أكد فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين في رسالته الأخيرة للإخوان المسلمين أن مصر والعرب والمسلمين جميعًا والدنيا بأَسْرِها في حاجة إلى دعوة الإخوان المسلمين؛ لما حَمَلتْه مِنْ مبادئَ جدَّدَتْ بها الإسلامَ العظيمَ، وكشفتْ روْعتَه، وصوَّبتْ فهمَ رسالتِهِ، باعتبارِها رسالةَ إصلاحٍ شاملٍ لكلِّ مَنَاحي الحياة.

 

وأوضح فضيلته في رسالته التي كتبها تحت عنوان: "رسالتي إلى الإخوان المسلمين.. سبعة عقود في رحاب الإخوان المسلمين" أن هذه رسالةٌ استثنائيَّةٌ بكلِّ ما تحملُه الكلمةُ من مَعَانٍ؛ إذْ هي الرسالةُ الأخيرةُ التي أكتبُها من موقعِ المسئولية في هذه الجماعةِ المباركةِ؛ وفاءً لمبادئي، والتزامًا بما أعلنتُه منذ أن شرَّفني وكلَّفني الإخوانُ المسلمون بتحمُّل المسئوليةِ في الموقعِ الأوَّلِ لقيادةِ هذه الدعوةِ المنصورةِ بإذنِ الله، ليعلمَ القاصي والداني أنَّ الإخوانَ المسلمين لا يتلوَّنون ولا يتغيَّرون ولا يقولون إلا ما يفعلون.

 

وأشار فضيلته إلى أنه كان مِنْ توفيقِ اللهِ له منذ وقتٍ مبكرٍ في حياتي وقبل زُهَاء سبعين عامًا؛ أن عرَّفه بهذه الدعوةِ المباركةِ، وشرَّفه بلقاءِ مرشدِها ومؤسِّسِها الإمامِ الشهيدِ حسنِ البنا رحمه الله، وبصحبةِ رعيلِها الأوَّلِ من عظماءِ الرجالِ الذين عرفهم تاريخُنا الحديثُ من مصر وغيرها، ومِن تمامِ توفيقِه سبحانَه أن ثبَّته عليها برغمِ كلِّ الضغوطِ والتَّحَدِّياتِ.

 

وأضاف أنه أدرك بيقينٍ أنَّ هذه الدعوةَ هي حاجةُ مصرَ، بل حاجةُ العربِ، بل حاجةُ المسلمينَ، بل حاجةُ الدنيا بأَسْرِها؛ وأن ما أشدَّ حاجةَ العالمِ كلِّه إلى أن يفهمَ الإسلامَ على هذا النَّحْوِ الشامل، فعندئذٍ تتحقَّقُ آمالٌ كثيرةٌ، وتَنْمَحِي مفاسدُ عظيمةٌ، ويَحِلُّ على البشريةِ سلامٌ تامٌّ وأمنٌ مُطْمَئِنٌ.

 

وأكد أن للإخوان المسلمين منهاجًا واضحًا للإصلاح ومراجعة مستمرة لمناهِجَهم ولوائِحَهم  ومواقِفِهم لتطويرِ آرائِهم حَسْبَ الجديدِ الذي يُواجهونه مِنَ المواقفِ والأفكارِ، في مُرُونةٍ لا تُناقِضُ الثوابتَ ولا تَنْقُضُ المبادئَ التي اقتنعوا بها، وهم يدركون أنهم لَنْ يزالوا بخيرٍ ما قَبِلُوا النصيحة.

 

وأضاف: إن لدعوةِ الإخوانِ المسلمينَ لو فَقِهَها الناسُ لَمُنقِذًا، وإنَّ في منهاجِهم الربَّانيِّ لو اتبعتْه الأمةُ لَنَجَاحًا، وإنَّ في جهودِهم لو أُعِينُوا عليها لأَمَلاً، وإنهم لَماضُون في طريقِهم لخدمةِ دينِهم وأمتِهم بإذنِ الله، لا يَضرُّهم مَنْ خَذَلَهم ولا مَنْ ناوَأَهُم؛ حتى يأذنَ اللهُ لأمتِهم وللدنيا أنْ تسعدَ بالخير الذي يحملون إليها.

 

ووجَّه فضيلته حديثه إلى الإخوان قائلاً: أيها الإخوان المسلمون، إنَّ المستقبلَ لجماعتِكم ولدعوتِكم ولدينِكم؛ لأسبابٍ واقعيةٍ كثيرة؛ حيث لديكم وعدُ اللهِ للعاملينَ المخلصينَ لدينِه، وتحملون مشروعًا ربانيًّا إصلاحيًّا حضاريًّا قد دلَّتْ كلُّ وقائعِ التاريخِ وحقائقِ العقلِ والواقعِ أنه الأنفعُ للبشريةِ والمنقذُ لها من التِّيه، ويحملُ سِرَّ بقائِه؛ كائنةً ما كانت الظروفُ الإقليميةُ والدولية.

 

وأوضح فضيلته للإخوان أنَّ المشروعَ النَّهْضويَّ الإنقاذيَّ الذي تستمسكون به قد رُوِي بدماءٍ زكيةٍ من شهداءِ هذه الدعوة المباركة، بدءًا من الإمامِ الشهيدِ حسن البنا، والمجاهدِ الشهيدِ عزِّ الدين القسامِ، ومرورًا بدماءِ شهداءِ الدعوةِ في سجونِ الظلمِ والطغيان، وانتهاءً بشهداءِ العزةِ في فلسطين الحبيبة، فضلاً عن عشراتِ الآلافِ مِنَ الصابرينَ الصامدينَ الذين تعرَّضوا لأنواعِ الظلمِ في سجونِ الظلمِ والطغيان، أو تحت نِير الأَسْرِ في سجونِ الاحتلالِ، والذين سطَّروا أروعَ تاريخٍ لثباتِ الإخوانِ المسلمينَ، عَبْرَ عُقُودٍ من الجهادِ والدعوةِ في مصرَ وفلسطينَ وغيرِهما.

 

وأوضح أن مشروعَ الإخوان نَّهْضَوِيَّ إصلاحيَّ يجمع بين الأصالةِ والمعاصرةِ، ويتَّصفُ بالمرونةِ الإيجابيةِ، فهو إذْ يحافظُ على المقدساتِ والثوابتِ الشرعيةِ لا يتردَّدُ في التجاوبِ معَ كلِّ جديدٍٍ من الأفكارِ النافعةِ والصالحةِ.

 

وأكد فضيلته أن الذين اتخذوا الإخوان خصومًا من الأنظمةِ المستبدةِ والطُّغَمِ الفاسدةِ لا يقفون على أرضٍ صلْبةٍ، ولا يمتلكون عناصرَ في مثلِ طُهْرِكم وسلامةِ صدورِكم ونظافةِ أيديكم، ولا يتمتَّعون بأي قبولٍ حقيقيٍّ لدى جماهيرِ الأمة، ولذلك فهم يَحْمُون بعصا الأمنِ كراسيهم وفسادَهم، ولا يملكون القدرةَ على مواجهة الإخوان في مَيْدَانِ الفكرِ والسياسةِ وخدمةِ الأمةِ، ولا حيلةَ لهم غيرُ اعتقالِهم، ومحاولةِ إرباكِ مشروعِهم، والحيلولةِ بينهم وبين جماهيرِ أمتِهم، والاستقواءِ بالأجنبيِّ عليهم وعلى الأمةِ، وبذلِ غايةِ الجُهْدِ في الإيقاعِ بينهم، وتشويهِ جهادِهم.
ودعا فضيلته الإخوان إلى التَّمَسُّكِ بدعوتِهم ومبادئِهم، والعضِّ عليها بالنواجذِ، وعدمِ التردُّدِ أو التراجعِ أمامَ هذا الاستهتارِ الظالمِ بحُريَّاتِهم، والحربِ الظالمةِ عليهم، والتضييقِ الباغي على أرزاقِهم، والتشويهِ الظالمِ لدعوتِهم ورموزِهم.

 

وقال فضيلته للإخوان في رسالته: لا تهابوا التغييرَ، ففيه بركةٌ عظيمةٌ، وإيَّاكم والإلْفَ أو التوقفَ عن تجديدِ الدماء؛ فإنَّ ذلك يُعطِّلُ الطاقاتِ، ويؤخِّرُ الوصولَ إلى الغايات.

 

ووجه فضيلته حديثه للقوى الإسلاميةِ والقوميةِ والوطنيةِ في الأمة، مؤكدًا أن الإخوانَ المسلمينَ لا يعملُون إطلاقًا على إقصاءِ أحدٍ أو تهميشِ دَوْرِهِ، ويرفضُون بكلِّ قوةٍ أن يعملَ الآخَرونَ على إقصائِهم أو تهميشِهم، ويرون بمنتهى الصدقِ والإخلاصِ أنَّ الوطنَ العزيزَ الذي نركبُ سفينتَه جميعًا في حاجةٍ إلى جهودِ الجميعِ برُؤاهم المتنوعةِ لإنقاذِ هذه السفينةِ التي تحملُنا جميعًا من الغرق، في ظلِّ ديمقراطيةٍ سليمةٍ وشورى حكيمةٍ، تُرْسِي مبدأَ المشاركةِ بين أبناءِ الوطنِ؛ لا مبدأَ المغالبةِ والإقصاءِ لأحدٍ، أو على حسابِ أحد.

 

وتقدَّم فضيلته بخالص الشكر لإخوانه مسئولي الجماعةِ في الداخلِ والخارجِ، القابضينَ على دينِهم، الثابتينَ على دعوتِهم، القائمينَ برسالتِهم، وأسأل اللهَ أن يجزيَهم عن الدعوةِ وأهلِها خيرَ الجزاء.


 

طالع نص الرسالة 

 

المؤتمر الصحفي.. (ألبوم صور)