رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه..

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)﴾ (التوبة).

 

كلمة الله هي العليا.. نزلت هذه الآيات تذكِّر بما حصل في الهجرة بعد تسع سنوات من الهجرة الكريمة؛ توجيهًا لأولئك الذين تباطؤوا عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخَّروا عن الخروج معه إلى غزوة تبوك بذرائع مختلفة، وتحت وطأة حبِّ الدنيا ومتاعها الزائل، أو تحت وطأة الجبن عن مواجهة الروم، فأعلن الله تعالى لهم أن قعودَهم لا يضرُّ غيرَهم ولن يضرَّ اللهَ شيئًا، وأن نصر الله لن يتخلَّف ولو قعد الناس أجمعون.

 

وها هي الهجرة شاهدٌ واضحٌ على نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يذكِّر الله تعالى المسلمين بها؛ ليأخذوا منها درسًا وعبرًا وليوقنوا أن كلمة الله هي العليا.

 

بين عامين..

إن الأمم الحيَّة والشعوب الناهضة تقف دائمًا عند المناسبات المختلفة وقفةَ مراجعة وتقويم؛ تقرأ فيها واقعَها والظروفَ المحيطةَ بها، وتقف على الإيجابيات والسلبيات في مسيرتها، وتتعرَّف إلى الفرص المتاحة والعوائق القائمة من حولها؛ لتتلمَّس من خلال ذلك طريقَ نهضتها، وتستشرف من وراء ذلك آفاقَ مستقبلها؛ فحياة الأفراد والأمم تتجه نحو العزة والقوة وتحقيق الأهداف المأمولة ما دامت الأمة تملك الذاكرة اليقظة والهمَّة العالية، التي تتلافى بها أخطاءَ التجارب السابقة لها ولغيرها، وتلتمس الإفادةَ من صور النجاح لها ولغيرها أيضًا، ودعوتُنا أولى الدعوات بذلك؛ حتى تحقق الأمل العزيز بالإصلاح والتمكين، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾ (آل عمران).

 

وها نحن نودِّع عامًا بكل ما حمله لأمتنا من آلام وبشارات، ونستقبل آخرَ بكل ما نرجو فيه من آمال.. عام نودعه، وعام قادم.. نجم يغيب، وكوكب بَسَّام.

 

حصاد العام المنصرم

يرحل هذا العام مثقلاً بكثير من الأحداث الجسام؛ على الصعيد الدولي والصعيد الإقليمي والصعيد المحلي:

* فقد استمر الحصار الصهيوني الخانق لأهلنا في غزة، مصحوبًا بتشجيع أمريكي بلغ ذروته بزيارة بوش المشئومة للكيان الصهيوني في مايو الماضي؛ فيما أسموه الذكرى الستين لقيام الكيان الغاصب في فلسطين الحبيبة.

 

وتعاظم هذا الحصار مع اشتراك أطراف عربية وفلسطينية فيه بصورة مكشوفة، وضعف عربي وإسلامي مخجل وغير قادر على وضع آليات عملية لتنفيذ قرارات المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية بفك الحصار، ووسط تواطؤ أوروبي بلغ ذروته بتعيين توني بلير- المطرود من رئاسة حكومة بلاده- مندوبًا لما سمِّي بالرباعية الدولية، وهو الذي لا يفوِّت فرصةً لإعلان إدانته كلَّ أشكال الدفاع عن النفس التي تمارسها فصائل المقاومة الإسلامية والوطنية، فيما لا يهتزُّ له جفن وهو يرى الاعتداءات والمجازر الصهيونية اليومية في فلسطين، بل يدعو إلى مواجهة حماس وغزة بأساليب أقسى من الحصار والتجويع الذي فشل في إجبار غزة الصمود والثبات على التراجع أو التفريط والتنازل عن الحقوق والثوابت.

 

* كما استمر الاستكبار الأمريكي في ارتكاب حماقاته هنا وهناك، واختُتم هذا العام بالإعلان عن زيادة قواته الغازية في أفغانستان لمساعدة حلفائه في مواجهة المجاهدين؛ في الوقت الذي يدعو فيه مندوبه إلى الحوار مع من سمَّاهم المعتدلين من حركة طالبان!.

 

* وعلى الصعيد المحلي استمرَّ بطش النظام وتصاعد ضد كل رأي حر، فتوالت حملات الاعتقال الظالم لكل فئات الشعب ولكل المخلصين في هذا الوطن؛ من العلماء والدعاة والطلاب والأساتذة والعمال.

 

وبلغت ذروة هذا الظلم باعتقال:

- مئات الإخوان.. لمنعهم من ممارسة واجبهم في انتخابات المجالس المحلية.

 

- ثم في المحاكمات العسكرية الظالمة لثلَّة من خيرة أبناء هذا الشعب؛ في تّحدٍّ واضحٍ للقانون والدستور وكل المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقَّع عليها هذا النظام.

 

- فضلاً عن اعتقال كل من يمدُّ يدَ المساعدة لإخواننا المحاصرين في غزة، وبدلاً من توجيه تهم الإبادة والوحشية لمن يحاصر غزة ويمنع فتح معبر رفح؛ تُوَجِّه التهم للشرفاء ورجال الإغاثة والإنقاذ بأنهم يعملون على إغاثة المحاصرين وإنقاذهم من الجوع والمرض والموت والدمار، وكم في مصر من عجائب!!.

 

- كما استمرت الانتهاكات المسيئة لكرامة المواطن المصري في أقسام الشرطة وعلى أيدي بعض الضباط؛ الذين فقدوا إنسانيتهم ووطنيتهم، وتجاوز عدد المواطنين القتلى على أيدي رجال الشرطة كل ما حدث في السنوات الماضية.

 

- فضلاً عن القسوة الشديدة والعنف البالغ الذي تواجه به الشرطة المظاهرات والمسيرات والوقفات السلمية؛ التي يعبِّر بها المواطن المصري عن رأيه، كما حدث في المحلة الكبرى وغيرها.

 

بشارات وإضاءات

مع كل ما سبق فقد شهد هذا العام المنصرم إضاءاتٍ وبشاراتٍ كثيرةً؛ تنبئ بقرب انهيار المشروع الأمريكي الصهيوني المتغطرس، وتدعو إلى التفاؤل بقرب قيام نظام عالمي أكثر عدلاً:

- فقد سقط جورج بوش والمحافظون الجدد سقوطًا مدويًّا، وتساقطت أركانُ إدارتهم واحدًا تلو الآخر، كما تتساقط أوراق الشجرة الذابلة.

 

وأعلن بوش بنفسه أنه خاض حربه الظالمة الخاسرة على العراق بناءً على معلوماتٍ كاذبةٍ واستخباراتٍ مضللة.

 

وها هو حلفه الآثم يتجرَّع المرارات في العراق وفي أفغانستان؛ اللتين لا يستطيع بوش أن يدخلهما إلا خلسةً كاللصوص.

 

وشاء حظُّه العاثر أن يتلقَّى قبلةَ الوداع في العراق على نحو مهين لم يُسبَق إليه!!.

 

ومن قبل بوش سقط كثيرٌ من التابعين له؛ على رأسهم توني بلير في بريطانيا، وبرويز مشرف في باكستان، ثم استقال المجرم إيهود أولمرت في فلسطين المحتلة الذي أسقطته المقاومة البطولية في فلسطين، كما أسقطته فضائحه المادية والأخلاقية التي لا يكاد ينجو منها سياسي صهيوني.. ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ﴾ (الأنعام: من الآية 129).

 

- ثم كان الانهيارُ الاقتصاديُّ المريعُ ثمرةً مُرَّةً من ثمرات السياسات الفاشلة لأمريكا وحلفائها، وعلامةً من علامات الانحراف في الفكر الاقتصادي الربوي؛ البعيد عن قيم وأخلاق وتعاليم السماء؛ مما اضطرَّ أمريكا وغيرها إلى خفض الفائدة إلى الصفر، وبتعبير آخر إلغاء الربا والإذعان لما ينادي به المشروع الإسلامي؛ من ضرورة الابتعاد عن الربا وتأسيس اقتصاد نظيف، وفق تعاليم الإسلام الحنيف الذي يحرِّم الربا، ويعلن الله فيه الحرب على آكليه في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ (البقرة).

 

- وبموازاة هذا السقوط فقد تتابعت ضربات المجاهدين في فلسطين بصورة أجبرت الصهاينة على طلب التهدئة، ولا يزالون يُلحُّون في طلب تمديدها، وصدق الله العظيم: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ﴾ (النساء: من الآية 104).

 

- فشل مشروع خنق غزة وحماس باعتراف توني بلير وقادة الكيان الصهيوني، وسقطت محاولات الوقيعة بين الشعب الفلسطيني وحماس.

 

- ازداد الشعب المجاهد التفافًا في غزة حول الجهاد والمجاهدين، وقد كان حضور مئات الألوف في غزة في ساحة الكتيبة الخضراء في الذكرى الحادية والعشرين لانطلاق حركة حماس المباركة استفتاءً على مشروع المقاومة والممانعة، وصفعةً قويةً على وجوه الصهاينة وأصحاب مشروع التنازل عن الحقوق والثوابت الفلسطينية، والذين علَّقوا آمالاً وهميةً على مؤتمر أنابوليس الأمريكي الفاشل، والذين صدَّقوا الوعد الكاذب الذي قدَّمه بوش بإقامة دولة فلسطينية قبل نهاية العام.

 

- ومن الإضاءات في هذا الباب: تعاظُم التأييد الشعبي للقضية الفلسطينية في أوروبا؛ مما دفع إلى إقامة كيانات تعمل على كسر الحصار، مثلما فعلت حركة غزة الحرة التي كسرت الحصار بعدة سفن، وإن يكن كسرًا رمزيًّا، لكنه بداية مهمة للفكِّ الكامل للحصار إن شاء الله، وهو يذكِّرنا بما حصل في مكة؛ حين نفرت طائفةٌ من ذوي النخوة والمروءة لإلغاء صحيفة المقاطعة والعمل على إنهاء الحصار الظالم في شِعب أبي طالب، ونجحت في ذلك، وأذن الله للأزمة بالانفراج، وهو ما يطمئننا إلى أن أزمة حصار غزة إلى انفراج قريب بإذن الله.

 

وهي مناسبة لدعوة الأمة على المستويات الرسمية والشعبية وبخاصةٍ رجال المال والأعمال لأخذ المبادرة والتوجه القويّ لكسر الحصار الآثم، وفي هذا الصدد نثمِّن المبادرة القطرية بكسر الحصار عن طريق سفينة الكرامة؛ التي حملت بعض الحاجات الطبية لإخواننا وأبنائنا في القطاع المجاهد، وأملنا في الله كبير أن ينضمَّ الحكامُ إلى الشعوب في هذا العمل الكريم.

 

- ومن الإضاءات والبشارات نموّ الوعي بقضايا الأمة لدى الشباب المصري، وفي هذا الصدد نقدِّر جهود كثير من شباب المدونين، وشباب 6 أبريل وغيرهم من الشباب الذين تشغلهم قضايا أمتهم، ويسعون إلى الخروج من حالة السلبية التي يحرص النظام على تكريسها في نفوس الشباب.

 

إلى شعوب أمتنا الإسلامية والعربية:

علينا أن نستلهم ذكرى الهجرة في وجوب التحرك الإيجابي والجادّ، والمشاركة المجتمعية الفاعلة في جهود الإصلاح، وألا تستسلم الأمة للظلم الواقع عليها من الداخل أو الخارج، وأن تسعى إلى أخذ أمورها بيدها، وأن تعمل على التحرُّر من الجبن والخنوع والسلبية..

                     فلا يقيم على ضيم يراد به    إلا الأذلان: عير الحي والوتد

هذا على الخسف مربوطٌ برمَّته    وذا يشجّ فما يرثي له أحد

 

وإن في أمتنا من الكفاءات والإمكانات العلمية والعملية على كل المستويات ما يملأ النفوس أملاً وثقةً بالتغيير والإصلاح إن شاء الله.

 

إلى الإخوان المسلمين وإلى سائر القوى الحية الساعية إلى الإصلاح:

 إن وضوح الحق الذي تؤمنون به وقوة حجته هو من أهم الأسباب التي تدفع الظالمين لمحاربتكم والتضييق على دعوتكم، ويرى خصومكم أن مجرد الإعلان للحق والاستعلان به من خلال المناشط المختلفة؛ يعني انجذاب القلوب إليكم وتعلّقها بدعوتكم، ولذلك يلجأون إلى سلاح العزل والفصل بينكم وبين جماهير الأمة، كما يلجأون إلى التضييق عليكم وتشويه مسيرتكم بكل ما أوتوا من قوة، ولذلك فعلينا ألا نيأس وألا نتوقف عن سعينا لإصلاح أحوال الأمة مهما اشتدَّ التضييق، ومهما تكن العوائق التي توضع في طريق الإصلاح.

 

فهذا نبيُّنا وقدوتُنا محمد صلى الله عليه وسلم قد صبر على كل المضايقات، وتجاوز كل العوائق التي وضعها خصومُه في طريقه، ولم يدعُ ناديًا ولا مجلسًا ولا خيمةً في سوق ولا قبيلة في بادية ولا وفدًا في موسم الحج إلا مضى يعرِض عليه دعوته ويسعى إلى تحشيده لنصرة الحق، ومضى يقول لكل من يلقاه: "ألا من رجل يحملني إلى قومه حتى أبلِّغ رسالة ربي؛ فإن قريشًا منعوني أن أبلغ رسالة ربي".

 

ولم تفلح كل محاولات الحصار القرشي المادي والإعلامي في إثنائه عن دعوته، كما لم يؤدِّ التأخر الكبير من القبائل الأخرى عن قبول الدعوة إلى تيئيسه، بل ظل داعيًا إلى الله وإلى الحق حتى بدت تباشير النصر آتية طلائعها من يثرب؛ التي استجاب نفر قليل من حجَّاجها لدعوته، فكانت هذه الاستجابة التي تبدو ضعيفةً كسرًا حقيقيًّا للحصار الظالم المضروب حول الدعوة، وكانت إيذانًا بالفتح الذي بدأ بالهجرة المباركة.

 

ولأحبتنا خلف أسوار الظلم في المحاكمات العسكرية الجائرة وفي المعتقلات المنتشرة على ثرى مصر الطيب أقول: صبرًا صبرًا ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ (آل عمران: من الآية 120)، وليكن لكم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةٌ وأسوةٌ؛ فقد صبروا على ما كُذِّبوا وأوذوا حتى أذِن الله لهم بالفرج، وهاجروا وأُخرجوا من ديارهم بغير حق، فصبروا فأتاهم نصر الله، ولا مبدِّل لكلمات الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

 

إلى طليعة الأمة المجاهدة في حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)﴾ (الأنفال: 45)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ (آل عمران)، وثِقُوا أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرًا، وبعد الضيق فرجًا، فاجتهدوا في رصِّ صفوفكم وتوحيد جهودكم.

واعلموا أن عيون الأمة متعلقة بجهادكم، وأن قلوبهم تفيض إعجابًا بثباتكم، وأن ألسنتهم لا تكف عن الدعاء لكم، وأن أمانيهم أن يكونوا معكم في الميدان، وأن الفجر الصادق يعقُب الظلام الدامس، ومهما تكن آلام المخاض فإن انتظار المولود الجديد يبعث الأمل ويقوِّي العزائم، وأن ملامح فجر النصر لَتبدو لكل ذي عينين، وغدًا ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)﴾ (القمر: 45) وقد رأيتم كيف التفَّ حولكم أهل غزة هاشم، وعلَّقوا عليكم الآمال في التحرير، واسمعوا لنصيحة موسى عليه السلام ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾ (الأعراف: من الآية 128).. وغدًا سيأتي نصر الله والفتح.. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227).

وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد.. والحمد لله رب العالمين.