قال تعالى: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب).

 

نمط فريد، ونسق وحده ذلكم الرجل الأستاذ الدكتور علي أحمد طلب (رحمه الله تعالى)، ومهما قلنا فلا يعرفه إلا من تعامل معه عن قرب، وتعالوا في هذه السطور نتعرف على هذه الشخصية التي كان لها أثر علمي، واجتماعي وشرعي.

 

أولاً: لمحة سريعة عن حياته:

وُلد رحمه الله في 17/5/1937م بقرية شطورة مركز طهطا التابع لمحافظة سوهاج.

 

وتخرَّج في الأزهر الشريف في كلية اللغة العربية، وعمل بالتدريس فترة ست عشرة سنة بالتربية والتعليم في محافظات مختلفة منها: المنيا، والإسماعيلية، وغيرهما.

 

كما عمل خطيبًا بمركز ملوي بالمنيا فترة وجوده بالمنيا، وخطيبًا بالإسماعيلية فترة وجوده بها.

 

وبدأ الإعداد للماجستير فحصل عليه في فترة وجيزة عن أقرانه، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة الأزهر، وكان موضوع الرسالة "لا.. واستعمالاتها في القرآن الكريم".

 

وعلى إثر ذلك انتقل عمله مدرسًا للنحو والصرف في كلية اللغة العربية جامعة الأزهر الشريف، وعمل أستاذًا منتدبًا للنحو والصرف بكلية التربية جامعة أسيوط، كما أُعير للمملكة العربية السعودية فعمل بجامعة أم القرى وغيرها، فترك في كلِّ مكان طلابًا وأقرانًا، ولا يزال أقرانه وطلابه يذكرونه بالخير في كلِّ مكان حل به.

 

ومما يُذكر أنه شارك في العديد من المؤتمرات العلمية، كما أشرف وناقش عشرات الرسائل للماجستير والدكتوراه، كما كان يهتم- مع ضعف صحته في الآونة الأخيرة- بشتى الندوات والمؤتمرات، وزيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب حتى آخر معرض، وأثرت عنه كلمة بالعامية تعبيرًا عن أهمية المؤتمرات، والندوات، ومعرض الكتاب فكان يقول: (اللي ما يشتري يتفرج).

 

ثانيًا: التحاقه بدعوة الإخوان المسلمين:

 

وفي أوائل الستينيات تعرف على دعوة الإخوان المسلمين، وانتمى إليها، وكان لسانًا قوليًّا وعمليًّا لها، وكان أثره أولاً على شطورة وما حولها، فاهتم بتربية الشباب على الوسطية التي جاء بها الإسلام، ونادت بها دعوة الإخوان دون إفراط ولا تفريط، وكان يهتم بشرح تعاليم الإسلام صافية من خلال حديث الأربعاء، وخطبة الجمعة؛ حيث كان يسعى إليهما\ أسبوعيًّا من أسيوط إلى قريته شطورة، هذا غير محاضراته وندواته في أرجاء أسيوط وسوهاج، التي عُرف فيها أنه يجهر بالحق، ولا يخشى في الله لومة لائم مع عفة اللسان وعدم التجريح.

 

ثالثًا: اجتماعياته:

كان رحمه الله يحب الناس، ولا يقابل الإساءة بالإساءة بل بالإحسان، كما أوصى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل إن أساء إليه أحد ذهب هو إليه واعتذر له، فكان ربما يكلمه في ذلك بعض المقربين له، فلا يزيد على أن يقول: أنا لا أعامله ولكني أعامل الله، أو يقول: خليني أنا الأحسن، عملاً بقوله تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾ (فصلت)، وكان لهذه المعاملة أثرها على طلابه، ومن يعاملهم على السواء.

 

ومما ينبغي أن نذكره أنه رحمه الله تعالى كان يَعُول عشرات الأسر- براتب شهري- سواء في بلدته شطورة أو أسيوط، وما حولهما؛ حتى كان من بين هذه الأُسر أسرة مسيحية فقدت عائلها، فكان ينفق عليها حتى تخرَّج أولادها.

 

ومن عظيم ما يذكر في الجانب الاجتماعي أيضًا أنه كانت له زوجة أب تعيش بالقاهرة، فكان يزور أقاربها وإخوانها برًّا بأبيه رحمه الله تعالى مع ما تعرفونه من طباع ومعاملة زوجة الأب.

 

رابعًا: من صفاته وأخلاقه ودروس من حياته:

تميز رحمه الله تعالى بعدة أمور ما أحرانا أن نجعلها في حياتنا ومن ذلك:

1- الدقة التامة في الالتزام بالمواعيد مهما كان عليه من أعباء، ومهما كانت ظروفه الصحية.

 

2- الانضباط الكامل في معاملاته المالية مع الوسطية من غير إسراف، ولا تقتير.

 

3- الجهر بالحق مهما كانت الظروف حوله.

 

4- احترام التخصص، فربما سُئل في مسألة فقهية مثلاً نعلم يقينًا أنه ملم بها، فكان يحيلها إلى أهلها، ولا يجيب إلا إذا دعت الضرورة.

 

5- عدم تسفيه رأي الغير بل احترام الآخرين مهما كانوا، وتواضعه الجم مع من أقل منه أو أصغر، مع مناقشة أي فكرة، أو رأي بموضوعية.

 

6- تواضعه الجم، والسمع والطاعة؛ حتى تمثل فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ" (البخاري في الجهاد (2673)، والترمذي في الزهد (2297)، وابن ماجه في الزهد (4126)).

 

7- .... إلى غير ذلك مما لمسناه وعايشناه معه رحمه الله تعالى.

 

خامسًا: مؤلفاته:

كثرت مؤلفاته- رحمه الله- في الدراسات النحوية والصرفية؛ حتى زادت على الثلاثين كتابًا، واتسمت كلها بالدراسات القرآنية، ومن بين مؤلفاته على سبيل المثال:

1- "لا.. واستعمالاتها في القرآن الكريم" (رسالة دكتوراه).

2- المرشد في الدراسات النحوية (أربعة أجزاء).

3- المثال في تصريف الأفعال. وهذَّبه وزاد عليه في:

4- دروس التصريف.

5- في تصريف الأسماء.

6- صيغة أفعل وفعيل.

7- كما شارك بعشرات المقالات في المجلات الإسلامية مثل: منبر الإسلام، الأزهر...

8- كما راجع العديد من الكتب والمقالات مثل:

(تكحيل الطرف شرح شذا العرف، وتيسير القواعد النحوية للناشئة والمبتدئين، وتيسير النحو والصرف للتعليم الأساسي، وتيسير النحو والصرف للمرحلة الثانوية).

 

سادسًا: وفاته:

 من حسن الطالع، وحسن الخاتمة أنه قبل وفاته بشهر اتصل بجامعة جنوب الوادي، وجامعة سوهاج ليترك بكل واحدة صدقة جارية من مكتبته الضخمة، فأرسلت كل جامعة عربة حملت ما قدر الله تعالى، وكذا أعطى كل جامعة خمسة وعشرين نسخة من كل كتاب من مؤلفاته رحمه الله تعالى.

 

وقبل وفاته بأيام- بأسبوع واحد- كان في بلدته بشطورة فقيل له: هيا لنرجع إلى أسيوط، قال: أنا خلاص دعوني حتى أدفن هنا، وكان قد شيع جنازة أحد أقربائه، فقال كما يقول الناس: (الدور عليا).

 

وما أن عاد إلى أسيوط مقر مقامه يوم الأحد، وعاد يزاول نشاطه، وسرعان ما جاء يوم الثلاثاء فصلى الصبح في الجماعة، وألقى درسًا عظيمًا، لكنه تعب مع صلاة العصر، ووضع له الغداء فقال: لا أنا خلاص لستُ في حاجةٍ إلى طعام، وحافظ على صلاة بقية اليوم جماعة لكن في البيت، بل أطال صلاة صبح الأربعاء بولدين من أولاده؛ حتى قال أحدهم: (أمال أبوك لو ما كانش تعبان كان هيعمل إيه) ثم وافته المنية رحمه الله تعالى في ذلك اليوم، فجزاه الله خيرًا على ما قدَّم للإسلام والمسلمين، ورحمة الله تعالى عليه، وجمعنا به في مستقر رحمته.