الجزائر بلد عربي إسلامي أصيل حورب في لغته ودينه أكثر من 130 عامًا من الاحتلال الفرنسي، ولكنه نجح في الصمود بفضل الله أولاً ثم جهود العلماء والمناضلين من جمعية العلماء المسلمين وجبهة التحرير.

 

بعد الاستقلال اختارت الجزائر طريقها بالاتجاه شرقًا صوب أمتها العربية والإسلامية، واستعانت في ذلك بمصر لمساعدتها على تعريب التعليم والشعب الذي تأثَّر في لغته بالفرنسية لغة المحتل، ولكن هذا التعريب وهذه العودة لم تعجب البعض، خاصةً ممن يطلق عليهم الفرانكوفونيين أنصار الفرنسة والتغريب، والذين يسيطرون على جزء كبير من المشهد الثقافي والإعلامي في الجزائر، والذين يحاولون استغلال كل فرصة لمحاربة التوجه الإسلامي العروبي في الجزائر تحت أي مسمى، ولسحب الجزائر من محيطها وطريقها الذي اختارته.

 

برزت هذه الدعوات في إطار الحرب شبه الأهلية التي خاضتها الجزائر بعد إلغاء نتيجة انتخابات عام 1991م، والتي فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بجولتها الأولى ثم الانقلاب الأبيض على الرئيس الشاذلي بن جديد، ومع قدوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ظن الكثيرين أن التوجه العربي سيعود بقوة في الجزائر لتوجهات الرجل المعروفة، ولكن السياسات جاءت عكس التوقعات، فالجزائر ازداد اقترابها من الغرب، وقويت شوكة أعداء التوجه العروبي الإسلامي في الجزائر، خاصةً في وسائل الإعلام، وأصبح لهم صحف مستقلة قوية تحقق ذلك الهدف الذي تارةً يكون بالهجوم على المغرب الشقيق، وتارةً ببث النزعات الأمازيغية والفرانكفونية ومهاجمة كل ما هو عربي حتى لو كانت استثمارات تساعد الجزائر على الخروج من تداعيات حرب داخلية استمرت عشر سنوات، ولا زال لها بعض الأذناب.

 

ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير ووجدها الفرانكفونيون والأمازيغيون فرصةً في الدولة التي كانت سببًا رئيسيًّا في عودة الجزائر إلى محيطها العربي الإسلامي ألا وهي مصر، ورغم أن السبب مجرد "مباراة "ليس أكثر فإن تداعياتها كانت أخطر وأكبر؛ حيث استغلها هؤلاء بمساعدة البعض الذين لا يحيطون بمخطط إبعاد الجزائر عن محيطها العربي، وانساقوا لها كلٌّ بمبرراته وأهدافه سواء قوى داخل الجزائر- بعضهم من إسلامي الجزائر الذين حضر زعيمهم أبو جرة سلطاني موقعة أم درمان، كما يسميها الفرانكفونيون، وركَّزت الفضائيات عليه، وهو يرفع شارة النصر للمشجعين في الاستاد- أو دول في المحيط العربي.

 

بعيدًا عن المباراة وما أحاط بها فإن حجم الهجوم على كل ما هو مصري ثم ما هو عربي كان كبيرًا للغاية، ويُعبِّر عن فرصة استغلها هؤلاء للنيل من أكبر دولة عربية أيًّا كانت الأسباب المطروحة؛ لذلك الهجوم والتي اختلط فيها الحابل بالنابل فتارةً الهجوم على مصر بسبب موقفها من الحصار المفروض على قطاع غزة ثم الإنشاءات الهندسية على الحدود المعروفة إعلاميًّا بالجدار الفولاذي وتارةً أخرى الهجوم على كل ما هو مصري حتى لو كان عروبيًّا أو إسلاميًّا، ومن ثَمَّ أصبحت مصر ومصر فقط هي الهدف وليس نظام أو ممارسات نظام، وهو ما يعني أن هناك مخططًا ما خلف ذلك الهجوم.

 

اكتمل ذلك المخطط بما أسماه نقيب الأطباء المصريين د. حمدي السيد "محاولات شق الصف العربي وخلخلة البنية الأساسية لاتحاد الأطباء العرب"؛ حيث قامت عمادة الأطباء في الجزائر والتي يسيطر عليها الاتجاه الفرانكفوني (عدو العروبية) بافتعال أزمة مع الأمانة العامة في مصر والدعوة لاجتماعٍ غير شرعي بحضور 5 دول فقط والترويج له إعلاميًّا عبر قنوات ودول تصفي حسابات مع مصر وصور هؤلاء نتيجة هذه الاجتماعات الوهمية، وكأنه واقع مفروض.

 

الخط الذي تسير فيه الجزائر الآن، والذي يقابله أحيانًا أصوات في مصر من بعض غلاة العلمانيين وكارهي التوجه العروبي والإسلامي، إضافةً إلى دول إقليمية صغيرة تصفي حسابات مع مصر، وتريد أن يكون لها دور على حسابها أيًّا كانت الراية المرفوعة سببًا لذلك الموقف كل ذلك يشجع الجزائر ويدفعها بعيدًا عن محيطها الذي اختارته منذ التحرير للعودة إلى الوراء.. إلى ما قبل ثورة التحرير والارتماء في أحضان المحتل الفرنسي عبر رجاله الذين لا زال لهم صوت قوي وعالٍ في الجزائر.

 

فهل يفيق الجزائريون أم تتحقق أماني الفرانكفونيين وأعداء العروبة والإسلام؟.