تفتحت الحياة أمامها، وامتدت السعادة تحت قدميها تختال عليها ولِمَ لا؟

فها هي على وشك التخرج من أعلى كليات القمة مكانةً، وها هي قد عُقِد قرانها على شاب متدين ملتزم محب عطوف، وها هي تتذوَّق طعم الهناءِ في أجمل أيام، وحق لها أن تفيض عاطفتها؛ فهي عاهدت الله تعالى على الالتزام بأوامره واجتناب نواهيه، وها هي ترفض كل عروض العلاقات بأشكالها المختلفة في كليتها، فلم ترتبط قط بعلاقة عاطفية مع زميلٍ، ولم تسمح لزوجها أيام الخطبة بأي تجاوزاتٍ، كانت تفتش عن البركة في حياتها، وها هي أيام العقد جاءت تعوِّضها؛ لتفجِّر فيها ينابيع الحب، فارتبطت بزوجها ارتباطًا عاطفيًّا شديدًا، لكنَّها الحياة ما إن تمدَّ إليك حتى تنزع منك أكثر مما أعطت.

 

فها هي المشكلات تطلُّ برأسها بين زوجها وعائلتها، وكان ذلك بسبب عدم التزام عائلتها بدين الله، وتفاقمت المشكلات، فاندفع الشابُّ لتختلط لديه الأمور، فلا يستطيع أن يُفرِّق بين صورة زوجته الملتزمة المحبَّة وبين أهلها وبُعدهم عن دين الله وعنادهم، وينتهي الأمر بالطلاق قبل الزفاف.

 

وتصاب الفتاة بصدمة عنيفة، وهي تشعر بالظلم يُظلِم طريقها، وبالحزن يعتصر قلبها، فتعيش أسوأ أيام حياتها.

 

أحزان وأحزان

وبعد فترةٍ تنقشع السحب فيتقدم لها رجل رزين، لكنه كان أقل تدينًا من زوجها السابق، وتضطر لقبوله تحت ضغطِ أهلها، رغم عدم اقتناعها التامِّ به، وتتجدَّد الأحزان فهي لم تنجب بعدُ رغم مرور عامين من الزواج، فيتهمها زوجها بأنها هي السبب في عدم الإنجاب، ويتدخل أهله ثم ينتهي بها الأمر إلى نهاية أشدّ ألمًا ووجعًا من النهاية السابقة، فها هو يطلِّقها ويعود الظلام ليطبق على حياتها، فترى أنه سيصاحبها إلى الأبد.

 

ثم بعد أن هدأت الأمور قرَّرت السفر إلى إحدى الدول العربية للعمل؛ لعلها تنسى أحزانها، وتجد في عملها ما يسلِّيها ويشغل وقتها ويعوِّضها عما تحسُّ به من نقصان، وتقضي وقتها في عملها وهي تقوِّي علاقتها بربها لتجد في رحابه راحةً وهدوءًا يريح بالها.

 

الله لا ينسى عباده

ولأنَّ الله تعالى لا ينسى عباده المؤمنين، ولأن مُدبِّر الأمر كريم، ولأن بيده ملكوت السماوات والأرض؛ فهو تعالى يُهيئ لها الأسباب لترفع رأسها من جديد، وتبدأ أنوار الفرحة تتلألأ في حياتها من جديد، فيراها أحد زملاء العمل ويُعجَب بدينها وخلقها وهدوئها وصبرها؛ فيطلبها للزواج لعلها تُنسيه همومه بعد أن انتهى زواجه هو الآخر بالطلاق.

 

وتبتسم الحياة وتطلُّ السعادة برأسها من جديد، وتبدأ طيور الحب تُحلِّق حولها، فيحبها كثيرًا، وتحبه كثيرًا، وتجد فيه عطفًا وحنانًا أنساها جراح الماضي وظلم الأيام.

 

ثم يصبُّ الله عليهما من السعادة صبًّا؛ فيرزقها بتوءمين بعد عام واحد فقط من الزواج، وهكذا فرج الله حين يأتي يفتح الله على عباده أوسع أبوابه.

 

وفي الأثر: "وعزتي وجلالي، ما اعتصم بي عبد فكادت له السماوات والأرض إلا جعلتُ له من بينها فرجًا ومخرجًا، وعزتي وجلالي ما اعتصم عبدي بغيري إلا أسخت الأرض من تحت قدميه".

 

إن الخلل لا يمكن أن يكون في فضل الله وكرمه وخزائنه الواسعة؛ لكنَّ الخلل دائمًا يكون في يقين الإنسان وثقته بربه.