موقف سيد قطب من الولاء والبراء

إن من أخص خصائص العقيدة الإسلامية عقد الولاء للمسلمين والبراء من المشركين.

 

الولاء يعني التقرب والتودد والموافقة وإظهار الحب بالقول والعمل والبينة وبذلك يكون الولاء للكافرين بالتقرب إليهم والموافقة لهم على ما هم فيه وإظهار المحبة لهم دون المسلمين وتمني نصرهم ونصرتهم وربط مصيره بمصيرهم. وقضية الولاء والبراء من الأمور الدقيقة التي تحتاج إلى تدبر وإمعان نظر وذلك لأن النهي عن مولاة الكافرين في الأمور الدينية دون غيرها هو المحظور شرعًا وهذا باتفاق. أما في الأمور الدنيوية كحب الرجل لزوجته الكتابية وما شابه ذلك فلا حرج فيه عند كثير من العلماء لأن الله تعالى أباح للمسلم أن يتزوج بها ابتداءً ولا يعقل أن ينظر الزوج إلى زوجته ويقول لها دائمًا (أكرهك) فلماذا تزوجها إذن؟

 

ويظهر من خلال آيات القرآن الكريم أن المحظور من الولاء للكافرين أمران:

الأول: أن يوالي أفراد أو جماعات من المسلمين اليهود والنصارى ويتعاهدون على التناصر من دون المؤمنين حتى ينصرهم الكافرون إن دارت عليهم الدوائر.

 

الثاني: أن يوالي أفراد أو جماعات من المسلمين اليهود والنصارى ويتحزب معهم ضد بقية المسلمين.

 

أما أن يقع التحالف بين جماعة المسلمين وبين غير المسلمين، لأجل فائدة المؤمنين، بجلب مصلحة لهم، أو دفع ضر عنهم، فهو موضع الاجتهاد، والجمهور على جوازه.

 

وقد اتُهم سيد قطب اتهامًا خطيرًا من قبل ربيع المدخلي إذ زعم بأن سيد قطب "يعادي المسلمين ويوالي الكافرين، فإذا أراد أن يتكلم عن المسلمين تكلم عنهم ببغض وحقد وكراهية وإن أراد أن يتكلم عن الكافرين تكلم بأسلوب ناعم رقيق رخيّ ودي وبهذا يكون قد جنى على الإسلام جناية كبيرة، وسعى في تمييع وتضييع مبدأ الولاء والبراء وقال على الله ما لم يقل، بل قال بضد ما قاله الله وقرره في محكم كتابه وبضد ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته وما قرره علماء الإسلام. وسيد قطب يجاري في هذا الذي ينسبه إلى الإسلام أفراخ الاستعمار من الكتاب والأحزاب الضالة التي ضيعت الإسلام وهدمت مبدأ الولاء والبراء في نفوس المسلمين وبلاد الإسلام" (1).

 

ولم ينس ربيع المدخلي في موضع آخر وهو يتكلم عن سيد وانعدام الولاء والبراء لديه أن يجعل معه غيره فقال فهذا دأب الإخوان المسلمين وضرب بذلك أمثلة فقال: "في السودان الإخوانية اليوم تُشاد الكنائس.. وفي السودان اليوم وزراء من النصارى بل نائب رئيس الجمهورية الإخوانية من النصارى ويشارك عدد كبير من النصارى في مجلس الشورى وفي الجيش وغيره، وهذا تطبيق عملي لمنهج الإخوان وسيد قطب.."(2).

 

والناظر في كلام ربيع يجده متحاملاً على سيد ويكتب عنه وعن فكره بنفسية متشددة بلا مبرر ولا حجة اللهم سوى المخالفة في المنهج وإن كانت المخالفة في المنهج لا تقتضي التجني على الآخرين وخاصة من أستاذ جامعي يُطلب منه تعليم الناس الإنصاف وتلقين الطلبة أدب الاختلاف..

 

في حين يسكت ربيع عن علماء أجازوا لدولهم وحكوماتهم الاستعانة بالمشركين والنصارى من أجل ضرب المسلمين في عصرنا الحاضر ولم ينطق ربيع كلمة واحدة عن هؤلاء بل كان ممن أفتى بجواز هذا الأمر وهو التعاون مع المشركين لضرب المسلمين والقضاء عليهم في العراق كحرب الخليج الأولى والثانية وغير ذلك في دول أخرى.. سبحان الله!!.

 

ومن أجل ذلك فلي مع سيد قطب وقفات سريعة لتحديد رأيه في هذه القضية ثم أتجه إلى أقوال العلماء الثقات بعد ذلك لأرى هل وافقهم سيد أو خالفهم في فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

يقرر سيد أولاً أهمية العقيدة في بناء الفرد والمجتمع والدولة بما فيها من نظم في ظلاله في كثير من المواضع، فهو يدعو دائمًا إلى سلامة العقيدة وشمولها ومن ذلك الولاء والبراء، ففي قوله سبحانه: ﴿لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)﴾ (آل عمران)، يقول سيد: "لقد استجاش السياق القرآني الشعور بأن الأمر كله لله والقوة كلها لله والتدبير كله لله والرزق كله بيد الله.. فما ولاء المؤمنين إذن لأعداء الله؟ إنه لا يجتمع في قلب واحد حقيقة الإيمان بالله وموالاة أعدائه الذين يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيتولون ويُعرضون.. ومن ثم جاء هذا التحذير الشديد وهذا التقرير الحاكم بخروج المسلم من إسلامه إذا هو والى من لا يرتضي أن يحكم أو باستنصاره سواء: ﴿لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾ هكذا.. ليس من الله في شيء، لا في صلة ولا نسبة، ولا دين ولا عقيدة ولا رابطة ولا ولاية.. فهو بعيد عن الله، منقطع الصلة تمامًا في كل شيء تكون فيه الصلات. ويرخص فقط بالتقية لمن خاف في بعض البلدان والأوقات.. ولكنها تقية اللسان لا ولاء القلب ولا ولاء العمل. قال ابن عباس- رضي الله عنهما- "ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان" (3) فليس من التقية المرخص فيها أن تقوم المودة بين المؤمن وبين الكافر.. كما أنه ليس من التقية المرخص بها أن يعاون المؤمن الكافر بالعمل في صورة من الصور باسم التقية. فما يجوز هذا الخداع على الله!" (4).

 

ومع وضوح كلام سيد فيما ذكرته إلا أنه يزيد الأمر تفصيلاً وبيانًا عند حديثه عن قوله تعالى: ﴿َيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: من الآية 51) يقول: "ويحسن أن نبين أولاً معنى الولاية التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى.. إنها تعني التناصر والتحالف معهم. ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم.

 

فبعيد جدًّا أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين. إنما هو ولاء التحالف والتناصر، الذي كان يلتبس على المسلمين أمره، فيحسبون أنه جائز لهم، بحكم ما كان واقعًا من تشابك المصالح والأواصر، ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة حتى نهاهم الله وأمر بإبطاله بعد ما تبين عدم إمكان قيام الولاء والتحالف والتناصر بين المسلمين واليهود في المدينة"(5).

 

وبعد أن بين سيد معنى الولاء وأكد بطلانه لليهود والنصارى شرع في الحديث عن الفرق بين الولاء والسماحة الإسلامية.. فيقول: "إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء واتخاذهم أولياء شيء آخر، ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته، بوصفه حركة منهجية واقعية... وهؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة ينقصهم الحس النقي بحقيقة العقيدة كما ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة المعركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها، ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيها، فيخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه مكفولي الحقوق وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة.. ناسين ما يقرره القرآن الكريم من أن أهل الكتاب.. بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة.. وأن هذا شأن ثابت لهم وأنهم ينقمون من المسلم إسلامه، وأنهم لن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم وأنهم مصرون على الحرب للإسلام وللجماعة المسلمة وأنهم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر.. إلى آخر هذه التقريرات الحاسمة. إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب، ولكنه منهي عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم"(6)، فأمر الولاء والبراء واضح في فكر سيد قطب لا غبش فيه.

 

ونجد سيدًا يحصر الولاية للمؤمنين في العقيدة دون غيرها ومن بعد ذلك تأتي قرابة النسب والأسرة فيقول في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ﴾ (التوبة: من الآية 23) "وهكذا تتقطع أواصر الدم والنسب، إذا انقطعت آصرة القلب والعقيدة. وتبطل ولاية القرابة في الأسرة إذا بطلت ولاية القرابة في الله. فلله الولاية الأولى، وفيها ترتبط البشرية جميعًا، فإذا لم تكن فلا ولاية بعد ذلك، والحبل مقطوع والعروة منقوضة"(7).

 

وفي قوله تعالى: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)﴾ (الممتحنة)، يقول سيد: "إن الإسلام دين سلام وعقيدة حب، ونظام يستهدف أن يظلل العالم كله بظله وأن يقيم فيه منهجه وأن يجمع الناس تحت لواء الله إخوة متعارفين متحابين. وليس هناك من عائق يحول دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله.

 

فأما إذا سالموهم فليس الإسلام براغب في الخصومة ولا متطوع بها كذلك وهو حتى في حالة الخصومة يستبقي أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك وعدالة المعاملة، انتظارًا لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير في أن ينضووا تحت لوائه الرفيع. ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم الذي تستقيم فيه النفوس، فتتجه هذا الاتجاه المستقيم.. وإلى أن يتحقق وعد الله الذي دل عليه لفظ الرجاء رخص الله لهم في مودة من لم يقاتلوهم في الدين ولم يخرجوهم من ديارهم ورفع عنهم الحرج في أن يبروهم وأن يتحروا العدل في معاملاتهم معهم فلا يبخسونهم من حقوقهم شيئًا. ولكنه نهى أشد النهي عن الولاء لمن قاتلوهم في الدين وأخرجوهم من ديارهم وساعدوا على إخراجهم. وحكم على الذين يتولونهم بأنهم هم الظالمون. وتلك القاعدة في معاملة غير المسلمين هي أعدل القواعد التي تتفق مع طبيعة هذا الدين ووجهته ونظرته إلى الحياة الإنسانية، بل نظرته الكلية لهذا الوجود. وهي أساس شريعته الدولية التي تجعل حالة السلم بينه وبين الناس جميعًا هي الحالة الثابتة لا يغيرها إلا وقوع الاعتداء الحربي وضرورة رده، أو خوف الخيانة بعد المعاهدة وهي تهديد بالاعتداء أو الوقوف بالقوة في وجه حرية الدعوة وحرية الاعتقاد.. وفيما عدا هذا فهي السلم والمودة والبر والعدل للناس أجمعين.."(8).

 

هذه بعض كلمات مما كتبه سيد بإيجاز شديد على سبيل المثال وذلك لأنه دائمًا يجعل العقيدة هي الأصل الذي لا يحيد عنه ونراه واضحًا جليًّا في فهم قضية الولاء والبراء والتعبير عنها بأدق الألفاظ وهي النظرة التي تتفق مع علماء السلف في كل مكان وذلك لأنها نابعة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر العلماء في قضية الولاء والبراء ما يتفقون به مع سيد ويتفق هو معهم.

 

فقد جاء في محاسن التأويل: "وأعلم أن الموالاة التي هي المباطنة والمشاورة وإفضاء الأسرار للكفار لا تجوز. فإن قيل: قد جوّز كثير من العلماء نكاح الكافرة وفي ذلك من الخلطة والمباطنة بالمرأة ما ليس بخاف؟ فجواب ذلك أن المراد موالاتهم في أمر الدين وفيما فيه تعظيم لهم" (9).

 

وأخذ المصنف يوضح ذلك إلى أن قال: "فحصل من هذا أن الموالي للكافر الفاسق عاصٍ ولكن أين تبلغ معصيته؟ يحتاج إلى تفصيل إن كانت المولاة بمعني الموادة، وهو يوده لمعصيته، كان ذلك كالرضا بالمعصية وإن كانت الموالاة كفرًا كفر، وإن كانت فسقًا فسق، وإن كانت لا توجب كفرًا ولا فسقًا لم يكفر ولم يفسق.

 

وإن كانت الموالاة بمعنى المحالفة والمناصرة، فإن كانت محالفة على أمر مباح أو واجب، كأن يدفع المؤمنون عن أهل الذمة من يتعرض لهم ويحالفونهم على ذلك، فهذا لا حرج فيه بل هو واجب. وإن كانت على أمر محظور، كأن يحالفوهم على أخذ أموال المسلمين والتحكم عليهم، فهذه معصية بلا إشكال (10).

 

وكذلك إن كانت بمعنى أن يظهر سر المسلمين ويحب سلامة الكافرين لا لكفرهم بل ليدلهم عليه أو لقرابة أو نحو ذلك فهذا معصية بلا إشكال لكن لا تبلغ حد الكفر لأنه لم يرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بكفر حاطب بن أبي بلتعة" (11)، ويظهر هنا كيف قسم الإمام القاسمي الموالاة إلى درجات بحسب ما يظهر من المخالفة. وقال عبد اللطيف بن عبد الرحمن حسن آل الشيخ: "وأما قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: من الآية 51)، وقوله: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ (المجادلة: من الآية 22)، فقد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة. وأصل الموالاة: هو الحب والنصرة والصداقة. ودون ذلك مراتب متعددة ولكل ذنب حظه وقسطه من الوعيد والذم"(12).

 

وقد ذكر الإمام الطبري أن النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين وأن الولاية في النصوص القرآنية هي ولاية التناصر والمحالفة وهي مقيدة بما كان منها ضد جماعة المسلمين وذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (المائدة: من الآية 51)، يقول الطبري: "والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهي المؤمنين جميعًا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله وأخبر أنه من أتخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًا من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين وإن الله ورسوله منه بريئان"(13).

 

وقد جاء في كتاب (بيان للناس من الأزهر الشريف): "الأصل في معاملة المسلمين لغيرهم من أهل الأديان الأخرى قوله تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)﴾ (الممتحنة)، وقوله: ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ (التوبة: من الآية 7)، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ (الممتحنة: من الآية 1)، وقوله: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ (المجادلة: من الآية 22).......... إلى أن جاء فيه: وقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عقب هجرته إلى المدينة معاهدة شملت بنودًا كثيرةً من التعاون على المصلحة المشتركة. ورضي أن تدخل معه خزاعة في صلح الحديبية مع أنها لم تؤمن بعد.

 

وكان نقض قريش للصلح بالتعدي عليها من أسباب فتح مكة عندما استنصر به عمرو بن سالم الخزاعي.. واقترض النبي صلى الله عليه وسلم من يهودي ثلاثين صاعًا ورهن درعه عنده واستعار سلاحًا من صفوان بن أمية- وهو مشرك- ليحارب به هوازن بعد فتح مكة وأمر سعد بن أبي وقاص أن يتداوى عند الحارث بن كلدة الثقفي وهو غير مسلم.." (14)، وبعد ذكر هذه النصوص من الكتاب والسنة قال المصنف: "بهذه وغيرها وبالتطبيقات التي طبقها من يقتدي بهم من الصحابة يعرف حكم العلاقة بين المسلمين وغيرهم وخلاصة ما قيل فيها إن التعامل الظاهري بالمعاملات المباحة كالتجارة والزيارة والهدايا والتعاون على المصلحة بالاتفاقات الفردية والجماعية كل ذلك لا يمنعه الإسلام ما دام لا يضر بالمسلم.

 

فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار. وعليه فاتخاذهم أولياء تضر موالاتهم بالمسلمين حرام.

 

أما الحب والمودة فإن كان ذلك حبًّا لعقيدتهم ودينهم فهو حرام بل كفر، وإن كان حبًّا لسلوكهم كأمانتهم ونظافتهم وعملهم ونشاطهم فلا حرمة فيه ولا كفر، ومثله الحب الجنسي للزوجة الكتابية فهو مباح حيث أبيح الزواج نفسه. قال ابن حجر في قول بعض الناس: الكفار خير من المسلمين في أداء الحقوق، وما يشبه ذلك من أقوال الإعجاب بسلوكهم: لو قصد الخيرية المطلقة وهي تشمل عقيدتهم ودينهم كله، كفر. وإن أراد الخيرية في أداء الحقوق لم يكفر" (15).

 

ومن هنا يتضح لي صحة فهم الأستاذ سيد قطب لتلك القضية.

---------------

1- أضواء إسلامية لربيع المدخلي ص 217- 218.

2- العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم لربيع المدخلي ص 48 (في حاشية الصفحة) الناشر: دار الوحدة للكتاب، مكتبة الوحدة، إمبابة- مصر- الطبعة الأولى سنة 1415هـ- 1994م.

 

3- فتح الباري للإمام ابن حجر 12/314.

4- الظلال 1/385- 386.

5- الظلال 2/909.

6- الظلال 2/909- 910 (باختصار يسير).

7- الظلال: 3/1615.

8- الظلال: 6/3544-3545.

9- محاسن التأويل محمد جمال الدين القاسمي 4/8، وقف على طبعه وتصحيحه ورقمه وخرج أحاديثه وآياته وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي، ط :2، سنة 1398هـ، 1978م بدون ناشر.

10- قلت: وقد رأينا في زماننا من الدول من جاءت بالكافرين ووالتهم من أجل التحكم في رقاب المسلمين وسلب أموالهم وللأسف لم ينطق ربيع المدخلي كلمة واحدة تجاه هؤلاء.

11- محاسن التأويل للقاسمي 4/81-82

12- الرسائل المفيدة لعبد اللطيف آل الشيخ 1/151

13- تفسير الطبري 6/276.

14- بيان للناس من الأزهر الشريف 1/179-180 (باختصار بسيط)- في عهد فضيلة شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق (رحمه الله).

15- بيان للناس من الأزهر الشريف 1/181.