يتعرض الإخوان المسلمون لعداوةٍ واضطهادٍ شديدَين من الحكومة لمواقفهم الوطنية والأخلاقية والإنسانية في قضايا الداخل الخارج، والمستمَدة من الإسلام دين الأمة؛ يتمثل هذا الاضطهاد في مظاهر شتَّى وصلت إلى حدِّ تغيير الدستور؛ لإقصائهم عن العمل السياسي وللتضييق على نشاطهم الدعوي والاجتماعي والخيري والإعلامي، وكذلك الحكم بموجب قانون الطوارئ لما يقرب من ثلاثين سنةً متصلةً، إضافةً إلى مصادرة الحريات، وتزوير الانتخابات، والاعتقالات، والتعذيب، ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، واستخدام قوات الأمن المركزي للبطش بكل مجموعة تعبِّر عن رأيها أو تطالب بحقها بأسلوب سلمي.
وكل حملة تشنُّها الحكومة على الإخوان تأتي بذريعةٍ إمَّا مختلقة مفتراة، أو بذريعة يستحق عليها الإخوان الشكر والتكريم؛ لأنها واجب الشرع والوطنية والأخلاق والإنسانية، والإخوان فيها لا يمثّلون أنفسهم فحسب، ولكن يمثِّلون ضمير الأمة وضمير الأحرار في كل مكان؛ مثلما هو الحادث الآن.
فاعتقال ما يزيد عن مائتي شخص من الإخوان تحت ذريعة قيامهم بواجب إغاثة المحاصرين في غزة أمرٌ يستحق العجب!! فهل دعم المحاصرين جريمة أم أن الجريمة الكبرى تتمثل في الحصار الذي يفرضه الصهاينة على إخواننا في غزة والمشاركة فيه وعدم النهوض لكسره وفقًا لقرارات الجامعة العربية؟! وهل المفروض أن نتفرَّج عليهم وهم يتساقطون من الجوع والبرد والمرض، إضافةً إلى القصف والقتل والتدمير ولا نقدّم لهم حتى المعونات الإنسانية؟!
هل المطلوب أن نشارك في حصارهم حتى يذلّوا ويركعوا لإرادة بني صهيون؟ هل تنكَّرنا لديننا ومبادئنا التي تقرِّر أن المؤمنين إخوة، وأن المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يُسلمه ولا يخذله، وأنهم كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟! بل إننا نقرِّر أنهم لو لم يكونوا مسلمين لوجب علينا إغاثتهم ونصرتهم على ظالمهم!.
هل نريد قتل روح المقاومة في الشعب الفلسطيني؟ المقاومة التي هي حق شرعي ووطني وقانوني، ألم يقاوم المصريون الغزاة والمحتلين على طول تاريخهم؟ ألم نساعد ثورة الجزائر في تحرير أرضهم على بُعد المسافات؟ ألم ندعمْ حركات التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا؟ هل هذا كله حلال في كل الدول ثم صار حرامًا في أرض فلسطين؛ أرض المقدسات والرباط والأهل، وبوابتنا الشمالية الشرقية؟!
هل يليق بمصر أن تغلق معبر رفح في وجه أهل غزة من المرضى والطلاب والمسافرين للعمل، وتفتحه فقط بصورة منقطعة لأسباب إنسانية وتحت الضغوط؛ في الوقت الذي يجوس فيه الصهاينة في سيناء بدون تأشيرة دخول؟!
هل يليق أن نمنع عن الفلسطينيين الوقود؛ في الوقت الذي نصدِّره للصهاينة بأبخس الأسعار؟ هل يليق أن نحرمهم المؤن والطعام في الوقت الذي تتبادل الدولُ العربية مع العدوِّ الصهيوني مختلف السلع والبضائع، إضافةً إلى التعاون الصناعي مع مصر في اتفاقية الكويز؟!
هل نسينا قرار مقاطعة الكيان الصهيوني من قبل الجامعة العربية واستبدلنا به حصار إخواننا في فلسطين؟ وهل جهلنا أن أمننا القومي يقتضي الحفاظ على خطوط الدفاع الأولى وتقويتها وليس تدميرها؟
وإذا كان هناك من يتعلَّل بأن المسئولية القانونية تقع على المحتل الصهيوني في توفير مقومات الحياة للشعب الفلسطيني؛ فمنذ متى والصهاينة يحترمون قانونًا أو عهدًا أو اتفاقًا، أو يحافظون على حياة عربي؟! كم هي قرارات الأمم المتحدة التي داسوها بالأقدام؟! أين حكم المحكمة الدولية بشأن جدار الفصل العنصري؟ أين هي قرارات المنظمات الدولية لحقوق الإنسان؟!
وإذا كانت الحكومة المصرية لا تريد أن تتحمَّل مسئولية أهل غزة فنحن لا نطالبها بذلك، ولكن نطالبها بأن تفتح معبر رفح بضوابط إدارية وأمنية، ثم تترك للجهود الشعبية مهمة إغاثة إخواننا، أما أن تقوم باختطاف الرجال- الذين هبُّوا لأداء هذا الواجب- في جوف الليل وترويع أهليهم وأولادهم فهي جريمة وفضيحة لن يمحوَها إلا إطلاق سراحهم فورًا، وتركهم يؤدون واجبهم، مشكورين من الشعب، مأجورين من الله.
وإلى الإخوة خلف الأسوار نقول:
وأنتم أيها الرجال الكرام.. أهل المروءة والشهامة والنجدة.. يا من تقبعون في غياهب السجون ظلمًا وعدوانًا.. يا أصحاب هذه الدعوة العظيمة وحملة هذه الرسالة الربانية المباركة.. اعلموا يقينًا أنكم تعيشون في حنايا صدورنا وعقولنا وقلوبنا، وأنكم رمز التضحية والبذل والعطاء؛ ليس لدعوتكم فحسب، وإنما لأمتكم ووطنكم الذي يتوق للحرية، ويسعى لأن يتبوَّأ المكانة التي تليق به بين الأوطان.
وأنتم يا معشر الزوجات والأمهات والبنات..
ثِقن بأن الله تعالى لن يضيِّعَكن، وأن ما فعلتنَّ شرف لكنَّ، وما حلَّ بكنَّ من بلاء فخارٌ يضاف إلى سجلِّ المجاهدين؛ الذين ضربوا بتضحياتهم أروع الأمثلة في سبيل الحق والعدل والحرية، وكُنَّ على يقين بأننا على الدرب بإذن الله سائرون، وأن الظلم كلما اشتدَّ آذن بالزوال ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ (إبراهيم: من الآية 42) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 200).
وإلى الإخوان في كل مكان..
إن هذه الطريق شاقة وصعبة وطويلة؛ تتطلب هِمَمًا عاليةً، وعزائمَ صلبةً، وإراداتٍ قويةً، وقبل ذلك وبعده ثقةً في الله، وحسنَ ظنٍّ به، وتوكُّلاً عليه، وأملاً فيه، ويقينًا بما عنده، وركونًا إلى جنبه، وحياةً في معيته، فكونوا هؤلاء الرجال.
وليكن لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى؛ في الإيمان والصمود والثبات والتضحية والفداء والعطاء؛ من أجل إعلاء شأن هذا الدين العظيم، ورفع رايته والانتصار لقيمه ومبادئه.
واعلموا أيها الإخوان أن سرَّ قوتكم في أخوَّتكم، وأنكم تمتلكون فكرةً نقيةً طاهرةً، وأن لديكم منهاجًا عظيمًا، وأنكم تسعون إلى غايات وأهدافٍ عليا نبيلة، فحافظوا على مؤسساتكم، والتزموا في عملكم الشورى فريضةً وخلقًا وسلوكًا، وأروا أمتكم منكم كريمَ أخلاقكم، وقِفوا مع الحق والعدل أينما كان.
أيها الإخوان..
إن الحرية ثمنها غالٍ، والدفاع عن الحرمات والمقدسات من أعظم فرائض الإسلام، وإذا كنتم تتعرَّضون للاعتقال والتضييق والملاحقة بسبب دعوتكم ولأنكم تقومون بواجبكم الأخلاقي والإنساني والشرعي والوطني والقومي تجاه إخوانكم المحاصرين في قطاع غزة.. فذلك هو الثمن الذي يدفعه أصحاب الدعوات، ولا ننسى أن هناك أحد عشر ألف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الصهيوني، كما أن هناك مليونًا ونصف المليون من الشعب الفلسطيني في القطاع يعانون كارثةً إنسانيةً؛ لأنهم يرفضون الخضوع أو الركوع، ويقفون بهاماتهم العالية وعزمهم الذي لا يلين مع المقاومة.
هؤلاء أيها الإخوان يستحقون منا ومن كل صاحب ضمير حيٍّ أن يدعمهم ويساندهم ويؤيِّدهم، وأن يقدمَ لهم كل ما يستطيع؛ فهم لا يدافعون عن حرماتهم ومقدساتهم فقط، وإنما يدافعون عن كرامة الأمة وشرفها.. ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية 40).
الإخوان المسلمون
القاهرة في: 25 من ذي الحجة 1429هـ 23 من ديسمبر 2008م