عندما يؤكد بنيامين نتنياهو وجود تطابق في وجهات النظر بين العالم العربي، والكيان الصهيوني حول الأخطار التي تمثلها إيران في المنطقة، في تصريحات نقلتها الإذاعة الصهيونية، وأن القلق (الصهيوني- العربي) المشترك من طموحات إيران النووية "ظاهرة جديدة" تتيح الفرصة لتعاون غير مسبوق بين الكيان الصهيوني والدول الإسلامية، فإن هذه التأكيدات تعكس انقلابًا في المفاهيم الإستراتيجية في المنطقة، وتمهد لتحالف (عربي- صهيوني) في مواجهة إيران.

 

انتظرنا يومين لعلنا نسمع تكذيبًا، أو توضيحًا لهذه التصريحات من العواصم العربية التي زارها نتنياهو، ونقصد: القاهرة وعمان، ولكن دون جدوى، الأمر الذي يجعلنا نأخذها على محمل الجد، ونتعامل معها كمؤشر يمكن أن يفسر لنا طبيعة الحراك الراهن في المنطقة، وزحمة الزيارات المتبادلة بين بعض زعمائها، وبدء حجيجهم إلى واشنطن الذي سيُدشَّن بالزيارة التي سيقوم بها نتنياهو الإثنين المقبل، ثم بزيارتي الرئيسين المصري حسني مبارك، والفلسطيني محمود عباس.

 

العواصم العربية، وعواصم دول محور الاعتدال على وجه الخصوص، لا تستقبل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وإن استقبلته لا نسمع، أو نقرأ بيانًا مشتركًا، يؤكد تطابق وجهات النظر بين زعمائها والضيف الإيراني المسلم حول الخطر الصهيوني على المنطقة، مثلما هو الحال مع نتنياهو.. أليس هذا أمرًا غريبًا ولافتًا للنظر؟

 

نتنياهو يرفض حل الدولتين، ويحتقر مبادرة السلام العربية، ويتزعم حكومة هي الأكثر تطرُّفًا في تاريخ الدولة العبرية، ويعين وزيرًا للخارجية أكثر عنصرية من عتاة العنصريين، الذي يريد طرد مليون وربع المليون عربي، ونسف السد العالي، ويتعهد بتوسيع الاستيطان في القدس نفسها، ومع ذلك نرى ترحيبًا عربيًّا به، وتطابقًا في وجهات النظر مع طروحاته، بينما لا نرى الشيء نفسه مع زعماء مسلمين، خاصة الإيرانيين منهم.

 

ما يمكن استنتاجه من سطور تصريحات نتنياهو، وما بينها، أن الرجل سيذهب إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي الجديد، وهو مسلح بدعم عربي لطروحاته، بشأن الخطر الإيراني أولاً، ومن ثم للسلام الاقتصادي الذي يروج له. فإذا كان زعماء عرب يستقبلونه، ويفشلون في تغيير وجهات نظره حول حل الدولتين، مثلما هو معلن، فلماذا يضغط عليه الرئيس الأمريكي في الإطار نفسه، أو يفرض عقوبات على حكومته؟

 

نتنياهو يزور عواصم عربية ليس بهدف عملية السلام، وإنما لتعبئتها حول مشروع مواجهة ما يسميه بالخطر الإيراني على المنطقة، والاستعدادات الصهيونية المحتملة لمواجهته، سلمًا أو حربًا، وبناء تحالف (عربي- صهيوني) جديد بزعامته.

 

هناك عدة نقاط يجب التوقف عندها مليًا في هذا الشأن:

أولاً: زيارة ليون بانيتا مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي.آي. إيه) السرية إلى القدس المحتلة بهدف تنسيق المواقف بين بلاده والدولة العبرية بشأن الملف النووي الإيراني، والحصول على ضمانات بعدم إقدام الدولة العبرية على أي حرب ضد إيران دون التشاور مسبقًا مع البيت الأبيض.

 

ثانيًا: الصمت العربي الرسمي عن التركيز الصهيوني على ضرورة تأجيل أي حديث عن السلام قبل الانتهاء من البرنامج النووي الإيراني. أي أن أي دولة فلسطينية يجب أن تنتظر حتى يتم تدمير هذا البرنامج بشكل جذري.

 

ثالثًا: تزايد الحديث عن خطة أمريكية سيعرضها الرئيس باراك أوباما أثناء خطابه الذي سيلقيه في القاهرة الشهر المقبل، أبرز بنودها البدء في علاقات تطبيعية مباشرة بين العرب والكيان الصهيوني، وإسقاط حق العودة من المبادرة العربية للسلام، مقابل طمأنة حكومة نتنياهو، وإقناعها بـ"تجميد" الاستيطان في الأراضي المحتلة، والقبول بالعودة إلى التفاوض على أساس حل الدولتين.

 

رابعًا: استمرار الحصار (العربي- الصهيوني) المشترك على قطاع غزة، وتصعيد الحملات الإعلامية ضد "محور الشر" الإيراني، وفصائل المقاومة اللبنانية (حزب الله) والفلسطينية (حماس والجهاد) تحت ذريعة إقدام الأولى على زعزعة استقرار مصر وانتهاك سيادتها.

 

خامسًا: تبخر آمال المصالحة العربية، فالقنوات ما زالت مسدودة بين مصر وسورية، أما نظيرتها بين السعودية وسورية فشبه مغلقة، والعلاقات بين الرياض ودمشق لم تخرج عن نطاقها الاستخباري، وتتسم بالبرود المطلق.

 

سادسًا: تزايد إقبال دول عربية نفطية على شراء صفقات ضخمة من الأسلحة الأمريكية خصوصًا، تفوق قدراتها على استيعابها، وكشفت التقارير الغربية أن دولة الإمارات العربية المتحدة التي تحتل إيران جزرها الثلاث، تحتل الترتيب الثالث عالميًّا في هذا المضمار.

 

سابعًا: استمرار الكيان الصهيوني في إجراء مناورات عسكرية ضخمة، من بينها التدرب على ضرب أهداف بعيدة مثل قصف قافلة الأسلحة المجهولة شمال بورسودان مرتين، وكذلك أهداف وهمية قرب جبل طارق، والتزود بالوقود في الجو في رحلتي الذهاب والإياب، وهي المسافة نفسها التي تفصل إيران عن الدولة العبرية، مضافًا إلى ذلك استخدام طائرات (ميغ 29) الروسية الصنع المشابهة لتلك الموجودة في سلاح الجو الإيراني في هذه التدريبات.

 

ثامنًا: تهيئة الجبهة الداخلية الصهيونية لحرب شاملة، من خلال مناورات تشمل كل المناطق الصهيونية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، تبدأ في الشهر المقبل، وهي الأولى من نوعها، حيث سيتم إعلان الاستنفار الكامل في المستشفيات والمؤسسات الخدمية الأخرى، وتوزيع كمامات واقية من الغاز والتدريبات على كيفية مواجهة حرب كيماوية أو بيولوجية.

 

البرنامج النووي الإيراني يشكل قلقًا لبعض الأنظمة العربية، لأنه سيؤدي إلى انقلاب كامل في موازين القوى لصالح إيران في حال تطوره بحيث ينتج رؤوسًا نوويةً، ولكن هذا البرنامج لا يواجه بالتحالف مع الكيان الصهيوني، وإنما بتطوير قدرات عربية مماثلة، وبناء صناعة عسكرية متطورة، وإعداد الجيوش العربية على أسس حديثة، بحيث يتم تحقيق التوازن مع الكيان الصهيوني وإيران معًا. أما محاولة توظيف القدرات العسكرية الصهيونية ضد إيران، مثلما جرى استخدام نظيرتها الأمريكية ضد العراق، فهذا يعني مواجهة النفوذ الإيراني بتسليم المنطقة برمتها للهيمنة الصهيونية، وتنصيب المستر "شلومو" زعيمًا على العرب والفرس معًا، والطرفان- ونقولها للتذكير فقط- ينتميان إلى العقيدة الإسلامية نفسها، ويعتبران طرفين أصيلين في المنطقة، وليسا طارئين عليها.

 

نحن على أبواب صفقة (أمريكية- صهيونية) قد تكون مقدمة لأخرى مع إيران، أو إعلان حرب مشتركة ضدها في حال تمسكت الأخيرة بشروطها ورفضت الإغراءات التي تتضمنها هذه الصفقة.

 

نتائج الحرب في حال بدئها ضد إيران معروفة، فالعرب سيدفعون ثمنها غاليًا، فقد تحترق آبار نفطهم، وتدمر مدنهم، وتتلوث مياههم وأجواؤهم بالإشعاعات النووية، ولكن هل فكر "عرب الاعتدال" بأخطار أي صفقة (أمريكية- صهيونية- إيرانية) يتم التوصل إليها في حال قبول إيران بمغريات بنودها؟

 

العرب سيكونون الخاسرين في الحالين، حال الحرب أو السلام (الأمريكي- الإيراني)، ولكن ربما تكون الخسارة أقل ماديًّا ومعنويًّا، إذا وقفوا في خندق دولة مسلمة، بحيث لا يكررون خطيئتهم التاريخية عندما وقفوا مع الاستعمارين الإنجليزي والفرنسي ضد الإمبراطورية العثمانية الإسلامية؛ مما جعل الكثير من الأتراك يرددون عبارتهم الشهيرة "عرب خيانات".

--------

* القدس العربي- 16/05/2009