د. عبد الرحيم علي.. عضو القيادة العليا للمؤتمر الوطني:

- المعارضة تكوين هلامي لمجموعة من الأحزاب المتناقضة

- تصريحات بعض قادة الجنوب عن الانفصال للابتزاز السياسي

- بعض المستفيدين يريدون جنوبًا منفصلاً وإقامةً في الخرطوم

- مسلمو الجنوب الأكثر عددًا الآن والانتخابات حسَّنت وضعهم

- المواطن الجنوبي سوف يخسر أمنه واستقراره مع الانفصال

- قبائل عديدة مؤثرة في الجنوب ترفض سيطرة الحركة الشعبية

- الاتحاد الأوروبي انسحب من دارفور حتى لا يكون شاهدًا على الاستقرار

- أشعر بالقلق من أن تزعج تجربتنا الديمقراطية بعض دول الجوار

- العالم بدأ يتفاعل مع تطبيقنا للشريعة لأنه اكتشف أنها ليست "بعبع"

 

حاوره في الخرطوم- أحمد سبيع:

ما زالت تجربة الانتخابات السودانية تفرض نفسها على الساحة السياسية والإعلامية؛ ليس في السودان وحدها، وإنما في الوطن العربي ككل، وتقييم التجربة السودانية يحتاج إلى نظرة هادئة لمحاولة الإجابة عن العديد من الأسئلة؛ أبرزها مكاسب المؤتمر الوطني وخسائره، وبالطبع الحركة الإسلامية، والرقابة الدولية وما أثارته تصريحات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عن نزاهة وتأييد الانتخابات من علامات استفهام، وهل تحمل هذه الانتخابات رسالةً ما للاستفتاء القادم في الجنوب في يناير 2010م، سواء بالانفصال أو الوحدة؟! وهل يستطيع المؤتمر الوطني إصلاح ما أفسده الغرب في الجنوب طوال عشرات السنوات؟ وهل استعد المؤتمر الوطني للتعامل مع الغضب المتوقع للأنظمة العربية الحاكمة المحيطة بالسودان من تجربة الانتخابات..

 

وقضايا أخرى طرحناها على الدكتور عبد الرحيم علي، عضو القيادة العليا للمؤتمر الوطني ورئيس مجلس شورى الحركة الإسلامية السابق، وأحد أبرز مؤسسي وقادة حركة الإنقاذ الإسلامية، وهو من مواليد 1945م، حصل على بكالوريوس الآداب مرتبة الشرف الأولى من جامعة الخرطوم عام 1972م، وحصل على الدكتوراه من جامعة "أدنبرة" عام 1977م قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية بعنوان "التركيب الأدبي للآية القرآنية".

 

وقد عمل محاضرًا في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية جامعة أدنبرة من (1977- 1981م)، ونائبًا لمدير المركز الإسلامي الإفريقي بالخرطوم من (81- 1989م)، ثم ترأس قسم الدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا من (89- 1990م)، فمديرًا لجامعة إفريقيا العالمية (91- 2000م)، وفي عام 2000م تولى إدارة معهد اللغة العربية الدولي بالخرطوم.

 

وله العديد من المطبوعات مثل القرآن والحضارة (بالإنجليزية)، ومناهج النبوة في الإصلاح الاجتماعي، وحدة المسلمين في مواجهة المادية المعاصرة، والدراسات القرآنية في أسكتلندا، كما أشرف على 25 رسالة دكتوراه.. وإلى المقابلة:

 

 الصورة غير متاحة

 إشادة دولية بالانتخابات السودانية

   * رواج شديد حققته تجربة الانتخابات السودانية بين إشادة وانتقاد.. فكيف تُقيِّمون هذه التجربة من حيث المكاسب والخسائر للمؤتمر الوطني؟!

** بدايةً أشكر لـ(إخوان أون لاين) هذه التغطية المتميزة وحرصه على الحضور لنقل ما يحدث على الأرض لملايين القُرَّاء في شتى بقاع المعمورة، وفيما يتعلق بتجربتنا فإنه بالمقارنة بحال الإصلاح السياسي في السودان منذ أواخر الخمسينيات وأوائل السيتنيات, فهي تجربةٌ فريدةٌ من نوعها، وتعدُّ بدايةً لنضجٍ سياسي للشعب السوداني؛ حيث أتيحت الفرصة له بأن يُعبِّر عن نفسه.

 

ولو تحدثنا على معالم هذه التجربه نجد أن كل الأحزاب التي شاءت تسجيل أسمائها لخوض الانتخابات- بغضِّ النظر عن طبيعتها- سُمح لها بخوض الانتخابات دون أي قيود عليها، بما في ذلك الحزب الشيوعي الذي كان ممنوعًا في الماضي، رغم أنه يقف على النقيض من الفكرة الإسلامية، وبالرغم من كلِّ التحفظات الشعبية عليه فإنه سُمح له بترشيح أعضائه ومخاطبة الجمهور حتى من خلال التليفزيون، وكذلك بعض الأحزاب التي تقوم على تكوين شبه عرقي، وهو تمثل في الأساس أضرَّ بالقومية العامة وقضيه البلد، ومع ذلك حرصًا على ألا يكون هناك أي قيودٍ على تكوين الأحزاب، فقد سمح لهذه الأحزاب الإقليمية غير القومية بخوض الانتخابات، كما أنه لم يمنع أي شخص بسسب تاريخه السياسي أو آرائه الفكرية أو دينه أو لأي سبب آخر من خوض الانتخابات بما في ذلك الحركات المسلحة التي أعلنت رغبتها في ترك السلاح وخوض الانتخابات فقد سمح لها أيضًا، وبالفعل أقيمت هذه الانتخابات في وقت لم يكن هناك أي خصم سياسي في السجون أو المعتقلات؛ حيث أفرجنا على بعض المحكوم عليهم بالإعدام لأسباب سياسية وصدر العفو عنهم، وبالتالي لم يعد في السجون أي معتقلين سواء كانوا مسلمين أو مسحيين لأسباب سياسية، وليس في السجون الآن إلا من يقضون عقوبات جنائية فقط، واعتقد أن كاميرات الإعلام قبل أي محلل سياسي رأت تاريخنا المعاصر الهادئ والراسخ والواضح جدًّا.

 

وهناك شيء آخر أريد توضحيه، فخلال الـ25 عامًا الأخيرة فإن الأحزاب التي كنت تعتبر نفسها كبيرةً وجدت حجمها في تقلص لم يكن متصورًا, وكان عليها أن تقرأ الواقع الجديد للحياة السياسية في السودان، ولا تعتمد على تاريخها الذي كان في ثمانينيات القرن الماضي، ولو هي فكَّرت بهذا الشكل لتغيَّر الوضع كثيرًا بالنسبة لها؛ ولذلك كان لا بد من وجود انتخابات نزيهة وحقيقية تكشف واقع هذه الأحزاب للناس حتى يتعاملوا معها على هذا الأساس، خاصةً أنه- للأسف- ما زالت لدى هذه الأحزاب أوهام كثيرة قائمة على الارتباط بالماضي، وتمجيد الرموز القديمة، هذا بالإضافةِ إلى أن الإعلام الخارجي يصور بعض الشخصيات بوزن أكثر من حقيقتها، ولكن على الناظر أن يُقيِّم الوضع الحالي.

 

خطوة محسوبة

 الصورة غير متاحة

 د. عبد الرحيم علي

* ولكن هناك آراء أخرى تؤكد أن المؤتمر الوطني لم يُقدم على خطوة الانتخابات إلا بعد أن شكَّل المناخ الانتخابي، ورسم شكل هذه الانتخابات وحدد مسارها، وهو ما يشوه التجربة ويصفها بعدم النزاهة في تركيبتها الأساسية وليس في مراحل التنفيذ.

** دعنا نقول إن المواطن السوداني أتيحت له الفرصة بأن يقول رأيه والمعارضة تمارس حقَّها بشكلٍ صريحٍ ومباشرٍ في انتخابات نزيهة يراقبها أكثر من 3000 مراقب دولي ومحلي، وهذه الانتخابات إحدى مقررات اتفاقية السلام في 2005م، وبناءً عليها أعلن الرئيس البشير أن الحكومة سيحدث فيها تحول ديمقراطي، وستجري انتخابات حرة تحت رقابة دولية وداخلية، وحدد لها عام 2008م، ثم طلبت المعارضة التأجيل فتم لها ذلك، وأجريت الانتخابات منذ أيام، وأؤكد لك أنه منذ توقيع الاتفاقية والمؤتمر الوطني يأخذها بمحمل الجد عكس باقي الأحزاب التي استخدمت الأبواق الإعلامية بعيدًا عن المواطن صاحب الحق الأصيل، وللأسف فإن أحزاب المعارضة لم تكن تتخيل أن الحكومة ستجري انتخابات بشكل جاد، وهذا شأنهم؛ لأننا أكدنا أن الانتخابات قادمة لا محالة، وعلى الجميع أن يستعد لها، بل إن الرئيس نفسه أكد في العديد من المناسبات أن الحكومة ستنفذ الاتفاقية وتجري الانتخابات، وأن الحكومة سوف تلتزم بنزاهة وحيادية الانتخابات، وأنها ستنفذ ما وعدت به وستلتزم به أيضًا، وعندما جاءت لحظه المحك لتنفيذ الانتخابات كانت هناك معوقات حقيقية متعلقة بقوانين الانتخابات، فتم تأجيل الانتخابات لأجل محدد، وكان هذا في شهر نوفمبر 2009م، وقررنا أن يكون الأجل لأمد محدد، وهو  شهر أبريل 2010م، وعندما دخلنا في مرحلة الجد احتجَّت الأحزاب وقالت إن الحكومة غير جادة، وأن الحكومةَ سوف تستغل ذلك في أن تجعل الانتخابات غير شرعية, وما بين شهر 11 و4 اتخذت الأحزاب المعارضة كل القرارات التي يمكن أن تتوقعها فاتخذت قرار المقاطعه ثم قرار المشاركه ثم قرار بالتجميد ثم طالبت بالتأجيل ثم قررت الانسحاب، وهذا يدل على أنها لم تأخذ موقفًا يسمح لها باتخاذ قرارات مصيرية.

 

في المقابل فإن المؤتمر الوطني كان يعلم بأن الانتخابات ستقوم دون شك، فأعدَّ لها ولكنه أيضًا لا يملك أن يحول قلوب الناس، ولكنه يملك أن يعد ويرتب بنظام ويدعو بإلحاحٍ الأحزاب في أن تشارك معه في التحول الديمقراطي الذي نعيشه، ورغم علم الأحزاب بوجود الانتخابات إلا أنها ترددت في خوضها؛ لأنها عندما لمست الشارع السوداني، واختبرت قوتها وعرفت حقيقية فرصتها، وما يمكن أن تحققه من مكاسب هزيلة وفشل نظريتها في أن الحكومة لا تلقي الدعم الشعبي.

 

أما الحقيقة الأخرى فإن الحكومة لا تستطيع أن ترصد الواقع السوداني من خلال تزوير إرادته؛ ولذلك فإن فرصة أو حتى فكرة التزوير كانت منعدمة، بالإضافةِ إلى وجود الرقابة الخارجية رغم كل ما قيل في البداية عن نيتنا في عدم قبول الرقابة الخارجية، ولكننا سمحنا بالرقابة الخارجية لكي نثبت للجميع أن هناك حريةً كاملةً ونزاهةً ورغبةً في إقامة الانتخابات، وأن الفرصة كانت متاحةً للجميع، وأنا شخصيًّا شاركتُ في انتخابات عديدة منذ عام 1965م، وكل الانتخابات التي جاءت بعد النميري, وأنا متأكد أنه لو أتيحت نصف الفرصة للمواطنين للإدلاء برأيهم في الرئيس النميري كانت النتيجة ستكون واحدةً لكن الفرصة لم تتاح، وعندما أتيحت عبَّر الناس عن حبهم للحكومة، وخرجوا إلى الشارع، بالرغم من أن الجيش والشرطة يملئون الشوارع، فكيف إذا وضع صندوق والتصويت فيه سري، وطلبنا من الناس أن يقولوا رأيهم في الحكومة، وبالتأكيد فإن الحكومة التي ستتخذ هذه الخطوة هي حكومة مرغوبة، ولا تسطيع أن تسيطر على قلوب الناس، ولا أقلامهم ولا على صناديق الانتخابات.

 

المعارضة والخارج

* أشرت إلى أن المعارضة ليس لها قرار، وأن تخبطها يرجع لتدخلات خارجية، وأن هناك أيادي خفية تحركها، وأنه ليس لها وجهة نظر واضحة، ولا تمتلك إسترتيجية مقنعة، وعقل يفكر وغير ذلك من الاتهامات.. فأي معارضة تقصد؟

** في الحقيقة المعارضة ليست حزبًا بعينه، ولكنها تكوين هلامي لمجموعة كبيرة من الأحزاب بينها تناقضات تاريخية وسياسية معظمها حاليًّا وليس قديمًا، فعلى سبيل المثال الحزب الشيوعي لا يجمعه بحزب الأمة أو الحزب الاتحادي أي فكر أيديولوجي موحد، وإنما يجمعهم الحرب على المؤتمر الوطني.

 

* ولكن حزب الأمة وكذلك الحزب الاتحادي وغيرهما، كان لهم وجود مؤثر قبل المصالحة مع النظام الحاكم، وكانوا صوتًا معارضًا قويًّا من خارج السودان، فهل تحركهم مثلاً أيادٍ خارجية تعبث بفكرهم وآرائهم أم أنهم من الأساس لم يكن لهم شرعية؟

** أنا أعتقد أن المعارضة تأثَّرت بالضغوط الخارجية، وهي على صلةٍ بالخارج باستمرار، ولكنها في هذه الانتخابات كان العامل الأساسي في فشلها وانسحابها هو لمسها حال الشارع السوداني وعدم ثقتها في نفسها؛ حيث أتيحت لهذه الأحزاب فرصة بأن تلجأ إلى قواعدها وتثبت أن لها وجود كمعارضة قومية أو حكومية وأنا واثق جدًّا بأن الرئيس البشير كان يعني ما يقول عندما قال إنه إذا اختار الحزب السوداني رئيسًا آخر فسوف أسلمه السلطة، وأعود إلى المعارضة، وهو فعلاً كان صادقًا, فإذا كانت الفرصة متاحة، وكان هناك شخص تجمع عليه الأحزاب المعارضة، وجميع الأحزاب الأخرى من المعارضة، فهذا بالفعل كان واردًا في آخر شهرين قبل أن تبدء حملة المؤتمر الوطني الشعبية، والتي أظهرت شعبيةً كبيرةً للرئيس البشير.

 

* هل معنى ذلك أن المؤتمر الوطني كانت متخوفًا من تكتل المعارضة؟

** بالفعل كان هناك تخوف من جانب المؤتمر الوطنى بأن يحدث هذا من خلال اجتماع الأحزاب المعارضة حول بديل للبشير، وكانت خطتهم بأن ينزل عددٌ من المرشحين ليشتتوا أصوات المرحلة الأولى حتى لا يأخد الرئيس البشير 50%، وعنذئدٍ يحتم الدستور إعادة الانتخابات، وكان الرأي عند المعارضة أن يتم الاتفاق على شخصٍ واحد، وهو الأكثر أصواتًا لمنافسة البشير في الإعادة، وبالرغم من هذا الدهاء السياسي إلا أنهم فشلوا في الاتفاق على شخصٍ واحد، فحزب الأمة كان يريد دعم مرشحه فقط، وكذلك الاتحادي الديمقراطي، وأصبح لكل حزبٍ رأي مختلف ولم تعد هناك جبهة واحدة للمعارضة، وكان المؤتمر الوطني بكل صراحةٍ في خشيةٍ من تجمع الأحزاب لتشتيت الأصوات وعدم حصول البشير على الأصوات المطلوبة في المرحلة الأولى، ولو حدث ذلك لكانت المنافسة ستصبح على أشدها في المرحلة الثانية، ولكن شاء الله ألا تتفق المعارضة.

 

شعبية البشير

 الصورة غير متاحة

دعاية لمرشح حزب الحكومة والفائز بالانتخابات السودانية عمر البشير

   * البعض يرى أن الشعبية التي حصل عليها الرئيس البشير الفضل فيها ليس ضعف المعارضة أو لقوة المؤتمر الوطني وإنما لقرار المحكمة الجنائية الدولية التي استثمرها جيدًا.

** بالطبع ما فعلته المحكمة الجنائية كان له أثر كبير في شعبية الرئيس البشير، ولكن ليست المحكمة فقط هي السبب؛ فموقفه الثابت من المحكمة وتحديه لقرارها وثقته في المواطن السوداني وصلابته في الرد على هذه المحكمة وشجاعته في رفضه للحصار المفروض عليه وعلى الشعب السوداني هي الأخرى أسباب يجب وضعها في الاعتبار، وبلا شك فإن ما فعلته المحكمة الجنائية أعطته فرصة فريدة بأن يثبت للجميع بأنه الرئيس المناسب لهذه المرحلة، ودون شك فقد كان هناك شعور شعبي واسع بأن المحكمة الجنائية تستهدف الوطن وليس البشير فحسب؛ ولذلك كل مَن قال إنه يؤيد المحكمة اعتبره الشعب متهاونًا وغير معني بكرامة السودان.

 

جنوب السودان

* إذا انتقلنا لملف جنوب السودان، فقد شهدت الأيام الماضية تصريحات لسلفا كير رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان تارةً يدعم فيها الوحدة وأخرى يُبشِّر فيها بالانفصال.. كيف تقيمون هذا التذبذب؟

** الحركة الشعبية فيها تناقضات داخلية كبيرة، وعليها ضغوط خارجية كثيرة؛ ولذلك فإن التصريحات المتناقضة غير مستبعدة، وهي تناقضات ترجع في الأساس إلى تناقضات الأفراد أنفسهم أو لأنها في كل مرة تخاطب جمهور مختلف، وللأسف هذا يحدث كثيرًا، فأحيانًا أحدهم يُصرِّح داخل إحدى الكنائس ظنًّا منه أنها تصريحات محدودة، ولكنها تذاع وتنشر وتأخذ طابعًا إعلاميًّا عالميًّا، وهذا حدث أكثر من مرة، أما التفسير الآخر فهو اعتقاد القيادات السياسية الجنوبية أن الشمال لا بد أن يعطي أكثر للتصويت، بمعنى أن هذه التصريحات جزءٌ كبيرٌ منها ابتزاز للحصول على مزيدٍ من المكاسب للبعض.

 

* هذه الانتخابات هي في الأساس إحدى مقررات اتفاقية السلام مع الجنوب، والتي سيبني عليها استفتاء يناير 2011م الخاص بالجنوب، فهل قطعت هذه الانتخابات شوطًا في طريق الوحدة أم الانفصال؟

** دون شك إنه عندما وقَّعنا اتفاقية السلام، ووافقت عليها الحكومة كان الهدف هو الخيار الأول الذي ذكرته، وهو أن يقطع الاستفاء كل الكلام عن الانفصال؛ وذلك بأن يرجع أبناء الجنوب إلى أبناء الشمال للتصويت.

 

والذي نسعى إلى تحقيقه هو الوحدة الوطنية والوصول للهدف المراد بأن يصبح الجنوب مالك وصاحب قراره، وهذا في حد ذاته يعني الكثير، خاصةً أن هناك فترة انتقالية لا تتجاوز 8 أشهر لمخاطبة الشمال للجنوب، ونحن نعرف أن هناك مَن يدفعهم نحو الانفصال، وهذا معروف، وحدث طوال  الـ50 سنة الماضية، ولكن عليهم أن يعلموا أن المؤتمر الوطني يدفعهم للوحدة، ويعمل من أجل ذلك، بل إننا لسنا يائسين في كسب المعركة، وهناك إشارات إلى أنها ممكنة، وبعون الله سبحانه وتعالى ثم بدعم الدول العربية والإسلامية، وربما من بعض الدول الأخرى إذا وعت حقيقة ما يتعرَّض له أهل الجنوب في السودان إذا انفصل، فإنه بهذا التعاون يمكن جدًّا كسب المعركة.

 

صراعات القبائل الجنوبية

* ولكن هناك في الشمال مَن ينظر إلى الجنوب على أنه عبء يجب التخلص منه لاستكمال مسيرة التنمية في الشمال.. فهل الانفصال سيحقق مكاسب للشمال؟ وما هذه المكاسب إن وجدت؟ وما الخسائر أيضًا؟

** لا أستطيع أن أنكر وجود مثل هذا الرأي بين أبناء الشمال سواء المثقفين أو حتى رجل الشارع، وهو يرجع في الأساس لرفضهم الحرب، وسعيهم نحو التنمية، كما أن هناك شعورًا عامًّا بأنه انتهى وقت الابتزاز والاستفزاز والإرهاب الجنوبي للشمال، ولكن هذا ليس معناه أن هناك نيةً أو رغبةً للانفصال، بل العكس يوجد وعي لا يُستهان به بأن الانفصال لا يعني نهاية هذه المشكلة، وأن الانفصال يعني وجود مشاكل جديدة بديلة عن المشكلات القديمة، وهي أن حدود الشمال الجنوبية ستصبح غير آمنة، وستكون هناك حرب بين القبائل الجنوبية على حدود الشمال الجنوبية, وهذه الحرب ستدفع بملايين اللاجئين إلى شمال السودان، وليس لهم أي حل، كما أن المال لن يستطيع أن يوقف هذه الحرب، إضافةً إلى التدخلات الخارجية من الدول الكبرى لحدودنا في ظل وجود هذه الحرب القبائلية، وكذلك المشكلات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية غير المحدودة، والتي ستؤثر على قضايا مثل مياه النيل والعديد من المشكلات الأخرى، وكذلك المشكلات المتعلقة بالجنسية، فماذا يفعل الشمالي بالجنوبي الذي استقرَّ في الشمال، هل سيدفع به إلى الجنوب، أم يتحمله رغم أنه فقد حقه في الحياة في الشمال؟!!

 

والمعروف الآن أن الكثير جدًّا من الجنوبيين يؤيدون الانفصال، ولكنهم يقولون بملء فيهم أنهم لن يرحلوا من الشمال إلي الجنوب، فهم يريدون جنوبا منفصلا وإقامة في الخرطوم، وهذا وضع غير مناسب وغير مريح ، لأنه يعني أن يبقي السودان الشمالي يتحمل مئات الآلاف من الجنوبيين ومع ذلك ينفصل جنوب السودان ولا يتحمل مشكلة أبناءه، ومثل هذا الوضع إذا حدث، فسيؤدي إلي توترات جديدة، وربما يكون السودان الشمالي مجبرا علي دفع فاتورة حرب في جنوبه هو ليس طرفا فيها، لأن الحرب ستكون بين القبائل الجنوبية التي ستتقاتل وتتناحر بين بعضها البعض، فالحركة الشعبية تقريبا  أصبحت ملك قبيلة الدينكة وهي القبيلة الأكبر، ولكن هناك قبائل غير راضية بهذا، مثل قبيلة النوير وهي قبيلة كبيرة، وكذلك قبائل الاستوائيين في الجنوب، واحتمال قيام حرب قبيلة ممتدة إلي الشمال احتمال موجود، ولذلك فإنه لكل هذه الاعتبارات، فإن كثيرًا من السياسيين يرون أن نحتوي جنوبا له حكم ذاتي واسع جدا ولكنه مرتبط بالشمال، أفضل وأهون علينا سياسيا من جنوب فيه حرب.

 

ثم إن هناك اعتبارات تهمنا نحن كمسلمين لأننا نري أن الاستقرار في الجنوب لمصلحة انتشار الإسلام ليس في الجنوب فقط، وإنما في إفريقيا كلها لأن الجنوب يعد بوابة الإسلام لكل إفريقيا، ونخشي من الانفصال أن يؤدي إلي وجود أقلية مسلمة مضطهدة ليس لها من يحميها، وعندئد سيكون المسلمين ضحية لعدوات أنشأتها الكنسية ضد كل ما هو مسلم، واعتبار أن المسلم الجنوبي ما هو إلا عربي أو شمالي في ثوب جنوبي.

 

المسلمون في الجنوب

 الصورة غير متاحة

 د. عبد الرحيم علي

* هذا يدفعنا إلى السؤال عن عدد المسلمين، وهل هم أقلية ضعيفة أم أنهم يمثلون رقمًا مهمًا في الجنوب يمكن الاعتماد عليه، وما هي الخريطة السكانية التي تعتمدون عليها هناك لدعم مشروع الوحدة؟!

** أولاً الإحصاءات السكانية القديمة لا يوثق فيها، كما أنه ليس هناك إحصاءٌ حديث، والإحصاءات القديمة لا يوجد بها إحصاء ديني يمكن الوثوق بها أيضًا، ولكن تقديراتنا ومعنا العديد من المنظمات الدولية تشير إلى أن نسبة المسلمين والمسيحيين من ناحية العدد أقرب لبعضها البعض, وربما يكون المسلمون أكثر، وإن كانت قيادة الجنوب عند المسيحيين فإن المسلمين يأتون في المرتبة الثانية، ولكن على مستوى الانتشار الشعبي وعلى مستوى المواطن العادي هم أكبر بكثير.

 

والإجابة على سؤالك عن التوزيع الديني بالنسبة لعدد السكان فإنه شيء صعب جدًّا التكهن بنتائجه، ولكن حصلت تطورات في السنة الأخيرة بعد أن تأكد الجميع أن هناك انتخابات ستتم تحت إشراف دولي؛ حيث بدأ الساسة في الجنوب وعلى رأسهم سلفا كير ونائبه في التماس رضا المسلمين الجنوبيين بإعطائهم مساحة سياسية واجتماعية، وسمحوا لهم بتكوين مجالسهم وبناء مساجدهم والعناية بشئونهم على كلِّ حال كجالية، وهذا في تقديرنا تقدم لا بأس به، والسبب في ذلك أن المواطن المسلم لم يعد محكومًا بالرصاص والقهر وإنما سيكون عنده صوت في الانتخابات القادمة، وإذا استمر هذا الوضع حتى في جنوب منفصل فلا بأس، ولكن نخشى أنه إذا انفردت الحركة الشعبية بالحكم ولم يعد عليها رقيب أن تكون مسألة العودة للانتخابات غير واردة، ويصبح الحكم في الجنوب ملكية ويئول الوضع إلى ما آلت إليه كثير من الدول الإفريقية من فوضى وتناحر.

 

* وما السبب في ذلك من وجهة نظرك؟

** في الجنوب لا توجد تجربة سياسية تسمح لهم ببناء دولة، وهذا ما أكده عدد من المراقبين الدوليين؛ فالمواطن الجنوبي منذ الاستقلال عاش معتمدًا على الإدارة الشمالية, والقيادات الجنوبية طوال عقود من الزمن تدرَّبت على العمل العسكري وحرب العصابات، وعندما وقعت الاتفاقية أصبحت قيادة الجنوب في يد قيادات العصابات، وهذه تدرَّبت بحكم الضرورة على القتال، طبقًا لأخلاقيات العمل بفكرة "البورلة" وهذه الفكرة قائمة على أن تكسب التأييد والمال والسلاح، فهذه هي خلاصة الحكم عند الجنوب، ولكن بعد الاتفاقية اكتشفوا أن بناء الدولة شيء مختلف جدًّا؛ لأن الدولة تعني وجود محاسبين ومراقبين وبناء مستشفيات ومدارس ينفق عليها، وتقديم خدمات للعناية بالمواطن، والدولة معناها وجود مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات خدمة مدنية، ووزارات ذات صلاحيات وتخصصات وميزانيات يجب أن تكون مراقبة وهذه أمور غير موجودة.

 

* هذا هو شكل الدولة غير الموجودة وهو ما يطمئن الشمال، ولكني أسال عن خسائر الجنوب ذاته.. خسائر المواطن إذا حدث الانفصال؛ لأنه قد يكون راضيًا عن هذا الشكل الذي أشرت إليه؟

** إذا تمَّ الانفصال فسيخسر الشعب الجنوبي أمنه، وأنا أخشى أنه إذا حصل انفصال والقبائل غير راضية عن حكم الحركة الشعبية فإن الذي سيحدث أنه في خلال أشهر قليلة ستحمل هذه القبائل السلاح وتقوم حرب أهلية، ووقتها ستكون الخسائر واضحة، ومنها انتقال الأمهات مع أطفالهنَّ غالبًا إلى الشمال، كما سيخلو الجنوب من كلِّ أشكال التنمية، فلا تستطيع شركة أن تستثمر ولا يستطيع تاجر أن يبيع أو يشتري، ولا تستطيع السيارات أو القطارات أن تتحرك.. ستحدث مجاعة؛ لأن الجنوب أحراش، ونقل الطعام نفسه إلى الجنوب كان مشكلة في أيام الحرب؛ حيث كان ينقل بالطائرات، فالبيضة مثلاً كانت تُباع في جنوب السودان وعليها سعر ترحيلة، ولذلك الذي سيخسره المواطن في الانفصال باختصار هو حياته؛ لأنه سيخسر الأمن والتنمية والمستقبل.

 

* هل بنى الشمال موقفه في موضوع الانفصال على هذه القراءة لحال الجنوب، وبالتالي لم تبذلوا المجهود اللازم في توعية المواطن الجنوبي بأهمية الوحدة، وهو ما يدفعنا إلى السؤال: هل الـ8 أشهر التالية للانتخابات وقبل الاستفتاء كفيلةٌ بإصلاح ما أفسده الغرب طول عشرات السنوات؟

** لا شكَّ أننا بذلنا مجهودًا وله ثمار، لكن هل التحرك كان بطيئًا؟ نعم كان بطئيًا.. وهل كان هناك انشغال عن الجنوب؟ نعم كان فيه انشغال، ولكن أيضًا كانت هناك معوِّقات؛ لأن التحرك في الجنوب ليس سهلاً كما تتصور، كما أن هناك حاجز اللغة، وهناك مشكلة أمن، فالسياسي الشمالي لا يستطيع أن يتحرك في الجنوب إلا بالحراسة، والوصول للمواطن الجنوبي هناك ليس سهلاً؛ لأنه موجود في أحراش يصعب الوصول إليه، ولذلك كان الاتصال ضعيفًا, ولكن بذلنا مجهودًا من خلال الإذاعات الموجَّهة والعمل الإعلامي التلفازي، بالإضافة إلى الاتصالات مع السياسيين.

 

وثمرة هذا الاتصال أن هناك عددًا كبيرًا من السياسيين وقيادات القبائل في الجنوب يقولون لأول مرة: إنهم ليسوا مع الانفصال، ويكفي أن "رص الشلوك"- وهو زعيم أكبر ثالث قبيلة في الجنوب- يعلن صراحةً في آخر تصريح له أنه مع البشير ومع الوحدة، وضد الانفصال، فهذه قبلية كاملة مع الوحدة، وهناك قيادات كبيرة حتى داخل قبيلة الدينكة مثل "بونا منوال" وكان وزيرًا للثقافة مع الرئيس النميري وله وجوده العالمي، كما أنه شخصية تُحترم بين الدينكة وكذلك "لام أكول" وزير الخارجية السابق وآخرون غيرهم، بل إن أول زعيم للتمرد والذي كان داعيًا للانفصال وهو من قيادات الاستوائيين.. كل هؤلاء يقولون الآن إنهم مع الوحدة وسيصوِّتون ضد الانفصال، وهذا بالتأكيد ليس فقط للجهود التي بذلها الشمال وإنما للتجربة التي لمسوها من حكم الحركة الشعبية، وهم يرون أن أحلام الجنوبيين لإقامة دولة مستقلة تبدَّدت بالتجربة الآن في خلال 6 سنوات حكمت فيها الحركة الشعبية الجنوب، وأصبح المواطن يشعر أن وضعه خلال الحرب أفضل له من سيطرة الحركة الشعبية الآن، سواءٌ في معاشه أو أمنه، ولذلك هم يقولون إنه لا يمكن في ظل هذه التجربة أن يصوِّتوا للانفصال.

 

* وماذا عن رجال الأعمال وشركات البترول العالمية؟

** رجال الأعمال بشكل عام ليس لهم أدنى تأثير، ولكن شركات البترول تريد الانفصال للسيطرة على منطقة أبيي الغنية بالبترول في الجنوب ليَقِينها أن الحكومة المركزية لن تقبل هذا الوضع، وأنه في ظل جنوب منفصل يسهل السيطرة على البترول، خاصةً أن حكومة السودان المركزية لا تقبل الرشوة، وخاصةً من الشركات الأمريكية التي لا تستطيع أن تنافس الشركات الصينية؛ لأن الأمريكيين يريدون الاستحواذ على البترول بعروض ضعيفة، وهذا سبب الأزمة في الجنوب وفي دارفور كذلك.

 

دارفور

* من الجنوب إلى دارفور؛ باعتبارها البقعة الثانية للتمرد في السودان.. لماذا لم يستطع المؤتمر الوطني فكَّ طلاسم أزمة دارفور؟!

** الأزمة في دارفور لا يمكن اختصار الجواب عنها في دقائق، ولكن أعتقد أن أفضل إجابة هي نسبة التصويت الكبيرة لمواطني دارفور، وأعتقد أن هذا يحمل رسالةً مهمةً، وهي أن دارفور مع الاستقرار، وأن الحركات المسلَّحة بدارفور لا تعبِّر عن شعب هذا الإقليم؛ لأنها عبارة عن بضع مئات ومع المبالغة عدة آلاف، وذهاب المواطن إلى صندوق الانتخاب معناه أنه يريد الإصلاح والتنمية ويسعى إلى الديمقراطية حتى في معسكرات اللاجئين كان فيها تصويت، والمراقبون الأجانب شهدوا ذلك، بل إن الاتحاد الأوروبي انسحب من مراقبة الانتخابات في دارفور؛ حتى لا يكون شاهدًا على هذا الاستقرار، على عكس ما يقوله إعلامهم الغربي.

 

وأعتقد أن المواطن هناك طالما صوَّت لصالح الاستقرار والأمن فإن الحركات المسلحة يمكن احتواؤها، خاصة وأن الذي كان يمنع هذا الاحتواء هو تعاون دول الجوار والعون الذي يعطى للحركات المسلحة من المجتمع الدولي وتحديدًا أوربا وفي القلب منها فرنسا، والآن هنالك صلح مع تشاد ومعنى ذلك أن واحدة من أكبر الحركات المسلحة ستفقد عمقها الإستراتيجي وظهرها الذي كانت تلجأ إليه وعندئد ستكون مضطرة للمصالحة والالتزام بها، وفي الماضي لم يكن الأمر كذلك لأننا في كلِّ مرة كنا نوقع فيها اتفاقية مصالحة كانت تحدث مزايدات، والسبب أن وراء هذه الحركات خزائن مفتوحة لشراء السلاح وزعمائها في الخارج يستقبلون استقبال القيادات السياسية بينما الضرر الذي يقع على المواطن في دارفور لا يهمها طالما أن قيادتها يتنقلون في الخارج كما يشاءون بطائرات مدفوعة الأجر وتتلقي السلاح كما تشاء وتضرب أي قبيلة أو قافلة وتهرب إلى تشاد، والآن تشاد طردت واحدًا من زعماء حركات التمرد وضيقت عليهم حركتهم.

 

الانتخابات ودول الجوار

 الصورة غير متاحة

الانتخابات السودانية بين فرقاء السياسة ووحدة المصير

   * هل ترى أن تجربة السودان الديمقراطية يمكن أن تزعج الأنظمة العربية المحيطة بالسودان، خاصةً أن هذه الأنظمة أفضل الديمقراطيات فيها مشبوهة ومحاطة بعلامات استفهام كثيرة، مع الوضع في الاعتبار أن التخوف من تصدير الثورة الإسلامية لم تُطوَ صفحته حتى الآن مع هذه الدول؟

** أنا شخصيًّا قلقٌ، وأخشى أن تزعج تجربة السودان بعض دول الجوار، وهو ما حدث في الماضي؛ لأن التجربة الديمقراطية ليست مغلقةً على حدودنا، خاصةً أن هناك حراكًا سياسيًّا في دول الجوار لعدد من المثقفين والنخب، وبالتأكيد سوف تغريهم تجربتنا، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن تكون التجربة موجهةً لخصومة مع الدول العربية؛ لأن التجربة الديمقراطية قد ترفع بعض الأصوات ولكن في النهاية يبقى الرأي الرسمي هو الأساسي.

 

وأظن أن النظام السوداني قد استطاع خلال السنوات الماضية أن ينقل الخصومة التي حدثت في بداية تجربة الإنقاذ بينه وبين الدول العربية إلى علاقات تعاون وموقف دول الجوار كلها، وخاصةً الدول العربية، في موضوع المحكمة الجنائية كان جيدًا، وهذا يشجِّعنا على التأكيد أنه يهمُّنا أن تكون علاقتنا مع دول الجوار قائمةً على الاحترام والثقة والتعاون، وعلى كل حال بالتأكيد ليست لدينا أية نية للتدخل في شئون الغير؛ لأننا نرفض أساسًا التدخل في شئوننا.

 

تطبيق الشريعة الإسلامية

* بعد أكثر من 20 عامًا.. هل ما زالت فكرة تطبيق الشريعة في السودان تثير حفيظة الغرب بل وبعض العرب؟

** لا شك أنه منذ 1989م عندما أعلنَّا تطبيق الشريعة الإسلامية كان الشعار مزعجًا للعالم، ولكنه بعد مرور أكثر من 20 عامًا أستطيع القول بأن العالم بدأ يتفاعل مع التجربة وأدرك أنه ليس بعبعًا، فالشريعة سلوك اجتماعي يُعنى بترسيخ القيم الإسلامية التي نرغب في أن تسود العالم، وتطبيق الشريعة في الأساس هي مشروعية النظام الحالي لدى المواطن، وهذا يتلخَّص في عدة أشياء كلها تطورت تطورًا حميدًا، فنحن الآن عندما نتكلم عن الأحكام الشرعية لم يعُد الأمر كما كان عليه في البداية؛ لأن هذه الأحكام تحتاج إلى نظام أخلاقي يضبطها، فليست الشريعة كما يبدو للناس هي مجرد أحكام جنائية؛ كقطع يد السارق مثلاً، وإنما هي سلوكٌ عامٌّ وتشجيعٌ لألوان من القيم، فالسودان لا يشجِّع الخمور ولا يقبلها، ولا يصدق على تجارتها، وهو ما نادت به بقية الشرائع السماوية، سواء المسيحية أو اليهودية، أما إذا تمَّ ضبط أحد الأشخاص وهو يشرب الخمر فهذا ليس معناه نهاية الدنيا.

 

والسودان الآن يطوِّر نظامًا إسلاميًّا اقتصاديًّا، وهذا ليس سرًّا، وبحمد الله العالم الآن بدأ ينظر إلى النظام الاقتصادي الإسلامي كبديل، وحتى لو لم يكن بديلاً للأنظمة التقليدية فإنه بديلٌ مناظرٌ لها ومقبولٌ بينها، وهكذا نستطيع أن نقول في كلِّ القضايا الكبرى، فنحن نربِّي أبناءنا في المدرسة على حبِّ القيم والفضيلة، وعلى الثقافة الإسلامية ولغتهم العربية، وهي أمورٌ يتم تدريسها في المدرسة، وإن كان هناك تلميذ مسيحي لا يرغب في ذلك فإن الدولة تتكلف بمصاريف دروسه الخاصة لتعاليم دينه، وإذا كان عندنا قانون الأحوال الشخصية لا توافق عليه الأقليات المسيحية فإن عندها قانونها الذي تحتكم إليه والقانون السوداني سمح لها بذلك، فهذه كلها مشكلات تمَّ حلُّها بالحوار.