لا مفاجأة إطلاقًا فيما عرضه القناة العاشرة العبرية سواء على مستوى الفساد وحجمه، أو الفضائح الأخلاقية التي لن نخوض في حيثياتها، ولم يكشف شبانة المسئول الأمني الفتحاوي السابق والحالي؛ حيث أعلن أنه استلم راتبه بشكلٍ عادي عن شهر يناير 2010م، عن أي جديدٍ حول السلطة وممارساتها وجرائمها، لكن المفاجأة غير المُفاجئة هو أن ينبري رموز أوسلو وتابعيهم للدفاع وبقوة عن هذه الممارسات، ربما خوفًا أن تصلهم مقصلة الفضائح.

 

ترك هؤلاء لب الموضوع وأساسه، حزنوا على رفيقهم وفضيحته، ولم يتحدث أي منهم عن الفتاة التي أراد أن يراودها عن نفسها من أجل وظيفة، لم تزعجهم تهجماته على عرفات وعباس وغيرهما، لكن أساءهم كلام شبانة، والأهم أن ملفات لفساد والوثائق التي عُرضت لم تستوقف أحدًا، وهي الأخطر في كل ما طُرح.

 

ملاحظات جديرة بأن نُسجلها هنا:

يبدو أن السيد ناصر اللحام قد تحوَّل لمحامٍ حصري عن سلطة أوسلو وطغمتها، فبعد أن وقف عبر وكالته المستقلة جدًّا وحيدًا في الدفاع عن عباس إبَّان جريمة جولدستون لينقل قصة بطولية جدًّا عن عباس في مواجهة نتنياهو نقلاً عن موقع عبري اسمه "نعنع"، يكرر اليوم ذات الموقف عبر برنامج (عالمكشوف) الذي استضافه عوضًا عن رفيق الحسيني على فضائية عبّاس المسماة زورًا بـ"فلسطين"؛ ليدافع عن السلطة وقادة أجهزتها الأمنية، وليمجد بالاحتلال وأعلامه وسياسييه، وليسجل استياءً رئيسيًّا شبه وحيد يتمثل في أن "شبانة قد خان الأمانة"- والأمانة هنا هي الفساد والرذيلة- أي منطق معوج هذا؟ لكن إحقاقًا للحق فإن نشر اللحام لرسالة الرد من شبانة قد ورَّط السلطة أكثر وأكثر وأسقط مبرراتها وادعاءات رموزها تمامًا.

 

مسئولو السلطة المفترض جدلاً أنهم الأشد حرصًا على الاستقلالية والشفافية تباروا في "سب" و"بهدلة" شبانة وعزله من مناصبه- وقف الصحابي تميم!!- وزاد المغني وأدلى بمواله بملاحقة شبانة قانونيًّا، لكن أي منهم لم يجرؤ على مجرد حتى الحديث عن صدق أو كذب ما عرض أو فتح تحقيق حوله، ووجدوا ضالتهم بأن "إسرائيل" تستهدفهم.

 

الجميع عندهم متفقون أن المشكلة والجريمة هي خروج هذه "الأسرار الوطنية" للعلن، لا يهمهم ضياع الملايين ولا الفساد المستشري؛ لأن كل ذلك بنظرهم أسرار وطنية لا يجب أن يطلع عليها أحد حتى ولو كان الشعب الذي تُنهب باسمه كل هذه الملايين.

 

حتى قبل يومين لم نكن على علمٍ بأن القدس هي مبرر الرذيلة، نعم هذا ما ذكرته التقارير المستقلة جدًّا، بأن الحسيني يتعرض لما يتعرض له بسبب مواقفه الوطنية في القدس، وفي وجه الاحتلال، بالله عليكم هل هناك من يساعدني ويخرجني من حيرتي ليعدد لي مناقب الحسيني أو أي من رموز أوسلو في القدس التي استقال وزيرهم عليها حاتم عبد القادر؛ احتجاجًا على موقف السلطة من القدس.

 

واليوم نكتشف أن قضية فلسطين برمتها مستهدفة وبأن ما يجري هو حملة على السلطة ومواقفها- اياها- وأصبحت فلسطين كلها رهن بأخلاق أو لا أخلاق البعض- ألهذه الدرجة بلغ الإسفاف في تبرير الجرائم والسقطات وربطها بأنبل وأشرف قضية؟

 

في ذات الوقت لا نستبعد أن تكون هناك حملة "إسرائيلية" ضد عباس، ليس بسبب مواقفه "الوطنية جدًّا"، لكن لأن تاريخ صلاحيته انتهى، والمطلوب "إسرائيليًّا" إغراقه لصالح مرشح آخر من المقربين الذين يتم تلميع بعضهم، وفي هذه الجزئية تحديدًا نقتبس ما ذكرته الكاتبة البرغوثي تحت عنوان "صراع الفساد في سلطة السقوط الوطني" حيث ذهبت إلى أن:
القصة وما فيها، أن القناة العاشرة "الإسرائيلية"، قامت بحملة انتخابية مجانية، بالتعاون المشترك مع ضابط سابق في أجهزة المخابرات التنسيقية أمنيًّا والتابع لسلطة رام الله، وبهذا الوقت بالذات لأسباب عديدة:

1- التغطية على جريمة اغتيال الشهيد المبحوح.

2- التغطية على مشاركة فياض بمؤتمر "هرتسيليا" (للأمن القومي "الإسرائيلي")، فبأي إطارٍ وتحت أي عنوان، كانت مشاركته؟!.

3- التعتيم على انتهاكات القوات "الإسرائيلية" في كافة الوطن المحتل، وعلى حصار القطاع.

4- توجيه الأنظار عن ما يحدث في القدس، وتقويض أساسات الأقصى المبارك.

5- إشغال الشعب الفلسطيني بموضوعٍ تافه، ريثما يتم تجهيز المرحلة القادمة، وفق سيناريوهات معدة

 

رغم ذكر أسماء وعرض صور لأشخاص بعينهم، لم يصدر عنهم التهديدات المعتادة بمقاضاة القناة العاشرة، كم فعلوا ويفعلون مع القنوات والفضائيات العربية خاصةً "الجزيرة" كما هي عادته دائمًا: عباس خارج الضفة الغربية، ولا علاقة له بالموضوع- إلى حين- كما فعل في أزمة وجريمة سجن أريحا وتقرير جولدستون وغيرها.

 

ملفات الفساد قديمة قدم السلطة، بل قدم منظمة التحرير التي لا تمثل اليوم حتى نفسها، ولم يتم حتى اليوم معاقبة أو محاسبة أي شخصٍ على أفعال وجرائم كانت وما زالت، وقد قمنا وعلى مدار السنوات الماضية بفتح العديد منها، وحذرنا وتحدينا، وتعرضنا لما تعرضنا له، لتثبت الأيام أن ما بدأناه يخرج اليوم عن نطاق السيطرة.

 

شبانة كان جزءًا رئيسيًّا وأساسيًّا من منظومة أوسلو، وتدرَّج في مواقعه، ووصل لأعلى المستويات، وما كان هذا ليحدث لولا انغماسه الكامل في أوسلو والسلطة والرضى التام عن أدائه، وقوة موقفه تنطلق من هذه الحقيقة ومعرفتها بمواطن الضعف لدى رموز أوسلو، وما محاولة التبرؤ منه اليوم إلا نكتة سخيفة.

 

نكتة أسخف هي ما ورد من تعليقات بأن رفيق الحسيني ليس فتحاويًّا لكنه جبهاويًّا؛ لأن فتح المختطفة اليوم بنظرهم هي الطهر والعفاف- سبحان الله!.

 

الاحتلال آخر مَن يتحدث عن الفساد والرذيلة، لكن هذا ليس بمبرر للتغاضي عما ورد في التقرير، كل المبررات التي سيقت حتى اللحظة تسقط هذه السلطة أكثر وأكثر من عيون الشعب الذي بات أولاً: لا يستغرب أي فضيحة أو جريمة، وثانيًا: لا يصدق أكاذيبهم.

 

كما هو الحال في كل الفضائح والجرائم السابقة، ستتم "شخصنة" الموضوع وربما التضحية باسم أو أكثر، وربما لا أحد كما حدث في فضيحة آلاف الهواتف النقالة، وربما يراهن عباس على عامل الوقت لننسى ما حدث كما فعل مع جريمة جولدستون، وأخشى ما نخشاه أن يصبح الفساد والرذيلة أمر معتاد لا يستنفر أحدًا.

 

لكن إن كُتب لشبانة أن يعيش، فإنه سيكشف عن ملفاتٍ أخرى تنقذ الحسيني وتظهر قضيته بأنها لا شيء أمام باقي الملفات، ولا شك لدينا أن العديد من رموز أوسلو يرتعدون اليوم خوفًا على قاعدة "على مين الدور"!.

 

نراقب ونتابع بمزيجٍ من الأسى والحزن ليس على موقف السلطة البائدة عاجلاً أم آجلاً، بل على ما آلت إليه قضيتنا على يد حثالات شعبنا ممن يختطفون القرار السياسي ويستأثرون بالمقدرات.

 

اللهم لا شماتة، ولا نامت أعين الجبناء.

---------------------

[email protected]