جدَّد حادث مقتل المواطن محمد عبد ربه محمد ريشة (30 عامًا- كفر الشيخ) مؤخَّرًا بأحد شوارع العجوزة، جرائم الداخلية وانتهاكاتها بحق المواطنين، بعد اتهام أسرته للشرطة بتعذيبه وتلفيقهم تهمة سرقة حقيبة سيدة له؛ حيث طالب حقوقيون بملاحقة جادَّة للمتورطين في التعذيب.

 

وأعادت تلك الوقعة إلى الأذهان الحادث المأساوي الذي قُتل فيه الشاب السكندري خالد سعيد على أيدي أمين شرطة ومخبر الشهر الماضي، فيما تمَّت إحالتهما للمحاكمة وتحدَّدت أولى الجلسات بعد غد الثلاثاء.

 

وفجَّرت قضية خالد سعيد حالةً من الحراك الجماهيري الواسع، فانتشرت الوقفات الاحتجاجية- وما زالت- في ربوع مصر تضامنًا معه ومطالبةً بمحاسبة قاتليه، إلاَّ أن أجهزة الأمن تعاملت معها بوحشية معتادة، واعتدت على الفتيات واحتجزت عشرات الشباب لساعات طويلة.

 

وتوالت ردود الأفعال الغاضبة من المنظمات الحقوقية المصرية والعربية والدولية؛ احتجاجًا على بلطجة الشرطة، واكتسبت بعدًا دوليًّا جديدًا بعد البيان الذي أصدره رؤساء البعثات الدبلوماسية لدول الاتحاد الأوروبي في مصر، وأعربوا خلاله عن قلقهم إزاء ظروف وفاة خالد سعيد.

 

وأجمع الحقوقيون المصريون على أن التعذيب في مصر يتمُّ بشكل منهجي مخطط، وفق منظومة فكرية، وسيكولوجية يعيشها ضباط الداخلية، تحت رعاية حكومية، وليس أخطاءً أو مخالفات فردية.

 

وأكد مراقبون أن حالة "الطوارئ" التي تعيشها مصر منذ 30 سنة شكَّلت بيئةً خصبةً لانتشار التعذيب في السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز بشكل متزايد، فضلاً عن إفلات مرتكبي جرائم التعذيب من العقاب خلف ستار "الطوارئ".

 

ورصد تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان 12 حالة وفاة نتيجة التعذيب داخل أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز خلال عام 2009م، احتلت فيها محافظة المنيا مكان الصدارة بواقع 3 حالات، تلتها القاهرة والغربية بحالتين لكل منهما، وحالة واحدة في كلٍّ من المنوفية، كفر الشيخ، الدقهلية، البحيرة، وشمال سيناء.

 

كما رصد 29 حالة تعذيب، توزَّعت على المحافظات، وكان نصيب محافظتي القاهرة وبورسعيد 7 حالات لكل منهما، بالإضافة إلى 71 حالة احتجاز تعسفي، و56 حالة اختفاء قسري.

 

وأشار إلى وقوع 24 حالة اضطهاد وسوء معاملة في أقسام الشرطة، مقارنةً بـ13 حالة في عام 2008م، ورصدت المنظمة في تقريرها 474 حالة انتهاك للسجناء في السجون المختلفة لعام 2009م، والمتمثل معظمها في سوء الرعاية الصحية، نتج عنها وفاة 3 حالات.

 

قائمة طويلة

وبعد تلك الوقعة المؤسفة أضيف الشاب محمد عبد ربه ريشة إلى قائمة طويلة- أعرب حقوقيون عن تخوفهم من عدم انتهائها- من ضحايا التعذيب على أيدي زبانية الداخلية.

 

ويتصدَّر قسما العمرانية والهرم أول القائمة السوداء لأسوأ مقار التعذيب في مصر- بحسب تقارير المنظمات الحقوقية- ففي قسم "العمرانية" بلغت حالات الوفاة 10 حالات خلال 3 أعوام، فضلاً عن توثيق عشرات من حالات التعذيب التي طالت 5 من النساء والفتيات!، وهتك عرض طفل!.

 

أما في قسم الهرم، فتمَّ تعذيب العشرات وقتل 6 آخرين والاعتداء على طالبة، فيما يأتي قسما البساتين والشرابية في المرتبة الثانية؛ بتعذيب نحو 20 مواطنًا، يتبعه قسم بولاق الدكرور بتعذيب 7 مواطنين، بعدهما قسم الوراق؛ حيث تمَّ تعذيب حالتين وهتك عرض سيدتين!، أما قسم السلام فتمَّ اكتشاف وتوثيق تعذيب 5 حالات، وهو نفس العدد الذي شهده قسم الخليفة.

 

أما قسم البدرشين فتُوفي فيه 4 من جرَّاء التعذيب، ووفاة آخر بقسم الوايلي، كما شهد قسم مدينة نصر 5 حالات وفاة، وحالة وفاة واحدة بأقسام إمبابة وحدائق القبة والسيدة زينب والمرج، أما في قسم الأزبكية، فتمَّ تعذيب اثنين من المواطنين، وفي قسم شبرا الخيمة تمَّ ضرب طالب جامعي بوحشية قاسية أدَّت إلى إصابته بعاهة مستديمة، كما تمَّ تعذيب أسرة كاملة بقسم حلوان.

 

وفي الإسكندرية، يتصدر قسما المنتزه القائمة السوداء، فالأول منهما شهد 5 حالات وفاة واحتجاز 95 مواطنًا بينهم سيدات وأطفال رضَّع دون تهمة واحدة!.

 

كما شهد قسم المنصورة 5 حالات وفاة، بينهم طفل، وتعذيب 3 فتيات، ومعوَّق حركيًّا، و5 مواطنين، واحتجاز 6 مواطنين دون وجه حقٍّ، واغتصاب امرأة وفتاة!!، وفي الفيوم تمَّ توثيق 3 حالات وفاة من جرَّاء التعذيب داخل أقسام الشرطة، وتعذيب المئات واحتجازهم لأسبوع دون تهمة!!.

 

أما في البحيرة، فشهد قسم كفر الدوار 3 حالات تعذيب، وهو ما تكرر في قسم كفر الزيات بالغربية، الذي قام ضباطه بتعذيب مواطنين، أحدهما محامٍ، وتعذيب 4 آخرين من أسرة واحدة بينهم سيدتان!!، وفي كفر الشيخ شهدت أقسام الشرطة جريمة قتل 3 مواطنين أحدهم بإغراقه، وهتك عرض 5 آخرين، وفي دمياط تمَّ تعذيب مدرس ووفاة مواطن.

 

تعديل تشريعي

 الصورة غير متاحة

 حافظ أبو سعدة

وقال حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: إن جرائم التعذيب انتشرت في مصر بصورة كبيرة جدًّا تعدت حدود وأسوار السجون والمعتقلات السرية، وأصبحت في الشارع المصري، مدللاً بالجريمة البشعة التي ارتُكِبت تجاه خالد سعيد قتيل التعذيب بالإسكندرية الذي عُذب حتى الموت في الشارع على مرأى ومسمع من المواطنين.

 

وأضاف لـ(إخوان أون لاين) أن ضباط الشرطة يلجئون في جميع أعمالهم إلى التعذيب كوسيلة سهلة وسريعة للبحث في الجرائم والقضايا المختلفة، مشيرًا إلى أن ذلك يعبِّر عن فشل الضباط وتدنِّي قدرتهم المهنية على البحث والتحقيق وجمع الأدلة، قائلاً: إن التعذيب وسيلة الضابط الفاشل في التحقيق.

 

ورأى أن السبب الرئيسي لانتشار جرائم التعذيب في مصر هو عدم وجود تعريف واضح لجريمة التعذيب في القانون المصري، كما هو في نص المادة 126،127 من قانون العقوبات، والتي تقرن جريمة التعذيب بنية الحصول على معلومات، فإذا كان القصد غير الحصول على معلومات أصبح الأمر إساءة معاملة يعاقب مرتكبها بعقوبة السجن لمدة لا تزيد عن سنة أو غرامة لا تزيد عن 200 جنيه، وهو أمر غير رادع.

 

وطالب أبو سعدة بتعديل القانون؛ ليكون متوافقًا مع المادة 1 من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب ومع مواثيق حقوق الإنسان، وإلغاء حالة الطوارئ والعودة للشرعية الدستورية، مؤكدًا أهمية ذلك التعديل؛ لتمكين المدعي بالحق المدني (الذي مُورس ضده جريمة التعذيب) من رفع دعوى قضائية ضد معذبيه مباشرة.