إن دعوة الإخوان لها منهاجٌ واضحُ المعالم، وَضَعَه مؤسس الجماعة ومرشدها الأول الإمام حسن البنا- رحمه الله- ولا يستطيع أي داعية أو مصلح أن يفهم طبيعةَ هذا المنهج ورؤيته للعمل للإسلام إلا بقراءةٍ واعيةٍ ودراسةٍ متأنيةٍ لرسائل الإمام الشهيد، رضوان الله عليه.

 

وذلك لعدة أسبابٍ، منها:

1- أن الإمام البنا حين وضع منهاجَ هذه الدعوة المباركة قد اقتفى أثر النبي- صلى الله عليه وسلم- وسيرته العطرة في نشر الفكرة وتربية الأنصار عليها وبناء الدولة الإسلامية الأولى؛ ولذا فإن هذا المنهاج هو منهج اتباعٍ وليس ابتداعًا، نسير فيه على هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

 

2- أن الإمام البنا كان حريصًا أشدَّ الحرص على الالتزام بمنهج السلف الصالح في الرجوع إلى الكتاب والسنة باعتبارهما المرجعية الأساسية لكل مسلم؛ ولذا فقد استخلص الإمام البنا- رحمه الله- القواعدَ والأصولَ الفقهيةَ التي تلزم للتحرك بهذه الدعوة وبناء الدولة الإسلامية العالمية.

 

3- أن الإمام البنا حرص على وضع الأُطُر العامة والنظريات الكلية للعمل الإسلامي، والتي على أساسها يأخذ الدعاة والمصلحون ما يلزم للسير بالدعوة والحركة بها كإطارٍ حاكمٍ، وإعطاء حرية الاجتهاد في الوسائل والأساليب؛ لاختلاف البيئات اللازمة والظروف التي تنشأ فيها الدعوة.

 

4- أن رسائل الإمام البنا كانت حافظةً لمنهج الإخوان من الانحراف أو الغلوِّ فيه؛ لما تمثله من أساس ورؤية شاملة للتغيير على منهاج النبوة.

 

لقد حدَّد الإمام البنا- رحمه الله- رؤيته حول منهج الإخوان وميزاتهم في رسالة "هل نحن قوم عمليون"، فقال: "أنت إذا راجعتَ تاريخ النهضات في الأمم المختلفة شرقيةً وغربيةً، قديمًا وحديثًا, رأيتَ أن القائمين بكل نهضةٍ موفَّقةٍ نجحت وأثمرت كان لهم منهاجٌ محدودٌ عليه يعملون، وهدفٌ محدودٌ إليه يقصدون.. وضعه الداعون إلى النهوض، وعملوا على تحقيقه ما امتد بهم الأجل، وأمكنهم العمل, حتى إذا حيل بينهم وبينه، وانتهت بهم تلك الفترة القصيرة: فترة الحياة في هذه الدنيا, خَلَفَهم من قومِهم غيرُهم، يعملون على منهاجهم، ويبدءون من حيث انتهى أولئك، لا يقطعون ما وصل، ولا يهدمون ما بنَوا، ولا ينقضون ما أسسوا وشادوا، ولا يخرِّبون ما عَمَّروا، فإما زادوا عمل أسلافهم تحسينًا، أو مكَّنوا نتائجه تمكينًا، وإما تبعوهم على آثارهم، فزادوا البناء طبقةً، وساروا بالأمة شَوْطًا إلى الغاية؛ حيث يصلون بها إلى ما تبتغي، أو ينصرفون راشدين، ويَخلُفُهم غيرهم. وهكذا دواليك حتى تحققَ الآمال، وتصدقَ الأحلام، ويتمَّ النهوض، ويثمرَ الجهاد، وتصلَ الأمة إلى ما إليه قصدت، وله عملت، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ (الزلزلة:7)."

 

 

 د. محيي حامد

 وفي هذه الكلمات المُعبِّرة يحدد الإمام البنا:

1- الأسس التي تقوم عليها النهضة من وضوحٍ للمنهج والهدف المنشود.

2- دور الأجيال المتعاقبة في الحفاظ على هذا المنهج بالعمل من خلاله، واستكمال الجهود المبذولة فيه، وعدم هدم ما بنَوا.

3- الحرص على تحسين العمل بهذا المنهاج، والسعي لتحقيق نتائجه وأهدافه والوصول إلى الغاية المأمولة.

 

ولقد أوضح الإمام البنا الخطوات التي سلكتها دعوة الإسلام الأولى، فيقول في رسالة هل نحن قومٌ عمليون: "فقد وضع الله لها منهاجًا محدودًا، يسير بالمسلمين الأولين- رضوان الله عليهم- إليه: دعوةٌ في السر، ثم إعلان بهذه الدعوة، ونضال في سبيلها لا يملُّ، ثم هجرة إلى حيث القلوب الخصبة، والنفوس المستعدة، فإخاءٌ بين هذه النفوس، وتمكينُ عُرَى الإيمان في قلوبها، ثم نضال جِدِّيٌّ وانتصاف من الباطل للحق".

 

وهذه الخطوات التي سارت عليها دعوة الإسلام الأولى، تحتاج أن نتفهَّم طبيعة كل منها وضوابطه ووسائله التي تعمل على تحقيقه، مع التأكيد على أصول ثلاثة هي:

1- علانية الدعوة.

2- النضال الدائم والمستمر في سبيلها.

3- تربية النفوس وتزكيتها وهجرتها إلى الله عز وجل.

4- الإخاء والحب والترابط بين هذه النفوس.

 

ويتحدَّث الإمام البنا عن عناصر النهضة الموفقة فيقول في رسالة هل نحن قوم عمليون:" إلا أن هذه النهضات يرسم منهاجها الحق- تبارك وتعالى-، ويهدي الرسولَ ومن ورائه قومَه، ويرشدهم إلى خطوات المنهج خطوًة خطوةً، كل خطوةٍ في وقتها المناسب، ويؤيدهم في كل ذلك بنصره، فتكون النهضة موفَّقةً لا محالة, ﴿كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة:21) "،

 

ونَخلُصُ من هذا إلى أن عناصر النهضة المُوفَّقة تشمل:

1- تأييد الله بنصره.

2- إتباع منهج الحق تبارك وتعالى.

3- الالتزام بهدي الحبيب صلى الله عليه وسلم.

4- التفاف الأنصار والأفراد حول منهاجها وقيادتها.

 

ويختم الإمام البنا حديثه عن منهاج الإخوان المسلمين بقوله: "إن للإخوان المسلمين منهاجًا محدودًا، يتابعون السير عليه، ويزنون أنفسهم بميزانه، ويعرفونه بين الفينة والفينة أين هم منه، فإذا سألتهم عن أصول هذا المنهاج النظرية ما هي؟ فإني أجيبك في صراحةٍ تامةٍ: هي الأصول والقواعد التي جاء بها القرآن الكريم، فإذا قلت وما وسائلهم وخطواتهم العملية؟ أقول في صراحة: هي الوسائل والخطوات التي أُثرت عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ولا يَصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صَلَحَ بها أوَّلها.

 

ولذا وجب على كل من يحمل دعوة الإخوان أن يتعرَّف على منهاج ومعالم طريقها بوضوحٍ تامٍ ودراسةٍ متأنيةٍ واستيعابٍ لمفردات هذا المنهاج؛ حتى يثمرَ ذلك عن وضوح الفكرة وسلامة التصور لكيفية العمل؛ لتحقيقها وفقًا للأصول التي جاء بها القرآن الكريم، واتباعًا للوسائل والخطوات التي أُثِرَت عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-، آخذين بكل أساليب التقدم الحضاري في شتى المجالات المنوطة بنهضة الأمة وإعادة مجدها وسيادتها في العالم أجمع.

ومن هذا نخلص إلى أن منهاج الإخوان المسلمين يتضمن عدة مفردات أساسية تتمثل في:

- الغاية التي من أجلها نعمل.

- المهمة والرسالة التي نحملها لتحقيق هذه الغاية.

- الأهداف العامة والفرعية التي نسعى لتحقيقها.

- خصائص هذه الدعوة والأسس التي قامت عليها.

- مقومات بناء الجماعة.

- المسارات الأساسية للحركة بالدعوة ونشر الفكرة.

- الوسائل والخطوات التنفيذية.

- النظم واللوائح والأعراف التي تنظِّم الحركة بالدعوة (القواعد الحاكمة).

- القضايا الأساسية والمثارة ورؤية الجماعة فيها.

- الشبهات التي تُثَار حول الجماعة والرد عليها.

- أهم الإنجازات التي تم تحقيقها خلال ثمانين عامًا.

- رؤية للمستقبل وكيفية الإعداد له.

 

أولاً: الغاية

من الأمور الأساسية التي يجب أن تكون واضحةً لدينا هي الغاية التي من أجلها نعمل ونسير في طريق الدعوة، كما يجب علينا أيضًا أن نوضِّحها للناس، وأن يكون معهم صرحاءَ؛ حتى يسير معنا على بينةٍ وبصيرةٍ من أمرهم.

 

وفي ذلك يقول الإمام البنا في رسالة (دعوتنا): "يجب أن نصارح الناس بغايتنا، وأن نُجلِيَ أمامهم منهاجنا، وأن نوجِّه إليهم دعوتنا في غير لبسٍ ولا غموضٍ، أضوأَ من الشمس، وأوضحَ من فلق الصبح، وأبينَ من غُرَّة النهار"؛ لذا نجد أن الإمام البنا كان حريصًا على توضيح الغاية في أكثر من موضع، وفي أكثر من رسالة، ومن جوانب متعددة؛ حتى تكون الغاية واضحًة تمامًا لا لبسَ فيها ولا غموضَ.

 

ونستطيع أن نوجزها في النقاط الآتية:

1- غاية المؤمن:

يقول الإمام البنا في رسالة إلى أي شيءٍ ندعو الناس: "إن القرآن الكريم حدَّد غايات الحياة ومقاصد الناس فيها، فبيَّن أن قومًا أهمَّهم من الحياة الأكلُ والمتعةُ، فقال- تبارك وتعالى-: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ (محمد: من الآية 12)، وقومًا آخرين مهمتهم الزينةُ والعَرَضُ الزائلُ، فقال تبارك وتعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (آل عمران: من الآية 14)، وقومًا شأنهم في الحياة إيقادُ الفتن وإحياءُ الشرور والمفاسد ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)﴾ (سورة البقرة).

 

تلك هي مقاصد الناس في الحياة؛ نزَّه الله المؤمنين عنها، وبرَّأهم منها، وكلَّفهم مهمة أرقى، وألقى على عاتقهم واجبًا أسمى، ذلك الواجب هو هداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام، فذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾ (سورة الحج)".

 

ويلخِّص الإمام البنا هذه الغاية في موضعٍ آخر من الرسالة فيقول: "إن مهمتنا هي سيادةُ الدنيا، وإرشادُ الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس".

 

وعلى ذلك تكون غاية المؤمن هي: إرضاء الله- عز وجل- بالتمكين لدينه في الأرض، وهداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام.

 

2- غاية الإخوان:

ولقد حدَّد الإمام البنا غاية الإخوان والتي بها يمكن تحقيق غاية كل مؤمنٍ، كما ذكر ذلك في رسالة المؤتمر الخامس بقوله: "إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيلٍ جديدٍ من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الكاملة في كل مظاهرها ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة: من الآية 138)".

 

وعندما تتأمل هذه العبارة تدرك أن التمكين لدين الله في الأرض- وهي الغاية الأسمى- تحتاج إلى رجالٍ يؤمنون بتعاليم الإسلام الصحيح، ويعملون على تحقِّقه واقعًا وعملاً في حياة الناس؛ ولذلك يقول الإمام البنا: "لهذا وقفتُ نفسي منذ نشأتُ على غايةٍ واحدةٍ، هي إرشاد الناس إلى الإسلام حقيقةً وعملاً؛ ولهذا كانت فكرة الإخوان المسلمين إسلاميةً بحتةً في غايتها وفي وسائلها، لا تتصل بغير الإسلام في شيء".

 

ثم يتناول الإمام البنا في رسالة المؤتمر السادس الحديث عن الغاية ويحددها بأنها غايةٌ قريبةٌ وغايةٌ بعيدةٌ فيقول: "يعمل الإخوان المسلمون لغايتين: غاية قريبة يبدو هدفها، وتظهر ثمرتها لأول يومٍ ينضم فيه الفرد إلى الجماعة، أو تظهر الجماعة الإخوانية فيه في ميدان العمل العام، وغاية بعيدة لا بد فيها من ترقِّب الغرض وانتظار الزمن حسب الإعداد وسبق التكوين..
فأما الغاية الأولى فهي المساهمة في الخير العام أيًّا كان لونُه ونوعُه والخدمةُ الاجتماعيةُ كلما سمحت بها الظروف.. أما غاية الإخوان الأساسية، أما هدف الإخوان الأسمى، أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم؛ فهو إصلاحٌ شاملٌ كاملٌ تتعاون عليه الأمة جميعًا، وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل، ويريدون بعث الأمة الإسلامية النموذجية التي تدين بالإسلام الحق، فيكون لها هاديًا وإمامًا، وتُعرَف في الناس بأنها دولة القرآن التي تصطبغ به، والتي تذود عنه، والتي تدعو إليه والتي تجاهد في سبيله وتضحِّي في هذا السبيل بالنفوس والأموال".

 

مصادر الغاية

وعن مصادر تلك الغاية، يقول الإمام حسن البنا في رسالة إلى أي شيء ندعو الناس: "تلك هي الرسالة التي يريد الإخوان المسلمون أن يبلِّغوها الناس، وأن تفهمها الأمة الإسلامية حقَّ الفهم، وتهبَّ لإنقاذها في عزمٍ وفي مَضاءٍ، لم يبتدعها الإخوان المسلمون ابتداعًا، ولم يختلقوها من أنفسهم، وإنما هي الرسالة التي تتجلَّى في كل آيةٍ من آيات القرآن الكريم، وتبدو في غاية الجلاء والوضوح في كل حديثٍ من أحاديث الرسول العظيم- صلى الله عليه وسلم- وتظهر عليه في كل عمل من أعمال الصدر الأول الذين هم المَثلُ الأعلى لفهم الإسلام وإنفاذ تعاليم الإسلام".

 

التضحية من أجل الغاية

ثم يتطرَّق الإمام البنا بعد ذلك إلى التضحيات المطلوبة في سبيل الغاية، فيقول: "ثم بيَّن الله- تبارك وتعالى- أن المؤمن في سبيل هذه الغاية قد باع نفسه لله وماله، فليس له فيها من شيءٌ، وإنما هي وقفٌ على نجاح هذه الدعوة وإيصالها إلى قلوب الناس، وذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة: من الآية 111)، ومن ذلك ترى أن المسلم يجعل دنياه وقفًا على دعوته؛ ليكسب آخرته جزاء تضحيته".

 

ويتِّضح لنا مما سبق عدةُ أمور أساسية حول الغاية التي نعمل من أجلها:

أولاً: أن غاية المؤمن هي إرضاء الله- عز وجل- بالتمكين لدينه في الأرض، وهداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كلِّه بشمس الإسلام.

 

ثانيًا: إن السبيل إلى تحقيق هذه الغاية العليا تتطلب غايةً أخرى، وهي تكوين جيلٍ جديدٍ من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الكاملة في كل مظاهرها.

 

ثالثًا: يعمل الإخوان المسلمون لغايتين؛ غاية قريبة: المساهمة في الخير العام أيًّا كان لونُه ونوعُه والخدمةُ الاجتماعيةُ كلما سمحت بها الظروف.. غاية بعيدة أساسية: إصلاحٌ شاملٌ كاملٌ، تتعاون عليه الأمة جميعًا، وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير.

 

رابعًا: أن هذه الغاية لم يبتدعها الإخوان المسلمون ابتداعًا، ولم يختلقوها من أنفسهم، وإنما مصدرها القرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة الصحابة الكرام والسلف الصالح.

 

خامسًا: أن هذه الغاية تحتاج إلى تضحياتٍ كثيرةٍ بأن يجعل المسلم دنياه وقفًا على دعوته ليكسب آخرته جزاءَ تضحيته.

 

ثانيا: المهمة والرسالة

إن مهمة المسلم الحق لخَّصها الله- تبارك وتعالى- في آيةٍ واحدةٍ من كتابه، وردَّدها القرآن الكريم بعد ذلك في عدة آيات، فأما تلك الآية التي اشتملت على مهمة المسلمين في الحياة فهي قول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)﴾ (الحج).

 

وهكذا استخلص الإمام البنا- رحمة الله- المهمة المنوطة بعباده المؤمنين، والتي حدَّدها لهم رب العالمين، ثم يتناول هذه المهمة بشيءٍ من التفصيل كما ورد في الرسالة إلى أي شيء ندعو الناس، فيقول: "يأمر الله المسلمين أن يركعوا و يسجدوا، وأن يقيموا الصلاة التي هي لُبُّ العبادة وعمود الإسلام وأظهر مظاهره, وأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا, وأن يفعلوا الخير ما استطاعوا، وهو حين يأمرهم بفعلِ الخير ينهاهم بذلك عن الشر، وإنَّ من أول الخير أن تترك الشر, فما أوجز وما أبلغ!! ورتَّب لهم على ذلك النجاحَ والفلاحَ والفوزَ، وتلك هي المهمة الفردية لكل مسلم التي يجب عليه أن يقوم بها بنفسه في خلوةٍ أو جماعةٍ.

 

ثم أمرهم بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حقَّ جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحُجِّة والبرهان, فإن أبَوا إلا العسف والجَوْر والتمرد، فبالسيف والسنان"، فهذا الجهاد في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، فضلاً عن الاحتفاظ بمقدسات الإسلام؛ فريضةُ الله على المسلمين، كما فرض عليهم الصيام والصلاة، والحج والزكاة، وفعل الخير وترك الشر، وألزمهم إياهم وندبهم إليها ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)﴾ (التوبة).

 

ثم بيَّن لهم أنه اجتباهم واختارهم واصطفاهم دون الناس؛ ليكونوا سواس خلقه، وأمناء على شريعته، وخلفاء في أرضه، وورثه رسوله- صلى الله عليه وسلم- في دعوته، ومهَّد لهم الدين وأحكام التشريع، وسهَّل الأحكام وجعلها من الصلاحية بكل زمان ومكان بحيث يتقبلها العالم، وترى الإنسانية أمنيَّتها المرجوَّة وأملها المنتظر.. وتلك هي المهمة الاجتماعية التي ندب الله إليها المسلمين جميعًا أن يكونوا صفًّا واحدًا، وكتلةً وقوَّةً، وأن يكونوا هم جيشَ الخلاص الذي ينقذ الإنسانية ويهديها سواء السبيل.

 

ثم أوضح الحق- تبارك وتعالى- للناس بعد ذلك الرابطة بين التكاليف من صلاة وصوم بالتكاليف الاجتماعية، وأن الأولى وسيلةٌ الثانية، وأن العقيدة الصحيحة أساسهما معًا؛ حتى لا يكون لأناسٍ مندوحةٌ عن القعود عن فرائضهم الفردية؛ بحجة أنهم يعملون للمجموع، وحتى لا يكون لآخرين مندوحةٌ عن القعود عن العمل للمجموع؛ بحجة أنهم مشغولون بعبادتهم، مستغرقون في صلتهم بربهم".

 

ثم يُنهي الإمام البنا حديثه بتخليصٍ رائعٍ للمهمة المنوطة بنا؛ فيقول: "أيها المسلمون.. عبادةُ ربكم والجهادُ في سبيل التمكين لدينكم وإعزازُ شريعتكم هي مهمتُكم في الحياة؛ فإن أدَّيتموها حقَّ الأداء فأنتم الفائزون، وإن أدمتم بعضها أو أهملتموها جميع، فإليكم أسوق قول الله- تبارك وتعالى-: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ (المؤمنون: 115).. وقد ينشأ الشباب في أمةٍ وادعةٍ هادئةٍ، قوي سلطانها واستبحر عمرانها، فينصرف إلى نفسه أكثر ما ينصرف إلى أمته، ويلهو ويعبث وهو هادئُ النفس مرتاحُ الضمير، وقد ينشأ في أمةٍ مجاهدةٍ عاملةٍ قد استولى عليها غيرها، واستبد بشئونها خصمُها، فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد حقها المسلوب والتراث المغصوب، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة والمثل العالية، وحينئذٍ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشباب أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه".

 

وهكذا يوجِّه الإمام البنا شباب الأمة إلى الانصراف إلى نهضة الأمة وبناء حضارتها أكثرَ من انصرافهم لأنفسهم، والناظر إلى حال الأمة اليوم يرى واقعًا مريرًا من شيوع الاستبداد والقهر، والظلم والطغيان، وانتشارًا للفساد والتردِّي الاقتصادي والمعيشي لأبناء الأمة، وأيضًا ضعف التنمية في المجالات المتعددة والتخلُّف عن ركب التقدم العلمي والتكنولوجي، ولم تسلم مجتمعاتنا من الانهيار الاجتماعي والأخلاقي وتفكُّك الأواصر الأسرية والاجتماعية.

 

كل هذا بالإضافة إلى محاولات التغريب وتذويب الهوية الإسلامية بكل الوسائل المباشرة وغير المباشرة، ومن هنا ندرك طبيعةَ المهمة المنوطة بنا في ظل هذا الواقع الأليم للأمة الإسلامية في شتى مجالات الحياة.

 

ولقد أوجزها الإمام البنا في رسالة (الإخوان المسلمون تحت راية القرآن)، فيقول: "ما مهمتنا إذن نحن الإخوان المسلمين؟!

 

أما إجمالاً فهي أن نقف في وجه هذه الموجة من مدنيةِ المادة وحضارة والمتع والشهوات، التي جرفت الشعوب الإسلامية، فأبعدتها عن زعامة النبي- صلى الله علية وسلم- وهداية القرآن، وحرمت العالم من أنوار هديها، وأخَّرت تقدمه مئات السنين، حتى تنحسر عن أرضنا ويبرَأَ من بلائها قومُنا، ولسنا واقفين عند هذا الحد، بل سنلاحقها في أرضها، وسنغزوها في عقر دارها، حتى يهتف العالم كله باسم النبي- صلى الله عليه وسلم- وتوقن الدنيا كلها بتعاليم القرآن وبنشر ظل الإسلام الوارف على الأرض.

 

وأما تفصيلاً فهي أن يكون في مصر أولاً- بحكم أنها في المقدمة من دول الإسلام وشعوبه، ثم في غيرها كذلك- نظامٌ داخليٌّ للحكم يتحقَّق به قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ (المائدة: 49)..

 

ونظام للعلاقات الدولية يتحقق به قول القرآن الكريم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 143)..

 

ونظام عملي للقضاء، ونظام اقتصادي، ونظام للثقافة والتعليم، إلى غير ذلك من مجالات الحياة..

 

والدولة التي تقود الدول الإسلامية، وتضم شتات المسلمين وتستعيد مجدهم، وترد عليهم أرضهم المفقودة وأوطانهم المسلوبة وبلادهم المغصوبة، ثم تحمل عَلَمَ الجهاد ولواءَ الدعوة إلى الله، حتى تسعد العالم بتعاليم الإسلام".

 

ومن خلال علْم هذا التحديد لطبيعة المهمة المنوطة بنا لنهضة الأمة واستعادة مجدها، يجب علينا أن:

أولاً: نستشعر عِظَم المهمة وثِقَل الأمانة التي في أعناقنا، والتي تحتاج إلى تضافر الجهود وتوحِّد الصفوف واستمرار العطاء والتضحية في سبيل تحقيق هذه المهمة العظيمة.

 

ثانيًا: أن تُبيَّن للناس حدودُ هذا الإسلام واضحةً كاملةً بينةً، لا زيادةَ فيها ولا نقصَ بها ولا لبسَ معها.

 

ثالثًا: أن نطالبهم بتحقيقها، ونحملهم على إنقاذهم، ونأخذهم بالعمل بها.

 

رابعًا: أن عمادنا في ذلك كله كتابُ الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، والسيرة المُطهَّرة لسلف هذه الأمة.

 

خامسًا: أن تجاهد في سبيل تحقيق فكرتنا، ونكافح لها ما حيينا، وندعوا الناس جميعًا إليها.

 

سادسًا: أن نبذل كل شيءٍ في سبيلها، فنحيا بها كرامًا أو نموت كرامًا، ويكون شعارنا الدائم: الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

 

إن وضوح طبيعة المهمة والرسالة التي نحملها تحدد لنا بوضوحٍ: من نحن؟! وما هي دعوتنا؟! وفي ذلك يقول الإمام البنا: "فاذكروا جيدًا أيها الإخوة أنكم الغرباء الذين يَصلُحُون عند فساد الناس، وأنكم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به للإنسانية بين الحق والباطل، وأنكم دعاة الإسلام، وحملة القرآن، وصلة الأرض بالسماء، وورثة محمد- صلى الله عليه وسلم- وخلفاء صحابته من بعده".

 

فهل أدركنا حقيقة المهمة وطبيعة الرسالة؟! إنها مهمة الأنبياء والمرسلين وكل الدعاة والمصلحين.

 

نسأل الله أن يجعلنا من حَمَلَةِ هذا الدين ومن ورثة الحبيب محمد صلى الله علية وسلم.. أمين.

 

ثالثًا: الأهداف

إن دعوة الإخوان المسلمين لها من الأهداف العظمية، والتي تسعى إلى تحقيقها، وتقدِّم في سبيلها الكثير من التضحيات والبذل والعطاء، وهم يعلمون أن أصحاب الدعوات والأهداف والمبادئ لديهم مهمةٌ عظيمةٌ وأمانةٌ ثقيلةٌ تحتاج إلى همم الرجال وصدق المخلصين وعزائم المجاهدين والدعاة المصلحين من أبناء هذه الأمة.

 

ولذا حرص الإمام البنا- رحمه الله- أن يوضِّح لجميع أبناء الأمة الإسلامية والعالم أجمع حقيقةَ هذه الأهداف، وما ينبغي السعي لتحقيقه، وكان- رحمه الله- موفَّقًا في هذا، لا يدعُ هناك مجالاً للبسٍ أو لشكٍّ حول ماذا نريد وكيف نسعى إليه؟!

 

وعندما نتناول ما ذكره الإمام البنا في رسائله نستطيع أن نستخلص هذه الأهداف من بين هذه العبارات المحددة والدقيقة، فيقول الإمام البنا- رحمه الله- في رسالة بين الأمس واليوم: "ماذا نريد أيها الإخوان؟!.. أنريد جمعَ المال وهو ظلٌ زائلٌ؟! أم سعةَ الجاه وهو عرضٌ حائلٌ؟! أم نريد الجبروت في الأرض ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ (الأعراف: من الآية 128) ونحن نقرأ قول الله- تبارك وتعالى-: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾ (سورة القصص)؟!

 

شهد الله أننا لا نريد شيئًا من هذا، وما لهذا عَمِلنا، ولا إليه دعونا، ولكن اذكروا دائمًا أن لكم هدفين أساسيين:

* أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطانٍ أجنبيٍّ، وذلك حقٌّ طبيعيٌّ لكل إنسان لا ينكره إلا ظالمٌ جائرٌ أو مستبدٌ قاهرٌ.

 

* أن تقوم في هذا الوطن دولةٌ إسلاميةٌ حرةٌ تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي، وتعلن مبادئه القويمة وتبلِّغ دعوته الحكيمة الناس، وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعًا آثمون مسئولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادها.

 

ومن الحقوق للإنسانية في هذه الظروف الحائرة أن تقوم فيها دولةٌ تهتف بالمبادئ الظالمة، وتنادي بالدعوات الغاشمة، ولا يكون في الناس من يعمل لتقوم دولة الحق والعدالة والسلام".
وخلاصة القول في ذلك أن أهدافنا العامة التي نسعى لتحقيقها تتلخَّص في:

"تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، وتكوين دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام، ومن ثم لا ينبغي لأحد- مهما كان شأنه ومكانته- أن يصرف وجهةَ هذه الدعوة المباركة عن تحقيق هذه الأهداف الكلية التي هي مناط التكليف لكل المسلمين والدعاة والمصلحين، وربما قد نتعرض في سبيل تحقيق ذلك إلى مِحَن شديدة وابتلاءات عظيمة وتضحيات جِسَام، فلا يقف ذلك في عصرنا؛ لأن الهدف والغاية الأسمى هي إرضاء الله- عز وجل- وابتغاء مثوبته وجنته".

 

"كل نعيمٍ دون الجنة حقير، وكل ابتلاء دون النار عافية، وربما تظهر بعض الدعوات التي تتنازل شيئًا فشيئًا عن الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف السامية بُغيَة الوصول إلى نعيم دنيوي أو منصب حياتي، والكل يعلم أن الأيام دُوَلٌ، ولن تبقى الأمور على حالها، ولكن المهم أن يثبت أصحاب الدعوات على مواقفهم ومبادئهم وأهدافهم، دون نظر لمغنم أو جاه".

 

ولعل في بداية حديث الإمام البنا في العبارة السابقة يقول: "أنريد جمعَ المال وهو ظل زائل؟!، أم سَعَةَ الجاه وهو عرض حائل؟!.. فنحن لا نريد إلا ما أراده الله لنا: "لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جَوْر الأديان إلى عدالة الإسلام".

 

ولتحقيق هذه الأهداف العامة أو الكلية هناك أهداف تفصيلية أو فرعية، بتحقيقها تحقق الأهداف العامة التي ننشدها، ولقد حدد ذلك الإمام البنا في رسالة التعاليم في مراتب ركن العمل، فيقول- رحمه الله-: "ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق:

1- إصلاح نفسه: حتى يكون قويَّ الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظَّمًا في شئونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته.

 

2- وتكوين بيت مسلم: بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجباتها، وحسن تربية الأولاد والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام، وذلك واجب كل أخٍ على حدته.

 

3- وإرشاد المجتمع: بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا، وذلك واجب كل أخ على حدته، وواجب الجماعة كهيئة عامة.

 

4- وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي سياسي أو اقتصادي أو روحي.

 

5- وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلاميةً بحق، وبذلك تؤدِّي مهمتها كخادمٍ للأمة وأجيرٍ عندها وعاملٍ على مصلحتها، والحكومة إسلاميةٌ ما كان أعضاؤها مسلمين مؤيدين لفرائض الإسلام، غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذةً لأحكام الإسلام وتعاليمه، ولا بأس بأن تستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة ولا عبر بالشكل الذي تتخذه ولا بالنوع، ما دام موافقًا للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي.

 

6- إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية: بتحرير أوطانها وإحياء مجدها، وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها حتى يؤديَ ذلك كلُّه إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.

 

7- وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه.

 

وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على الجماعة متحدةً، وعلى كل أخٍ باعتباره عضوًا في الجماعة، وما أثقلها تبعاتٍ!! وما أعظمها مهماتٍ!!، يراها الناس خيالاً ويراها الأخ المسلم حقيقةً، ولن نيأس أبدًا، ولنا في الله أعظم الأمل: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)﴾ (سورة يوسف).

 

إن هذه الأهداف التي حدَّدها الإمام البنا في ركن العمل تمثِّل المرجعية الفكرية والحركية والدعوية لجماعة الإخوان المسلمين، كما تمثِّل الإطار الحاكم للعمل من أجل تحقيق الغاية والأهداف العامة التي تسعى الجماعة لتحقيقها، وعندما ندقِّق النظر والرؤية في هذه الأهداف نخلص إلى الآتي:

 

أولاً: تكامل الأهداف: فبداية الإصلاح هو الفرد والبيت والمجتمع، ولا يمكن بناء مجتمع دون بيوت مسلمة، ولا نستطيع تكوين بيوت مسلمة إلا بوجود الفرد المسلم (الزوج والزوجة) أساسًا للبناء والنهضة والتغيير، وهذه المراتب الثلاثة تسير جنبًا إلى جنب بصورةٍ مترابطةٍ ومتكاملةٍ، كما أنها تسلِّم بعضها بعضًا.

 

ثانيًا: شمول الأهداف: فمراتب ركن العمل التي ذكرها الإمام البنا تناولت كل عناصر النهضة؛ فلم يكتفِ الإمام بمرتبة إصلاح الفرد وتكوين البيت وإرشاد المجتمع، بل كان حريصًا على تحرير الأوطان، وإصلاح الحكومة، وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية وأستاذية العالم، فتصبح هذه الأهداف الشاملة لجميع جوانب الإصلاح المنشود تمثِّل الإطار العام لجهود المصلحين والدعاة والمخلصين من أبناء الأمة.

 

ثالثًا: واقعية الأهداف: لأن هذه الأهداف تسعى إلى إحداث تغيير تدريجي وليس فوريًّا.. تغيير جذري لا فوقي، وعميق لا سطحي، تشارك فيه الأمة ولا ننوب عنها.

 

ولقد تحققت هذه الأهداف بنسبٍ متفاوتة، ولكن إجمالاً لا يمكن تحقيقُها وتطبيقُها، وليست خيالاً وآمالاً صعبةَ المنال.

 

رابعًا: دقة الأهداف: فصياغة كل هدف مُحكَمةٌ ودقيقة ومُعبِّرة عن المقصود، فعندما تحدَّث الإمام عن مرتبة الفرد وصفها بـ"إصلاح الفرد نفسه"؛ لأن بناء الفرد وشخصيته تحتاج إلى إصلاح تنمية الجوانب الإيجابية وعلاج جوانب القصور والضعف.

 

وعندما تكلم عن مرتبة البيت وضع تكوين البيت المسلم الذي يتكون من الزوج المسلم والأخت المسلمة، وهما أساسا تكوين هذا البيت المسلم.

 

وعندما تحدث عن مرتبة المجتمع وصفها إرشاد المجتمع؛ لأن المجتمع يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه حتى يتصف بالمجتمع المسلم الراشد.

 

ثم يتبع ذلك مرتبة تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، سياسي أو اقتصادي أو ثقافي، وهو وصفٌ مُعبِّر عن تحرر الأوطان والشعوب من الهيمنة بكل صورها السياسية والعسكرية، والاقتصادية والثقافية.

 

وعندما تناول مرتبة الحكومة وصفها بإصلاح الحكومة حتى تكون إسلاميةً بحق، وهذا يحدد طبيعة هذه الدعوة بأنها تسعى للإصلاح من أجل تكوين حكومة إسلامية بحق، بغض النظر من يحكم؛ لأن العبرة بتطبيق المنهاج والنظام، وليس بالأشخاص والدعوات.

 

ثم يصف الإمام الخلافة الإسلامية بإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، وهذا تعبير دقيق عن واقع الأمة التي كانت لها خلافة واحدة وخليفة واحد، تمزقت بعد ذلك إلى دول ودويلات صغيرة، فكان الهدف هو إعادة هذا الكيان الدولي لهذه الأمة، ثم مرتبة أستاذية العالم، وهو تعبير حضاري راقٍ عن أمة وحضارة إنسانية رائعة تنطلق من سموِّ دعوتها وصلتها بالله- عز وجل- حتى يسود الحب والوئام في العالم أجمع.

 

خامسًا: معيارية الأهداف: فنجد أن الإمام البنا في كل مرتبة من مراتب ركن العمل يحدد لكل مرتبة أو هدف مظاهرَ تُحقِّقه والتي يمكن القياس عليها في مدى تحقق الهدف؛ ففي مرتبة الفرد المسلم يحدد صفات المسلم العشر- مثقف الفكر، متين الخلف...إلخ- كمظاهر تحقُّقٍ لها.

 

وفي مرتبة البيت المسلم يحدِّد الإمام البنا مواصفات هذا البيت بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على الأبواب الإسلامية، وفي مرتبة إرشاد المجتمع يحدِّد مظاهر تحقق ذلك بنشر دعوة الخير ومحاربة الرذائل والمنكرات، وكسبه الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وهكذا في باقي الأهداف.

 

سادسًا: مستويات تحقيق الأهداف: فمرتبة إصلاح الفرد لنفسه وتكوين البيت المسلم مهمةُ كل أخٍ على حدته، ومرتبة إرشاد المجتمع مهمة كل أخٍ على حدته ومهمة الجماعة كهيئة عامة، ثم باقي المراتب الأربع تجب على الجماعة متحدةً وعلى كل أخ باعتباره عضوٍ فيها.

 

وبالتالي يستطيع الفرد- كل فرد- أن يحدِّد دوره ومهمته في تحقيق هذه الأهداف بصورةٍ متكاملةٍ ومتوازنةٍ بين الدور الفردي والجماعي.

 

فإذا كانت هذه وقفةً مع الأهداف بصورتها العامة والكلية؛ فهناك وقفةً أخرى مع كل هدف على حدَّته وما اشتمل على تفصيلات.