البدوي عبد العظيم البدوي

 

منذ أعلن ممثل السلطة الفلسطينية بجينيف والذي يأخذ تعليماته من أبو مازن طلب السلطة الفلسطينية تأجيل نظر تقرير جولدستون الذي أثبت ارتكاب الكيان الصهيوني لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في عدوانه على غزة، فقد تباينت ردود أفعال الجميع سواء كانت الفصائل الفلسطينية أو العرب أو منظمات حقوق الإنسان أو أهالي الشهداء الذين ارتقوا في غزة من جرَّاء ذلك العدوان بين مَن يدين ومَن يرى ضرورة تشكيل لجنة تحقيق ومَن يرى تقديم أبو مازن للقضاء لتأخذ العدالة مجراها.

 

التكييف القانوني لعباس فاعل أم شريك؟

وفي حقيقة الأمر يجب ألا ننسى ابتداءً أن الموضوع يُشكِّل جريمةً جنائيةً دوليةً قبل أن تكون خيانةً سياسيةً للشعب الفلسطيني؛ لذا فيتعين أولاً أن نحدد الموقف القانوني لرأس السلطة وصاحب قرار التأجيل في ضوء الدور الذي قام به سواء أثناء الحرب على غزة أو بعد ذلك من منع جهود الإعمار، وانتهاءً بموقفه الأخير من تقرير جولدستون، فهل هو شريكٌ أم متهم أساسي فيحال إلى محكمة مجرمي الحرب على غرار محاكمات نورمبرج بعد الحرب العالمية الثانية، ويوغسلافيا السابقة، والتي تمَّت محاكمة ومعاقبة مرتكبي جرائم الحرب أمامها، أم هو بريء من أي اتهام؟.

 

وفي إطار ذلك يجب أن نؤكد الحقائق الآتية:-

- لا تُفرق القوانين ولا مبادئ العدالة في أي بلدٍ من بلدان العالم، وأيًّا كانت فلسفة القانون التي تتبعها، كثيرًا بين الفاعل (الجاني) وبين الشريك في الجريمة فتتحدد عقوبة الشريك بالقدر الذي ساهم به في تنفيذ الجريمة أو التخطيط لها.

 

- يعتبر المحرض (وهو مَن يدفع الجاني على ارتكاب جريمته) بمنزلة الفاعل الأصيل أو المتهم؛ ذلك أنه لولا تحريض المحرض للمتهم على ارتكاب جريمته لما ارتكبها أصلاً أو لكان ارتكبها بصورةٍ أخف من تلك التي تمت به؛ لذلك تتفق القوانين على ألا يفلت من العقوبة، بل يأخذ نفس العقاب المقرر للفاعل الأصلي.

 

- أن الموقف القانوني لمحمود عباس أنه لا يعتبر شريكًا، بل فاعلاً أصيلاً في العدوان على غزة ومتهم أساسي مثله في ذلك مثل القادة الصهاينة باعتباره مَن حرَّض على ارتكاب ذلك العدوان، ونذكر لذلك بعض القرائن منها:-

 

1- إمداد الصهاينة بالمعلومات الكاملة عن القطاع قبل وأثناء العمليات العسكرية التي قامت بها في غزة؛ مما أدَّى إلى ارتكاب مجازر ضد أبناء القطاع وتدمير البنية التحتية سواء المباني السكنية أو الحكومية أو غيرها.

 

2- التحريض الذي استمرَّ أثناء الحرب وقبلها ضد أبناء القطاع، وتعتبر التصريحات التي أدلى بها محمود عباس وفريقه في الصحف ووسائل الإعلام في تلك الفترة دليلاً دامغًا لا يقبل الإنكار باعتباره معلومًا للكافة.

 

3- الأوامر التي أصدرها لممثل السلطة في جينيف بالطلب بتأجيل نظر تقرير جولدستون الأخير بشأن الحرب على غزة باعتبار ذلك تواطؤًا مع الجاني ومساعدة له على الفرار بجريمته.

 

إن التسريبات والتصريحات التي خرجت للعلن حتى من معسكر أبو مازن نفسه بعد قرار أبو مازن بشأن تقرير جولدستون تؤكد أن أبو مازن شخصيًّا صاحب قرار التأجيل، كما تؤكد أن السبب في إصداره لذلك القرار يرجع إما إلى التهديدات التي وُجهت لعباس بإبراز دوره في التحريض على استمرار العدوان على غزة، أو يرجع لتهديده بإلغاء موافقة الكيان على صفقة شبكة الهواتف المحموله التي يمتلكها نجل محمود عباس، وفي الحالتين يعتبر أبو مازن مرتكبًا للجريمة التي تمت ضد أبناء الشعب الفلسطيني، والتي لم تجف دماؤها بعد.

 

وفي إطار ما تقدَّم ينبغي أن يتم اتخاذ إجراءات المحاكمة، وليس لجان تحقيق (لجان تخدير) ضد أبو مازن ومَن يثبت تورطه في تلك الجرائم ابتداءً أمام المحاكم الفلسطينية ثم المطالبة على أن يُقدَّم للمحاكمة أمام المحاكم الدولية مثله في ذلك مثل قادة الكيان حتى لا نساعد الجاني على الفرار بجريمته.

 

وفي الختام لا بد أن نؤكد أنه يجب ألا تمر تلك الجريمة بلا عقاب، وإلا فإن ذلك سيسمح لغيره في أن يطعن القضية الفلسطينية في ظهرها في مقابل ما يحصل عليه من راتبٍ أو امتيازاتٍ شخصية للتفريط في حقوقٍ هو أصلاً لا يمتلكها من الأساس، وليس من العدل أن تأخذنا في مثل هؤلاء الأشخاص رحمة أو شفقة في دين الله مع أشخاصٍ لم يتحرك ضميرهم، ولم تقشعر جلودهم من هول المجازر التي حرَّكت ضمير العالم بالكامل من شرقه وغربه، إلا أنَّ ضمائرهم لم تتحرك ولم تنزل دمعة من عيونهم على طفلٍ ليس له ذنب ولم يرتكب إثم سوى أنه فلسطيني.. فهل بعد هذا كله يمكن أن يظل محمود عباس ممثلاً للقضية الفلسطينية؟!!.

-----------

* مستشار قانوني- محكم تجارى دولي- باحث