترجَّى زوجي بشدة أن أذهب لأعيش قريبًا من زوجته حتى تستأنس بنا وتتقبل غياب زوجها، فقد كانت كثيرة الشجار معه بسبب ذهابه للجهاد؛ لدرجة أنه لم يكن يستطيع دخول بيته ليرى أولاده في فترات الراحة من الجهاد من كثرة شجارها، فجسلتُ معها 4 أشهر واقتربت منها حتى استقرَّت الأمور.

 

وكانت هذه الغرفة لا تتسع حتى لنومنا بجوار بعضنا، وكنت أجعل أولادي ينامون بجوار بعضهم ثم أفرش أنا لأنام تحت أرجلهم، وعندما أستيقظ لصلاة الفجر لا أجد حتى مكانًا للصلاة، فلا بد أن أرفع فرشتي لأتوضأ وأصلي في هذا المكان، لكن سعادتي كانت لا توصف، سعادة من الداخل لم أجدها إلا عندما عُدْنَا للجهاد في أفغانستان، ورغم أنها أوقاتٌ عصيبةٌ، لكن سبحان الله، الابتلاء في سبيل الله طعمُه لذيذٌ، ولا يستطيع الإنسان أن يصف كم كان في سعادة كبيرة وقتها!!.

 

في باكستان

* وماذا بعد انتقالكم إلى باكستان؟ وكيف كانت طبيعة الحياة هناك؟

** بمجرد وصولنا إلى باكستان، طلب الشيخ من رئيس الجامعة أن يرتِّب له جدولَ محاضراته في يومين فقط من الأسبوع؛ حتى يتفرَّغَ للجهاد في باقي الأيام، وقال له: والله ما جئنا إلى باكستان إلا من أجل الجهاد!! فكان يجلس يومين عندنا، وباقي الأيام يذهب للجهاد في أفغانستان، بقِيَ على هذا الحال مدة 3 سنوات، وبعدها استقال نهائيًّا وتفرَّغ للجهاد تمامًا، وقد أجبر على الاستقالة؛ بسبب كتاباته ومحاضراته عن الجهاد وجمع الأموال، فوجدوا أن خطره في أفغانستان أكبر من خطره في السعودية، فقد نقلوه منها حتى يبتعد عن الشباب ولكنهم لحقوا به إلى هناك، ووجدوا أن وجوده تحت أعينهم هو تحجيمٌ لخطره، فقرَّروا أن يُعيدوه إلى جامعته بالسعودية، وعندما ذهب لتجديد الإقامة رفضوا عودته لباكستان؛ بحجة حاجتهم إليه في السعودية، وكان يذهب كل عام مستعدًّا لذلك، واستقالته في جيبه فقدَّمها، وقرَّر أن يعيش مجاهدًا، يأكل كما يأكل المجاهدون، ويحيا كما يحيا المجاهدون، وبعد هذا التفرُّغ الكامل للجهاد انتقلنا من إسلام آباد إلى بيشاور بأفغانستان، وعندما علم رئيس رابطة العالم الإسلامي بفصله من الجامعة عرض عليه العمل في الرابطة، ولكن بنصف راتب الجامعة، فقلنا: سبحان الله، ﴿وَفِيْ السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوْعَدُوْنَ﴾ (الذاريات: 22)، المجاهد لا يبحث عن الرزق، فقد تكفَّل الله برزقه، ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾ (النساء: من الآية 100)، وقال له: أنا لا يهمني الراتب، كل ما يهمني فقط حياة كريمة لأولادنا، فقط ضروريات الحياة.

 

ومن المشكلات التي واجهتنا، رغم أن الأولاد كانوا كبارًا، ويحتاجون إلى مدرسة عربية، ولم نجد سوى مدرسة ليبية مختلطة، فما استطعت أن أجد لبناتي مدارس، فقد كُنَّ كبارًا في الصف الأول الثانوي، لكن الأولاد كانوا أصغر، في الصف السادس الابتدائي، فذهبوا إلى المدرسة الليبية، وآثرت أن تدرس البنات في البيت، وأحضرت لهن بعض المدرِّسات في البيت، وسجلناهن في السفارة المصرية ليتقدمْن لامتحان آخر العام في السفارة المصرية، وحصلن على شهاداتهن من هناك.

 

  أفغانستان

* ما حقيقة دور د. عزام- رحمه الله- في توحيد رايات المجاهدين في أفغانستان؟
 
 الصورة غير متاحة

عزام عمل على توحيد صفوف المجاهدين ضد الاحتلال

** كل قادة المجاهدين نحسبهم على خير، ولا أحدَ يستطيع أن يقول فيهم شيئًا، فقد كانوا كلهم مجاهدين، وأبلوا بلاءً حسنًا، ولكنَّ الإنسان يبقى إنسانًا، فكانت هناك بعض الخلافات بينهم على إمارة الجهاد، وساهم في ذلك ساحة الجهاد نفسها التي تفرقهم، فهم ليسوا في مكان واحد، وهم لا يجتمعون في جبهة واحدة، كما أنهم لا تجمعهم لغة واحدة، فأفغانستان 28 ولاية، وفيها من اللغات الكثيرة، وهي متعددة اللغات والأعراق: الأوزبك والطاجيك والفرس والبشتون، وبعضهم لا يفهم لغة الآخر، فكان من الطبيعي أن يكون ولاء كل منهم لقبيلته ولعِرقه ويريد أن تكون الرئاسة فيهم.

 

فاستطاع الشيخ- رحمه الله- أن يجمعهم في مجلس واحد، ودولة واحدة، وحكومة واحدة، كان دائمًا يجمعهم ويذكِّرهم بالله، وبصعوبة الطريق، وخطورة التفرق، وبركة التجمع، وأن النصر لا يتنزَّل على المتفرِّقين، لم يكتفِ بتجميع القادة، لكنه أيضًا اتجه إلى توحيد الصفوف، وأقام معسكرات تدريب كان يجمع بها 500 من كل فرقة، ويربِّيهم على برنامج واحد وتربية واحدة، ويهتم بتجميعهم على الإسلام، وفقط الإسلام، فلم يفرِّق بين عربي وأفغاني، فكان لهذا أثرٌ كبيرٌ، فمعظم الجبهات تفاهمت مع بعض، وصاروا ينسِّقون مع بعض في أثناء المعارك والهجوم، ويتم التنسيق بينهم ليكونوا أمام العدو جبهةً واحدةً، فكان لهذا أثرٌ كبيرٌ.

 

* أسس الشيخ عزام مجلس شورى المجاهدين، فما مصير هذا المجلس من بعده؟!

** حاول الكثيرون من بعده أن يستقيموا على ما رسَمَه، لكنَّ الأمورَ لم تستقم لهم، هو كان قد أنشأ أيضًا مجلس تنسيق بين المؤسسات الموجودة؛ حيث كانت هناك ازدواجية كبيرة في العمل، فمثلاً كانت في كل هيئة تأتي مساعدة أو إغاثة للمجاهدين، كفالة يتيم وتعليم وعلاج، ولا يوجد تنسيق بينها وبين غيرها، فنرى أحد الأيتام تُصرَف له كفالة من مؤسستين أو ثلاث وأحيانًا سبع، ويتيم آخر لا يستطيع أن يحصل على أي شيء، وهكذا في العلاج أيضًا، فكان دور مجلس التنسيق جمع المؤسسات وتوزيع العمل بينها، فتختص كل مؤسسة بشيء معين، إحداها بالتعليم والأخرى بكفالة الأيتام، والثالثة بالعلاج والجهاد، وكان- رحمه الله- مسموعَ الكلمة ومحبوبًا جدًّا، وهذا ليس "بشطارة" منه، لكنها ثمرة الإخلاص في العمل الذي يؤدي إلى التوفيق فيه والقبول في الأرض، حتى لو استطاع أحد أن يتكلم من خلفه بشيء فإنه عندما يقابله لا يستطيع مخالفته!!

 

* وكيف كانت علاقة الشهيد- رحمه الله- بقادة المجاهدين في أفغانستان؟
 
** علاقتهم كانت كما قال رحمه الله: أنتم الأمراء ونحن خدمكم، وما جئنا إلا لخدمة المجاهدين، فقد جئنا لنخدمكم في بلادكم، نحن جئنا لهذه البلاد، وما كنت أعرف شخصًا اسمه عبد رب الرسول سياف، وما جئنا حبًّا فيك أو في ربَّاني، إنما جئنا حبًّا في الله سبحانه وتعالى، وحبًّا في الشهادة؛ حتى نصل إلى مراتب المجاهدين والشهداء، وما عرفناكم إلا على أرض الجهاد، فعلاقتنا بكم: ما دمتم على الحق فنحن معكم.

 

وقد سأله مرة حكمتيار: إذا انتصرنا وعُدنا إلى أفغانستان ماذا أنتم فاعلون؟! أجابه الشيخ: نجلس معكم قليلاً حتى يتمكَّن لكم الأمر في بلدكم، وإن كنتم بحاجة إلى أن نرتب معكم بعض الأمور فنعينكم ونساعدكم، ثم نخرج نبحث عن أرض أخرى فيها جهاد في سبيل الله، فقال له حكمتيار: وهل تتركون بلدًا يُحكم فيها بالإسلام؟! أجابه عزام: لا نجلس معكم إذا كان هناك بلد تحتاج إلى الجهاد في سبيل الله!!.

 

* وهل كان للشيخ دور في الجهاد الأفغاني غير توحيد الصف؟
 
 الصورة غير متاحة

عزام كان له دور كبير في دعم المجاهدين الأفغان

**
نعم؛ فهو أول من أعلن عن الجهاد، ولم يكن أحد يسمع عن الجهاد في أفغانستان إلا من كُتُبه ونَشراته، وكان وحده وكالة إعلام متحركة، يكتب وينادي بالجهاد هنا وهناك، يجمع التبرعات، ويحمل السلاح ويجاهد، ويقيم معسكرات التدريب، يكتب دستور دولة المجاهدين بيده، لا يوجد بابٌ من أبواب الجهاد الأفغاني إلا وله فيه بصماتٌ، يخطط لهم، يجمعهم، وعندما اشتدَّ عليهم الضغط من باكستان والدول الأخرى عندما شكلوا دولة المجاهدين المؤقتة هو الذي كان يعمل كل شيء، يقول لهم: اقبلوا بكذا، ولا تقبلوا بكذا، ويكتب لهم، فمن وراء الكواليس كان يفعل كل شيء.

 

* وهل انتهى رحمه الله من إعداد هذا الدستور؟

** نعم.. انتهى منها، وكثير مما يسيرون عليه الآن هو من كتاباته.

 

مع الإخوان

* كيف كانت علاقته- رحمه الله- بالإخوان المسلمين؟

** هو تربَّى في أحضان الإخوان المسلمين منذ كان عمره 10 سنوات، وبقي كذلك حتى استُشهد رحمه الله، حتى معسكراته كان يعدُّ برامج للتربية، وما يقومون به في المعسكرات كلها مقتبسة مما تربَّى عليه من فكر الإخوان المسلمين.

 

* كيف تتصورين حال الجبهه الأفغانية لو أن الشهيد ما زال حيًّا بيننا؟ كيف كان تصوره لما يحدث؟!

** هناك ما كان سيرضى به وهناك من لا يقرُّه، فلم يكن ليترك الأمريكان يدخلون إلى أفغانستان مهما كلف الأمر، يجالدهم كما جالد الروس من قبلهم.

 

* كيف كانت رؤيتُه- رحمه الله- للواقع في فلسطين؟ وهل كان سيوافق على دخول حماس للانتخابات؟

** في فلسطين هو كان مع الجهاد قلبًا وقالبًا، فهو مَن كتَبَ ميثاقَ حماس، وعندما أرادوا أن يكتبوا ميثاق حماس، أرسلوا إليه أن يكتب لهم التقديم، فخرج بكتاب اسمه "حماس الميثاق"، وقبل استشهاده بأيام دخل الإخوان انتخابات الأردن وفازوا، فسألته هل أنت راضٍ عن هذا؟ فقال: كنت أتمنَّى ألا يفعلوا، ولكنهم اجتهدوا، وأسأل الله أن يوفقهم، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر، وأسأل الله أن يكتب لهم الخير؛ فهو يرى أن أي دولةً لا يمكن أن تسير بمنهجَين، فهذا يريد إسلامًا والآخر لا يريد إسلامًا، وهذا لا يتفق أبدًا.

 

أما بالنسبة لحماس فالأمر مختلف، فجهادهم واضح، وقد اطلع الشعب على صفحة جهادهم، والأغلبية العظمى من الشعب حماس أو تؤيد حماس، والباقي تقريبًا ليس له وجود ولا مكانة في قلوب الناس، فوضع حماس يختلف عن أي بلد آخر، أما في باقي البلاد فالسيطرة والقوة ليست بيدهم، أحد النواب عندما ذهب لأداء واجب العزاء في أحد المجاهدين الذين استُشهدوا في سبيل الله، ما استطاع أحد أن يحميَه، فالانتخابات لم تحقق لهم أي قوة، أما حماس فهي تمتلك بالفعل قوةً لها وزن، وتستطيع أن تنفذ قراراتها.

 

* كيف كان يرى الدكتور- رحمه الله- دور المرأة في الجهاد؟

** دورها في الحياة لا يقل عن دور الرجل، والدكتور له فتوى في هذا الأمر، حتى في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، فكانت الفتوى أن المرأة تخرج للجهاد دون إذن زوجها إذا تَعيَّن الجهاد وكان فرض عين على كل مسلم، لكنه اشترط المَحرَم، تخرج مع أخ أو أب أو ابن أو عم أو خال، كان- رحمه الله- يقدِّر دورَنا، وكانت لنا لجنة نسائية ولها دورها وميزانيتها ولنا رؤيتنا المستقلة، إلا أننا كنا نستنير برأيه ونستشيره في كثير من الأحيان.

 

* هل نفهم من هذا أنه قصر دورها في الجهاد على بعض الأعمال مثل ما تقومون به في اللجنة، ولكن لم يسمح لها بحمل السلاح؟!

** لم يضع حدًّا لدورها وقدَّره بحسب ما تقتضيه الحاجة، ولكن لا تزجّ بنفسها في مكان تزاحم به الرجال إذا كان الرجال يكفون، أما إذا كان العدد غيرَ كافٍ فلا بدَّ للمرأة أن تشترك.

 

* بصفتكِ زوجة رجل من كبار المجاهدين، فما تصوركم لدور المرأة كزوجة في حياة أي مجاهد؟

** لها دور كبير، فكثيرٌ من الشباب كانوا قدوةً في الجهاد، لكن عندما تزوجوا أحجموا كثيرًا، ولم يكن هناك سبب إلا الزواج فقط، فالمرأة إما دافعة للرجل أو محجمة له، وقد تكون هي الصخرة القوية التي يتَّكِئ عليها في غيابه عن البيت وفي دفعه للجهاد في سبيل الله أو العمل لدين الله، فقد تضع له العقبات، وتشغله بأشياء تستطيع هي أن تفعلها، ولكنها تقف في طريقه، وتبيِّن له أن هناك أولوياتٍ في الحياة أولى من كذا، وفي بعض الأحيان تقول له: الله معك وأنا خلفك!.

 

علم العظام

* ماذا عن مذكرات ومؤلفات الدكتور رحمه الله؟ وهل تخرج للنور قريبًا؟

** كان يكتب كل شيء عنده، وقد قمنا بتفريغ المحاضرات الصوتية وجمعنا كل ما كتبه، وكل تراثه فيما أسميناه في كتاب واحد موسوعة اسمها: (علم العظام.. فيما أُثر عن الإمام الهُمام الدكتور عبد الله عزام)، وهي تقع في 4 مجلدات كبيرة، كل مجلد 1400 صفحة، قمنا بجمعها وطباعتها طباعة بسيطة، جمعناها وطبعناها في أفغانستان، ولم نطبع منها سوى 12 نسخة بسبب تكلفة الطباعة، وبأعجوبة استطعتُ أن أجلب نسخة إلى هنا بفضل الله!!.

 

صعوبات في الغربة

* كيف كانت طبيعة حياتكم في أفغانستان؟ وما أهم الصعوبات التي واجهتموها؟

 الصورة غير متاحة

د. عبد الله عزام

**

صعوبات كبيرة ومسئوليات، فهو دائمًا مشغول وغائب عن البيت، ورزقتُ بابني الثامن مصعب، فلم تكن المسئولية هيِّنة، ثم عندما انتقلت إلى بيشاور أصبحت أعيش بين المهاجرين وأرى مشكلات النساء، وما لا يستطيع أن يعرفه الرجال، فقمتُ بتأسيس لجنة نسائية هناك، فكنت أخرج في الصباح ولا أعود إلا بعد العشاء، فكنت أتناوب أنا واثنتين من بناتي الأكبر سنًّا، واللائي تزوجن هناك من مجاهدين، فأصبحنا ثلاث أسر، تخرج اثنتان والثالثة تتحمَّل مسئولية الأسر الثلاث، وهكذا بالتناوب، وكانت حياة صعبة جدًّا، لكن الله سبحانه هو المعين، فكما قالت الصحابية التي تعثَّرت فقُطع إصبعها فضحكت، فقيل لها: لماذا تضحكين؟ فقالت: حلاوة أجري أنستني مرارة ألمي!! فكنا كلما فكَّرنا في الأجر ننسَى ما نلاقيه من التعب، فكنَّا نعدُّه ابتلاءً حسنًا، يرفع به الله الدرجات، ويكفِّر به السيئات، ويزيد به في الأجر.

 

* ما طبيعة دور اللجنة النسائية التي قمتِ بإنشائها؟

** يصب دور اللجنة في 7 محاور: لجنة أسر ومخيمات، لجنة المدارس والتعليم، لجنة الدعوة، لجنة العلاقات العامة وهي تنسق بين جميع اللجان، لجنة المستشفيات، لجنة الأعمال اليدوية، مثل الخياطة والمشاغل، حتى نوجِدَ فُرَصَ عمل لأُسَر الشهداء، ثم اللجنة الإعلامية، ولم يكن لدينا سوى حافلة واحدة، كل لجنة لها يوم مخصَّص لاستعمال هذه الحافلة لتقضي حوائجها، وقد كان عملاً شاقًّا وطويلاً، ولا يوجد مُعين سوى الله سبحانه وتعالى.

 

* وهل من بناتك من لا تزال في أفغانستان؟

** إحداهن عادت قبل ثلاث سنوات، بعد المضايقات والتهديدات بالاعتقال في جونتانامو والضغط الشديد، والأخرى عادت قبل سبع سنوات، وجميعُنا لم نخرج من هناك إلا بالضغط الشديد، فكما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "والله إنك لأحب أرض الله إليًّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، وكل المجاهدين هذا حالهم وليس نحن فقط.

 

* ألم تفكري يومًا في الحياة وزينتها؟ هل دار هذا الحوار الداخلي بينك وبين نفسك: لماذا نحن نعيش هكذا وغيرنا يتنعَّم؟ نريد أن نرتاح ونعيش مثل باقي الناس، وأريد أن أتفرَّغَ لتربية أبنائي وأرى هذا طبيبًا وذاك مهندسًا، أين أنتم من هذه المشاعر؟!

** الجهاد لا يمنع هذا، فأولادنا جميعًا أكملوا دراستهم وتعليمهم العالي، الآن فاطمة تحضر للدكتوراه، ووفاء ماجستير، والباقون جميعًا بكالوريوس، بالعكس؛ فطاعة الله والتضحية في سبيل الله تُعين الإنسان، ونجد بركتها في كل حياتنا، قد يكونون تأخروا بعض الشيء في دراستهم، لكنهم تفوقوا!.

 

* ألم تشتاقي يومًا لحياة هادئة بدون مشاكل.. بدون قلق؟!

**لم يخطر ببالنا ذلك، وكل ما يشغلنا كان كيف نصل إلى الشهادة في سبيل الله، واللهِ عمري ما فكرت ماذا عندي غدًا من غداء مثلاً أو رزق، إلا أننا كنا نفكِّر ماذا عندنا غدًا من عمل في سبيل الله، وليس بفضل منا ولا بأيدينا، لكنه توفيق من رب العالمين، سبحانه وتعالى.

 

* كيف نربي أنفسنا وأبناءنا لنكون هذا النموذج، الذي لا تشغله الدنيا ولا يهمه سوى رضا الله سبحانه وتعالى؟

** نحن الآن في محن، والفتن تحيط بنا من كل جهة، والمجتمع الذي نعيش فيه له تأثير كبير في ذلك، والآن ليس لنا سوى الدعاء، والبحث عن الصحبة الصالحة، وأرى أن المجتمع ليس فيه أي شيء يجذب الإنسان لطاعة الله، إلا أن يبحث عن فئة صالحة يتمسَّك بها، ويشدُّ كلٌّ منا على يد الآخر، ليكونوا مع بعض في طاعة الله، فهذا الوقت نحتاج فيه الدعاء والصحبة الصالحة، وإلا فالدنيا كلها فتن وإغراءات ومشاكل اقتصادية، عندنا نحن المسلمين عجزٌ اقتصاديٌّ كبيرٌ، والحصار علينا من كل جانب، ولم يتركوا للمسلم جنبًا ينقلب عليه، فقد سدُّوا في وجهه كل شيء، فهذا يشغلنا ويجعلنا نفكِّر كثيرًا، فأرى حملة شهادات عليا ومتفوقين يعملون في بيع شرائح التليفون المحمول، فهذا امتحان وابتلاء، فالجميع يسعى ليدبر نفقة أولاده، كل هذا يشغل الإنسان كثيرًا عن التفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى، نسأل الله أن يكشف الغمة عن هذه الأمة.