الحجاب ليس تعسُّفًا دينيًّا أو تسلُّطًا رجوليًّا ولكنه رحمة إلهية من عالِم الغيب الذي يعلم فطرة المرأة وفطرة الرجل، ويعلم كيف تستقيم الفطرتان معًا، وكيف يصان العفاف ويحفظ الشرف ويُرمَزُ للإيمان؛ وحين فقد المجتمع طريقه وأساء لفطرته أصبح مجتمعًا مريضًا يحتاج إلى العلاج؛ فربَّى البعض أبناءه بفكر يميل للعلمانية أو على أقل وصف يستسلم لغزوها الإعلامي والفكري الذي جعل العديد من الظواهر البعيدة عن إسلامنا أمرًا طبيعيًّا لا نستغربه في يومنا هذا؛ فظهر اغترابٌ وبُعدٌ عن الفطرة لا نلوم عليه شبابنا أو ضحايانا؛ فمَن شَبَّ على شيء لن يقتنع بغيره دون جهد وإرادة جمَّة.

 

ومن المؤلم تخلي بعض فتيات الإسلام عن حجاب سترهن وعفتهن وأخريات يكسين رءوسهن وينسين أجسادهن.

 

وهو ما جعلنا نتساءل: لماذا تركت بعض الفتيات الحجاب؟ ومن خلال البحث والاستقصاء بين عددٍ كبيرٍ من الفتيات، توصلنا لعشرة أعذار رئيسية تقولها أغلب الفتيات، وناقشنا كل منها على حدة مع أحد المتخصصين.

 

حجج وأسباب!!

عدم الاقتناع بالحجاب هو العذر الأول الذي تردده كثير من الفتيات المسلمات، والذي تشجعهن عليه أخريات قد يكنَّ يرتدينه ولكنهن ينصحن غيرهن بقولهن: لا تفعلن إلا ما تقتنعن به!!، وهو السبب الذي أبدته منال عبد الحميد الطالبة بكلية التجارة.

 

أما سها حافظ الطالبة بكلية الإعلام فذكرت أن بعض الأهالي يمنعون بناتهن من لبس الحجاب لأسباب مختلفة، وهنا تجد الفتاة نفسها في حيرةٍ بين طاعة ربها وطاعة أهلها، مبررةً رفض والدها ارتداءها للحجاب بأنه يتمنى لها أن تعمل في مجال تقديم البرامج بالتلفاز، وهو ما سيقلل- حسب رأيه- فرصها كثيرًا إذا ارتدت الحجاب.

 

إيمان أحمد الطالبة بكلية الحقوق ترى أن بعض الفتيات يرفضن ارتداء الحجاب بسبب حرارةِ الجو، مضيفةً أن الجو في بلادنا حار بصورةٍ خانقةٍ، وارتداء الحجاب- حسب قولها- سوف يزيد من إحساسها بالحر!!.

 

بينما قالت هناء فرج الطالبة بكلية التجارة: "أخاف إذا التزمت بالحجاب أن أخلعه مرةً أخرى، فقد رأيت كثيرات يفعلن ذلك"!!.

 

سارة عبد الخالق الطالبة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بررت عدم التزامها بالزي الشرعي بخشيتها أن تُحسب على تيار معين أو جماعة معينة، مؤكدةً أنها تكره التحزب!.

 

أما هدى عبد السلام الطالبة بمعهد الخدمة الاجتماعية فتشير إلى أن كل قريباتها أكدن لها أنها إذا لبست الحجاب فلن يتزوجها أحد؛ لذلك عليها تركه حتى تتزوج!.

 الصورة غير متاحة

 حجاب المرأة المسلمة وقار في الدنيا ونور في الآخرة

 

وبعض الفتيات يؤجلن ارتداء الحجاب ولا يجدن سببًا فيرددن كما تقول سها جمال الطالبة بكلية الحقوق: "أعرف أن الحجاب واجب، ولكنني سألتزم به عندما يهديني الله".

 

ومن الغرائب التي سمعناها ربط بعض الفتيات بين الالتزام بالحجاب وكبر سنهنَّ بل وقيامهن بتأدية فريضة الحج، فتقول منى محمود الطالبة بكلية العلوم: "الوقت لم يحن بعد وأنا ما زلت صغيرة على الحجاب، وسألتزم بالحجاب بعد أن أكبر وبعد أن أحج".

 

وكان سبب منى كامل طالبة بالثانوية العامة في عدم ارتداء الحجاب هو أن إمكانياتها المادية لا تكفي لاستبدال ملابسها الحالية بملابس أخرى شرعية!.

 

ويأتي أخيرًا أكثر الأسباب والحجج غرابة وهو ما جاء على لسان سارة محمدي بمعهد الحاسب الآلي: "لا أتحجب عملاً بقول الله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)﴾ (الضحى)، فكيف أخفي ما أنعم الله به عليّ من شَعرٍ ناعمٍ وجمالٍ فاتنٍ؟!.

كل هذه الأعذار والأسباب طرحناها على المتخصصين لمعرفة رأيهم فيها والذي كان كالتالي:

 

عدم الاقتناع.. خلل

عن السبب الأول الذي أبدته بعض الفتيات وهو عدم الاقتناع كان رد الداعية سُمَيّة رمضان، والتي استهلت كلامها بالقول: مَن يرددن هذا العذر لديهن خلل في أساس العقيدة يحتجن إلى علاجه بالقراءة والاطلاع على كتب الفقه والعقيدة؛ لأن اعتناق الإسلام والإيمان بالله والقرآن والفروض الدينية تعتبر كلاًّ لا يتجزأ، فالله سبحانه وتعالى الذي نؤمن بألوهيته أمَر بالحجاب في كتابه، والرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- الذي نؤمن برسالته أمر بالحجاب في سنته.

 الصورة غير متاحة

احذري أختي المسلمة فالمؤامرات تحاك ضد حجابك!!

 

ثم وجهت سمية الدعوة إلى الفتيات الممتنعات عن الحجاب ليقمن بالبحث في هذا الأمر، ولكنه بحث مَن تريد الحقيقة ليتوصلن إلى أن الحجاب فرضٌ لا فصال فيه، ولم يختلف عليه أي من العلماء، ووجه اختلافهم الوحيد كان في كيفيته ما بين مَن قال بالحجاب ومَن رجَّح النقاب.

 

وأكدت سمية أن عدم الاقتناع بالحجاب منزلق خطير قد يصل إلى الكفر؛ لأن الإيمان بالقرآن فرض على كل مسلم ومسلمة، والحجاب مذكور في القرآن وإنكاره إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة، وعلى الفتاة غير المحجبة أن تدعو الله لنفسها بالهداية وتتمناها مخلصةً صادقةً، وأن تمهد السبيل لتلك الهداية.

 

موافقة الأهل.. لا طاعة في معصية

الحجة الثانية التي طرحتها الفتيات وهي عدم موافقة الأهل ترد عليها الداعية وفاء مشهور بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، موضحةً أنه على الرغم من أن الله- سبحانه وتعالى- قد أمرنا في كتابه الكريم ومن خلال سنة نبيه بطاعة الوالدين وإكرامهما وجعل إرضاءهما سببًا من أسباب دخول الجنة وإغضابهما سببًا من أسباب دخول النار، ولكن هذه الطاعة تظل قائمةً ما لم يأمرا بمعصية الله مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾ (لقمان: من الآية 15)، مضيفةً: ولقد أكد ديننا الكريم المبادئ سمح المنهج على الإحسان إليهما وبرهما مع تلازم عدم طاعتهما في المعصية ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ (لقمان: من الآية 15).

 

وفاء مشهور

 

وتقدم وفاء مشهور حلاًّ لهذه المشكلة من آداب وتعاليم الإسلام فتقول: إن الفتاة التي يرفض والداها ارتداءها الحجاب عليها أن تحسن النية لله وتصدق مع الله وترتدي حجابها وتحسن إلى والديها وتتودد إليهما توددًا شديدًا وترضيهما وتؤدي حقوقهما كاملةً بل وتبدع في تقديم هذا الحق وتتفنن في أدائه وتتبع المعاملة الراقية وآداب الحوار، مؤكدةً أنه سيكون لهذا أثر كبير في نفس الوالدين؛ لأنهما سيُقدران أن التزام ابنتهما أثمر في خلقها وأدى إلى تغيير رائع بها.

 

وأضافت أنه على الفتاة أن تنتهز الفرص اللطيفة وتتحاور مع والديها في أمر حجابها وعليها أن تفصل تمامًا بين الاختلاف في وجهة النظر معهما، وبين باقي أمور الحياة، ولا تلجأ إلى أسلوب العناد والتمرد.

 

وتلفت وفاء الانتباه إلى أن الإنسان عندما يريد تحقيق أمر ما فإنه يتبع كل الطرق من أجل تحقيقه ويسعى خلفه، فلو أرادت الفتاة ارتداء الحجاب عن إيمانٍ كاملٍ بأنه مطلب شرعي لا فصالَ فيه سوف تصل إليه بإذن الله.

 

الجو حر.. جهنم أحَرّ

حرارة الجو كانت الحجة الثالثة التي ردت عليها الداعية كريمة عبد الغني بقول الله تعالى: ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ (التوبة: من الآية 81)، متسائلةً: كيف تقارنين حر بلادك بِحَرِّ نار جهنم؟!.

 

وتتابع: علينا أن نتعظ بحرارة الشمس ونذكر عذاب جهنم وألم المعصية، ولنتأمل كيف يتحمل أهل الباطل الصعوبات من أجل باطلهم ولا يتحمل أهل الحق الصعوبات لنصرة ما يؤمنون به! فمعاناة الدنيا قصيرة ويعقبها راحة طويلة في الجنة؛ ونار جهنم 70 ضعفًا من حر شمس الأرض وفي بعض الروايات 100 ضعف.

 

التردد.. العون من الله

 

د. رجب أبو مليح

وكان التردد وعدم الاستقرار والخوف من خلع الحجاب بعد ارتدائه حجةً ذكرتها بعض الفتيات وقال د. رجب أبو مليح- دكتوراة في الشريعة الإسلامية-: "لو فكَّر كل الناس بمنطقكِ هذا لتركوا الدين جملةً وتفصيلاً ولتركوا الصلاةَ؛ ولتركوا الصيامَ؛ لأن كثيرين يخافون من تركه، وغيره كثير".

 

ويضيف: هذا ضعف من النفس ليس له مبرر، ولا بد أن ينوي الإنسان أداء الفرض والعبادة دون انقطاع، وحتى إذا فرضنا أن فتاةً ضعفت وخلعت حجابها وتابت وعادت فإن هذا أفضل لها من الاستمرار في المعصية والموت عليها، موضحًا أنه على كل فتاةٍ معرفة أن الله يقبل التوبة، وعليها أن تطلب العون من الله، وتدعوه أن يثبتها على الطاعة والحجاب، ولا بد لها أن تصدق النية في التوبة وفي الدعاء، وعليها ألا تسمح للشيطان بأن ينصب حبائله مرةً أخرى، ويصدها عن الهدى.

 

التحزب.. حزب الله وحزب الشيطان

وعن الخوف من وصم الفتاة المحجبة بالتحزب أو الانتماء لتيارٍ معين فيقول فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب- من علماء الأزهر الشريف وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين-: صاحب المعاصي لا يبالي أن ينسب إلى المعاصي وأصحابها؛ فكيف بصاحب العفة والطهر؟! فهذا شرف ننوله في الدنيا والآخرة.

 

وهو ما اتفقت معه الداعية كريمة عبد الغني بقولها: إن في الإسلام حزبين فقط لا غير، ذكرهما الله في كتابه الكريم؛ الحزب الأول: هو حزب الله، الذي ينصره الله تعالى بطاعة أوامره واجتناب نواهيه ومعاصيه، والحزب الثاني: هو حزب الشيطان، الذي يعصي الرحمن ويكثر في الأرض الفساد.

 

وناشدت كل فتاة أن تنظر في أي طريق تسير؛ مع مَن أحب الله وأحب رضاه وأرضاه بحجاب القلب والجسد؛ أم هي أداة للفتنة وسهم من سهام الشيطان وإحدى أعضاء حزبه الأثيم.

 

العنوسة.. الغاية والوسيلة

 الصورة غير متاحة

أختاه.. حجابك صون لك وحفظ وحرز من الشيطان

أما عن ربط بعض الفتيات بين الحجاب والعنوسة فترد الداعية كريمة عبد الغني مستنكرةً: أي زوج هذا الذي يريد عروسًا متبرجةً متاحةً لكل عين؟! أي زوج هذا الذي لا يغار على محارم الله، ولا يغار على زوجته، ولا يعينها على دخول الجنة والنجاة من النار؟!.

 

وتكمل: إن بيتًا بني من أساسه على معصية الله وإغضابه حق على الله تعالى أن يكتب له الشقاء في الدنيا والآخرة، ثم توجه نصيحتها إلى هذه الفتاة بقولها: الغاية لا تبرر الوسيلة، فكم من محجبة تزوجت وكم من متبرجة لم تتزوج!!.

 

ثم تؤكد: إن التبرج والسفور لم يكن أبدًا وسيلة لغاية طاهرة ألا وهي الزواج؛ فالغاية الطاهرة لا تبيح الوسيلة الفاجرة في الإسلام؛ فإذا شرفت الغاية فلا بد من طهارة الوسيلة.

 

سوف.. سوف

التسويف والتأجيل حتى تتحقق الهداية من الله كان أحد الأسباب أيضًا والذي ترد عليه الداعية كريمة عبد الغني بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11)، متسائلةً: ماذا فعلتِ أختي ليحقق الله لكِ الهداية؟!.

 الصورة غير متاحة

الحجاب فريضة شرعية

 

وتتابع: إن لكل شيء سببًا، فالمريض يتناول الدواء كي يشفى، والمسافر يركب العربة أو الدابة حتى يصل إلى غايته، والأمثلة لا حصر لها، فهل سعيتِ جادةً في طلب الهداية، وبذلتِ أسبابها، من دعاء الله تعالى مخلصةً، كما قال تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)﴾ (الفاتحة)؟.

 

وهو ما اتفق عليه رأي كلٍّ من د. رجب أبو مليح والداعية سُمَية رمضان من أن الهداية لا بد من تمهيد الطريق لها والصدق في طلبها والدعاء بها واتخاذ كافة أسبابها من مجالسة الصالحات، فإنهن خير معين على الهداية والاستمرار فيها، حتى يهديها الله تعالى، ويلهمها رشدها وتقواها فتلتزم بأوامره تعالى وتلبس الحجاب الذي أمر الله به المؤمنات.

 

صغيرة.. الموت لا يفرق

وعمَّا تقوله بعض الفتيات بأنهن صغيرات على الحجاب فيقول د. رجب أبو مليح: ملك الموت زائر يقف على بابِكِ ينتظر أمر الله حتى يفتحه عليك في أي لحظةٍ من لحظاتِ عمركِ، مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ (الأعراف: من الآية 34).

 

ويكمل بقوله: إن الموتَ لا يعرف صغيرةً ولا كبيرةً، وربما جاء لكِ وأنت مقيمة على هذه المعصية العظيمة والتي تحاربين بها رب العزة سبحانه وتعالى بسفوركِ وتبرجكِ.

 

أزمة اقتصادية

وكانت الأزمة الاقتصادية عاملاً ذكرته بعض الفتيات الأخريات في عدم الالتزام بالحجاب، وهو ما ردت عليه الداعية سمية رمضان بقولها: في سبيل رضوان الله تعالى، ودخول الجنة يهون كل غالٍ ونفيسِ؛ من نفس أو مال؛ ولو صدقتِ النية فسوف يدبر الله لكِ أمركِ؛ وجمالكِ سيكون في البساطة والعفة.

 

إبراز الجمال.. سره الحجاب

أما إبراز نعمة الجمال لدى بعض الفتيات فكانت حجةً أيضًا لعدم الالتزام، وهو ما يرد عليه د. رجب أبو مليح بقوله: إنها حجة ساقطة ومضحكة، فالإنسان لا يفسر القرآن بعقله، والتحدث بالنعمة لا يعني المعصية بالفرض، أما سر جمال المرأة في واقع الأمر فهو الحجاب، مضيفًا أن ما تفعله مثل هذه الفتاة هو أنها تلتزم بكتاب الله وأوامره ما دامت هذه الأوامر توافق هواها وفهمها، وتترك نفس هذه الأوامر حين لا تعجبها، وإلا فلماذا لم تلتزم بقوله تعالى: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ (النور: من الأية 31)، أو بقوله سبحانه: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ (الأحزاب: من الآية 59)؟!.