السيد الأستاذ أسامة سرايا..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

قرأتُ باهتمام مقال سيادتكم بجريدة (الأهرام) يوم الجمعة الموافق 2/4/2010م، بعنوان "ميزانية مصر ملاحظات وأرقام"، وقد ورد فيه قولكم: (أما عندما يتكلم الآخرون ويطرحون أفكارًا وأرقامًا بعيدًا عن الحقيقة أو الموضوعية حول أن هناك صناديق خاصةً بعيدةً عن الخزانة تصل قيمتها إلى أكثر من تريليون ونصف تريليون جنيه، في حين أن كلَّ الصناديق لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز مليار جنيه، وأغلبها أصبح يُصب في حساب الخزانة الموحد، وتتم مراقبته من الجهاز المركزي للمحاسبات، عندما يحدث ذلك تصبح قضية مفتعلة خاصة إذا عرفنا أن الناتج المحلي المصري كله تريليون و30 مليار جنيه، فكيف تصبح الصناديق الخاصة بهذا الرقم المفتعل؟ لقد حاول هذا الفريق الإثارة، ولكنها كانت محاولة عبثية للغاية تغطي على عمليات الإصلاح في الميزانية والاقتصاد بغبار لا مبرر له، ثم كانت الزوبعة الثانية وهي الأطرف والتي أثارها الجهاز المركزي للمحاسبات، وهي أن وزارة المالية قد أضافت 24.3 مليارًا في بند الإيرادات بالمخالفة لقانون التأمين الاجتماعي، وهو ما أثار حفيظة (المتحفظين دائمًا) من الأعضاء باعتباره خطأ جسيمًا...).

 

وحيث إنني صاحب الاستجواب الذي كشف عن وجود تريليون و272 مليار جنيه أرصدة في الصناديق الخاصة فيسعدني أن أضع بين أيديكم الحقائق الآتية، وحديث الأرقام شاهد والوثائق لا تكذب:

ورد في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن الحساب الختامي لموازنة الجهاز الإداري للدولة عن العام المالي 2008/2009م "والمبصوم" بخاتم "سرِّي جدًّا" صفحة رقم 197 ما نصه "وقد بلغت جملة أرصدة الحسابات الجارية الخاصة بجانب الخصوم بالميزانية العمومية لحسابات الخزانة العامة في 30/6/2009م نحو 1271777.2 مليون جنيه (تريليون و272 مليار جنيه) متضمنة نحو 334602.4 ملايين جنيه بحسابي الأموال المخصصة على ذمة عمليات وجهات دائنة خاصة"، كما ورد أيضًا ما يدل على أن وجود هذه الأموال خارج الموازنة هو مخالفة لقانون الموازنة العامة للدولة "كما أنه من المبادئ الأساسية في إعداد وتنفيذ الموازنة مبدأ شمول وعمومية الموازنة بمعنى أن تشتمل الموازنة وحسابها الختامي على كافة الموارد أيًّا كان مصدرها، وكافة أوجه الاستخدامات أيًّا كان الغرض منها بهدف إظهار كافة المعلومات لصانعي القرار وواضعي السياسات المالية لإحكام توزيع الموارد المالية على أوجه الإنفاق المطلوبة".

 

وفي إشارة إلى ما شاب أعمال هذه الصناديق من مخالفات ذكر التقرير "وقد أسفر فحص الجهاز المركزي للمحاسبات عن خروج بعض الصناديق والحسابات الخاصة عن تلك الضوابط التي تحكم إنشاءها، وعدم تحقيق الكثير منها للأهداف المنشأة من أجلها، وعدم إحكام الرقابة على مصروفات العديد منها والصرف من أموالها في غير أغراضها"، وقد بلغ ما أمكن حصره من مخالفات بهذه الصناديق عن نفس العام 3955 مليون جنيه، هذا بخلاف ما يُصرف لأعضاء مجالس إدارات هذه الصناديق بموجب قرارات إنشائها ولوائحها من مكافآت تصل إلى عشرات المليارات.

 

سيدي لقد أصابتني الدهشة من هول الأرقام كما أصابتك، خصوصًا عندما تتم المقارنة بين أرصدة الصناديق الخاصة وبنود الموازنة العامة للدولة في العام المالي ذاته؛ حيث إن إجمالي الإنفاق في ذلك العام كان في حدود 375 مليار جنيه وهو مبلغ يشمل: الأجور، وشراء السلع، والخدمات، وفوائد وأقساط الدين العام، والدعم، والاستثمارات، والمصروفات الأخرى، بينما بلغت الإيرادات 285 مليار جنيه تشمل: الضرائب، والجمارك، وعوائد الهيئات الاقتصادية، والإيرادات الأخرى، كما بلغت قيمة العجز 89.9 مليار جنيه.

 

بمقارنة أرصدة الصناديق الخاصة بأرقام الموازنة العامة للدولة نجد أن أرصدة الصناديق تعادل 446% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة، كما تساوي 14 ضعف عجز الموازنة، كما تزيد على الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 250 مليار جنيه.

 

لقد ذكرتم أن كل الصناديق الخاصة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز مليار جنيه، وأقول لكم: إنه قد ورد في صفحة رقم 23 من التقرير العام للجنة الخطة والموازنة عن حساب ختامي الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2008/2009م، جدول رقم (19) أن ما أضيف إلى إيرادات الموازنة كحصيلة موارد جارية من الصناديق والحسابات الخاصة 11467.9 مليون جنيه (12 مليار جنيه تقريبًا)، وهي تُمثل نسبة قد لا تزيد عن 1% من أرصدة الصناديق حسبما تقضي به لائحة كل صندوق.

 

إذا كانت هذه أرقام تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، وتقرير لجنة الخطة والموازنة فهل هي بعيدة عن الحقيقة والموضوعية كما ذكرتم؟

 

وإذا كنتم تعتبرون قيام نواب الشعب من المعارضة وخصوصًا نواب الإخوان المسلمين بواجبهم الدستوري والقانوني واحترامهم للقسم الذي أقسموه برعاية مصالح الشعب واحترام الدستور والقانون قضية مفتعلة ونوعًا من الإثارة فكيف تكون الموضوعية في رأيكم؟

 

وإذا كان قيام نائب الشعب بأداء دوره الرقابي المستند إلى الأدلة والوثائق- الصادرة من جهات رسمية- من وجهة نظركم محاولة عبثية تغطي على عمليات الإصلاح في الميزانية والاقتصاد بغبار لا مبرر له، فهذا شأن الحزب الوطني وحكوماته والمدافعين عن سياساته الفاشلة، وبيننا وبينكم الوثائق والحقائق وحكم الشعب في النهاية.

 

لقد دلَّل تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات على المخالفات بأكثر من ثلاثين مثالاً منها: أن صندوق تحسين الخدمة بديوان عام وزارة الصحة قد تم صرف 99.9% من مصروفاته كحوافز ومكافآت بمبلغ 23.5 مليون جنيه في مخالفة صريحة للغرض من إنشائه، كما أن صندوق منح تراخيص الحديد والإسمنت قد تم صرف 1% من إيراداته كمكافآت للعاملين بهيئة التنمية الصناعية بلغت 10.5 ملايين جنيه فيما يعني أن رصيد هذا الصندوق وحده يزيد على المليار جنيه، فكيف تستغربون وجود أرصدة تزيد عن تريليون و272 مليار جنيه، إذا كان عدد الصناديق يزيد على عشرة آلاف صندوق، وإذا كان الجهاز المركزي للمحاسبات لا يعرف عددها على وجه التحديد؟.

 

أما فيما يتعلق بما وصفتموه في مقالكم (بالزوبعة الأطرف والتي أثارها الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن إضافة وزارة المالية مبلغ 24.3 مليار جنيه في بند الإيرادات)
فإن تفسير وزارة المالية وتفسير رئيس لجنة الخطة والموازنة وما أكدتموه في مقالكم بأن هذا فائض اكتواري حسابي غير حقيقي، وهو عبارة عن الفرق بين الاشتراكات والمصروفات المتوقعة خلال فترة طويلة تصل إلى 30 عامًا، هذا التفسير هو عين المخالفة للمادة 28 من قانون الموازنة العامة للدولة والتي تنص على: "يُعد الحساب الختامي للدولة عن السنة المالية المنتهية ويشتمل الحساب الختامي للدولة على الاستخدامات، والموارد الفعلية موزعة على الأبواب المختلفة تنفيذًا للموازنة العامة للدولة، كما يشتمل على المراكز المالية لحسابات الدولة في نهاية السنة المالية)

 

وهو الخطأ الجسيم دستوريًّا وقانونيًّا الذي أثار حفيظتنا؛ حيث إن اعتماد مجلس الشعب لقانون ربط الحساب الختامي قد شابه عدم الدستورية والمخالفة القانونية؛ لأنه حساب وهمي غير فعلي، كما يشترط قانون الموازنة.

 

هذه هي حقائق الدستور والقانون وتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، فإذا كانت لا ترضيكم حتى تعتبرونها إثارةً وعبثيةً وزوبعةً فليس هذا بجديد على حزب وحكومة لا تحترم الدستور والقانون، ويصر أغلبية نوابه في مجلس الشعب على ضرب الحائط بأحكام الدستور والقانون، وتمرير اعتماد الحساب الختامي رغم توضيح الحقائق عبر نواب المعارضة لكل هذه الحقائق.

 

وفيما يتعلق بما ورد في مقالكم بشأن الموازنة الجديدة التي سيبدأ مجلس الشعب في مناقشتها قريبًا، فقد بادرنا نحن نواب الإخوان المسلمين بتقديم مذكرة لرئيس المجلس أحالها إلى لجنة الخطة والموازنة، تتضمن 18 اقتراحًا لزيادة موارد الدولة بما يؤدي إلى علاج عجز الموازنة، وسداد نسبة كبيرة من الدين العام، وتوفير الاعتمادات الكافية للقطاعات الحيوية مثل: التعليم، والبحث العلمي، والصحة، والإسكان، والنقل، كما اقترحنا فيها إصلاح هيكل الأجور، وزيادة المعاشات، وزيادة مخصصات الإنفاق على الصيانة، وترشيد دعم المنتجات البترولية، وزيادة دعم المزارعين، ودعم معاش الضمان الاجتماعي، وغيرها من الاقتراحات التي نتمنى أن تكون موضع اعتبار وحوار جاد من أجل إصلاح الميزانية والاقتصاد إيمانًا منًَّا بأن مصلحة الوطن هي الهدف الذي يجب أن نسعى إليه جميعًا (مرفق نص المذكرة).

 

وفي الختام آمل أن يجد هذا الرد سبيلاً إلى النشر، لكم كل التحية والتقدير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

----------------

* عضو مجلس الشعب وعضو لجنة الخطة والموازنة