- كلمتي للإخوان: احرصوا على تواصل عطاء الخير للإنسانية كلها

- ليس في أجندة الإخوان سوى مصلحة مصر ونتعاون مع الجميع

- أعتذر لأهلنا في غزة لأني أعيش حالة حصار مثلهم!

- أقول لإخواني خلف الأسوار: اقبلوا عدم قيامي بواجبي الكامل

 

أجرى الحوار: صلاح عبد المقصود

في الجزء الأخير من حديث فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين دارت تساؤلات حول ورقة الحزب السياسي للإخوان وتصعيد الشباب لشغل مناصب قيادية بالجماعة.. كما وُجِّه خلاله رسائل خاصة إلى أهل غزة المحاصرين، وإلى بعض الأنظمة الحاكمة التي تضيِّق على الإخوان، وفيما يلي بقية نص الحوار:

* فضيلة المرشد، ورقة الحزب السياسي ما زالت تراوح مكانها، فمرة يُلَوِّح الإخوان بها، ومرة أخرى يضعونها في الأدراج، ما الموضوع؟!

 

** لقد قلنا: إننا يجب أن نُعمِل فكرَنا، وننظر لمستقبل هذه الأمة، وما الذي تحتاج إليه؟ ففكرنا أن نضع مشروعًا لحزب سياسي، وكتب الإخوان صيغة مبدئية للمشروع، طَبَعت منها خمسين وأرسلتها إلى خمسين مفكِّرًا وسياسيًّا، وقلت لهم في خطابي: هذه قراءة أولى لمشروع برنامج، ويشرفني أن أستنير بآرائكم وفكركم، وأرجو أن تصلني رؤيتكم فيها..

 

ولكنني فوجئت بأن الصحافة أبرزت النقاط المختلف عليها، فاتصلت هاتفيًا باثنين أو ثلاثة من الذين أرسلت لهم المشروع، وقلت لهم: أهذا يليق؟ لقد أرسلت لكم وأردت رأيكم في رسالة خاصة، فلماذا تردون بملاحظاتكم على صفحات الصحف؟! وكلهم بلا استثناء قالوا: نأسف جدًّا، نحن أخطأنا.. علمًا بأن هناك آخرين أرسلوا إليَّ آراءهم- وكانت آراء محترمة جدًّا- في خطابات خاصة ردًّا على  خطاباتي الخاصة، وقد كان هدفي من هذا تحريك الإخوان؛ ليفكروا ويعملوا مع الناس خارج دائرتهم، ليس من أجل الحزب؛ لأن الحزب مصيره معروف، فحزب الوسط يحاول منذ عشرين سنة، ولم يعط الترخيص حتى الآن.

 

* فما الهدف؟

** تشغيل العقول.

* وأن تقول لمن ينتقد الإخوان ويدَّعي أنه ليس لديهم برنامج، تقول له: عندنا برنامج شامل؟

** نعم، بالإضافة إلى استطلاع آراء الناس في عمل مشروع سياسي.

 

الكتلة البرلمانية

* فضيلتك، وأنت لديك 88 نائبًا في البرلمان، وهي كتلة حقيقية أتت بها انتخابات حرة ونزيهة، وبأصوات الشعب، ألم يكن ممكنًا طرح هذه الورقة عن طريق هؤلاء النواب؟

** لقد طرحت عليهم ذلك، وبعض النواب طلبوا أن ينشئوا حزبًا فلم أمانع، وقلت لهم: ولِمَ لا؟ اعملوا مشروعكم، وسأوقع لكم عليه.

 

* ولكن أليس الوقت مناسبًا الآن، وقد لا تتكرر الفرصة مرةً أخرى؟

** أنا تركت لهم هذا الأمر، وأبديتُ موافقتي على التفكير والعمل، ولكن الطريق مسدود أمام تشكيل حزب سياسي للإخوان المسلمين.

 

* هل تقصد أن النظام لن يسمح بذلك؟

** طبعًا، وأنا بالمناسبة كلما يأتي ذكر مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) أتذكر الأستاذ عمر التلمساني (المرشد العام الثالث للإخوان)؛ حيث كان يرى أن الشورى مُعلِمة، وليست مُلزِمة، وأنا بعد ذلك طبعًا لم أتفق معه، فقد كنت شابًا وقتها، لكن حين كبرت وجدت أن الشورى تحتاج شيئًا آخر، تحتاج إلى خُلُق، فإن لم تكن الشورى كفرض مدعومة بأخلاق تصبح خطرًا، فتذكرت مجلس الشعب والأغلبية فيه، وأريد فقط تذكير الإخوان بأن الشورى محكومة بأخلاق.

 

* اسمح لي، أهم قضيتين تم الاختلاف عليهما في برنامج الحزب كانتا ترشيح المرأة وترشيح الأقباط (النصارى)، فما موقفك منهما؟

** أنا فرد والجماعة- كجماعة- ملتزمة بشرع الله، وحين تأتي قضية في شرع الله يرد فيها قولان أو ثلاثة، أعتقد أن من أبسط القواعد أن من حق الجماعة أن تختار.

 

* تختار وتلزم نفسها بهذا الاختيار، لكن هل تلزم غيرها؟

** نعم تلزم نفسها، فلما تطرقنا لقضية المرأة قلنا: إن الآراء اختلفت فيها، فهناك آراء تجيز أن تتولى المرأة رئاسة الجمهورية، وآراء أخرى لا تجيز، فاختار الإخوان عدم الجواز، ثم بعد ذلك اشترطنا شرطًا.. هذه رؤية الإخوان، وليس رؤية الشعب- صاحب القرار النهائي حينما تعرض قضية- فهو صاحب القرار وليس الإخوان.

 

* أقصد أنك لن تقف ضد ترشيح امرأة من غير الإخوان؟

** إطلاقًا.

* ولا قبطي (نصراني)؟

** إطلاقًا.

* يعني القرار للشعب.

** شيء عجيب أصحاب النفوس المريضة لا يعجبهم هذا التوضيح، أيوجد توضيح أكثر من هذا؟! أنا أقول: هذه رؤيتي، وهذا من حقي.. فلن أرشح امرأة من الإخوان، ولن أنتخب قبطيًّا رئيسًا عليَّ، أما أن القبطي يريد ترشيح نفسه فليفعل، والمرأة تريد ترشيح نفسها فلتفعل هي أيضًا، فلن أقف ضد أي منهما، وعندما يختار الشعب فهو حر.

 

رسالة إلى غزة

* فضيلة المرشد، في ظل ما يحيط بإخواننا في قطاع غزة من صعوبات في هذه الأيام ما رسالتك لهم، خاصةً بعد تقرير جولدستون وتصويت مجلس حقوق الإنسان بإدانة إسرائيل؟

** متنهِّدًا ومتحدثًا بأسى: هؤلاء الأحباب الذين حال بيني وبينهم هذا النظام الفاسد، وهذا الاستبداد الظالم؛ أقول لهم: اصبروا وصابروا فقد ضربتم المثل الأعلى في الجهاد والفداء، أنتم جند الله في أرض الرباط، وكل مَن أعرفه من أبناء مصر ومن أبناء العالم العربي والإسلامي معكم، فاصبروا، ولا ترضوا بالدنية، واثبتوا على حقوقكم حتى يأذن الله بالنصر، وكل أعدائكم إلى نهاية، ولا يبقى إلا الله عز وجل ثم الحق الذي تؤمنون به، هذه رسالتي لهم، وأعتذر إليهم؛ لأني محاصر كحصارهم، ولا أستطيع أن أقدم لهم شيئًا أكثر مما يعينني الله عليه.

 

* وما رسالتكم للأنظمة التي تضيِّق الآن على الإخوان في عدد من الأقطار وتحاول إفشال مشروعهم الإصلاحي؟

** آه رسالتي إلى هذه الأنظمة التي استمرأت الاستبداد والفساد ولا تستحي، أقول لهم: آن لكم أن تراجعوا أنفسكم، ألم يئن لحكامنا والمسئولين في هذا البلد وغيره أن يراجعوا أنفسهم، فيكفوا أذاهم عن شعوبهم، ويتركوا هذا الأسلوب الإجرامي الذي يتعاملون بهم مع أممهم؟

 

إن الشعوب العربية والإسلامية- أو الشرفاء فيهم على الأقل- مطحونون، ويعتدى على حرماتهم وأموالهم، وأرزاقهم وأبنائهم، وزوجاتهم وأمهاتهم وأخواتهم، ألم يئن لحكامهم أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟.

 

هذا ما أقول، واسأل الله جل وعلا أن يلهمهم الرشد والسداد، وأسألهم: الاعتصام بحبل الله أولى أم الاعتصام بحبل الصهاينة والأمريكان؟

 

وأقول لهم: اخرجوا من البوتقة التي حاصرتكم خوفًا من الصهاينة والأمريكان، اتقوا الله وهو يحميكم من الصهاينة.

 

سألني أحد الناس ذات مرة: لماذا تسير من غير حراسة، وليس على منزلك أي حراسة؟ فأجبته: أنني في حراسة الله سبحانه وتعالى، ولست خائفًا من أحد، فأعدائي هم الصهاينة والأمريكان، ولا عداء لي مع شعبي وأهلي.

 

الاحتجاجات الشعبية

* وما رسالتك للأحزاب والقوى السياسية والحركات الاحتجاجية في مصر الذين يتهمون الإخوان بعدم التعاون معهم في سعيهم لمواجهة النظام؟

** هذا أمر عجيب جدًّا، كل هذه الحركات بلا استثناء يقولون إننا لا نستطيع أن نفعل شيئًا دون مشاركة الإخوان، فهم يعترفون بذلك، ونحن نشارك في جميع الفعاليات، ولكن ليس معقولاً أن نشارك في الإضرابات، فالإخوان يشاركون في النقابات المهنية المختلفة، وكذلك في الجامعات.

 

* يعني الاحتجاجات الفئوية متروك للإخوان أن يشاركوا فيها؟

** نعم، أما الاحتجاجات الشعبية فنحن نشارك فيها، ولو شاركنا بأعداد كبيرة يقولون:

الإخوان يريدون أن يسيطروا، وعندما نقلل حجم المشاركة يقولون الإخوان لا يشاركون، والأسلوب الذي يفضل النظام استخدامه هو الاحتواء بسياسة "الجزرة والعصا"؛ ليس في  أجندة الإخوان غير مصلحة مصر، وكل مَن يحرص عليها فنحن معه.

 

إن الحياة السياسية في مصر أصبحت خطيرة جدًّا، فهناك أحزاب رسمية لا قيمةَ لها، والأحزاب التي فيها بعض القوة 3 أحزاب، لها تاريخ قديم، لكنها باتت حاليًّا في جيب النظام.

 

وديعتي للإخوان

* فضيلتك أمضيت ما يقرب من 65 عامًا في صفوف الإخوان، بعد هذه الأعوام المباركة ما وديعتك التي تودعها الإخوان الآن وأنت على رأس الجماعة وتريد أن تترك منصب القيادة وتتحول إلى موقع الجندية مرةً أخرى؟

** أقول لهم: أيها الأحباب إن المستقبل لكم ولهذه الجماعة التي تحمل رسالة السماء بمنهج متفرد وبمشروع حضاري لإنقاذ الإنسانية، فلا تهابوا، ولا تخافوا، ولا تحزنوا، واحملوا الخير للمستقبل بما حباكم الله من رجال ونساء وشباب ذوي مستويات راقية في كل المجالات، بما لديكم من تاريخ ناصع رَوَتْه الدماء من سالف الأعوام حتى اليوم، منذ استشهاد حسن البنا مرورًا باستشهاد عبد القادر عودة ومحمد فرغلي وإبراهيم الطيب وهنداوي دوير ومحمود عبد اللطيف، وسيد قطب ومحمد هواش، وعز الدين القسام وأحمد ياسين وسعيد صيام، وغيرهم من آلاف الشهداء الذين روت جماعة الإخوان المسلمين شجرتها من دمائهم الطاهرة، فاحرصوا على أن تظل هذه الشجرة الوارفة صامدة قوية تعطي الخير ليس لبلادنا فقط بل للإنسانية كلها، وفي سبيل ذلك لا تهابوا التغيير، بل غيِّروا وتقدموا؛ لأن السكون فيه موات، أما الحركة فهي تأتي بالخير.

 

* وإن كانت مقرونة بالتضحية؟

** طريق الحرية والإصلاح ليس مفروشًا بالورود، بل كله أشواك وعوائق، ولكن هذه الأشواك والعوائق لا يجوز بحال من الأحوال أن تحول بيننا وبين العمل الجاد.

 

* وما رسالتك لإخوانك خلف الأسوار؟

** الله أكبر ولله الحمد، هؤلاء هم أحبابي، أعتذر إليهم؛ لأني مقصر في حقهم، ولا أستطيع أن أقوم بواجبي الكامل نحوهم، ولكن ليقبلوا ضعفي وقلة حيلتي، وبثابتهم وصبرهم نستمد- بعد الله- بهم وجودنا وقوتنا واعتزازنا بما نحن عليه.

 

جماعة شابة

* هناك سؤال نسيت أن أطرحه في سياقه، وهو أن أحد الكتاب قال: إن الجماعة تمر الآن بمرحلة شيخوخة، فهل تراها شاخت وكبرت أم ما زالت حيوية متجددة وأنها الحركة الوحيدة  الشابة؟

** الحركة تعيش بدماء شبابها، فهم يظنون أننا شيوخ لكن قلوبنا وعقولنا ولله الحمد لا تزال شابة، والجماعة لا تسير بشيوخها وإنما تسير بشبابها الذين تربوا على مائدة واحدة مع شيوخها، وانظر إلى أية جنازة، أي نشاط، أي مؤتمر، ستجد الشيخ الذي جاوز الثمانين مع الشاب ابن الخمس عشرة سنة جنبًا إلى جنب.

 

* يعني فكرة صراع الأجيال غير موجودة في جماعة الإخوان؟

** هذا كلام العلمانيين والأحزاب التي تتسول هنا وهناك.. نحن تربينا على مائدة واحدة، هي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بفكر ومنهج الإخوان المسلمين، وهو منهج مكتوب معلوم.

 

* هل تؤيد تشجيع الشباب لشغل مناصب قيادية بالجماعة؟

** بالتأكيد، فقد كنت شابًّا في العشرينيات وأقوم بمهام ضخمة أكثر مما أقوم به الآن وأنا مرشد عام، وكنت أترأس أقسامًا للإخوان المسلمين وأنا في الثانية والعشرين، وقدت معسكرات الجامعة كذلك في هذه السن أيضًا، وكنت رئيسًا لقسم الطلاب والشباب وأنا في الرابعة والعشرين، ودخلت السجن وأنا في السادسة والعشرين، وحكم علي بالإعدام في هذه السن، فالشباب بركة وقوة.. وفي بعض الأحيان أعود بالذاكرة إلى الوراء، وأقارن بين أدائي في ذلك الوقت وأدائي في هذه الأيام، وأقول في نفسي: ما أقعدني إلا هذا الاستبداد، والحمد لله رب العالمين الذي حفظ لنا تفكيرنا ورسالتنا وقدرتنا على العمل الإصلاحي.

 

* وهل تشعر بالأمل في المستقبل؟

** نعم، فالمستقبل لنا بإذن الله، وسأقول لك شيئًا: لقد كنا (الإخوان) ملء السمع والبصر حتى عهد جمال عبد الناصر- ثاني رئيس مصري بعد إعلان الجمهورية- الذي غيبنا عن الساحة عشرين عامًا، ثم عدنا أقوى مما كنا، واليوم انظر حالنا (الإخوان) وماذا يقول  الناس عنا هنا وفي الخارج.

 

القوة الرئيسية

في العالم ليس هنا في مصر فقط بل في العالم، والحمد لله رب العالمين، وكل المظاهرات التي قامت من أجل غزة في العالم كله كان في قلبها الإخوان، والحمد لله أولاً وآخرًا.