﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
كل عام أنتم بخير، أظلكم شهر كريم مبارك، فيه تتتابع الخيرات، وتتوالى النفحات، وتنهمر فيه الفيوضات من قِبل الرحمن.. إنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..﴾ (البقرة: من الآية 185).
فاعلموا.. أن طول السفر بحاجة إلى زاد ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ (البقرة: من الآية 197).
وليكن لكم من رمضان زادَ العام الذي يجعل من صيامه وقيامه وأوراده واعتكافه وصدقاته وصلاته.. عُدةَ السائر إلى ربه، التي بها يشتدُّ العود، وتعلو الهمة، وتقوَى العزيمة، وساعتها يتصل القلب بمحبوب لا يُملُّ وصالُه، ولا ينقطع حبلُ رجائه، وتنال النفوس شرفَ التجارة مع الله ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (البقرة: من الآية 207).
واجعلوا من رمضان نقطة الانطلاق صوب ساحات التواصل المختلفة، جاعلين من الإسلام دولةً تتحرك في النفوس وبالنفوس عقيدةً وإرادةً، عملاً وعبادةً، علمًا وريادةً، عزًّا وسيادةً، وكلٌّ يصبُّ في نهر الربانية الرحب لتعلن كافة الأفئدة غاية الصوم ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾ (البقرة: من الآية 183).
واعملوا جاهدين على ألا يفوتكم هذا الشهر إلا وقد أريتم الله منكم معالمَ صدق الوعد، والالتزام بالعهد، والسير على النهج، رافعين لكل عشرةٍ من أيامه شعارها، مستلهمين معانيَها، فكونوا الراجين للرحمات، والواصلين بالتراحم ما انقطع من العلاقات، ثم اجعلوا المغفرة والتغافر للعشرة الثانية نهرًا يتدفق من النفوس، يُذيب ما علاها من ران الذنوب والمعاصي، ويغسل نكات الآثام، ويزيل كل آثار التقصير؛ ليصل بكم من ذلِّ المعصية وضيق الدنيا إلى عزِّ الطاعة ورحابة الآخرة ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 268).
وبعدها يكون الرجاء في العتق من كل أسر هو حالنا، بأمل لا ينقطع في عتق رقابنا من النار وعتق أمتنا من أسر الاستبداد والاستكبار والتبعية، وكلها آمالٌ لا تتحقق إلا بصدق الوعد مع الله ﴿من الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23).
ولبُّوا داعي الحياة في رمضان لتجدوا القلب النابض طوال العام ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الأحقاف: 31).
واحذروا أن ينفرط عقده من بين أيديكم فتكون الخسارة التي لا يدركها أي كسب ﴿وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِي اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (الأحقاف: 32)، و﴿للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (الروم: 4).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
محمد مهدي عاكف
المرشد العام للإخوان المسلمين