قال الله تعالى: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)﴾ (المائدة).

 

هذه الآية مع أنها نزلت في حق اليهود ولكنها سنة إلهية، وقانون عام ينطبق على كل ما كان على شاكلته، وكما يقول المفسرون: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وحين يقصها الله علينا فلكي نفكر ونعتبر بما وقع للأمم السابقة، وحتى نحذر أن نقع فيما وقعوا فيه وقد أشار إلى ذلك المعنى ابن خلدون في مقدمته فيقول: "حصول المذلة للقبيل، والانقياد إلى سواهم، وسبب ذلك أن المذلة والانقياد كاسران لسورة العصبية وشدتها؛ فإن انقيادهم ومذلتهم دليل على فقدانها، فما رثموا للمذلة حتى عجزوا عن المدافعة، ومن عجز عن المدافعة فأولى أن يكون عاجزًا عن المقاومة والمطالبة، واعتبر في بني إسرائيل، لما دعاهم موسى- عليه السلام- إلى ملك الشام، وأخبرهم بأن الله تعالى قد كتب لهم ملكها، كيف عجزوا عن ذلك.

 

وقالوا: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا﴾ أي يُخرجهم الله تعالى منها بضربٍ من قدرته غير عصبيتنا، وتكون من معجزاتك- يا موسى-  ولما عزم عليهم لجوا وارتكبوا العصيان، وقالوا: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا﴾ وما ذلك إلا لما آنسوا من أنفسهم من العجز عن المقاومة والمطالبة كما تقتضيه الآية، وما يؤثر في تفسيرها؛ وذلك بما حصل فيهم من خلق الانقياد، وما رثموا من الذل للقبط أحقابًا، حتى ذهبت العصبية منهم جملة، مع أنهم لم يؤمنوا حق الإيمان بما أخبرهم به موسى من أن الشام لهم، وأن العمالقة الذين كانوا بأريحاء فريستهم بحكم من الله قدره لهم، فأقصروا عن ذلك وعجزوا، تعويلاً على ما علموا من أنفسهم من العجز عن المطالبة؛ لما حصل لهم من خلق المذلة، وطعنوا فيما أخبرهم به نبيهم من ذلك وما أمرهم به، فعاقبهم الله بالتيه.

 

وهو أنهم تاهوا في قفر من الأرض ما بين الشام ومصر أربعين سنة، لم يأووا فيها لعمران، ولا نزلوا مصرًا، ولا خالطوا بشرًا كما قصَّه القرآن، لغلظةِ العمالقة بالشام والقبط بمصر عليهم، لعجزهم عن مقاومتهم كما زعموه.

 

الصورة غير متاحة

الشيخ حجازي إبراهيم

ويظهر من مساق الآية ومفهومها أن حكمة ذلك "التيه" مقصودة، وهي فناء الجيل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر، وتخلقوا به وأفسدوا من عصبيتهم حتى نشأ في ذلك التيه جيل آخر عزيز، لا يعرف القهر، ولا يسأم بالمذلة،  فنشأت لهم بذلك عصبية أخرى، اقتدروا بها على المطالبة والتغلب.

 

ويظهر لك من ذلك أن الأربعين سنة أقل ما يتأتى فيها فناء جيل ونشأة آخر..  سبحان الحكيم العليم (1)، وقيل: كان التيه أربعين سنة لأنها غاية زمن يرعوي فيه الجاهل.

 

وقيل: لأنهم عبدوا العجل أربعين يومًا فجعل عقاب كل يومٍ سنة في التيه، وليس بشيء(2).

 

وقول الإمام القرطبي في قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ﴾ قال الرجلان لبني إسرائيل: لا يهولنكم عظم أجسامهم فقلوبهم ملئت رعبًا منكم، فأجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة، وكانوا قد علموا أنهم إذا دخلوا من ذلك الباب كان لهم الغلبة، ويحتمل أن يكونا قالا ذلك ثقةً بوعد الله.

 

وفي قوله تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ قيل: إن الأربعين ظرف زمان للتيه، فيكون الوقف على عليهم، ولم يدخلها أحدٌ منهم، وإنما دخلها أولادهم وقد قال ابن عباس: ولم يبق منهم إلا يوشع وكالب، فخرج منهم يوشع بذرياتهم إلى تلك المدينة وفتحوها.

 

وقيل: إن أربعين ظرف للتحريم فالوقف على هذا على أربعين سنة، وعلى ذلك فمن بقي منهم بعد أربعين سنة دخلوها(3).

 

يقول ابن كثير: هذه القصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم ومخالفتهم لله ولرسوله، ونكولهم عن طاعتهما فيما أمراهم به من الجهاد فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم مع أن بين أظهرهم رسول الله موسى- عليه السلام- وكليمه وصفيه من خلقه في ذلك الزمان وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم، هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليمِّ وهم ينظرون لتقر به أعينهم، وما بالعهد من قدم، ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازي عشر المعشار في عدة أهلها وعُدَدِهم، فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام، وافتضحوا فضيحةً لا يغطيها الليل ولا يسترها الذيل، هذا وهم في جهلهم يعمهون، وفي غيهم يترددون، وهم البغضاء إلى الله وأعداؤه، ويقولون مع ذلك نحن أبناء الله وأحباؤه، فقبَّح الله وجوههم، التي مسخ منها الخنازير والقرود، وألزمهم لعنةً تصحبهم إلى النار ذات الوقود، ويقضي لهم فيها بتأبيد الخلود، وقد فعل وله الحمد من جميع الوجوه (4).

 

نظرة للصراع مع اليهود في ظل هذه الآية

والقرآن الكريم آياته قوانين اجتماعية، وما جاء فيها لا يتخلف، ولا محاباة فيه لأحد كائنا من كان.

 

لقد قام الصراع مع اليهود في النصف الأول من هذا القرن، وأقام الكيان الصهيوني دولته عام 1948م، وأصبح الشعب الفلسطيني قسمين:

قسم يتيه في جنبات الأرض وشتى الدول.

والقسم الآخر يتيه تحت الذل والقهر الصهيوني، واستمروا في التيه أربعين سنة، وفيها وُلد جيل جديد تربى في التيه، ونشأ في الشدة، وأصبح يشعر بأن حياته غير جديرة بأن يحياها، ما لم يسترد من بقي منهم في الأرض حقوقهم كاملةً، وحرياتهم تامة، وما لم يرجع الذين هم خارج فلسطين إلى ديارهم، وفي ظل هذه الأحداث وُلدت انتفاضة أطفال الحجارة سنة 1988م، فأعادت الروح إلى الأجساد الهامدة، وجددت الأملَ في النفوس اليائسة، وبعثت الحياةَ في القلوب الميتة، فهب الجميع من غفوته، ونشط من عقاله، واتصل الخارج بالداخل، وتحوَّلت الحجارة إلى زجاجات حارقة، ثم تطورت إلى سيارات ملغمة، وشباب مفخخ يتقدم غير هياب ولا مبال أوقع هو على الموت أم وقع الموت عليه، فغايته سامية، وهدفه نبيل، وأسمى أمانيه أن ينال الشهادة، بعد أن يلقى بظلال الرعب في قلوب يهود، ويحطم آمال الأمن في نفوسهم وقلوبهم.

 

ويتوالى تحديث وسائل المقاومة فكانت صورايخ القسام وغيرها من صواريخ الفصائل الأخرى، وكان مداها لا يتجاوز بضع كيلو مترات، ثم طورت لتصل في حرب غزة الصمود إلى مدى خمسين كيلو مترًا.

 

وكم يدهش المسلم حين يرى الدبابة والطائرة والمدفع والصاروخ يقف عاجزًا أمام قلة عزلاء من كل هذه الأسلحة، ومجردة من كل شيء، اللهم إلا من إيمانٍ بالله راسخ، ويقين تام بأن الله ناصرها، كما أنها كانت تؤمن بحقها في حياةٍ كريمةٍ على أرضه واسترداد الأقصى، وهي في هذا الصراع فقدت الثقة في النصرة من البشر، وانقطعت بها أسباب الأرض، واتصلت بأسباب السماء ومن ثمَّ أصبحت تستمد النصر ممن يملكه: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾  (آل عمران: من الآية 126)، تستمده وقد آمنت بالله وتوكلت عليه تحقيقًا لقول الله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (آل عمران الآية: من الآية 160).

 

وبين قيام الكيان الصهيوني والانتفاضة من الشعب الفلسطيني أربعين سنة، وإذا كان الكيان الصهيوني لم يولد كاملاً في عام واحد، ولكنها ظلت تنافح وسط الأعاصير، ودخلت في حروبٍ متوالية وما ثبت لها قدم في المنطقة، ولا تحقق لها أمن في وطن، وما اعترف بها من العرب أحد، حتى كانت الطامة الكبرى، متمثلةً في معاهدة كامب ديفيد سنة 1978م أول اعترافٍ من أكبر دولة في المنطقة، ثم توالى من بعدها دول أخرى.

 

وخلال الأربعين عامًا التي بين ولادة الكيان الصهيوني وبدء الانتفاضة لم يكن لفلسطين ولا للفلسطينيين وجود في القاموس الصهيوني، حتى كانت الانتفاضة، وأحسَّ الكيان الصهيوني بالخطر يتهدده، وأنه ما لم يسرع الخطا نحو الفلول الطريدة اليائسة، والتي أفل نجمها، وزال خطرها.. إن لم يسرع نحو هؤلاء ويعقد معهم صلحًا، فسيجد نفسه في عشيةٍ أو ضحاها يمسك بخناقه فتية آمنوا بربهم، وسينزل بهم الموت من كل مكان، ولن يجدوا من يُخلصهم من قبضتهم القوية، وسواعدهم الفتية، وسوف يتنكر لهم كل شيء من حولهم، حتى الحجر والشجر، ليهيب بالمسلم أن يخلصه من دنس يهود ورجسهم.

 

وإن الذين يذودون عنهم الآن، ويعلنون حمايتهم لهم، والدفاع عنهم سيجدون أنفسهم يرجعون القهقرى، وكيف لا وهم طلاب حياة، وأحرص الناس على حياة، وتلك الأرض تحوَّلت إلى مقبرةٍ لكل دخيل، وهكذا كان تاريخها على مدار التاريخ، فيها قُبِر التتار، وفيها قُبِر الصليبيون، وستكون مقبرةً لليهود الذين تنادوا إلى أرض الميعاد، فجاءوا من كل حدب وصوب إلى حتفهم، ولعل في ذلك حكمة إلهية ليطهر الأرض من شرهم، ويخلص البشرية من فسادهم وإفسادهم.

 

وبدأ الغيث ببشائر النصر المبين، والخير العميم تلوح في الأفق، بملحمة غزة العظيمة، التي لقنت اليهود درسًا لن ينسوه، وكانت الرسالة العظيمة التي بعثوا بها لليهود، وكل مَن تعاون معهم من عجم وعرب، لا نصرَ لكم بعد اليوم، لقد مضى العصر الذي تنصرون فيه في ساعات أو بضعة أيام على جيوش دول عديدة.. نعم انتصرت على جيوش بينما وقفت على أبواب غزة ما يقرب من شهر، وما استطاعت أن تتوغل لبضع عشرات من الأمتار، بينما قضمت من الأرض العربية سيناء والجولان والضفة في ست ساعات أو ستة أيام ويومها أقاموا عرسًا في القدس وأنشدوا بأن محمدًا قد مات وخلَّف بنات، وغاب عنهم أن مَن كانوا في المعركة في مواجهتهم ليسوا من بنات محمد صلى الله عليه وسلم بل أسود في الميدان وأبطال في الجلاد، وليس ببعيدٍ عمن يقرأ التاريخ كيف أن صفية بنت عبد المطلب قتلت اليهودي المتجسس بعمود الخيام، وكيف أن أسماء بنت عطية قتلت تسعة من الكفار، وأين رجالهم من خولة بنت الأزور وأسماء بنت أبي بكر ونسيبة بنت كعب وغيرهن كثير، وأين رجالهم من نساء محمد صلى الله عليه وسلم في فلسطين، وما الاستشهادية ريم الرياشي عنهم ببعيد، وما أعظم ما صرَّحت به جميلة الشنطي: "أصبحت المرأة الفلسطينية لا تكتفي بأن يكون ابنها شهيدًا أو تقوم بدعم الزوج مجاهدًا، بل أي تجمع للأخوات المطلب الأول الذي يطالبن فيه أنهن يقولن نريد أن نشارك في الجهاد".

 

بل لقد لعب جيش نساء حماس دورًا بارزًا في العمل الجهادي والمقاوم جنبًا إلى جنبٍ مع الرجال؛ فأصبحت خط الدفاع الثاني بعد رجال القسام، وخطًّا ممولاً ومساعدًا في الاجتياحات، فالمرأة التي كانت تدفع بابنها وزوجها وأخيه وتوجهه نحو العمل الجهادي هي مثل المجاهد القسامي.

 

وسوف تكشف لنا الأيام حين ينقشع الغبار عن بطولات المجاهدات في فلسطين.

 

ادخلوا عليهم الباب

إن اليهود الصهاينة على يقين من أنهم لا يقدرون على المواجهة مع جند الإسلام؛ ولذلك عمدوا إلى:

- إقامة الحواجز والمعابر.

- إقامة الجدار العازل.

- إقامة المغتصبات.

- ينادي بعضهم بطرد مَن بقي من أهل فلسطين بينهم.

 

كل ذلك يجعلنا نقرأ الآيات السابقة من جديدٍ في الواقع المعاصر.. ونقف مع:

- ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾

- ﴿فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾

- ﴿لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا﴾

- ﴿فاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾

 

أليس هذا كل ما يردده أبناء صهيون.. لكي ندخل منطقة فلنقتل كل مَن نلقى.. ولنطرد مَن نستطيع.. ولنحاصر من نقدر على حصارهم.. وفي ملحمة غزة الأخيرة لم يدخلوها إلا بعد دكها بأطنانٍ من المتفجرات تجعلهم يطمئنوا أن لم يبق في المنطقة حياة حتى يدخلوها خراباً.. إنهم كما أخبر عباد حياة: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)﴾ (البقرة).

 

في مقابل ذلك نقرأ اللوحة الأخرى في الآية، ويتمثل ذلك في قولة الرجلين اللذين أنعم الله عليهما: ﴿قَالَ رَجُلانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)﴾.

 

أيها المجاهدون: لقد عمد الصهاينة إلى أن يدخلوا عليكم دياركم المكشوفة فما استطاعوا مع أن الكثير من الحكومات كان يقول لهم ادخلوا عليهم، وخلصونا من هؤلاء المجاهدين، وسنمنحكم الوقت الكافي، وكانوا يحسبونها بضع ساعات بعدها تُرفع الرايات البيضاء ويكون الاستسلام، وخابوا وردَّهم الله على أعقابهم خاسئين.

 

كان ذلك حالهم، وهذا مآلهم، أما أنتم أيها المجاهدون فلقد اقتربت الساعة التي سينادي فيها قادة المقاومة ادخلوا عليهم الباب، وحينئذ لن تكون حصونهم مانعتهم من الله، ولن يكون الجدار حاميًا لهم من جندِ الله، بل إن كلَّ ما في فلسطين المباركة من إنسان وشجر وحجر يمقتهم ويلعنهم ويتمنى ساعة الخلاص من القردة والخنازير الذين دنسوا الأرض الطيبة.

 

أيها المجاهدون: أنتم قاب قوسين أو أدنى من النصر الكامل واسترداد فلسطين من البحر إلى النهر، ولندخل المسجد كما دخلناه أول مرة.

 

وإن كلَّ يوم يمر نقترب من موعود الله الذي أخبر به الرسول- صلى الله عليه وسلم- من مقتلة اليهود القريبة، ونصر الله الموعود: ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾ (الروم).

-----------

* الحواشي:

(1) مقدمة ابن خلدون 2/502.

(2) روح المعاني 6/108.

(3) تفسير القرطبي بتصرف 6/86.

(4) تفسير ابن كثير 2/39.