لو نظرنا بدقةٍ وبإمعانٍ إلى مستقبل السياسة الاجتماعية في مصر لوجدنا أنفسنا أمام نفقٍ مظلمٍ بسبب ما يمر به من مشاكل هيكلية لنظام البنية التحتية الاقتصادية، وعدم وجود حد أدنى من الحماية الاجتماعية، إضافةً إلى عدم توفر الدخل لكل المجموعات المهمَّشة من المواطنين والذين يعيشون وأسرهم تحت خط الفقر بمسافةٍ تزداد عمقًا يومًا بعد يوم، فأظلم النفق تمامًا.

 

إن بعضَ البلدان أسرعت في إعادة هيكلة نظام الضمان الاجتماعي القائم بها، وتوسَّعت في نطاق تغطيته، ولكنه في مصر الأمر محدود للغاية، وسنحتاج إلى اتباع نهجٍ تعددي أوسع وأشمل كأداة للحماية والضمان الاجتماعي، بجانب إعادة الهيكلة؛ وذلك بانتهاج تدابير مستجدة تغطِّي كل المواطنين؛ بمَن فيهم غير المشمولين بالرعاية الاجتماعية، حتى ولو بالحدود الدنيا؛ بحيث نحدد الأولويات وفقًا للموارد التي يجب أن تتيحها الحكومة، مع مراعاة ظروفنا المحلية المتردية، فيمكن أن ننتقيَ نهجًا من المناهج المختلفة التي اتبعتها البلدان الصناعية المتقدمة يكون مناسبًا للتطبيق محليًّا.

 

إنه من الضروري أن تتعاون الحكومة بالقدر الكافي والوثيق مع مؤسسات المجتمع المدني والأهلي؛ حيث ثمةَ مجموعات كثيرة من المهمَّشين غير مدعومين من جهاتهم الرسمية؛ فقد تم إنشاء بعض الجمعيات الأهلية لتدعمهم تضامنيًّا؛ لذا سنظل ننادي بدعم تلك المؤسسات المجتمعية؛ لأنه من الضروري، بل والحتمي، أن توضع سياسة فعَّالة للحماية والضمان الاجتماعي طالما كانت الرغبة ملحِّةً في الإصلاح، والذي من المفترض أن يبدأ بتحقيق التوازن الاجتماعي لكل المواطنين وإعادة النظر في توزيع الثروة وتحسين الأجور وربطها بالإنتاج.

 

وقد ثبت على أرض الواقع أن محاولاتنا السابقة تحقيقَ هذا الهدف اعتمادًا على عنصرين فقط؛ هما: التنمية الاقتصادية، والتنمية السياسية بالاتجاه الديمقراطي؛ لا تكفي وحدها لتحقيق ما نصبو إليه (حكومة ومجتمع مدني) ولكن لا بد من وجود العنصر الثالث، وهو- في رأيي الشخصي- العنصر الفعال، وهو أن يكون لنا نظام وطني للحماية الاجتماعية يلبِّي احتياجات الجميع دون أي تهميش؛ حيث تتشارك العناصر الثلاثة معًا في تحديد المشكلات الاجتماعية والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها ووضع الجدول الزمني لها، على أن يكون واقعيًّا؛ فإن ذلك يُعَدُّ جسرًا قويًّا لحماية كل المواطنين حتى لو ساء أحيانًا مناخنا الاقتصادي، والذي يُؤثر سلبًا على الموارد المتاحة للحماية والضمان الاجتماعي، فإنه من خلال التشاور الثلاثي تتحقق العدالة الاجتماعية تحت أي ظرف.

 

أين نحن الآن من السلام الاجتماعي ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين؟! فما زالت الأزمات الاجتماعية طاحنة، وهي تؤثر بشكلٍ سيئ للغاية على الإطار الأخلاقي والسلوكي لبعض المجتمعات من المواطنين، ولن نصلح ذلك إلا بوضع معايير للحماية الوطنية، خاصةً أنه في خلال الأشهر القليلة الماضية طفت على سطح حياتنا الاقتصادية ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة للنقص العالمي في تلك المواد من جهة، وكذلك ارتفاع أسعار النفط من جهة أخرى الذي أدَّى إلى انخفاض دعم أسعار الطاقة والوقود؛ مما أدى إلى زيادة الأعباء الاقتصادية لجميع المواطنين وتدني مستوى المعيشة إلى منحنى خطير.

 

ولست مع من يدَّعون أن ضعف التنمية وخلل الحياة الاجتماعية يرجع إلى التضخم والزيادة السكانية؛ لأنه يجب أن يكون هناك إستراتيجية واضحة للحكومة وربطها بخطط التنمية لتجاوز تلك المشكلة.

 

لذا أنادي مخلصًا بأن تلتزم الإرادة السياسية بتحقيق التشاور والحوار بين العناصر الثلاثة التي أشرنا إليها، ولن نستطيع مواجهة الفقر إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية؛ فهذا هو الحد الأدنى لضمان الحماية الاجتماعية للجميع في الوقت الحاضر حتى نخرج بسلامٍ من النفق المظلم، وإلا سنبكي جميعًا على اللبن المسكوب؛ حيث لا ينفع البكاء ولا يفيد الندم، وكلنا نعلم أن عقارب الساعة لم ولن تعود إلى الوراء.

-----

* [email protected]