تمرُّ بهذه الأيام الذكرى 36 لحركة التحرير القبرصية، والتي حمت كيان المسلمين الأتراك في قبرص؛ حيث نجحت في أن تهيِّئ السكون، وتضع حدًّا للمذابح التي كان يتعرَّض لها المسلمون دائمًا في قبرص.

 

من المعروف أن قبرص الشماليَّة غالبيتها من الأتراك المسلمين، وكانت تقع تحت سيطرة الروم اليونانيين، وكان الأتراك المسلمون يتعرَّضون من حين لآخر إلى الاضطهاد والقتل، حتى وصل الأمر عام 1974م إلى تأزُّم القضية وتعرُّض المسلمين إلى اضطهادات كبيرة أدَّت إلى تأزم الأمر أكثر مما هو عليه.

 

وفي أثناء تلك الأحداث كان رئيس وزراء تركيا هو بولنت أجاويد ونائبه البروفسور نجم الدين أربكان زعيم حركة المللي جوروش (فكر الأمة)، وبما أن "أجاويد" كان يُجري لقاءات دبلوماسية خارج البلاد، بالإضافة إلى عدم رغبته في التدخُّل العسكري، فاجتمع أربكان بشكل عاجل مع الحكومة والجيش، واستطاع أن يقنعهم بضرورة التدخُّل العسكري، وفعلاً أعطى القرار بالتدخُّل العسكري المباشر لوقف ما يتعرَّض له المسلمون وبدأت حركة التحرير وبدأ التدخُّل بالرغم من معارضة وتثبيط البعض.

 

استطاعت القوات التركية بكل أصنافها أن تقوم بعدة مداخلات عَجز اليونانيون عن التصدِّي لها، وكان هذا الحدث في ذلك الوقت من الأحداث التي بهرت العالم، بكونه أول دولة تتشجع وتَهْجم على دولة أوروبية، هرع "أجاويد" بسرعة، وطالب بإيقاف القتال وأمر برجوع القوات التركية بالرغم من نصائح "أربكان" من أن العملية لم تكتمل بعد، أصرَّ "أجاويد" على وقف إطلاق النار؛ بسبب الخوف من ازدياد شعبية "أربكان"، خاصةً بعد رجوعه من الخارج فقد وجد صور "أربكان" معلقةً في كل الأماكن، ويدَّعي البعض دائمًا أن "أجاويد" هو السبب الرئيسي في حركة التحرير القبرصية؛ لكن الثابت أن "أربكان" هو مَن قام بتلك الحركة، وهذا أكَّده الخبر الصادر 21 يوليو 2010م في جريدة (مللي كزتة) التركية.

 

وطبقًا لما ذكرته صحيفة (مللي كزتة) التركية فإن أرشيف الوثائق البريطانية؛ يكشف أن الذي قام بحركة التحرير القبرصية هو "نجم الدين أربكان" وليس "بولنت أجاويد" كما يعلم الكثير؛ حيث استطاع أحد الباحثين الأتراك، وهو مصطفى صدقي بلجين عضو هيئة التدريس في جامعة "كاهرامان ماراش" في أعماله لتحضير الدكتوراه تحت عنوان "القوى العظمى، تركيا وقضية قبرص (1967- 1975م)"، طوال 10 سنوات أن يدخل أرشيف الوثائق البريطانية، وأن يتوصَّل إلى عدد كبير من الوثائق التي تتناول مواضيع لم تُذكر من قبل، وتتناول معلومات عجيبة تتعلق بالأحداث التي جرت قبل وبعد حركة التحرير القبرصية، وبدأت تظهر هذه الوثائق بعد عام 2006م؛ حيث استطاع بلجين خلال هذه الفترة أن يحققها، ويستخرج منها المعلومات الخاصة بقضية قبرص.

 

فيُرى من الوثائق "أن المباحثات التي أجراها "أجاويد" في زيارته إلى "لوندرة" في ذلك الوقت تُظهر أنه كان يبحث عن حلٍّ للموضوع، دون الدخول في حرب، ورفضه لحركة التحرير، وتُظهر الوثائق أيضًا في خصوص تنفيذ الهجوم، أن نجم الدين أربكان كان أكثر فاعليةً ورغبةً، أما "أجاويد" لم يكن يدنو من الحرب، وتوضِّح أيضًا التقارير التي أرسلها السفير البريطاني في ذلك الوقت أن "أربكان" كان ينوي أخذ قبرص كلها، وأن رئيس أركان الحرب التركية في ذلك الوقت سميح سنجار قدَّم كل المساعدات لأجل الحرب".

 

وفي عام 2008م اعترف الرئيس الأول لجمهورية قبرص التركية رءوف دنكتاش أن الذي أعطى الأمر في التدخُّل العسكري الفوري بعد تدهور الأوضاع في قبرص الشمالية هو نجم الدين أربكان نائب رئيس الوزراء حينها ورئيس حزب السلامة بعد اجتماعه مع رئيس الأركان الحربية.

 

كانت كل هذه الأحداث عندما كان نجم الدين أربكان رئيسًا لحزب السلامة في السبعينيات، وكان الحزب في ائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري برئاسة "أجاويد"، استغل "أربكان" وجوده في هذا المنصب، وقام بعمل أكبر الإنجازات التاريخية بتحرير جزيرة قبرص الشمالية من الأيادي اليونانية، طبعًا هذا أدَّى إلى فضِّ الائتلاف بعدها بتسعة أشهر من تأسيسه تقريبًا، فيعتبر "أربكان" قد استطاع أن يفضَّ إحدى القضايا التي استمرت طويلاً دون حلٍّ.

 

وتعتبر أيضًا جزيرة قبرص من الأماكن الإستراتيجية في العالم، وبالرغم من أنها مستقلة ولها إدارتها إلا أنها لا تحظى باعتراف دولي على أنها دولة مستقلة، وتتعرض قبرص حاليًّا إلى عدة مخططات، ويحاول الصهاينة أن يجدوا نفوذًا اقتصاديًّا لهم بها، ويحذِّر الكثير من الإستراتيجيين الأتراك من إهمال قبرص والانتباه إلى ما يُجرى فيها من تحركات صهيونية وغربية.