- والدنا عبقرية فريدة مأسورة خلف القضبان

- وضع المعتقلين بسجن المحكوم شديد القسوة

- طلاب بالجامعة غضبوا لاعتقاله أيام الامتحانات

- الإصلاح صعب ويا أبي مزيدًا من الصبر

 

حوار- شيماء جلال:

صوتها القوي الثابت كان يملأ مخيلتي بصور عديدة وأنا في الطريق لمنزل الدكتور حسام أبو بكر أستاذ بكلية الهندسة جامعة المنصورة والمعتقل منذ الرابع عشر من مايو الجاري على ذمة قضية التنظيم الدولي.

 

أحاسيس متباينة أثارتها في داخلي تنم عن أم وزوجة قوية وإن استشعرت في صوتها مرارة الظلم الممتزج بالصبر؛ لترسم صورة من تسير على درب عائشة وفاطمة وأسماء؛ لا سيما وهي تحدثني عن صفحة مشرقة من صفحات تاريخ الإخوان ممن قدموا وضحَّوا بالكثير في سبيل أمتهم فكان جزاءهم الإبعادُ والاعتقال والاعتداء على الأموال والحريات..

 

* نود تعريفنا أكثر بالدكتور حسام؟

** هو من مواليد محافظة الدقهلية عام 1962 تفوق وظهر نبوغه مبكرًا فحصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة المنصورة عام 1983 بأعلى الدرجات في تاريخ كليات الهندسة بتقدير امتياز في جميع المواد ثم حصل على ماجستير في الطاقة الشمسية من جامعة المنصورة بامتياز مع مرتبة الشرف؛ وحصل على دكتوراه في الهندسة من جامعة المنصورة وأخرى من الهند في الهندسة العكسية من جامعة مومباي في "الموائع"؛ وقد تدرج وظيفيًّا كمدرس بكلية الهندسة بجامعة المنصورة من عام 1992 وحتى الآن؛ فضلاً عن توليه مسئولية أمين صندوق نقابة المهندسين، ورعاية أعضاء نقابة المهندسين وأسرهم.

 

والدكتور حسام محب جدًّا للعلم والبحث، وحينما أتم الماجستير وعُين معيدًا بالجامعة أصبح لديه دافع أن ينجز مشروعًا بحثيًّا ضخمًا عن الطاقة الشمسية بتقنية رخيصة ومتوفرة لدينا؛ ولكن في ظل وضع البحث العملي السيئ في مصر لم يتم تنفيذ المشروع وظل حبيس الأدراج.

 

* وعن الجانب الأسري؟

** بصراحة دكتور حسام أب حنون لأقصى درجة؛ واعتاد على مناقشة الأبناء ومحاورتهم في جميع أمورهم؛ ودائمًا ما يشارك الأبناء في كافة الأمور ويأخذ برأي الأبناء في أمور عديدة خاصة إذا كان رأيهم هو الأصلح والصواب؛ وبالرغم من كثرة مشاغله بالدراسة والعلم إلا أنه كان لا بد أن يحدثهم ويطلع على أحوالهم ويتابع دروسهم وعلومهم في كل الظروف.

 

لصوص الفجر

 الصورة غير متاحة

قوات أمن الدولة تقتحم البيوت وتقلبها رأسًا على عقب

* ما تفاصيل وقعة الاعتقال الأخيرة؟

** في حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل، وقبل الفجر بدقائق فاجأتنا طرقات قوية على باب المنزل وكأنها لمفتشين عن لصوص؛ ولكن على النقيض هم اللصوص الحقيقيون الذين يقتحمون البيوت والحرمات بلا أدنى وجه حق؛ لم يمكثوا كثيرًا بالمنزل قبل أن يجبروا الدكتور على اصطحابهم إلى الشركة الاستثمارية التي يعمل مستشارًا لها بعد أن هددوه باقتحامها بالقوة؛ ومع الضغوط توجهنا للشركة حيث كنت أنا وابني عبد الرحمن خلفهم بسيارتنا، وخلال سيرنا هددونا أكثر من مرة للابتعاد؛ عنهم ولكننا ظللنا خلفهم لنصل عند الشركة، ونجد أن المنطقة المحاطة بها تحولت إلى ثكنة عسكرية من العساكر وضباط أمن الدولة.

 

* وهل استولوا على أشياء من الشركة؟

** بالفعل كان اقتحامهم وحشيًّا وسيئًا فقد أجبروا الدكتور على فتح الشركة بالقوة في حين أنه مجرد استشاري بها؛ ليس هذا فحسب بل تطور الأمر إلى أنهم حصلوا على كل شيء بها من عقود ومستندات وأوراق خاصة بصفقات وأجهزة حاسب؛ ولم يراعوا حرمة المكان ولا خصوصيته.

 

* وكيف صار الوضع بالشركة بعد أن استولوا على كل هذه الأوراق والمستندات؟

** الوضع سيئ للغاية؛ لأنهم قاموا بأعمال تخريبية وغير قانونية بالشركة، وصادروا عقودًا مع شركات أخرى رغم أن زوجي ليس له عمل ثابت بها، فهو مجرد استشاري لها، وقد بذلنا معهم محاولات مستميتة؛ لنثبت لهم عدم شرعية عملهم فلم نجد آذانًا منهم؛ وشاهدتهم أيضًا يصطحبون حارس عقار الشركة وأجبروه على التوقيع على أوراق لا نعلم ما طبيعتها حتى الآن ثم قاموا بإغلاق الشركة وتشميعها.

 

وإلى الآن لا أجد وصفًا لما يفعله هؤلاء اللصوص، ولا أدري من أعطى لهم الحق لكي يقتحموا بيوتنا ويروعونا هكذا، فضلاً عن الاستيلاء على أموالنا وممتلكاتنا؛ فهم لصوص لا يسرقون إلا كل شريف يبتغي الإصلاح في وطنه؛ وطريقتهم تفزع اللصوص أنفسهم ولكننا لا نخاف منهم بل هم الذين يخافون؛ لذلك يأتون ليلاً ولا يأتون في وجه النهار ودائمًا حينما يأتون لا يريدون أن يسمعهم أو يراهم أحد؛ لكي لا يراهم الناس على حقيقتهم المستفزة والمثيرة واللا آدمية.

 

الأقصى وغسيل الأموال

 الصورة غير متاحة

* وكيف ترون الاتهامات الجديدة بالتنظيم الدولي وغسيل الأموال؟

** لا أرى جديدًا في الاتهامات الملفقة التي يبتكرونها من بحر خيالهم؛ فجميع الاتهامات لا يقبلها أي منطق سواء بالنسبة لزوجي أو زملائه؛ فهم أساتذة وأطباء وأناس عُرِفوا بحسن خلقهم وخدمتهم لأوطانهم.

 

* تم الاعتقال فجر يوم الخميس وكان من المفترض أن يكون يوم الجمعة يومًا للغضب من أجل الأقصى؛ فما تعليقكم؟

** لا أدري حقًّا كيف بلغ بالأنظمة أن تفكر بهذا الشكل؛ وإن كان موضوع يوم الغضب هو السبب؛ فأنا أستنكر أن تكون مجرد وقفة للتنديد بأعمال آلة الحرب الصهيونية وما ترتكبه من جرائم ضد الإنسانية التي تنادي بها كل شعوب العالم المتقدمة سببًا لاعتقال الناس بلا أدنى مسئولية قانونية.

 

* دكتور حسام أستاذ جامعي وقد تم اعتقاله أيام الامتحانات فما أثر ذلك على طلابه؟

** الطلبة فعلاً منهارون يمكن أكثر منا؛ ومن وقت ما تم اعتقال زوجي وهم على اتصال بنا لمعرفة أحوال زوجي، واستنكروا أن يحدث معه ذلك، خاصةً في ظل قرب الامتحانات وهم كانوا بحاجةٍ إليه.

 

وضع متردٍّ

* في غياب الأب تزداد أهمية دور الأم، فصفي لنا تلك الأيام التي تقودين فيها أسرتك بعد اعتقال الزوج!

** الدكتور حسام علمنا الاعتماد على أنفسنا، والتشاور فيما بيننا، وتفعيل الرأي الأصوب لذلك، فأصبحنا في المنزل متكاتفين ومجتمعين على مائدة واحدة ورأي واحد، وإن كان الوضع أصعب بالنسبة لعملي فأنا لا أتابعه حتى الآن؛ بسبب أن أمر الاعتقال جاء مع ظروف امتحانات الأبناء وكان غير متوقع.

 

* وكيف كان وضعه في محبسه بسجن "المحكوم"؟

** لقد تمكنا من زيارته هناك؛ والوضع متردٍّ للغاية؛ فالمحكوم أبشع المعتقلات، وهو أمر متعمد وغير قانوني، فضلاً عن أنه يضم عتاة المجرمين؛ وأبلغني زوجي أنه تم تكديسهم جميعًا في حجرة واحدة ضيقة، وتقريبًا لا يوجد بها فتحات للتهوية؛ ولكنه أوصانا بالثبات والصبر مهما كانت المحن والصعاب.

 

مرارة الظلم

 الصورة غير متاحة

أبناء المعتقلين يطالبون برفع الظلم عن ذويهم

* أستشعر في همس كلماتك مرارة الظلم..!!

** الظلم ظلمات يوم القيامة؛ والظلم أن نُروع في بيوتنا ونتهم باتهامات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان؛ فوقعه مرير؛ ولا أجد وصفًا لمرارة الظلم الذي شعرنا به، وإن كنت أتذكر قوله تعالى ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42)﴾ (إبراهيم)، وكذلك قوله ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) ﴾ (البقرة)..

 

وهذه هي رسالتي لكل أهالي وزوجات وأقارب المعتقلين وأسال الثبات لنا ولهم.

 أما رسالتي لزوجي فهي نحن ننتظر خروجك لنا قريبًا؛ مر 14 يومًا ولكن ظني بالله أنك ستخرج قريبًا بإذن الله وأقول له قول الحق ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ﴾ (آل عمران: من الآية 139).

 

* "آية" بالصف الأول الإعدادي كانت تذاكر لحظة مداهمة بيتهم؛ فكان حديثها عن تلك اللحظة مؤلمًا ومبكيًا، فقالت:

** والدي مثل عظيم بالنسبة ليّ؛ ودائمًا ما يحاورنا ويجالسنا ويسامرنا، وكان وقتها يؤازرنا قبل الامتحانات؛ وحينما هجموا على المنزل اتفزعت وذهبت مسرعة إلى أبي أخشى عليه أن يأخذوه؛ ولكنهم بالفعل أخذوه، وقبل أن يمضي معهم حدثني قائلاً: "شدي حيلك وركزي في مذاكرتك، ولا تجعلي هذا الأمر يؤثر على امتحاناتك"؛ والدي علمنا أن دعوة الإخوان فيها كثير من الصعاب والمحن وكان حينما يحدث لأي فرد اعتقال كان يحدثنا عنه؛ حتى نتعلم من غيرنا؛ لأن ذلك الأمر قد يحدث لنا في أي وقت.

 

وشعرت بإحساس والدي علمني إياه؛ وهو أننا على الحق؛ ما داموا يهجمون علينا هكذا إذن فنحن على الحق؛ وأضافت: "هما فاكرين بالاعتقالات ديه هنتخلى عن دعوتنا؛ أبدًا مش هيفلحوا في غايتهم ديه".

 

* وماذا ترسلين إلى والدك؟

** أقول له وحشتنا يا أبي.. ونحن ننتظرك ونعلم أن كل لحظة تمر عليك في معتقلك ستكون في ميزان حسناتك وحسناتنا، وسنأخذ عليها ثوابًا عظيمًا، ونحن معك، وهدفنا الإصلاح علشان كده إحنا هنتعب كتير.

 

- مريم "4 سنوات" كانت تخطو بالمنزل ذهابًا وإيابًا، وتقول أبي سيأتي قريبًا علشان كده هنركب الزينة بالمنزل، وهنعمل "جاتوه".

 

مريم كان لها رسالة لوالدها قالت له فيها: "شكرًا يا أبي على الهدايا الجميلة اللي إنت بتقدمها لي؛ ربنا يباركلي فيك ويرجعك بألف سلامة".