طُرِح على الحركات الإسلامية سؤالٌ حول كيفية تكيفها مع منظومة العمل الديمقراطي، وهل يمكنها التحول لحزب سياسي أم لا.

 

واختارت بعض الحركات الإسلامية التحول بالكامل إلى حزب سياسي، وبعضها اختار الجمع بين مؤسستين؛ الجماعة والحزب.

 

وبجانب تأكيد أن صيغة الجمع بين الجماعة والحزب هي الأفضل بالنسبة للحركة الإسلامية، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، نرى تلك الصيغة هي الأفضل بالنسبة للعمل السياسي في بلادنا العربية والإسلامية، ليس فقط بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، ولا بالنسبة للحركات الإسلامية عمومًا، بل بالنسبة لكل تيارٍ سياسي يريد أن يكون له وجود في المجتمعات العربية والإسلامية.

 

فالهدف الذي يجب التركيز عليه، هو كيفية إقامة بنية سياسية مؤسسية، قادرة على تحقيق آليات العمل الديمقراطي بفاعلية.

 

فالمطلوب إقامة بناء سياسي فعَّال، يؤدي إلى مشاركة جماهيرية واسعة في العملية السياسية، مما يحقِّق ولاية الأمة، ومبدأ (الأمة مصدر السلطات)، ويصبح اختيار الحاكم ومحاسبته وعزله حقًّا للأمة تمارسه بحرية وفاعلية.

 

وفي المقابل، نرى أن وجود الأحزاب السياسية، وحرية تأسيسها، ليس كافيًا في حد ذاته لتحقيق المشاركة السياسية المستمرة والمستدامة، بالصورة التي تحقِّق مشاركة الأمة في إدارة نظامها السياسي وتوجيهه.

 

هذا التصور يقوم على فرضيةٍ، مفادها أن فاعلية المجتمعات العربية والإسلامية لا تظهر في المجال السياسي بنفس الصورة التي تحدث في مجتمعات أخرى؛ حيث إن مجتمعاتنا يغلب عليها الاهتمام بالقضايا الكبرى والأساسية، أكثر من الاهتمام بالتفاصيل الفنية للعملية السياسية، والتي غالبًا ما تُفرِّق بين الأحزاب، وبهذا يكون التنافس الحزبي القائم على الاختلاف في تفاصيل البرامج السياسية، ليس كافيًا في حدِّ ذاته لتعميق المشاركة السياسية بين الناس.

 

الحركة الإسلامية اجتماعية

ومن جانب آخر، سنجد أن الحركات الاجتماعية كانت هي الأكثر فاعلية في الوقت الراهن، كما أنها كانت فاعلة عبر التاريخ العربي والإسلامي. والحركات الإسلامية تُمثِّل المكون الرئيسي للحركة الاجتماعية المعاصرة في البلاد العربية والإسلامية. والتأييد الشعبي لتك الحركات، جاء متوافقًا مع طبيعتها كحركات اجتماعية، تحمل مبادئ عامة وترفع شعارات تحدد الأسس والثوابت التي ينبغي على الأمة الالتزام بها، وبالتالي ينبغي على الحكام الالتزام بها أيضًا. وعندما تم نقد الحركة الإسلامية بسبب عمومية شعاراتها، لم يلاحظ المراقبون أن تلك الشعارات العامة هي ما يهم الناس في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؛ حيث يهتمُّ الناس بالمبادئ التي تلتزم بها الحركة، وليس بكيفية تنفيذ تلك المبادئ؛ ولهذا ظلَّت البرامج السياسية، والتي تصدرها الحركات الإسلامية محل اهتمام من النخب، وليس من الجماهير.

 

لكنَّ الجماهير في المقابل كانت تهتمُّ بالمبادئ والأسس العامة التي تحتوي عليها تلك البرامج.

 

هنا نلمح قضيةً جوهريةً، وهي أن الحركات الاجتماعية، تقوم على المبادئ العامة، وتتميز عن غيرها في المبادئ والأسس، وليس في البرامج والتفاصيل؛ حيث إن مهمة تحديد التفاصيل والبرامج التنفيذية تقع على عاتق الحركات السياسية، فالأخيرة هي التي تتولى مسئولية التصدي لعملية التنفيذ في المجال السياسي، وهي بالتالي التي تخوض غمار التنافس السياسي للوصول للسلطة، ومن ثَمَّ يكون عليها تنفيذ مبادئها من خلال البرامج التفصيلية التي أعلنت عنها.

 

ماهية الحركة الاجتماعية

أقصد من هذا ضمنًا، أن الحركة الاجتماعية هي حركةٌ تحمل فكرًا معينًا، وتنشره بين الناس، وتجذب الأعضاء الذين يؤيدونها. وتقيم بناءً اجتماعيًّا يحمل الفكرة، ويعيش بها في حياته، وينشرها بين الناس. ويطالب بتطبيقها في مختلف مجالات الحياة، ومنها المجال السياسي. وبهذا تكون الحركة الاجتماعية هي وحدة اجتماعية تحمل فكرًا معينًا وقيمًا وتقاليد، وبالتالي تُمثِّل في النهاية الأساس الاجتماعي لتيار سياسي. وبالطبع توجد أنماط مختلفة من الحركات الاجتماعية، ولكننا نركِّز هنا على الحركة الاجتماعية التي تحمل رؤية شاملة في الحياة.

 

هنا نصل للعلاقة المهمة بين الحركة الاجتماعية والحركة السياسية؛ فالحركة الاجتماعية تُمثِّل الأساس الجماهيري والشعبي، وتُمثِّل السند الاجتماعي للحركة السياسية. وعندما تكون الحركة السياسية مرتبطةً بحركة اجتماعية؛ فإن هذا يعني أنها ملتزمة بالرؤية الشاملة لتلك الحركة؛ وعليه تكون الحركة السياسية هي المؤسسة المنوط بها تنفيذ رؤية الحركة الاجتماعية في المجال السياسي، وهي المنوط بها التنافس من أجل الوصول للسلطة، لتنفيذ رؤية الحركة الاجتماعية، من خلال تصور الحركة السياسية عن أفضل برنامج تفصيلي يمكنه تحقيق تلك الرؤية.

 

ثنائية الاجتماعي والسياسي

بهذا تتحقق الثنائية التي نراها مهمة لتنشيط حياتنا الاجتماعية والسياسية، ونراها مهمةً لتقوية المجتمع؛ حتى يقوم بدوره في فرض التحول الديمقراطي على الأنظمة المستبدة الحاكمة، كما نراها ضروريةً لتقوية قدرات المجتمع على المقاومة ومواجهة الاحتلال الأجنبي، ثم نراها مهمةً لإقامة حياة سياسية فاعلة في المستقبل، عندما تأخذ الأمة بزمام المبادرة، وتُحقق مبدأ ولاية الأمة على مصيرها وثوابتها ومستقبلها.

 

الحاضن الاجتماعي

ونلاحظ هنا؛ أن حركات المقاومة الإسلامية، والتي تحمل عبء التصدي للعدوان الصهيوني الأمريكي على المنطقة، هي في الواقع تُمثِّل حركاتٍ اجتماعيةً، قامت ببناء أجنحة مسلحة لها. وإذا نظرنا لحركة المقاومة الإسلامية حماس مثلاً، سنجد قوتها الحقيقية في الحاضن الاجتماعي لها، وهذا الحاضن هو الحركة الاجتماعية التي تُمثِّلها حركة حماس، وهو الذي يوفر الغطاء الاجتماعي الحامي لعمل المقاومة، وهو الذي يمنحها قوة الاستمرار.

 

فالبنية الاجتماعية والحاضن الاجتماعي، هما من خصائص الحركة الاجتماعية، وهو ما يفسر منهج مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها الأول "حسن البنا". فقد بنى حسن البنا حركة اجتماعية، ووضع لها كل الأسس اللازمة لبناء كيان اجتماعي قوي ومتماسك، وقام تصوره على أن هذا البناء الاجتماعي القوي هو القادر على حمل الرسالة في كل مراحلها، والعمل على تحقيقها والصمود في وجه كل العقبات التي تعترض طريقها.

 

بهذا المعنى نقول: إن الحركة الاجتماعية سوف تمثِّل الحاضن الاجتماعي للحركة السياسية، وستكون مصدر قوتها الحقيقي، ومصدر التأييد لها والدعم الجماهيري، وأيضًا مصدر تنشيط الحراك الاجتماعي؛ مما ينعكس في شكل حراك سياسي. مما سينتج عنه في النهاية علاقة تقوم على أن الحركة الاجتماعية هي الأساس الذي تقوم عليه الحركة السياسية.

 

وخلاصة ذلك؛ إن الصيغة الثنائية بين الجماعة والحزب، أو بين الحركة الاجتماعية والحركة السياسية، هي أفضل الصيغ بالنسبة للحركة الإسلامية عمومًا، وبالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين خصوصًا، وأيضًا بالنسبة لكل مشروع سياسي آخر، فهي في تصوري تبدو الصيغة الفاعلة اجتماعيًّا وسياسيًّا في آنٍ واحدٍ.