1- في عدد 16 جمادى الأولى 1386هـ، من مجلة (العلم) المغربية، قال المفكر الإسلامي الكبير علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال المراكشي في استشهاد سيد قطب الكاتب والمفكر الإسلامي: (وقد اتهم سيد قطب وصحبه بالتآمر على الدولة وعلى قتل رئيسها، ونحن لا نعلم عن سيد قطب إلا الدعوة بالحسنى والصدق في القول، وعدم التستر في شيء من أعماله، فإن كان ثمة تآمر من معارضي النظام المصري فلا شك في أن سيد قطب بريء منه، وأن الفئة التي يتزعمها لا تدين بغير النضال السلمي والدعوة بالحكمة والكتاب).

 

2- وتقول: هل وجد سيد قطب- المريض والمعروف أنه خرج من السجن سنة 1964 في عفو صحي، واعتقل في يونيو 1965- فرصة الوقت لتدبير انقلاب التخطيط لتدمير وترويع؟!.

 

إن تدبير انقلاب في مصر، احتاج إلى إعداد من أوائل الأربعينيات حتى سنة 1952 وسط القوات المسلحة، كما ذكر الذين تزعموا حركة 23 يوليو 1952.

 

3- وإذا كان هناك من يحاول الخروج من كلمات سيد قطب بمفاهيم دخيلة تؤدي إلى اعوجاج في الخط، أو انحراف في السير، فإنه يجب أن يذكر كلمته الخالدة: (إننا دعاة ولسنا قضاة.. دعاة إلى الهدى ولسنا قضاة على من لا نعرف، كيف سيختم الله حياتهم هنا أو هناك، إن الذين يحسنون العمل يجب ألا يركنوا إلى ما يفعلون فالعبرة بالخواتيم).

 

4- خرج من محكمة الدِجوى بعد أن أصدروا حكمهم عليه، وسأله أحدهم في الخارج عن الحكم، فأجابه، هاشًا، باشًا: إنها الشهادة..

 

5- وهذا طرف من أسرار العلاقة بين سيد قطب وعبد الناصر، والذي كان حليفًا قويًّا، ومُقَرَّبًا للثورة في بدايتها، بل أحد مفكريها والمروجين لها.

 

حيث كانت العلاقة بين سيد قطب وضباط 23 يوليو، علاقةً حميمةً قبل اندلاع الثورة وبعدها، بل كان يُعَدُّ الْمُنَظِّرَ الفكري للثورة! فقد كانوا يتشاورون مع سيد قطب حول ترتيبات الثورة وأسس نجاحها، والذي يؤكّد ذلك أنه تم تعيينه من قِبَل قيادة الثورة مستشارًا لها في الأمور الداخلية، وتغيير مناهج التعليم.

 

6- وقد حاول سيد قطب التوفيق بين عبد الناصر والإخوان عندما اشتد الخلاف بينهما، ولكنه انحاز في نهاية الأمر إلى الإخوان، رافِضًا جميع المناصب التي عرضها عليه عبد الناصر، مثل وزير المعارف، ومدير سلطة الإذاعة.

 

وسرعان ما توجس سيد من تصرفات قيادات الثورة، حتى إنه صارح بعض خلصائه قائلاً: لا أجد في تطور الثورة ما يريح، فهؤلاء الأمريكان يحاولون احتواءها بدلاً من الإنجليز!.

 

ويروى الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار- الأديب الحجازي المعروف والصديق الأثير لسيد قطب- عن صلة سيد برجال الثورة بعد قيامها، فيقول: بَلَغَ من احترام الثورة لسيد قطب، وعرفانها بجميله وفضله، أن كل أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا مُلْتَفِّين حوله، ويرجعون إليه في كثير من الأمور، حتى إنه كان المدني الوحيد الذي يحضر جلسات مجلس قيادة الثورة أحيانًا، وكانوا يترَدَّدُون على منزله في حلوان بل إنه أول من طرح كلمة "ثورة" بدلاً من انقلاب عسكري لحركة 23 يوليو.

 

ويتابع عطار كلامه، كما ينقله لنا الدكتور صلاح الخالدي في كتابه "سيد قطب: الأديب الناقد "- دار القلم- دمشق:

"قرر مجلس قيادة الثورة أن يسند إلى سيد قطب منصب وزير المعارف- ونشرت مجلة (آخر ساعة) القرار- ولكن سيد قطب اعتذر، ورجوه أن يتولى منصب المدير العام للإذاعة، فاعتذر!

 

7- وأخيرًا وافَقَ على أن يكون السكرتير العام لهيئة التحرير.. (وهي وظيفة تعني أنه تقريبًا الرجل الثاني في الدولة) ولَبِثَ سيد قطب فيها شهرًا واحدًا، فسرعان ما بدأ الخلاف بين سيد قطب وعبد الناصر وزملائه، مما اضطره إلى الاستقالة من هيئة التحرير.

 

وهذا يكشف جانبًا مميزًا في سيد قطب، باعتباره أديبًا مرموقًا رقيق المشاعر، فقد كانت طبيعته المعروفة عنه الصدق مع النفس، والجرأة في قول الحق وهذا ما أزعج رجال الثورة، الذين لا يحبون هذا المسلك الأخلاقي في إدارة الأمور! وعلى رأسهم عبد الناصر.

 

وقد ذكر هذه الرؤية الكاتب الإسلامي محمد سيد بركة، صاحب كتاب "سيد قطب أوراق منسية".

 

8- لَكِنَّ مما يثير شجونًا في النفس ذلك السؤال الذي طرحه آنذاك المفكرون والكتاب: كيف هان سيد على عبد الناصر، وهو مُتَّهَمٌ في قضية هو منها بريء، وهي تكوين تنظيم مسلح لاغتيال عبد الناصر؟! والقضية من أولها إلى آخرها من صنع المخابرات العسكرية!!، ومرة أخرى، كيف هان لعبد الناصر أن يُعْدِمَ مفكرًا كتب عنه أستاذه الدكتور مهدي علام، في تقديمه لرسالة (مهمة الشاعر في الحياة) التي ألقاها سيد قطب كمحاضرة في دار العلوم، فقال عنه: (لو لم يكن لي تلميذ سواه لكفاني ذلك سرورًا وقناعةً، ويعجبني فيه جرأته الحازمة التي لم تَسْفَهْ فتصبح تهورًا، ولم تَذِلّ فتغدو جبنًا، وتعجبني فيه عصبيته البصيرة، وإنني أُعِدُّ سيد قطب مفخرةً من مفاخر دار العلوم)!.

 

فكان أول اعتقال لسيد قطب عام 1954م لمدة شهرين مع قيادات الإخوان المسلمين، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى بعد (حادث مسرحية المنشية)، وصدر ضده حُكْمٌ بالسجن 15 سنة، ثم تَوَسَّطَ له الرئيس العراقي عبد السلام عارف، فأُفْرِجَ عنه بعفوٍ رئاسي.

 

 9- وفي عام 1965م أعاد عبد الناصر المواجهة مرة أخرى مع سيد قطب، فأعلن من موسكو- وكان في زيارة لها- عن اكتشاف مؤامرة (!) دبرها الإخوان المسلمين بقيادة سيد قطب لاغتياله، وقلب نظام الحكم.

 

فاعتقل سيدٌ مرة ثالثة، وذاق أصنافًا وألوانًا من العذاب على يد زبانية التعذيب في العهد الناصري!.

 

 وألقى عبد الناصر ورقته الأخيرة إلى قطب، لعله يلين إلى سلطان الجالس على الكرسي، فأرسل إليه في ليلة تنفيذ الحكم، عارضًا عليه الاعتذار، أو أن يكتب سطرًا واحدًا يطلب فيه الرحمة من جمال عبد الناصر.. ولكن ما كان لمثل سيد في جرأته وإيمانه بما يعتقد، أن يقبل بمثل هذا العرض، فرفض العرض الأخير في حياته كلها، قائلاً كلماته الخالدة: "إنّ إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة، يَأْبَى أن يكتب كلمة يتقرب بها لحاكم طاغية، فإنْ كنتُ مسجونًا بالحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنتُ مسجونًا بالباطل، فأنا أكبرُ من أن أسترحم الباطل".

 

10- وفى يوم 28 من أغسطس 1966 تلقى عبد الناصر رسالةً من الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز، يتوسط فيها للعفو عن سيد قطب الذي قضت المحكمة العسكرية بإعدامه، وأوصل سامي شرف البرقية لجمال عبد الناصر في ذلك المساء، فقال جمال عبد الناصر لسامي شرف: (أعدموه في الفجر... بكرة، وأعرض عليّ الرسالة بعد الإعدام)!!، ثم أرسل عبد الناصر برقية اعتذار للملك، مُتَعَلِّلاً بأن رسالة الملك وصلته بعد تنفيذ الحكم!!.

 

11- واليوم تأتي المحاولات لإلقاء نفس التهم القديمة البالية، التي عرف العالم حقيقتها، لتتفوه بها أقلام جانية ظالمة، تٌساق دون أن تدري لحتف الحق، وهو محال: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)﴾ (الإسراء)، فأعادوا سيناريو التزييف القديم، بما يسمي (القطبيون) متناسين أن الحقائق أصبحت في عصرنا اليوم معلومة للقاصي والداني، فما زادوا أنفسهم إلا خيبة وجهالة، بعد أن أصبحوا مثار فكاهات في زمن قلت فيه الابتسامات، وإني لأعجب من كتاب أعماهم الهوى، فراحوا ينشرون الأكاذيب والضلالات، وهم ينشرونها لغير حسابهم، متوهمين بها السبق، فكان السبق في الضحك من فكاهاتهم، فما نالوا إلا أنهم سقطوا من أعين الشرفاء، فبعد نصف قرن قد نشرت فيه آلاف الوثائق والنشرات والمذكرات من المعنيين بالأمور، عن توقيعات على بياض في أتون التعذيب، لكلام هزيل من صناعة نظام استبدادي فاسد، والتي هي في الحقيقة إدانة لهم، واقرءوا إن شئتم مذكرات السادات ومحمد نجيب والبغدادي وصلاح نصر وكمال حسين وحسين حمودة وسامي شرف وصلاح شادي والتلمساني وعشماوي ومصطفي أمين وأحمد أبو الفتح وسامي جوهر وأنيس منصور والحمامصي وشوكت التوني وعلى جريشة ووو، فإن كنتم قرأتموها فتلك مصيبة، وإن لم تكونوا قد قرأتموها فالمصيبة أعظم.

 

وإني لأبكي اليوم حال إعلامنا الذي تحول إلى وكالة إعلان مدفوعة الأجر، وأرثي أيضًا تحول البعض إلى مهرجين في سيرك الضلالات، فعلى العقلاء أن يبصروهم، وعليهم أن يعلموا الحقائق، فمصرنا الحبيبة في حاجة ماسة، خاصة في يومنا هذا، لخطوات الجادين وليس المهرجين.

 

12- لقد كان لي الشرف في أن أبحر في محيطات الشهيد فكرًا وإحساسًا وحركةً، حين قمت بإعداد كتاب (الغزوات في ظلال القرآن) وفيه (غزوات مع اليهود)، وكأنها الحاضر اليوم، بما ربطه الشهيد بواقع الأمة اليوم، وقضية فلسطين، أما حين قمت بتحقيق كتابه النادر: (أمريكا التي رأيت)، وهو رسالة اليوم الواقعية، فأدركت لماذا سيد قطب هدفًا لأمريكا وإسرائيل، كتب سيد قطب في (دراسات إسلامية) ص 181- 185: (إننا ننسى أن العالم الأوروبي والعالم الأمريكي يقفان صفًا واحدًا بإزاء العالم الإسلامي، والروح الصليبية القديمة هي هي لا تزال، إننا ننسى هذا، لأن فينا مغفلين كثيرين ومغرضين كثيرين يضللوننا، وينشرون دعاية مغرضة عن رغبة أمريكا في إنصاف الشعوب المستعبدة ومساعدة الشعوب المتأخرة، مع أننا ذقنا الويل من أمريكا في فلسطين، إن جراحات العالم الإسلامي تنبض بالدم في كل مكان، وأمريكا واقفة تتفرج، ومع هذا توجد صحف ويوجد ناس: يتحدثون عن تمثال الحرية في ميناء نيويورك...).

 

وأخيرًا: لهذه الحقائق أعدم سيد قطب، وسيصبح سيد قطب تهمة جاهزة، اسمها (القطبيون)، من صنع أمريكا وإسرائيل، فلا نامت أعين البلهاء.

-----------------

* www.gamalmady.com