لم يكن مفاجئًا لكل المهتمين بالشأن الفلسطيني أن يصدر الرئيس الفلسطيني- المنتهية ولايته منذ فترة- محمود عباس (أبو مازن) مرسومًا يقضي بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية  في الضفة والقدس وقطاع غزة في 24/1/2010م, دون انتظار لما تؤول إليه عملية المصالحة الوطنية.

 

أما كون هذه الخطوة من أبو مازن لم تكن مفاجئة للجميع؛ بل كانت متوقعة وغير مستغربة من مجموعة أوسلو التي أدمنت التفريط في الحقوق والمقدسات الوطنية للشعب الفلسطيني، بدايةً من التسليم للعدو الصهيوني، مرورًا بالتحريض على المقاومة الوطنية والتآمر على الشعب الفلسطيني، والتفريط في حقوقه، وآخر تلك المؤامرات ما حدث أثناء عرض تقرير جولدستون وسحبه في المرة الأولى إنقاذًا لقادة الحرب والعدوان الصهاينة.

 

وتأتي خطوة إصدار مرسوم إجراء الانتخابات دون ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية صونًا للإرادة الفلسطينية، وحفظًا لها من التشتت الذي يضعفها، والفُرقة التي تمزقها، وهذا هو الهدف الأساسي الذي يسعى إليه أبو مازن ومن معه.

 

* فاقد الشرعية كيف يدير وينظم إجراءات منح الشرعية؟!

من المؤكد لدى أهل الاختصاص الدستوري أن محمود عباس قد انتهت ولايته منذ يناير 2009م؛ وذلك تطبيقًا لنص المادة 36 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل؛ حيث قررت المادة أن مدة الرئيس الفلسطيني أربع سنوات من تاريخ انتخابه، ومن ثمَّ فليس له الحق الدستوري في إصدار أي قوانين أو مراسيم؛ وهو الأمر الذي يصم إجراءاته بعدم الشرعية ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا يمكن تبرير مثل هذه الإجراءات من قِبَل عباس إلا في سياق مناخ البلطجة، وسياسة فرض الأمر الواقع التي تعلَّمها من أسياده في تل أبيب وواشنطن.

 

* لطمة على خد الدبلوماسية المصرية

إن استباق عباس وزمرته ومسارعته في إصدار المرسوم المنعدم دون انتظار لما تؤول إليه مفاوضات المصالحة الفلسطينية التي ترعاها الشقيقة الكبرى مصر؛ إنما يعبر عن استخفاف بالدور المصري، وللمرة الثانية خلال فترة وجيزة تقدم زمرة عباس على اتخاذ مواقف تربك القيادة المصرية وتضعها في مواطن الشبهات، كما حدث منذ فترة قريبة حين طلب عباس من مندوب السلطة التابع له أن يطلب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عدم مناقشة تقرير جولدستون؛ وهو الأمر الذي أربك القيادة المصرية؛ مما دفع وزير الخارجية أحمد أبو الغيط إلى أن يغسل يد مصر من هذه المؤامرة، ويظهر أن عباس وعصابته تتحمل المسئولية الكاملة في هذا الشأن، وأنها خطوة انفرد بها أبو مازن دون مشاورة مصر أو إعلامها.

 

* تكريس الانقسام وتوسيع الفجوة وتفخيخ المستقبل الفلسطيني

لا شك أن إقدام سلطة رام الله بقيادة عباس على هذه الخطوة من شأنه أن ينسف جهود المصالحة الوطنية وتحقيق الوئام الفلسطيني، كما أنه يصب في خانة تكريس الانقسام الحالي، والانشطار بين الضفة والقطاع، ويعد ترجمةً واضحةً لحالة الانبطاح الكامل أمام إملاءات العدو الصهيوأمريكي، والمُضي بالشعب الفلسطيني وقضيته إلى مستقبل مليء بالمتاهات والمفخخات التي تحول دون توحده، وانتزاعه لحقوقه المشروعة، وطرد العدو الغاصب من أرضه، وعودة أبناء الوطن من الشتات الذي أجبروا عليه.

 

* أفصح عن نيته ورغبته المبيتة

بالفعل تأكد للمهتمين بالشأن الفلسطيني أن لدى عباس وزمرته رغبة جامحة ونية واضحة لتزوير الانتخابات، وإجرائها وفقًا لقانون أعده هو ومن معه وبالتفصيل؛ بحيث لا يتناسب إلا عليه وعلى أتباعه، والأمر في ذلك مفضوح للجميع.

 

* وختامًا

أود التأكيد أن الشعب الفلسطيني مدرك تمام الإدراك لهذه المؤمرات التي تُحاك ضده، وأن الشعب الذي أحبط العدوان الحربي الصهيوني لن ينخدع بإجراءات عباس وزمرته، وما عجز الكيان الصهيوني عن تحقيقه بالحرب والعدوان لن يناله بحيل وألاعيب شياطين رام الله وأشياعهم، وستبقى راية المقاومة الشريفة عزيزة متمكنة في قلوب الشعب الذي يرعاها ويحوطها بالحماية ويمنحها الثقة والشرعية، وسيفضح كل المتآمرين عليه.

 

إنه شعب عظيم عرف طريق الخلاص، وسار فيه ولن ينخدع بغيره، ولن يقبل المساومة عليه، ومن خلفه الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم الذين استيقظت ضمائرهم، وأعلنوا أن التعاطف وحده لم يعد يكفي، وتجاوبوا مع المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، قلوبنا مع الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وهي تواجه الأعداء والأصدقاء والخونة.

----------

* عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب المصري