يوم عالمي جديد للمرأة وحريتها يتغنى به العالم في المؤتمرات وعلى شاشات التليفزيون والفضائيات وسائر وسائل الإعلام؛ يحتفون بتطور أوضاع المرأة وما أحرزته من وجهة نظرهم، وما نالته من مكاسب.. وينددون بوضعها وانتهاك حريتها في البلاد العربية والإسلامية، منادين بحقوقها؛ فطالبوا بحقِّ الإجهاض وبقانون يُبيح عمليات الترقيع وبآخر يُعطي الزوجةَ الحق أن تُقيم دعوى جنائية ضد زوجها وعقابه بالحبس في حالةِ قيامه بالعلاقة الجنسية الشرعية دون رغبتها بما يُسمَّى "اغتصاب الزوجة"!!.

 

ويطالبون بضرورة إعطاء أجرة للزوجة مقابل أنها راعية لبيت الزوجية وخدمة زوجها وأولادها، متناسين أنه من قِبيل حُسن المعاشرة الزوجية وتكامل الأدوار.

 

وكأنَّ الحريةَ المفقودةَ لنسائنا أن يقتلن النفس التي أودعها الله في أرحامهن، وأن يُتاح لضعافِ النفوس منهن إخفاء أثر زوال عفتهن، وأن يشعن الفتنة برفضِ أزواجهن وهجرهن؛ وكأنَّ الحرية أن نحل ما حرَّم الله ونُحرِّمَ ما أحله الله بحكمةِ الغيب والعلم الرباني بفطرةِ البشر نساءً ورجالاً.

 

كل تلك الحقوق المزعومة تذكَّروها وأنفقوا بسخاءٍ من أجل المطالبة بها، ونسوا حق تلك المرأة العربية في الحياة في غزة وفلسطين والعراق، وحقها كمهاجرةٍ في بلادهم- معقل الحرية وراعية حركة تحرير المرأة- في إعلان هويتها وانتمائها الديني والتعبير عن شخصيتها الإسلامية بحجابها الذي لا تضر به أحدًا.

 

حقوق ضائعة..

 الصورة غير متاحة

الرضيع محمد ناصر البرعي أحد ضحايا الإجرام الصهيوني

 لماذا تجاهلوا نساء غزة تحت المحرقة الصهيونية وحقهن وأطفالهن في الحياة وحقهن في الموت غير متفحماتٍ ومحروقاتٍ بنيران الغدر الصهيوني أو نازفاتٍ حتى الموت برصاصاتِ الحقد الأعمى التي قتلت الرضعَ وبقرت بطونَ الحوامل قبل أن تنال من الشيوخ والرجال.

 

وأين حقك يا سماح يا ابنة الأربعة عشر عامًا حينما اغتالوا طفولتك غدرًا برصاصة استقرَّت برأسك وسط ذهول أخواتك وأمك؟!.. فقد كنتِ من لحظاتٍ تقفين بينهم آمنةً أمام منزلك وكل ذنبك أنك تسكنين في مدينة كرم أبو مصلح المواجهة لكرم أبو سالم الفلسطينية على الحدود مع مصر؛ ذنب كافٍ للصهاينة ليستهدفكِ جنودهم من أبراجِ مراقبتهم على الطرف الآخر في الأراضي المحتلة؛ هل سيذكرونك في يومهم العالمي هذا ولو بباقاتِ الورد؟ بعد أن فـُرِضَ على عشيرتك أن يكن تشييع جنازتك وتأبينك في صمت؟!.

 

نساء في المحرقة..

 الصورة غير متاحة

الفسطينيات أثبتن للعالم أنهن قادرات على تحمُّل المسئولية

وهل سيطالبون بحقِّ المرأة في شرق مخيم جباليا الذي أحاط جنود الدولة الصهيونية نساءه يوم السبت 1/3/2008م في غرف نومهن ومنعوهن من الحركة ومن النوم ومن إرضاع أطفالهن، فما كان منهن سوى البكاء بصمتٍ كي لا يعلم الجيران أن المحتل اتخذ من هذا المنزل ثكنةً عسكريةً وإلا مات الجميع بطلقةٍ واحدة.

 

في أي شرعٍ دولي حق للصهاينة الدفع بمئاتٍ من جنودهم تحت جنحِ ظلام إلى مناطق مأهولة بالسكان، ليبدأ الاختباء في بعضها ويتخذ من أعلاها ثكنات عسكرية ويبدأ بإطلاقِ النيران من شبابيكها عبر قناصته، ومن أعلى دباباته مستهدفًا المنازل الآمنة والمدنيين العُزَّل القابعين تحت الحصار منذ شهور؛ وذلك في مساحةٍ من الأرض محيطها 4 كيلو مترات طولاً و2 كيلو متر عرضًا؛ ليحصد 116 شهيدًا، 39 منهم أطفال و12 سيدةً، وترك عشرات المواطنين ينزفون بجراحهم ودماؤهم تسيل أمام أعينِ عائلاتهم دون مغيث؟.. عائلات بنسائها وأطفالها وشيوخها حُوصرت داخل غرفٍ صغيرةٍ وبدأ الصهاينة تحويلها لمقابر تدمر فوق الرءوس.

 

هل سيذكر ضمير العالم في هذا اليوم الفتاة جاكلين محمد أبو شباك (16 عامًا)، التي شاهدت أخاها إياد (14 عامًا) يسقط بقذيفة مدفعية "إسرائيلية" فهرعت لإنقاذه فكان القناص "الإسرائيلي" لقلبها بالمرصاد وأطلق عيارًا ناريًّا، ففارقت الحياة برفقةِ شقيقها على مدخل منزلهما.

 

 الصورة غير متاحة

أبو شباك يحمل صورة إياد وجاكلين

 والمواطنة هدى صبَّاح أم لطفل واحد بيتها ملاصق لبيت الشهيدة جاكلين وشقيقها إياد الذين قتلوا وروعوا أول يوم بالاجتياح.

 

وفي اليوم التالي اقتحم منزل عائلة شحادة؛ حيث تقطن هدى التي قالت إن قرابة خمسين جنديًّا قاموا بنكش الفرشات والنوم عليها ومنعنا من التنقل بين الغرف فلم نستطع إطعام الأطفال ولم نذهب للحمام خوفًا منهم، كما كانوا خائفين منا، فقد منعني الجندي من الحمام قائلاً لي: "أخاف أن تقتليني بشيء ما"، وذكرت أنهم قاموا بنزعِ البلاط وإقامة سواتر ترابية على باب الشقة بالطابق العلوي ونزع الشبابيك وتكسيرها وتحطيم باقي أثاث البيت وقاموا بالتبول على فراشنا وكانت رائحة المنزل قذرة بعد يوم وليلة من مبيتهم.

 

هل من سطر في أجندة حقوقية؟!..

فهل هناك سطر وسط أجندتهم الحقوقية لحق الأختين سماح عسلية (17 عامًا) وسلوى عسلية (23 عامًا) اللتين تحول نصفهما العلوي إلى جزءٍ متفحمٍ وباقي الجسد تناثر، إلى درجة أن المسعفين واجهوا صعوبةً في جمع الأشلاء التي تناثرت في كل صوب؟.

 

 الصورة غير متاحة

استشهاد عدد كبير من أفراد أسرة عطا الله

 وحق أم وابنتها من عائلة عطا لله لم تتمكن طواقم الدفاع المدني والمواطنون من انتشالهما من تحت ركام منزل المكون من طابقين إلا بعد مضي أكثر من 19 ساعةً من استهداف المنزل واستشهاد زوجها وابنيها وشقيقتهما، ولم يتبقَّ من العائلة سوى زوجات الابنين وأبنائهن الأطفال يرقدون في عددٍ من مستشفيات غزة.

 

وهل سيلتفتون ويدونون في أجندة أولوياتهم الحقوقية توثيقات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان التي أكدت أن غالبية الإصابات والضحايا هم مدنيون من الأطفال والنساء، استهدفوا أثناء وجودهم في منازلهم؟.

 

الأسيرات.. أَلَسْنَ نساءً؟!

ولما لم نجد يومًا اعتراضًا قويًّا نافذًا لهؤلاء أصحاب اليوم العالمي للمرأة لما تلقاه الأسيرات والسجينات الفلسطينيات على يد الاحتلال الصهيوني؛ فقوات الاحتلال الصهيوني ومنذ العام 1967م، وللآن اعتقلت أكثر من عشرة آلاف مواطنة فلسطينية، من بينهن قرابة (700) مواطنة خلال انتفاضة الأقصى، وبقي منهن حتى الآن في السجون "الإسرائيلية" (90) أسيرةً؛ منهن أسيرات قاصرات لم يتجاوز عمر الواحدة 18 عامًا، كما أن بينهن أرامل والعديد من الأمهات اللواتي تركن أطفالهن دون رعاية.

 

فنساء الأسر في السجون الصهيونية يعانين أسوأ ظروف الاحتجاز فهنَّ يعانين من برد ورطوبة الأسّرة وجدران الزنازين التي أسكنت أجسادهن ألمًا متواصلاً، فالأسيرات يستخدمن الكرتون لامتصاص الرطوبة من أسرَّتهن ولا يستطعن استعمال الدفايات بحجة وجود مشاكل في شبكة الكهرباء.

 

ووفقًا لـ"مؤسسة مانديلا لحقوق الإنسان والأسرى السياسيين" فإن فاطمة الزوق، من غزة، أم لثمانية، اعتقلت في مايو 2007 وكانت حاملاً في 15 يناير 2008م، أنجبت ابنها يوسف في مستشفى مائير في كفار سابا، وفورًا بعد الولادة وضعوا القيود في قدميها وربطوها بالسرير. وبعد يومين من الولادة أعيدت إلى السجن؛ وكأنَّ امرأةً في النفاس وضعت طفلها من دقائق ستقف لتفجر مشفاهم الرحيم مرتديةً رداءَ المرأة الخارقة!!.

 

تعذيب وترويع
 
 الصورة غير متاحة

عراقيات يتعرضن للإهانة والإذلال على أيدي جنود الاحتلال

ووفقًا لجمعية (نساء من أجل الأسيرات السياسيات) فإن الأسيرات يعانين من حياةٍ غير آدمية فلا تتم مطلقًا العناية الصحية لهن أو حتى الاهتمام بمشاكل الأسنان لديهن، العلاج الوحيد الذي يتلقونه هو قلع أسنانهن بوحشية!!.

 

كما يتعرضن للتعذيب والتهديد، والمضايقات الجنسية سواء خلال فترة الاعتقال أو التحقيق؛ وعانين تمديد الاعتقال بدون محكمة وغياب علاجٍ صحي ملائم ورفض تطبيق حق الأمهات الوجود مع أطفالهن داخل السجن ورفض تطبيق الحق في التعليم واستخدام النساء كرهائن للضغط على أبناءِ العائلة والأصدقاء، وأنهن عانين الترهيب والترويع، وتعرَّضن في مراكز التحقيق والاعتقال لمعاملة قاسية ولأصناف مختلفة من التعذيب والضرب المبرح دون مراعاة لجنسهن واحتياجاتهن الخاصة.

 

وأكدت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية مرارًا أن جهاز الأمن الصهيوني يسعى جاهدًا وباستمرار إلى ابتداع السبل لإذلال الأسيرات وقمعهن والمساس بشرفهن وكرامتهن من خلال مرور السجانين في أقسامهن ليلاً وأثناء نومهن، وفي كثير من الأحيان يتم اقتحام غرفهن مباشرة ليلاً وفجأة من قبل السجانين دون أن يتمكنَ من وضع المناديل كغطاءٍ على رءوسهن.

 

 الصورة غير متاحة

 

وفي أحيان أخرى تم تمزيق المناديل والجلابيب عن أجسادهن في تعدٍ صارخٍ لخصوصيتهن وكرامتهن؛ بالإضافة لتعمد وضع السجينات الجنائيات الصهيونيات في نفس أقسام الأسيرات الفلسطينيات؛ حيث يقمن بمضايقتهن بشكلٍ مستمر وإزعاجهن بالصراخ أثناء أدائهن للصلاة، وإطلاق الشتائم وسب الذات الإلهية والألفاظ القذرة ويعتدين عليهنَّ بالضرب وبسكب الماء بشكلٍ مفاجئ مما يزيد الأمر صعوبةً داخل السجون الصهيونية.

 

اغتصاب العفة

وأكد بعض المحررات من الأسيرات للعديد من المنظمات الحقوقية التي لم تتحرك أو تلتفت أنهن تعرضتن لمحاولات اغتصاب ولتعذيب قاسٍ لا زالت آثاره حتى اللحظة، وأنهن عانين فترة حدوث الدورة الشهرية حيث تستخدم للضغط عليهن من السجانات التي يرفضن إحضار فوط لهن، وتطلب السجانات منهن الاعتراف مقابل أن تُوفِّر لهنَّ احتياجاتهن، كما يجبرهن المحققون على رفع الشال عن رأسهن ويغازلهن ويهددن بالاغتصاب إذا لم يعترفن.

 

والتعرض للتفتيش العاري سواء عند الاعتقال أو في غرفة متحركة مليئة بكاميرات التصوير وبها مجند أو أكثر وتُجبرن بالسلاح على خلع ملابسهن تمامًا للتفتيش، وتم تصوير بعضهن بصورٍ فوتوغرافية، وبعد خروجهن وخاصةً عند محاولتهن السفر يُفاجئهن رجال المخابرات على المعبر بتلك الصور.

 

ضد الحرية

 ولولا أنه لا عذرَ لهذا التقصير والتجاهل لأن الإعلام ووسائله الحديثة جعل العالم كله يرى ويسمع آهاتِ واستغاثاتِ نساء وأطفال فلسطين؛ إلا أنَّ هناك سؤالاً آخر- بعيدًا عن معاناة المرأة الفلسطينية- يفرض نفسه لهؤلاءِ الحقوقيين الذين يرون للمرأة الحقَّ في ارتداءِ ما تريد على شواطئ العراةِ في بلادهم ولم يروا في المقابل حق المسلمة في ارتداءِ زيها الشرعي وعنوان إسلامها وحقها في التعلم مرتديةً هذا الزي ببلادهم أرض الحرية؛ فهل الحرية حكر على نسائهم؟!.

 

 الصورة غير متاحة

أعداء الإسلام يتآمرون على الحجاب 

ففي هولندا في يونيو 2007م والتي يعيش فيها أكثر من مليون مسلم ناقش البرلمان مشروع قانون يقترح حظر ارتداء المسلمات للنقاب في الأماكن العامة، على أن تصل عقوبة ارتدائه إلى السجن 12 يومًا أو غرامة قدرها 3350 يورو.

 

وقد سبق ووافق مجلس الوزراء الهولندي على إصدار قرار لمنع الحجاب قامت المدارس الهولندية على إثره بمنع ارتداء الحجاب فيها على غرار القانون الذي سنّته فرنسا والخاص بمنع ارتداء الحجاب في مدارسها وجامعتها بعد ما قام الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" بالمبادرة بشن حملة شرسة ضد الحجاب في أوروبا حين صرح أن: "ارتداء تلميذات المدارس الحجاب الإسلامي أمر عدواني".

 

وفي كوسوفا أصدر وزير التعليم في سبتمبر 2007م قرارات بطرد المحجبات من المدارس، أما ألمانيا وتحديدًا في ولاية "نورث راين فستفاليا"- حيث يعيش حوالي ثلث مسلمي ألمانيا البالغ عددهم 3.5 ملايين نسمة- التي قامت إحدى محاكمها بتأييد حظر ارتداء المدرسات للحجاب في المدارس؛ وذلك في أغسطس 2007م؛ ومنها إلى بعض الولايات الألمانية؛ حيث أقرَّت ولاية "نورث رين فستفاليا" التي تعتبر الأكبر من حيث عدد السكان قانونًا بمنع الحجاب.

 

إنه بحق يوم انتهاك حقوق المرأة العالمي؛ الذي لم نرَ منه شيئًا يدعونا للاحتفاء بحريةً لم ننلها؛ وحقوقًا اغتصبها واضعها واحتكرها لأهدافه وتوجهاته.