تحقيق- يارا نجاتي:
"النظام فشل في عقد صفقة مع الإخوان فلجأ إلى اعتقالهم وإحالتهم إلى المحاكمات العسكرية"، "النظام يخشى من التفاف الناس حول المنهج الوسطي الذي ينشده الإخوان"، بتلك الكلمات وغيرها كثيرًا عبَّر المواطنون المصريون عن آرائهم في الظلم الذي يتعرض له أفراد جماعة الإخوان المسلمين من اعتقالات ومصادرة للأموال ومحاكمات عسكرية واستخدام مختلف أشكال القمع ضدهم.
ولم يعد يخفى على أحدٍ أن المسلك القمعي للحكومة تجاه الإخوان ما هو إلا فاتورة يدفعونها نتيجةً لمطالبتهم بالإصلاح، ورفع الظلم عن المواطنين، وإعطاء كل ذي حق حقه، وتطبيق الإسلام كمنهج حياة في المجتمع.
(إخوان أون لاين) استطلع آراء المواطنين حول تعامل الحكومة الجائر مع الإخوان المسلمين، وأسبابه، متسائلاً: إلى متى يظل الظلم واقعًا على الإخوان؟!.
يقول محمد أبو عبيدة (مدرس لغة فرنسية): إن ظلم النظام للإخوان المسلمين يرجع إلى فشل النظام في إخضاع الإخوان له من خلال عقد صفقة معهم، كما فعل مع باقي الأحزاب السياسية التي أصبحت مستأنسة بالكامل؛ حيث لم يعد هناك معارضة فعلية في المجتمع غير الإخوان المسلمين، مضيفًا أن الحزب أو المعارض عندما يستأنس من قِبَل النظام يفقد الثقة في نفسه، وينتهي دوره في المجتمع، كما يفقد المواطن المصري ثقته به.
ويؤكد أن ما يقوم به النظام تجاه الإخوان من قهرٍ وظلمٍ واعتقالٍ ومصادرة للأموال يزيد من تعاطف الشارع المصري معهم وثقته بهم، ويعمل على تأكيد نزاهتهم في مواجهة الفساد المستشري في الحكومة ووزرائها، من اللهث خلف مصالحهم الخاصة، ونسيان حقوق المواطن المصري.
ويقول: إن الظلم الواقع على الإخوان يرجع لما لديهم من ثقل سياسي كبير ودور بارز في مواجهة فساد النظام والدفاع عن حقوق المواطنين، مشيرًا إلى أن النظام قصد حبس هؤلاء تحديدًا؛ لأن وجودهم خارج السجن كان سيغير كثيرًا في الحياة السياسية المصرية والمجتمع بالكامل.
ويضيف أن النظام لم يكن عادلاً يومًا من الأيام في تعامله مع الإخوان؛ لأنه يفرج عن جميع المسجونين السياسيين وحتى المجرمين واللصوص والقتلة وتجار المخدرات، ولا يُفرج عن الإخوان المسلمين، مشيرًا إلى أن النظام يعمل على اضطهاد الإخوان وكتم أصواتهم.
عادة قديمة
وتقول رحاب مصطفى (طالبة جامعية): إن عداء الحكومة للإخوان ليس وليد اليوم، فالتاريخ يشهد على ظلم النظام وتعنته ضد الإخوان، وترى أنه من المجحف عقد مقارنة بين الظلم الواقع على الإخوان كجماعة إصلاحية وبقية القوى والأحزاب السياسية الأخرى، فلا يكاد يوجد غير الإخوان على الساحة السياسية في مصر؛ ما أدَّى إلى زيادة ذعر وخوف النظام الشديد من الإخوان؛ بسبب اتساع دائرة التأييد الشعبي لجماعة الإخوان المسلمين ومبادئها الإصلاحية التي تهتم بمصلحة المواطن المصري.
وتستطرد رحاب قائلةً: إن الحكومة فشلت في توجيه الإخوان المسلمين للسير وفق أجندتها الخاصة من شأنها عزل قوى معارضة، وبتر المحاولات الإصلاحية في المجتمع، مشيرةً إلى أن بقاء الإخوان المسلمين داخل المعتقل يأتي رغبةً من الحكومة في إبعادهم؛ حيث تعوق جماعة الإخوان المسلمين مصالحهم في الداخل أو الخارج، وبالتالي يعتقدون في أن إحكام القيد على الإخوان هو سبيلهم لصمِّ البوق الذي يؤرقهم على كافة المستويات الشعبية والسياسية.
حسن سير وسلوك
ويوضح محمد إبراهيم (موظف) أن المعتقلين في القضايا العسكرية من الإخوان اعتقلوا بسبب حسن سيرهم وسلوكهم، فكيف يوافق النظام على قرار بالإفراج عنهم بعد قضاء نصف المدة لحسن سيرهم وسلوكهم؟!.
وينتقد الإفراج المبكر عن المجرمين ومرتكبي جرائم القتل والاغتصاب والسرقة والاغتيال إذا حسُن سلوكهم داخل السجون، بينما لا ينطبق ذلك على الإخوان، مشيرًا إلى أن السلطة ترى أن الإخوان يُشكِّلون خطرًا على وجودها؛ نتيجةً لكشفهم للفساد والاستبداد الموجود داخل النظام الحاكم والحاشية المحيطة به.
ويؤكد أن الحكومة ترغب في إبقاء معتقلي الإخوان داخل السجون أطول فترة ممكنة بهدف إبعادهم عن طريقها، مضيفًا أن الحكومة لا ترغب في إصلاح أحوال البلاد كما يسعى الإخوان، ولكن تريد للمواطنين أن يظلوا نائمين فتعمل على شغلهم بمشاكل أخرى كالثانوية العامة، والفقر، والتأمينات، والمعاشات؛ لأنها أول المتضررين من اكتشافهم للمصائب.
ويشير إلى أن الإخوان المسلمين كجماعةٍ تلقى معاملةً مختلفةً كليًّا عن كافة القوى السياسية في المجتمع؛ نظرًا لأنهم أصحاب التأثير الأقوى في إصلاح المجتمع؛ حيث تجد لهم دورًا ملموسًا بالأفعال لا الأقوال، ضاربًا المثل بتواجدهم في الأزمات وسط الناس، يتفاعلون مع كلِّ قضايا الأمة، ويعملون على تحسين السلوكيات التي تتردى بالمجتمع، أما الأحزاب الأخرى كل اهتماماتها بعيدة عن التوعية المجتمعية، إلى جانب أن الحكومة نجحت في تجميدها.
أكبر حزب معارض
وتضيف: إن الإخوان أقدم حزب موجود وصامد أما الأحزاب الأخرى الجديدة فتنهار وتستسلم من أقل مواجهة أمام النظام، وتُشَبِّه الإخوان بالأسد والأحزاب بالنملة، وبالتالي ففي حالة الهجوم على منزل سيدافع أهله ضد الأقوى، وكذلك النظام "بيضرب في الأقوى"، ولن يعير الضعيف انتباهًا لعلمه بفشله.
وعن اللجوء إلى أسلوب المحاكمات العسكرية تجاه الإخوان، ترى أنه لتشويه سمعتهم أمام الرأي العام بأنهم سفاحون وإرهابيون، إلى جانب قولها: إن الحكومة إذا أخرجتهم ستعيدهم مرةً أخرى بتهم ملفقة جديدة؛ حتى لا يفضحوا النظام في وسائل الإعلام داخليًّا وخارجيًّا، وتضيف: الحكومة تخشى من عودة المعتقلين مرَّةً أخرى لشغلهم الدعوي، ويلتف حولهم الناس من خارج وداخل الإخوان.
وتصف شخصية خيرت الشاطر التي حُرِمَت الجماعة من أفكاره ودوره، كونه نائبًا للمرشد: بأنه سيساهم في دفع الجماعة إلى الأمام، وهو ما لا يريده النظام.
مشروع حضاري
ويرى عمار مصطفى (مستشار قانوني) أن المحاكمات العسكرية قضية سياسية بالدرجة الأولى، وتؤكد على التوجه العام للدولة للإبقاء على النظام الحالي بأي قوة، فجماعة الإخوان بحجمها وشعبيتها ستكون بمثابة نهاية للنظام إذا تركوا لها المجال للعمل بحرية، واصفًا الإخوان بأنهم أصحاب مشروع حضاري، تتبع الحكومة معهم سياسة الضربات الاستباقية مع استخدام القسوة الشديدة؛ حتى تسنيهم عن الطريق.
وعلى جانب تغيير سياسات الحكومة مع الأحزاب الأخرى يقول: هناك لعبة سياسية تستخدمها المعارضة، ويستطرد: لم يختلف أحد على ثبات ورباطة جأش النائب الأول للمرشد خيرت الشاطر.
ويؤكد أن عقد المحاكمات العسكرية تكون استثنائية، فلا يوجد قانون يقر بالإفراج عنهم بعد قضاء نصف المدة؛ لأنه تم محاكمتهم محاكمة غير شرعية، قائلاً: إن المشاريع الخدمية التي يقوم بها الإخوان تسحب البساط من تحت أقدام النظام، وبالتالي يلجأ لهذا الأسلوب غير الشرعي معها.
منهج وسطي
وتؤكد شروق عبد الله حاصلة على (ليسانس آداب) أن النظام يخشى منهج الإخوان الإسلامي الوسطي؛ ولذلك يلجأ إلى التعامل معهم بالقسوة والاعتقال والمصادرة على الأفكار والأموال، وتكمل: فالنظام يخشى من المنهج وليس الأشخاص، فالمنهج هو الفارق، وإذا تغيَّر المنهج وبقيت الجماعة بنفس الاسم سيختلف تعامل الحكومة معها.
وتقول: إن المحاكمات العسكرية والعنف مع الإخوان ما هي إلا وسيلة فاشلة من الحكومة للردع، إلا أن ذلك لن يحدث للجماعة بما أنه مستمر منذ العصر الملكي في مصر، ولم يزدهم إلا قوة وصلابة، مشيرةً إلى أن الجماعة لا تعتمد على الأفراد بل هو كيان كامل مهما تغير أفراده تظل قيمه ثابتة وقائمة.
وتوضح أن الإخوان قدَّموا حُسْن النوايا للمجتمع؛ ما جعل الناس تلتف حولهم حبًّا في وسطية المنهج.
ويرى عبد العظيم سعد (محاسب) أن المعاملة المختلفة التي يلاقيها الإخوان من النظام المصري تمثِّل الثمن الذي يدفعونه مقابل ما ارتضوه على أنفسهم، ويشير إلى أن أزمة المحاكمات العسكرية جاءت على الجماعة بفوائد عديدة منها: أنها كشفت قدرة الإخوان على تحمل الأزمات.
وفيما يتعلق بأُسَر المعتقلين يقول عبد العظيم: ظهر تحملهم الكبير للمسئولية؛ نتيجةً لتربية الإخوان السليمة التي تظهر في وقت الأزمة، ويوضح أنه لا يرى وجودًا لأية قوى أخرى على الساحة السياسية من الأحزاب، لكن يوجد بعض القوى الوطنية التي يتعامل معها النظام معاملة مقاربة لمعاملته للإخوان.
ويعرب عن موقفه من المحاكمات العسكرية فيقول: إن الإخوان لهم تحرُّكات ضخمة أرعبت النظام، إلى جانب أن نواب الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين قدَّموا مئات من طلبات الإحاطة، وكشفوا الكثير من الفساد الموجود في الحكومة؛ ما أثر في تقبل الحكومة لها بشكل أكبر، وجعل النظام يعتقلهم ويرفض إخراجهم من المعتقلات.
معارضة صورية
وتعبِّر هبة عبد الرحمن (موظفة) عن موقف النظام من محاكمة الإخوان عسكريًّا، ورَفْض الإفراج عنهم رغم قضائهم أكثر من نصف مدة الاعتقال، قائلةً: إن القوى الأخرى من السهل على النظام التأثير فيهم أما الإخوان فلا يستجيبون لأية ضغوطات أو تهديدات.
وعن سبب اللجوء للاعتقال والعنف تقول: النظام يرى في ذلك وسيلة لكسر شوكة الإخوان، وتهديدًا لحياتهم، وتوضح أن ذلك يزيدهم صلابةً وتمسكًا بأهدافهم وغاياتهم؛ ما يزيد بالتالي من التفاف الجماهير حولهم.
وتشير ولاء محمد إلى أن الحكومة تستخدم المعتقلين من الإخوان من جرَّاء المحاكمات العسكرية كورقةٍ للضغط على الجماعة في سبيل التخفيف من قوتهم وضغطهم على الحكومة؛ نظرًا للثقل المادي والمعنوي للمعتقلين داخل الجماعة.
وترى أن ما يسمى بالمعارضة في مصر ما هو إلا لسان آخر للحكومة، ويتواجد بداخلهم نفس مشاكل السلطة والسيطرة الموجودة داخل الحزب الوطني، ومن الطبيعي ألا يعاملهم النظام نفس معاملة الإخوان المتواجدين داخل الشارع المصري وسط المواطنين.