اقترب موعد مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد اعتدنا فيه شراء الحلوى؛ حتى إن أطفالنا لا يعرفون مولد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بتلك الحلوى.

إن النفس البشرية تملُّ التكرار، وتميل إلى التغيير..

نُغَيِّر ملابسنا كل فترة، ونأتي بالجديد ونُبْعِد القديم لأننا مللناه..

نُعيد ترتيب الأثاث في المنزل لأننا مللنا النظام الموجود..

نُغيِّر طعامنا وشرابنا لأننا مللنا الطعام والشراب المعتاد..

نُغير مصيف هذا العام لأننا مللنا مصيف الأعوام السابقة..

نُغير ونغير ونغير..

 

فهلا غيرنا من حالنا بهذه المناسبة!! ألم نمل الروتين الذي اعتدناه؟!! ما رأيكم أن نغيِّر حلوى هذا العام، فبدلاً من أن نأكل من حلوى الدنيا نأكل من حلوى الآخرة، أو نأكل من الاثنتين معًا، فحلوى الدنيا من صنع البشر، أما حلوى الآخرة فهي في الجنة من صنع خالق البشر وخالق الجنة.. الجنة التي قال عنها خالقها عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"، ولكن تلك الحلوى لا تُشترى بالمال.. ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة: من الآية 111).

 

هيا بنا نغيِّر من أنفسنا في هذا المولد، فقد سئمنا ما اعتدناه؛ ليبحث كلٌّ منا في نفسه، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فليحاول التغيير.. ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

 

نحاول التغيير بإحياء سنن صاحب ذاك المولد، وسننه كثيرة وكثيرة، ولا نشقُّ على أنفسنا خشية الملل، فمن سننه صلى الله عليه وسلم: السنن الراتبة، وصلاة الضحى، والوتر، والتهجد، وصيام الإثنين والخميس، والأيام البيض.. ربما قال البعض: نحن نفعل ذلك وأكثر.. فقط أردت التذكرة وضرب الأمثلة، ولكن ما أود أن أؤكده في التغيير: الأخلاق، فالدين والخلق متلازمان، فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر، وحينها يصدق قول الشاعر:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت           فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 

بالطبع لا أحد يعجبه الحال المتردي الذي وصلت إليه أمتنا، ولن يغيِّر الله حالها، إلا إذا غيَّرنا نحن من أحوالنا ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11) فليبدأ كلٌّ منا بنفسه، ثم بمن يعول، ثم بمن في محيطه، سواء في البيت أو في العمل؛ لنرفع شعار الأخلاق في كل مكان، وأخص تلك العلاقات الآثمة التي نراها نهارًا جهارًا في كل مكان، بين البنات والأولاد، لنقف مع هؤلاء ونتحدث معهم، وننصحهم من منطلق الأمومة والأبوة، لنحكي لهم قصصًا نعلمها لمثل هذه العلاقات، وما آلت إليه من وبال وحسرة على فاعليها.

 

علينا أن نتسم بالإيجابية، ولنبتعد عن السلبية، والله إن الله لسائلنا: عشنا في هذا الزمن، ورأينا هذا المنكر فماذا قدمنا؟ وماذا فعلنا؟!! وبماذا سنردُّ على ربنا حينها؟!! "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

 

إن أبناءنا قبل خروجهم إلى الشارع والمدرسة، نحن فقط الذين نربِّيهم، ونربِّيهم كيفما نشاء، أما بعد خروجهم فالمجتمع يشترك معنا في التربية، فصلاح المجتمع عائدٌ على الكل، ولن يُستثنى أحدٌ، وكذلك فساد المجتمع عائدٌ على الكل، ولن يُستثنى أحدٌ، فمن نسيج هذا المجتمع ابنى وابنك، فهلا عملنا على تغيير هذا المنكر حفاظًا على أبنائنا وإعذارًا إلى ربنا؟!

 

أذكر أنني كنت أسير يومًا بشارع شبه مظلم، فما رأيت أحدًا يسير إلا فتى وفتاة، فوقفت أتحدث إليهما فكانت المفاجأة: البنت بالصف الثاني الإعدادي والولد بالصف الثالث!! إنهم أطفال، تخيلوا أطفال!! يا للهول يا للمصيبة!.. وعندما سألته: لماذا تمشي معها؟ هل هي أختك؟ قال: لا إنها جارتي وأنا أوصلها إلى الدرس. قلت: لا يصح أن تمشي معها- تجنبت قول الحلال والحرام لأنني شككت لمعرفته بهما- قال: إنني أعتبرها مثل أختي. قلت: ولكنها ليست أختك، ثم إذا رأيت أختك تمشي مع فتى غريب ماذا ستفعل بها؟ أو ماذا ستفعل به؟ لم يرد.. كررت عليه السؤال أكثر من مرة فلم يرد.. قلت له: يا بني ما لا ترضاه لأختك لا ترضَه لبنات الناس.

 

أريد أن أنبه إلى أننا عندما نقوم بهذا النصح والإرشاد سنرى من يستجيب لنا، وسنرى من سيعترض، وقد نسمع كلامًا يؤذينا أو يجرحنا، فليكن قدوتنا في ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ الذي نحتفي بمولده.. رسولنا قال عنه أعداؤه: "ساحر ومجنون وشاعر وكذاب.."، فما صدَّه ذلك عن الاستمرار في الدعوة، وإلا ما وصلت دعوته إلينا اليوم، وكان من دعائه: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".

 

لا أنسى مشهدًا رايته ذات يوم، فقد رأيت شابًّا وفتاةً واقفين بشكل مخلٍّ، ورأيت شرطيًا بالقرب منهما، ينظر إليهما، فظننت أنه سيزجرهما، فأخذت أراقبه بعض الوقت، فما تحرك من مكانه ولا نطق بكلمة، فقلت: يا سبحان الله!! كأنه يحرسهما!!.. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

 

حدثتني أخت لي أنها دخلت أحد المحالِّ وقت ما يسمونه بـ"عيد الحب"، فوجدت امرأة معها ابنتها تشترى لها هدايا كي تقدمها البنت لصديقها.. يا الله!! لطفك يا الله بنا!!.

بالله عليكم خبروني: من نحن؟ وأين نعيش؟!!!!!

الأم مدرسة إذا أعددتها        أعددت شعبًا طيب الأعراق

 

أين أنتِ يا أم الزبير بن العوام؟ أين أنتِ يا أم صلاح الدين؟ أرأيتم كل هذه المصائب تحدث في بلادنا ونريد أن نسود؟!! كل هذا يحدث في بلادنا ونريد أن نقود؟! بالله عليكم خبروني كيف؟!!
أعتقد لو تكاتفنا لعلاج ذلك الوباء قد نكون قد أعذرنا إلى الله تعالى بأننا قدَّمنا وفعلنا ما نستطيع عند الوقوف بين يديه يوم القيامة، أعتقد أيضًا أن علاج هذا الأمر سيستغرق وقتًا طويلاً، ولكن لا يهمّ، فلنبدأ، فقد وصل الحال إلى ما هو عليه في سنوات طوال، والعلاج سيستغرق وقتًا أطول بكثير، لا يهم.. فالمعروف أن الهدم أسرع من البناء، قد يحدث التغيير في حياتنا، وقد لا يحدث إلا بعد مماتنا، لا يهم، المهم أن نزرع البذرة ولكنْ مَن سيحصد الثمرة؟! نحن أم غيرنا؟!! لا يهمُّ!!.