اقترب العيد، واقتربت معه الأحلام، فهو يبدو كواحةٍ خضراءَ؛ وسط مشاغل الحياة ومشكلاتها التي لا تنتهي.

 

فالعيد فرصة للتأكيد على الترابط الأسري والعائلي؛ فها هو التخلي عن هموم العمل والمذاكرة والروتين اليومي الخانق، وها هي أوقات السعادة والمرح والدعابة والنزهات والزيارات قد حانت.

 

يشعر الجميع بذلك إلا فرد واحد في الأسرة.. هذا الفرد تأبي المسئوليات أن تتخلَّى عنه، فالجميع في إجازة إلا هو، والجميع في راحة إلا هو.. هذا الشخص بلا فخر هو أنتِ؛ ربة البيت.. المسئولة عن إعداد الولائم وتخزين اللحوم وتلبية طلبات جمهور المنزل، ولا تفارقها أبدًا مهمة غسل الأطباق أو تسوية فوضى البيت التي شارك فيها الجميع، وتخلَّى عن تنظيمها الجميع إلا هي.

 

فهل هذه دعوة إلى الاكتئاب أم ماذا؟

كلا.. بل هي دعوة لأن تعيشي بهجة العيد، وتنالي من سعادة العيد رغم كل مسئولياتك.

 

فتِّشي عن البهجة

فهيَّا فتِّشي عن البهجة في:

- الشعور ببهجة وحلاوة العبادة يوم عرفة؛ حين تشارك الأسرة كلها في الصيام والدعاء والذكر.. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء يوم عرفة"، و"خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، ومشاهدة وقفة الحجيج، وخطبة عرفة، وما أجمل المشاركة في العبادة مع من نحب؛ لعل الله يُشركنا في الجنة مع من نحب.

 

- الاشتراك في إحياء ليلة العيد مع الأسرة بركعتي قيام قبل النوم؛ يجلب للبيت كله سعادةً وبركةً.

 

- التوجه لصلاة العيد مع الأسرة، والحرص على خروج الجميع حتى الصغار والحُيَّض؛ فلصلاة العيد بهجة خاصة، ففيها الشعور الحقيقي بالعيد.

 

- الإعداد لنزهة محببة بعد أيام الزيارات العائلية في أول العيد.

 

- إعدادك لمتطلبات الولائم مسبقًا قبل يوم العيد، مع اختيار أصناف بسيطة وشهية، والحرص على تجميل المائدة خارج المألوف؛ فقد آن الأوان لخروج الأطباق الفاخرة من مكمنها، ولتزيين المائدة بفنونك البسيطة الحلوة.

 

- اطلبي من أبنائك الكبار مساعدتك في إعداد المائدة وتزيينها.

 

- جلسة أسرية هادئة تتبادلين فيه الأحاديث المرحة والمسابقات الضاحكة مع زوجك وأبنائك وأنت تقدمين لهم الحلوى في المساء.

 

- نزهة أو جلسة ثنائية لك ولزوجك ولو لساعة واحدة؛ تجدِّدين فيها معاني الود.

 

- خصِّصي يومًا من أيام الإجازة لراحتك، وأعلمي مَن في البيت- بودِّ ومحبةٍ- أنك فوَّضتِ إليهم القيام بأعمالك البسيطة، أما الطعام فقد أُعِدَّ مسبقًا أو هو مجهَّز بالخارج.

 

بهجة التضحية

وأخيرًا لا تملِّي من أعبائك ولا تتذمَّري؛ فمن البهجة أن نشعر بمعنى التضحية ببعض الراحة من أجل أحبابنا، فعيد الأضحى يتعلَّق بالأضحية وبالتضحية؛ حيث علَّمتنا أسرة كريمة ذلك المعنى منذ آلاف السنين.

 

وانظري معي إلى ذلك المشهد: زوجة تهرول خلف زوجها تناديه: "يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء؟"، تقول ذلك مرارًا فجعل لا يلتفت إليها، فقالت: الله أمرك بهذا؟ وأخيرًا يردّ قال: نعم. فردَّت: "إذن لن يضيِّعنا".

 

وتضحِّي الأم بالأنس والأمن وترضى أن تبقى في هذا الوادي القفر وحدها مع ابنها الرضيع، ويقف إبراهيم عليه السلام عند ثنية الوادي؛ حيث لا تراه زوجته هاجر ويرفع يديه داعيًا: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)﴾ (إبراهيم)،
وتمر السنون، ويأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه إسماعيل فيقف الثلاثة: الأب إبراهيم عليه السلام والابن: إسماعيل عليه السلام والأم: هاجر موقف التضحية، ولا يملكون إلا الاستسلام لأمر الله تعالى فإذا بالمكافأة.. يفديه الله تعالى بكبش يُذبح بدلاً منه.

 

فيا كل ربة منزل أهنئك بالعيد وأدعوك للبحث عن بهجة العيد.

 

تقبل الله منا ومنك، وكل عام أنت مضحية ملبية سعيدة مبتهجة.