الحصار الذي يفرضه الكيان الصهيوني ومَن يوالونه على غزة تجاوزَ كلَّ الخطوط الحمراء التاريخية والإنسانية؛ فقامت عناصر أسطول الحرية (40 دولة) بمحاولة فكِّ الحصار، وما كان من غرور العدو إلا الاعتداء- بالمجزرة المعروفة- على الأسطول في المياه الدولية؛ لننظر في موقف بعض الأطراف، مرورًا بالدروس المستفادة ووصولاً للرؤية المستقبلية.

 

- لا أوافق على ما انتشر بوصف الكيان الصهيوني بالغباء؛ لأنه لا يمكن أن يفعل ذلك دون توقُّع للموقف الأمريكي وللموقف الرسمي العربي الذي لم يتخط الإدانة، الصهاينة لهم إستراتيجية توسعية عنصرية (تخطت كل الأعراف الدولية والإنسانية) لا يمكن أن يقتنع أحدٌ بها؛ ولذلك فهي لا تحتاج لإقناع أحد بل فرض الواقع بالقوة العسكرية؛ ومما يؤكد ذلك أنه بعد المجزرة أصبح الكيانُ في مواجهة العالم، ثم هدَّد بتكرار المجزرة إذا تكرَّرت محاولات دعم غزة، وبالفعل اقتحمت واستولت فيما بعد على السفينة الأيرلندية ثم رفضت إجراء تحقيق دولي.

 

- لماذا تم فتح معبر رفح بعد وليس قبل المجزرة، لم تتغير معاناة أهل غزة بسبب المجزرة بل المتغير هو ارتفاع الضغوط العالمية لدعم غزة؛ ما وضع النظام المصري في موقفٍ مخزٍ خارجيًّا وخطير أمنيًّا في مواجهة الشارع المصري، فكان فتحُ المعبر قرارًا اضطراريًّا بامتياز, ولننظر للتصريح الرئاسي عن المجزرة: (استخدام مفرطٌ للقوة، مع إرجاع ذلك لعدم تحقيق المصالحة بين حماس وفتح) والذي لا يعبِّر إلا عن خوفٍ مرضي من الكيان الصهيوني لعدة أسباب أهمها: معارضة الكيان الصهيوني لعملية نقل السلطة في مصر، وإعادة احتلال سيناء.. موقف يدعو العدو ليس فقط للمزيد من ابتزاز مصر- لا أمل في الأنظمة العربية- بل الأمل في كفاح الشعوب.

 

- التصريح التركي (عملية إجراميةٌ وإرهاب دولة مع الاحتفاظ بحق الرد المناسب)
مع إجراءات فعلية مبدئية مثل سحب فرق رياضية من تل أبيب، واستقالات جماعية للأتراك الأعضاء في مجالس إدارات المنظمات المدنية المشتركة مع الصهاينة، فضلاً عن تخفيض مستوى العلاقات ووضع شروط عودتها، وهي ضرورة اعتذار الكيان الصهيوني أمام الرأي العام، وفكِّ حصار غزة، وإجراء تحقيق دولي مستقل.

 

- لاحظت إعجاب وتقدير الجميع لتركيا، والمطلوب هو الوعي بالأسباب الجذرية لقوة تركيا التي تتمثل في نموذج سياسي فريد لتوافق ودعم القاعدة الشعبية للنضج والإبداع السياسي والفكري للنخبة الحاكمة التي استطاعت الجمع بين الحريات العامة والديمقراطية بمختلف آلياتها ووسائلها المعروفة في الغرب من ناحية وبين تفعيل القيم والمبادئ الحضارية الإسلامية من ناحية أخرى، مع تحقيق قدرٍ كبيرٍ من التنمية الاقتصادية والنهضة الثقافية، فضلاً عن سيادة واستقلالية القرار التركي في مواجهة أمريكا كل ذلك في حين أن نظام الحكم الرسمي ما زال علمانيًّا؛ ولذلك سيظل الموقف التركي هو الأقوى حتى تصل النخب السياسية العربية للتوافق مع شعوبها على إبداع وتطوير نموذجها الحضاري الإسلامي الخاص بها في الحكم.. (الإشارة إلى الجميع عمومًا وللتيار والمنظمات الإسلامية خصوصًا).

 

الخلاصة:

- تم تركيز الضوء العالمي على ضرورة فكِّ حصار غزة، وتأكيد أن الكيان دولةٌ إرهابيةٌ، مع تأكيد مشروعية وشعبية خيار ونهج المقاومة الفلسطينية.

 

- مكاسب إستراتيجية محددة، ومع ذلك سيستمر الكيان الصهيوني على غطرسة القوه؛ لأنه لا يمكن أن يتحمل فكَّ حصار غزة (حائط الصد الأخير) حتى لو وصل الأمر إلى الإعداد لحرب إقليمية؛ لأن فكَّ الحصار يعني خسارةَ القوة الصهيونية أمام صمود المقاومة الإسلامية، وبالتالي بداية حلقات تفكيك المشروع التوسعي العنصري الصهيوني.

 

الرؤية المستقبلية:

- أنظمة الحكم العربية لن تستطيع تحقيق المزيد من معاداة حماس؛ نظرًا لخطورة الموقف مع شعوبها؛ بسبب الاحتقان السياسي والظلم الاجتماعي المتزايد، وفضلاً عن حساسية الموقف الإقليمي بشأن المواجهة المرتقبة بين حزب الله وحماس وسوريا وإيران مجتمعِين أو منفردين ضد الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى صحوة المجتمع المدني الدولي بخصوص فكِّ حصار غزة.

 

- أتصور ضرورة أن تتجه أمريكا إلى فتح الحوار مع حماس لإغرائها بشتى الوسائل؛ بهدف استيعابها وتحويلها عن مسار ونهج المقاومة بالضبط مثلما حدث مع منظمة فتح.

 

- على حماس التمسك بالثوابت الفكرية للمقاومة الإسلامية، وكذلك عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، وعدم التورُّط في مسرحيات السلام المزعومة، وعدم تقديم أدنى تنازلات لتحقيق المصالحة.

---------------------

* رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار- [email protected]