في الجلسة المسائية لمجلس الشعب أمس الإثنين الموافق 22/3/2010م، وأثناء مناقشة حساب ختامي لميزانية 2008- 2009م أُثيرت موضوعات مثيرة، تتعلق بالحساب الختامي للدولة، تصل إلى درجة الفضائح المدوية بل أم الفضائح دون جدال.

 

كنت أود أن أثير مواضيع مختلفة، منها مثلاً استيلاء وزير المالية على 400 مليون جنيه من صندوق التأمين الاجتماعي للعاملين بقطاع الأعمال العام والخاص، بناءً على تعليمات وزير المالية، ودون سند من قانون، كما ذكر تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، وهذا كان يتحتم إبلاغ النيابة العامة عن هذا الاستيلاء المفضوح وغير القانوني للأرامل وأصحاب المعاشات.

 

وكنت أود أن أتحدث عن عدم إدراج اعتمادات لأموال لعلاج الأطفال بالتأمين الصحي؛ تنفيذًا لقرار مجلس الوزراء رقم 15 منذ عام 1997م؛ ما جعل العجز المالي لمواجهة هذا الموضوع يصل إلى 400 مليون جنيه.

 

وكنت أود أن أتحدث عن فضيحة توفير 200 مليون جنيه، خاصةً بدعم الصعيد، رغم أن الصعيد ومواطنيه في حاجة ماسة إلى عشرات أضعاف هذا المبلغ للتنمية المختلفة، وتوفير فرص عمل؛ ما يدل على نجاح الحزب الوطني في تدجين نواب الأغلبية من الصعايدة، واكتفائه بترديد شعارات جوفاء عن التنمية بالصعيد، اتضح أنها كاذبة، وفضحها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات.

 

كنت أود الحديث عن نقص أموال الاستثمار الأجنبي المباشر، وتراجعه في الوقت الذي زاد وتصاعد هروب أموال المصريين للاستثمار بالخارج، وهو مؤشر جد خطير يدل على سوء الأحوال الداخلية، والتي أدَّت إلى هذه النتيجة الحتمية.

 

إلا أن ما أثاره الزميل النائب أشرف بدر الدين أثار حفيظتي وغضبي لخطورة ما ذكره، وتجاهله كل المسئولين الموجودين بالجلسة عمدًا، وهروبًا من المسئولية، ومحاولةً للإفلات من العقاب المفترض.

 

ذكر النائب أن هناك مبلغ 1272 مليار جنيه لم يدرجوا في تقرير لجنة الخطة، ولا يعرف أحد أين ذهبت هذه الأموال ولا كيف صرفت ولمن؟... ولم يجبه أحد؟!!

 

ظننت في بادئ الأمر أنه يبالغ أو أنه قرأ المبلغ خطأً.. فراجعته بعد انتهائه من كلمته، فأكد صحة الأرقام التي ذكرها.

 

لما جاء دوري في الحديث، قررت ألا أتحدث فيما كنت أود الحديث فيه مما ذكرته في بداية المقال، وقررت أن أتأكد بنفسي من السيد المستشار رئيس الجهاز المستشار جودت الملط، فسألت: هل ما ذكره الزميل النائب من أرقام صحيحة؟ هل فعلاً الصناديق الخاصة بها مبلغ تريليون و272 مليار جنيه؟ فلم أسمع ردًّا من أحد!! قلت إن مسئولية المجلس خطيرة, مبلغ بهذا القدر "تريليون و272 مليارًا"، ليس بالمبلغ البسيط ليست ملاليم ولا فكة حتى لا يهتم بها أحد!! لماذا لم يُدرج هذا المبلغ في تقرير لجنة الخطة والموازنة.. ولصالح من؟

 

نحن نتحدث ليس عن مليار جنيه، بل نتحدث عن ألف مليار من الجنيهات ومعهم فكة تبلغ وحدها 272 مليارًا أخرى؟ نريد مسئولاً واحدًا يرد علينا.. رئيس لجنة الخطة يسمع ولا يبدي أي اهتمام، ويتشاغل بالحديث مع جاره والباقي "يبحلقون" فيَّ دون إجابة!! لماذا لا يجيب أحد؟
لماذا لا تجيب يا سيادة المستشار ونحن نحترمك؟ لماذا لا تجيبنا الحكومة؟ أكرر أين هذا المبلغ؟ وكيف صُرف؟ ولماذا لم تدرجه اللجنة في تقريرها وتجاهلته تمامًا؟ لماذا لا ترد يا سيادة رئيس المجلس؟ قال: يرد رئيس الجهاز! أما وزير المالية فقال: لن يرد عليك أحد.. تحدث براحتك!! فرددت عليه: بالطبع سبق أن سببت الدين.. وتتعالج على نفقة المواطنين... ولم يحاسبك أحد؟ فهل سيحاسبك أحد على ألف مليار جنيه ومعهم 272 مليارًا أخرى ضائعة ومختفية في الحساب الختامي؟

 

- إن المبلغ الضائع وقيمته 1272 مليار جنيه تجاهله تقرير لجنة الخطة والموازنة جريمة في حق الوطن والمواطنين، وتوضيحًا لما يمثله هذا المبلغ في الميزانية أقول إنه:

 

* يتعدى الناتج الإجمالي كاملاً للوطن.

 

* ويبلغ 14 مرةً ضعف العجز الموجود، والذي تعاني منه الموازنة.

 

* ويبلغ 5 مرات ضعف الإيرادات العامة للدولة (البترول- قناة السويس- الشركات والمصانع- الجمارك والضرائب).

 

* ويبلغ 4 مرات ضعف النفقات العامة للبلاد (الصحة- والتعليم- والمياه- والصرف- والرصف- والطرق و.....).

 

أجاب المستشار جودت الملط بأنه أدرج مخالفات الصناديق الخاصة في تقريره في البند رقم 35، وأنه ذكر أن ثمة مخالفات شابت أعمال الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص، بلغت جمله ما أمكن حصره 3955 مليون جنيه تمَّ تصويب ملاحظات بلغت 144 مليون جنيه، وجارٍ متابعة ملاحظات أخرى بنحو 3810 ملايين جنيه، ثم تم سحب كلمتي وأعطيت لنائب آخر لشكر الحكومة على إنجازاتها؟!!

 

جاءت هذه الجلسة في ذات اليوم الذي نشرت فيه الصحف خبر حبس نائب الحزب الوطني الملقب بنائب القمار سنتين؛ لأنه ضُبط متلبسًا بتهريب 550 هاتف محمول من الجمارك، ودفع غرامات تصل إلى 100 ألف جنيه تقريبًا؛ نتيجة رفض الوزير بطرس غالي التصالح معه!!

 

ويبدو أن هذا التواكب جاء ليبين أن الصغار يلعبون في خانة الآلاف (ثلاثة أصفار)، بينما الكبار الآن يلعبون في خانة التريليون (التريليون 12 صفر)، أي بالعامية "كل برغوث ودمه".

 

كنت أتصور أن أغلبية مجلس الشعب ستثور على ما وضحته المعارضة من جريمة ارتكبتها لجنة الخطة والموازنة ورئيسها في حق الشعب، من تجاهل لمبلغ بهذا الحجم وبهذه القيمة؛ انحيازًا لمصالح الشعب بدلاً من مصالح حزبية فاسدة.

 

وكنت أتوقع من رئيس المجلس الأستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور موقفًا آخر غير موقف الصمت الرهيب الذي لاذ به، مخالفًا دوره عن حماية مصالح الشعب ودوره كرئيسٍ للمجلس، من المفترض أنه يراقب أداء الحكومة.

 

أما الحكومة فأفصحت عن موقفها بما قاله وزير ماليتها: لن يرد عليك أحد!!

 

أخشى أن أتعرَّض إلى انفجار المرارة، بل إلى انفجارٍ في المخ إذا استمرت هذه الأوضاع دون تغيير!

 

أوجه تريليونًا و272 مليار دعوة للشعب المصري ليهب للدفاع عن أمواله ومصالحه.. أي 16 ألف دعوة لكل مواطن مصري داخل أو حتى خارج مصر.. إلى متى سنتركهم يسرقون وينهبون أموالنا.. وأخيرًا مليون سلام أو تريليون سلام لكل المصريين.

----------

* الأمين العام المساعد للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين