تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض الأسس الواضحة لمنهج الإخوان المسلمين التي وضعها الإمام الشهيد حسن البنا- يرحمه الله-، وتحدثنا عن بعض المفردات الأساسية لهذا المنهج، وتطرقنا لغاية الإخوان ومصادرها والتضحية من أجلها، ثم تحدثنا عن مهمة الإخوان ورسالتهم، وختمنا حديثنا بأهداف الإخوان ومميزاتها، ونستكمل اليوم حديثنا عن خصائص ومميزات الإخوان.

 

خصائص ومميزات

لقد تميَّزت دعوة الإخوان المسلمين بالعديد من الخصائص والصفات التي جعلتها ذات تأثير قوي وفعَّال في كثيرٍ من المجتمعات والشعوب رغم اختلاف أجناسهم وعروقهم ولغاتهم وثقافاتهم، فاستطاعت أن تربطهم بالله- عزَّ وجل- والرجوع إلى كتابه الكريم واتباع سنة الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به في واقعهم وحياتهم وسلوكهم، واستطاعت أيضًا أن تُعمِّق الفهمَ الصحيح للإسلام وشموله لجميع مجالات الحياة والعمل على تحقيق وتطبيق المنهج الإسلامي والسعي لإقامة الدولة الإسلامية المنشودة.

 

كما ساهمت هذه الخصائص والمميزات على استمرارية هذه الدعوة وقيامها بدورها في إحياء الأمة الإسلامية وتوجيهها نحو الترابط والوحدة فيما بينها.. كل هذا رغم ما تعرضت له الدعوة من محنٍ شديدة وابتلاءات متعددة على مدار ثمانين عام تقريبًا فما وهنت وما ضعفت وما استكانت، ولكنها تزداد قوةً وانتشارًا وتأثيرًا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى أولاً ثم بفضل هذه الخصائص والمميزات التي تميزت لها، ومن هذه الخصائص:

 

أولاً: ربانية الدعوة

يصف الإمام البنا- رحمه الله- هذا المعنى في رسالة (دعوتنا في طور جديد) فيقول: "أما أنها ربانية فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعًا أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصمَّاء وجموحها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها، ونحن الإخوان نهتف من كل قلوبنا (الله غايتنا)، فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديدٍ هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى والتي نسوها فأنساهم الله أنفسهم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾ (البقرة).

 

ومن هذا الوصف الدقيق يتبين لنا أن هذه الدعوة ليست لها غاية إلا رضاء الله- عز وجل-، وليست لها أهداف إلا أن يتعرف الناس إلى ربهم وتقوي صلتهم بالله عزَّ وجل.. ودعوةٌ هذا وصفها لجديرة بأن تكون لها هذه المكانة في قلوب الناس؛ لأنها لا تبتغي مغنمًا من مغانم الدنيا وزينتها ولا جاهًا ومناصب يتكالب عليها الناس، فهي أسمى من ذلك كله لأنها ترجو ما عند الله- عزَّ وجل- من جنته ورضوانه، ولكي تتحقق هذه الصفة الربانية فإنها تتطلب عدة واجبات منها:

* الإخلاص وتجديد النية في كل عملٍ وقولٍ وفعلٍ بما يتوافق مع ربانية هذه الدعوة.

* الحرص على الطاعات والعبادات والأعمال التي تقوي الصلة بالله عز وجل.

* تهذيب النفس وتطهير القلب ونموّ الروح، وما يتطلب ذلك من مشارطة ومعاهدة للنفس، ودوام للمراقبة لها، ومحاسبتها على تقصيرها، واستمرار مجاهدة النفس وتعويدها على المكاره؛ مصداقًا لقول رسولنا الكريم: "حُفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".

* تحقيق القدوة العملية والسلوكية كمردودٍ طبيعي لربانية الداعية، كما وصفت السيدة عائشة رضوان الله عليها النبي- صلى الله عليه وسلم- بقولها: "كان خلقه القرآن، كان قرآنًا يمشي على الأرض".

* غرس هذه القيمة والصفة في نفوس أبناء هذه الأمة في دوائرنا المختلفة (الأهل والعشيرة- الأقارب- الجيران- الزملاء)، حتى تصبح سلوكًا لهذه الأمة، ويروى عن حال المسلمين في أيام الدولة الأموية "أنه في عهد الوليد بن عبد الملك انشغل الناس بالطعام والشراب لكثرة انشغاله به، وفي عهد عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد- انشغل الناس بالذكر والدعاء والصلاة والصيام والقيام لشدة انشغاله به"، ومن هنا لزم علينا أن نحرص أشد الحرص على إحياء هذه القيمة العظيمة لهذه الدعوة المباركة في نفوسنا ونفوس أبناء هذه الأمة.

 

ثانيًا: إسلامية الفكرة

قد تتعدد الرؤى والأفكار التي تنادي بالإصلاح والتغيير، وقد يثبت بعد مرور الوقت عدم صحتها أو جدواها في إحداث الإصلاح المنشود، ومن هنا حرص الإمام البنا- رحمه الله- أشد الحرص على توضيح مرجعية الفكرة الإسلامية التي نحملها وأنها لا تنفصل عن الإسلام قيد أنملة، فيقول- رحمه الله- في رسالة دعوتنا: "دعوتنا أجمع ما توصف به أنها إسلامية ولهذه الكلمة معنى واسع غير المعنى الضيق الذي يفهمه الناس، فإنا نعتقد أن الإسلام معنى شامل ينتظم شئون الحياة جميعًا ويفتي في كل شأنٍ منها، ويضع له نظامًا محكمًا دقيقًا، ولا يقف مكتوفًا أمام المشكلات الحيوية والنظم التي لا بد منها لإصلاح للناس.. أجل دعوتنا إسلامية بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، فافهم ما شئت بعد ذلك وأنت في فهمك هذا مقيد بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالح من المسلمين".

 

إن هذا التأكيد الواضح والدقيق على إسلامية الفكرة ومرجعيتها يتطلب منا عدة أمور منها:

* الاعتقاد الجازم بسلامة الفكرة وصحة منهجها المستمد من الإسلام وتعاليمه.

* الفهم الواضح للمنهج الإسلامي في التغيير والإصلاح.

* السعي الجاد لتعميق الفكرة الإسلامية في نفوس أبناء الأمة بكل الوسائل الممكنة والمتاحة.

* عدم التراجع أو التخلي عن الفكرة الإسلامية تحت الضغوط أو المحن أو الانحرافات فالثبات على الفكرة قوة وانتصار في حقيقة الأمم.

* عدم الخديعة بغير هذه الفكرة الإسلامية من أطروحات ورؤى تحت دعوى الواقعية والتجديد والتمشي مع متطلبات العصر المرحلية، وغير ذلك فيما يحاول أعداء الإسلام ترويجه وإشاعته في عقول أبناء هذه الدعوة والأمة جمعاء.

 

ثالثًا: شمولية المنهج

لقد اتسمت دعوة الإخوان المسلمين بالشمول في جميع نواحي الإصلاح في الأمة، ولم تترك، أو تهمل مجالاً من المجالات المنوطة بالإصلاح والتغيير.

 

وفي هذا يقول إمامنا الشهيد حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس: (كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثَّلت فيها كل عناصر غيرها من الفِكَر الإصلاحية، وأصبح كل مخلصٍ غيورٍ يجد فيها أمنيته، والتقت عندها آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها، وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك أن الإخوان المسلمين:

دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وطريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.

وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل والإعراض عن الخلق، والحب في الله والارتباط بالخير.

وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح في الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعوب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد.

وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن لبدنك عليك حقًّا"، وإن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدى صحيحة إلا بالجسم القوي.

ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضةً على كل مسلم ومسلمة ولأن أندية الإخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح.

وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه وهو الذي يقول عنه نبيه- صلى الله عليه وسلم- "نعم المال الصالح للرجل الصالح"، ويقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفورًا له"، "إن الله يحب المؤمن المحترف".

وفكرة اجتماعية: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها".

 

وهكذا نرى أن شمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها، يتجهون إليها جميعًا، ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعًا.

 

ويحدد الإمام البنا- رحمه الله- في رسالة "الإخوان تحت راية القرآن": طبيعة هذه الدعوة وأنها شاملة لكل الجوانب والمجالات فيقول: "لسنا حزبًا سياسيًّا وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا، ولسنا جمعية خيرية إصلاحية وإن كان عمل الخير والإصلاح من أعظم مقاصدنا، ولسنا فرقًا رياضيةً وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلنا، لسنا شيئًا من هذه التشكيلات فإنها تبررها غاية موضعية محدودة لمدة محدودة، وقد لا يوحي بتأليفها إلا مجرد الرغبة في تأليف هيئة والتحلي بالألقاب الإدارية فيها، ولكننا أيها الناس فكرة وعقيدة، ونظام ومنهج، لا يحده موضع ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك لأنه نظام رب العالمين، ومنهاج رسوله الأمين".

 

إن هذا الشمول الذي تتسم به هذه الدعوة والمنبثق من الفهم الشامل الصحيح للإسلام يوجب علينا عدة أمور منها:

* الاستيعاب الجيد لجميع مجالات الدعوة وأنشطتها المختلفة والترابط فيما بينها.

* الحرص على التنفيذ العملي والتطبيقي لجميع مجالات الدعوة في واقعنا الفردي والأسري والمجتمعي.

* إحداث التوازن المطلوب بين مجالات الدعوة المتعددة وعدم تغليب جانب على آخر الحرص على إكساب وتنمية المهارات المطلوبة لتحقيق وتطبيق هذه المجالات في الواقع.

* عدم التنازل عن أي مجال من مجالات الدعوة تحت أي ظرف كان أو تأثير بالضغوط أو الإغراءات أو أي محاولة لصرفنا عن هذا الشمول تحت دعوى أن يكون لنا حزب أو غير ذلك، ولنعلم أن الإخوان المسلمين هيئة شاملة والعمل السياسي أحد مجالاتها، والحزب السياسي أحد وسائل العمل السياسي، بهذا الفهم تستقيم الأمور وتتوحد الجهود والتصورات ونستطيع أن نحقق المراد.

 

رابعًا: التجرد للفكرة الإسلامية

ومن خصائص هذه الدعوة التجرد للفكرة الإسلامية مما سواها من المبادئ والأشخاص، لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة من الآية 138).

 

ويعبر الإمام البنا عن ذلك في رسالته دعوتنا بقوله: "ونحب أن يعلم قومنا أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة، قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض، ومضت قدمًا في الطريق التي رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: من الآية 108)، فلسنا نسأل الناس شيئًا، ولا نقتضيهم مالاً، ولا نطالبهم بأجر، ولا نتزيد بهم وجاهة، ولا نريد منهم جزاءً ولا شكورًا إن أجرنا إلا على الذي فطرنا".

 

بهذه الكلمات الواضحة حدد الإمام البنا طبيعة هذه الدعوة وسمو مقصدها ومنهجها ووسائلها التي من خلالها تسعى وتعمل لتحقيق الغاية الأسمى وهي التمكين لدين الله في الأرض، ومن هنا لزم على كل من يحمل هذه الدعوة وينسب إليها عدة أمور منها:

* الارتباط بالفكرة والمنهج التي من أجلها نعمل، واستيعاب ما يتعلق بها.

* عدم الارتباط بالأشخاص أو الأفكار الفردية والتي لا تصب في مصلحة الدعوة.

* التسامي عن المطامع الشخصية والمنافع والمادية حتى يكون منا جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة.

* ترك الأهواء والأغراض الشخصية وحظوظ النفس حتى نكون من الذين خلت نفوسهم من حظ أنفسهم فيتنزل عليهم نصر الله وتمكينه لهم في الأرض.

 

خامسًا: عالمية الدعوة

إن دعوة الإخوان لم توجه إلى قطر دون آخر أو إلى جنس دون آخر، ولكنها موجهة إلى الناس كافة، وفي ذلك يقول الإمام البنا في رسالة "دعوتنا في طور جديد": "وأما أنها عالمية فلأنها موجهة إلى الناس كافة لأن الناس في حكمها إخوة، أصلهم واحد، وأبوهم واحد، ونسبهم واحد، لا يتفاضلون إلا بالتقوى، وبما يقدم أحدهم للمجموعة من خير سابغ وفضل شامل ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ (النساء: من الآية 1).

 

فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية، ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان، ولكننا ندعو إلى الإخوة العادلة بين بني الإنسان"، وعلى هذا الدرب سارت دعوة الإخوان منذ نشأتها حتى يومنا هذا فلم تنغلق على قطر بل انتشرت في ربوع العالم بمختلف أجناسه ولغاته وثقافاته، واستطاعت أن تحيي قيم الإسلام ومبادئه في نفوس أجيال متعاقبة في أقطار متعددة رباطهم واحد، ولائهم واحد، هدفهم واحد، منهجهم واحد دون نظر لجنس أو لون أو عرق، فحق فيهم قول الإمام البنا: "أنتم روح جديد تسري في هذه الأمة فتحييها بالقرآن".

 

ومن هنا وجب علينا عدة أمور منها:

* استشعار عالمية هذه الدعوة، واستشعار عظم المسئولية تجاه الأمة والعالم بأسره.

* التضامن الكامل مع قضايا العالم الإسلامي بكل الصور والوسائل الممكنة.

* التعريف بالدعوة ومبادئها وأفكارها في كل موضع في هذا العالم حتى نكون نعم السفراء لهذه الدعوة.

* الدعاء بورد الرابطة الذي يجمع بين قلوب أصحاب هذه الدعوة مهما تباعدت المسافات بينهم.

 

سادسًا: التدرج في الخطوات

لقد حرص الإمام البنا- رحمه الله- على اقتفاء أثر النبي- صلى الله عليه وسلم- واتباع منهجه في بناء الدولة الإسلامية الأولى؛ فلذلك اعتمد الإمام البنا التربية منهجًا وسبيلاً لإعداد الصف المؤمن القادر على إنفاذ أهداف الدعوة المنشودة، كما اعتمد التدرج والمرحلية أسلوبًا للحركة بالدعوة والتعريف بها.

 

ولقد أوضح الإمام البنا هذا النهج في الدعوة في رسالة المؤتمر الخامس بقوله: "وأما التدرج والاعتماد على التربية ووضع الخطوات في طريق الإخوان المسلمين فذلك لأنهم اعتقدوا أن كلمة دعوة لا بد لها من مراحل ثلاث:

* مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب.

* ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين.

* ثم مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج.

 

وكثيرًا ما تسير هذه المراحل الثلاث جنبًا إلى جنب نظرًا لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعًا، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي أو النتيجة الكاملة لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار ومتانة التكوين".

 

ولقد تميَّزت دعوة الإخوان بهذه الخاصية التي جمعت فيها بين الانتشار والجماهيرية من ناحية وبين الاصطفاء وتخير الأنصار وإعدادهم؛ ولذلك وصفها بعض الدعاة بأنها دعوة جماهيرية اصطفائية، وكل مرحلة من هذه المراحل الثلاث للتعريف والتكوين والتنفيذ لها من الوسائل والأنشطة التي تحققها، ومن هنا نستشعر واجباتنا في تلك المرحلة الراهنة، والتي تمر بنا، ومن ذلك:

* نشر الدعوة وشرح الفكرة بأسلوب واضح لا لبس فيه ولا غموض ويناسب كل شريحة أو فئة.

* حسن اختيار الأنصار وإعداد الرجال الذين يحملون عبء هذه الدعوة.

* التوازن الدقيق بين المراحل الثلاث وعدم تغليب جانب على آخر. والتداخل والتكامل بين المراحل الثلاث عند التنفيذ مع إعطاء الأولوية للتربية والتكوين لأنها بمثابة العمود الفقري لهذه الدعوة.

* عدم التعجيل في الخطوات دون مراعاة لدقة الإنجاز وأثره في البناء المنشود.

* اليقين بأن هذه الخطوات والمراحل لا بديل عنها مهما تغيرت الظروف والأحوال لأنها تمثل التغيير على منهاج النبوة.

 

سابعًا: دعوة تجمع ولا تفرق

إن أهم ما يميز دعوة الإخوان أنها تجمع القلوب حولها لأنها تحرص على وحدة المسلمين وترابطهم، وتوقن أن وحدة الأمة الإسلامية سر قوتها ونهضتها، وفي ذلك يقول الإمام البنا في رسالة دعوتنا: "فاعلم- فقهك الله- أولاً أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبه، وتود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأكبر، فدعوة الإخوان دعوة بيضاء غير ملونة بلون، وهي مع الحق أينما كان، تحب الإجماع وتكره الشذوذ، وأن أعظم ما مني به المسلمون الفرقة والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها، هذه قاعدة أساسية وهدف معلوم لكل أخ مسلم، وعقيدة راسخة في نفوسنا، نصدر عنها وندعو إليها. ومن هنا وجب علينا أن نحقق هذه الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية وهذا يستلزم عدة أمور منها:

- إشاعة روح الحب والوحدة والترابط بين أبناء الأمة ولو اختلفت آراؤهم وأفكارهم فكما يقال الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.

- التعاون بين العاملين للإسلام إعمالاً للقاعدة الذهبية نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.

- عدم التعصب للرأي، وندور مع الحق حيثما كان، فالحق أحق أن يتبع.

- توحيد الجهود والطاقات في القضايا الأساسية للأمة الإسلامية.

 

ثامنًا: البعد عن مواطن الخلاف

ولقد فقه الإمام البنا- رحمه الله- هذه المسألة منذ نشأة الدعوة وتأسيسها، وكان حريصًا أشد الحرص على عدم الخوض في الخلافات الفقهية في الأمور الفرعية، ولذا نجده يوجه الإخوان ويرشدهم في رسالة المؤتمر الخامس فيقول: (فأما البعد عن مواطن الخلاف الفقهي فلأن الإخوان يعتقدون أن الخلاف في الفرعيات أمر ضروري، إذ إن أصول الإسلام آيات وأحاديث وأعمال تختلف في فهمها وتصورها العقول والأفهام، لهذا كان الخلاف واقعًا بين المسلمين، وما زال كذلك وسيظل إلى يوم القيامة، وليس العيب في الخلاف ولكن العيب في التعصب للرأي والحجر على عقول الناس وآرائهم).

 

ثم يؤكد الإمام البنا على هذا المعنى في رسالة دعوتنا ويسوق أدلته بقوله: "ونحن نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه ولا يمكن أن تتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب لأسباب عدة: اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه.. سعة العلم وضيقه.. واختلاف البيئات، وكل هذه الأسباب جعلتنا نعتقد أن الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين، وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور ويعايش الأزمان، وهو لهذا سهل مرن هين لين لا جمود فيه ولا تشديد، ذلك منهاج الإخوان المسلمين أمام مخالفيهم في المسائل الفرعية في دين الله يمكن أن أجعله لك في: إن الإخوان يجيزون الخلاف ويكرهون التعصب بالرأي، ويحاولون الوصول إلى الحق، ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب".

 

إن هذه العبارات الرائعة الموجزة من كلام الإمام المؤسس تتطلب منا عدة أمور منها:

* عدم التعصب للرأي والحجر على عقول الناس وآرائهم.

* الاعتقاد بأن الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل.

* التماس العذر كل العذر لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات.

* الحب والتقدير والاحترام والتفاهم في جو من الصفاء مع المخالفين لنا في الرأي.

 

تاسعًا: إيثار الناحية العملية

إن التطبيق العملي للفكرة والمبادئ التي تدعو إليها وعدم الاكتفاء بالقول من أسس نجاح دعوة الإخوان وانتشارها، ويوضح لنا الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس حيثيات ذلك، فيقول: "وأما إيثار الناحية العملية على الدعاية والإعلانات فقد أثارها في نفس الإخوان ودعا إليها في منهاجهم أمورٌ منها:

- ما جاء به الإسلام خاصًا بهذه الناحية بالذات، ومخافة أن تشوب هذه الأعمال شوائب الرياء فيسرع إليه التلف والفساد والموازنة بين هذه النظرة، وبين ما ورد في إذاعة الخير، والأمر به والمسارعة إلى إعلانه ليتعدى نفسه، أمر دقيق قلما يتم إلا بتوفيق.

- نفور الإخوان الطبيعي من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة والتهريج الذي ليس من ورائه عمل، وما أنتجه هذا في الأمة من أثر سيئ وتضليل كبير وفساد ملموس.

- ما كان يخشاه الإخوان في معالجة الدعوة بخصومة حادة أو صداقة ضارة ينتج عن كليهما تعويق في السير أو تعطيل عن الغاية.

 

- كل هذه أمور وضعها الإخوان في ميزانهم وآثروا أن يسيروا في دعوتهم بجد وإسراع ولم يشعر بهم إلا من حولهم، وإن لم يؤثر ذلك إلا في محيطهم".

 

ثم يحدد الإمام البنا الواجبات المنوطة بنا حتى تحقق ذلك بقوله في نفس الرسالة: "فقد وجب عليكم: أن تبينوا للناس غايتكم ووسيلتكم وحدود فكرتكم ومنهاج أعمالكم.. وأن تعلنوا هذه الأعمال على الناس لا للمباهاة بها، ولكن للإرشاد إلى ما فيها من نفع للأمة وخير لأبنائها.. احرصوا أن تكونوا صادقين لا تتجاوزون الحقيقة، وأن تكون دعايتكم في حدود الأدب الكامل والخلق الفاضل والحرص التام على جمع القلوب وتكاليف الأرواح، واستشعروا كلما ظهرت دعوتكم أن الفضل في ذلك كله لله: ﴿بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (الحجرات: من الآية 17).

 

عاشرًا: شورية الجماعة

ولقد اختارت الجماعة الشورى أساسًا لها انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: من الآية 38)، واتباعًا لسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين من بعده.

 

وفي ذلك يقول إمامنا الشهيد- رحمه الله- في رسالة "مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي": "ونصت على ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين من بعده: إذا جاءهم أمر جمعوا أهل الرأي من المسلمين، واستشاروهم ونزلوا عند الصواب من آرائهم، بل إنهم ليندبوهم إلى ذلك ويحثونهم عليه، فيقول أبو بكر رضي الله عنه: "فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني أو قوموني". ويقول عمر بن الخطاب: "من رأى فيًّ اعوجاجًا فليقومه"، والنظام الإسلامي في هذا لا يهمه الأشكال ولا الأسماء متى تحققت القواعد الأساسية التي لا يكون الحكم صالحًا بدونها".

 

ولقد اعتمدت الجماعة الشورى كسلوك عملي وتطبيقي في واقعها وتربية الأفراد على كيفية ممارستها، وكان الاختيار الفقهي بأن الشورى ملزمة وليست معلمة أثر كبير في تعميق المؤسسية في مستوياتها المتعددة، ولذا لزم علينا عدة أمور منها:

- الالتزام بالشورى سلوكًا وفقهًا وممارسةً.

- تعميق روح الشورى داخل الدوائر المحيطة بنا (الأهل- الأقارب- الزملاء).

- السعي الحثيث لترسيخ الشورى في مؤسسات المجتمع والإعلاء من قيمتها.

- الحفاظ على قيمة الشورى كأحد القيم الإسلامية الأصلية في بناء المجتمع المسلم وعدم التأثر بالدعوات التي تحاول صرفنا عنها.