كتب الشيخ محمد علي الكيلاني أحد علماء الإسلام في الشام؛ وهو عالم من أصحاب المكانة والتقدير لعلمه وورعه، بعد أن زار مصر أيام الإمام البنا، وشاهد نشاط الإخوان وحركتهم المباركة وفكرهم المعتدل الشامل للإسلام، في مجلة (الوحدة الإسلامية)، يقول فيها: "خذوا القدوة الطيبة الصالحة من إخواننا في مصر"، وهو يعرض في مقاله لفهم الإخوان المسلمين وفي أسلوبهم في العمل، ومن واقع ما شاهده أثناء زيارته لمصر، ونادى أبناء الشام ليأخذوا القدوة الطيبة الصالحة من إخوان مصر، ويؤكد ضرورة الالتزام والفهم والسلوك.

 

ويوجه رسائله إلى شتى أنحاء العالم الإسلامي يدعوه إلى السير في هذا الطريق؛ فهو الحل الوحيد للإنقاذ، وإخراج الأمة من الظلمات إلى النور ومنع الفتن، وكشف الكارهين للإسلام والناقمين عليه اللذين ماتت ضمائرهم وعميت عيونهم عن الضوء وعن النور.

 

يقول رحمه الله في رسائله: أيها المسلمون.. طبقوا العلم على العمل، واستجيبوا لله ورسوله إذا دعاكم لما يحييكم، لقد قال الرجل في خطابه: لقد ألَّف الإمام المربي والقائد العظيم حسن البنا قلوبًا تنبض بهذا الحق، وتسعى لنصرته في الشدة قبل الرخاء، وفي العسر قبل اليسر، وفي الضيق قبل السعة؛ إن لسان حالهم يقول قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، إنهم فقراء لكنهم كرماء قليلو المال؛ لكنهم أسخياء، أقبل الناس عليهم وهتفوا لهم من أعماقهم؛ هؤلاء الرجال الذين ينقذون الأمة ويقودونها إلى بر السلامة.

 

يقول الرجل: لقد دبروا أمورهم بصورة لم يسبق إليها أحد، واهتدوا إلى الدواء النافع والعلاج الناجع، لقد استمدوا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم منهجه وزاده؛ ليكون على بصيرة في الدعوة إلى الله وفقه ما ورد عن السلف الصالح من أعمال وفهم صحيح لكتاب الله وسنة رسوله، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".

 

ولقد ركَّز رحمه الله ورضي عنه على سبعة مبادئ، جمعت خيري الدنيا والآخرة، فأوجب على كل من ينتمي إلى هذه الدعوة أن يتمسك بعقيدة الإسلام السامية السمحة، وأن يتعهد بالعمل بها ولها، تأكيدًا أن الأقوال إذا لم تقترن بالأفعال لا تجدي نفعًا، وأن هذا هو عمل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يتعهد أصحابه بالجمع بين العلم والعمل.

 

وها نحن نرى الكثير من العلماء والخطباء والدعاة في شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي يلقون الخطب والمواعظ، ثم يكون التأثير وقتيًّا في نفوس السامعين؛ لكن حين يخرج أكثرهم من المحاضرات أو المساجد تذوب هذه الأشياء.

 

لكن الطريق العملي المبارك الذي سلكه الإمام البنا ومن على دربه من العلماء والدعاة؛ استطاعوا أن يوثقوا علاقة المسلم بإسلامه وبدينه وبدعوته، فسارت الدعوة هي كل همهم وكل حياتهم، يعيشون لها وبها ومن أجلها.

 

لقد نجحت دعوة الإخوان المسلمين في وصل الحاضر بالماضي، وفهم الواقع على حقيقته واحترام جميع الهيئات والأشخاص والدعوات إلى اليوم، وأصبحت تتحمل في سبيل هذه الدعوة وفي سبيل العمل لها الكثير منا، ولا تفضلاً على أحد ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (الحجرات: من الآية 17).

 

أيها الإخوان.. هذه رسالة من الماضي المجيد، علَّقت عليها تعليقات خفيفة لعالم صادق من علماء الإسلام رأى الحق؛ فاعترف به وانطلق يبشر به مناديًا المسلمين في كل مكان أن يعودوا إلى الله.

 

والإخوان المسلمون مضى عليهم وعلى جهادهم أكثر من 80 سنةً، كلها صفة بيضاء نقية خالصة، وكلها حرص على هداية الجميع، وكلها تقدير للعاملين للإسلام أينما كانوا وحيثما حلوا.

 

وهذه باقة أخرى من الورد، مقتطفات من شعر الشيخ القرضاوي- حفظه الله- مضى عليها أكثر من 50 سنةً، يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيقول ذاكرًا بعض جوانب العظمة في هذه الدعوة:

يا سيد الرسل طب نفسًا بطائفة    باعوا إلى الله أرواحًا وأبدانا

قادوا السفينة فما ضلوا وما وقفوا   وكيف لا وقد اختاروك ربانا

دستورهم لا فرنسا قننته ولا   روما ولكن اختاروه قرآنا

دفعوا ضريبته للدين من دمهم   والناس تزعم نصر الدين مجانا

دفعوا ضريبته صبرًا على محن    صاغت بلالاً وعمارًا وسلمانا

الله أكبر ما زالت هتافهم    لا يسقطون ولا يحيون إنسانا

 

أيها الأحباب.. هذه باقات من الورود والرياحين أهديها إليكم بمناسبة قرب انتهاء ولاية الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام الحالي، أسأل اللهَ أن يجزيه عما قدَّم لدعوته ولإخوانه، وأن يجعل هذا في ميزانه يوم القيامة، وخالص دعواتي للمرشد الجديد حفظه الله (لم أعرف اسمه إلى الآن) أن يوفقه الله لما يحب ربنا ويرضى.. وأن يسير على نهج من سبقوه من أئمتنا الأعلام ومرشدينا الكرام.

 

هذا، وإن قلبي وإحساسي يقولان إن المرشد الجديد سيكون خيرًا كثيرًا لهذه الدعوة، ونعم الخلف لنعم السلف؛ فإن دعوتنا هي دعوة الله وهو الذي يختار لها، والله عز وجل لا يختار لدعوته إلا الصابرين الصادقين الذي قال فيهم: ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾ (آل عمران: 17) كما أهنئكم أيها الإخوان على أن الله عز وجل اختاركم لدعوته واصطفاكم لرسالته، فهذا شرف ووسام لا يحصل عليه إلا من طابت سريرته، وصفت نفسه، وسار على هذا الدرب، ورضي الله عن جميع الذين قادوا هذه الدعوة، وتحملوا في سبيل الله البأساء والضراء و﴿الذين قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)﴾ (آل عمران)... والسلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.

-----------

* من علماء الأزهر الشريف.