الاتفاق بين الإخوان وعبد الناصر
![]() |
د. كامل عبد الفتاح |
دور الإخوان ليلة الثورة
قام الإخوان بحماية الأجانب والمنشآت الأجنبية والمراكز الإستراتيجية للمواصلات بالمدينة؛ لإحباط آية محاولات لاستغلال الاضطراب المتوقَّع في ذلك اليوم، كما أنشأت الجماعة شبكة من المخابرات حول تحرُّكات المصريين المشتبه فيهم والخونة المحتملين، واستعدت الجماعة لمساندة الثورة في حالة عدم كفاية الحماس الشعبي لحركة الجيش بأن تبادر الجماعة إلى ملء الشوارع؛ لتشعل حماسها، ولتعلن التأييد الشعبي للانقلاب، وتعهَّد الإخوان أنه في حالة فشل الشرطة في التعاون مع الجيش تسارع الجماعة بجولاتها "النظام الخاص" للانضمام لأية معركة قد تقع، ولتساعد في المحافظة على النظام والأمن، أمَّا إذا فشلت الحركة، فسيقوم الإخوان بحماية الضباط الأحرار وتهريبهم.
وأكد عبد اللطيف البغدادي في شهادته لمحمود فوزي "أن الثوَّار قرروا التعاون مع المنظمات الشعبية، خاصةً جمعية الإخوان المسلمين؛ لمقاومة الإنجليز عند مدخل القاهرة الشرقي لو حاولوا التدخُّل ضد الثورة، وأكد الإخوان أن كمال الدين حسين اتصل بصلاح شادي وأبلغه أن قوات بريطانية ستتحرك من السويس إلى القاهرة، فاتجهت مجموعة من الفدائيين الإخوان إلى الكيلو 96 لعرقلة تقدُّم الإنجليز، وظلُّوا يحرسون الطريق عدة أيام، كما كانت هناك قوات من فصائل الإخوان في محافظة الشرقية وشرق منطقة القنال مستعدة للقيام بحرب عصابات ضد القوات الإنجليزية، لكن القوات البريطانية لم تتدخل ضد الثورة بل أن هاملتون مستشار السفارة البريطانية أبلغ محمد نجيب- قائد الثورة- بعزم الحكومة البريطانية على عدم التدخُّل في شئون مصر الداخلية، إلا إذا اقتضت الضرورة من أجل المحافظة على أرواح رعاياها وممتلكاتهم، وما أكد التعاون بين الإخوان والثورة اختيار الثوَّار لعبد المنعم عبد الرءوف؛ لإجبار الملك على التنازل عن العرش وبالفعل نجح في مهمته.
إنكار دور الإخوان
لكن الثوَّار أنكروا دور الإخوان، وربما كانت سرية الاتفاق وعدم الحاجة إلى تنفيذ أغلب بنوده، بالرغم من تأييد الإخوان الفعلي للثورة وتعاونهم ودفاعهم عنها، فقد تأخر- إعلان أو إشهار- التأييد حتى الثاني من أغسطس 1952م، بعد أن استتبت الأمور لقادة الثورة، وتمَّ عزل الملك، ما أثار غضب عبد الناصر، وربما كان وراء تأخير إعلان تأييد الإخوان للثورة، ما اتُّفِقَ عليه من وجوب عدم ظهور الإخوان في البداية حتى لا يتدخل الغرب ضد الثورة، بالإضافة إلى خشية الهضيبي من أن ينكث الضباط الأحرار وعودهم الخاصة بتطبيق الشريعة، وأسلمة الحياة في البلاد، ويؤكد هذه الرؤية ما حدث في أول لقاء بين الهضيبي وعبد الناصر في 30 يوليو 1952م في بيت الهضيبي؛ حيث طالب الإخوان "بوجوب التشاور معهم في الأمور الرئيسية في السياسة العامة قبل اتخاذ قرار نهائي، بوصفهم شركاء في المسئولية، فقال عبد الناصر: إنه لا يقبل وصاية من أحد، وأنكر أن يكون قد اتفق مع الإخوان على شيء، ما حدا بالهضيبي أن يعلن أن حركة الجيش حركة إصلاحية وليست إسلامية.
أُكِلْتُم يوم تنازلتم
لقد بدأت سرقة الثورة من الإخوان يوم أن وثق الصاغ محمود لبيب في عبد الناصر وأعطاه أسماء تنظيم الضباط الإخوان، واقترح عليه اسم الضباط الأحرار، وارتضى الإخوان أن تُسرق منهم الثورة يوم أن تركوا عبد الناصر يجمع الضباط من كل الاتجاهات على غير شروط الإخوان، وارتضى الإخوان أن تُسرق منهم الثورة بموافقتهم على أن يكونوا مجرد مشاركين في جماعة الضباط الأحرار، والقيادة لمن خالف عهده وخان ثقتهم، "راجع مقالنا (الإخوان المسلمون والضباط الأحرار)" وارتضى الإخوان أن تُسرق منهم الثورة؛ لأنهم تحوَّلوا إلى مجرد مشاركين فيها، وبالرغم من الجهود التي بذلوها ليلة الثورة إلا أن نجاح الانقلابيين وتأييد الشعب لهم مكَّنهم من التنكُّر للإخوان، وفي النهاية أعلن الهضيبي أن حركة الجيش حركة إصلاحية وليست إسلامية.
وفي عصرنا الحالي يقوم الإخوان بمعارضة النظام الفاسد ومقاومة الديكتاتورية، ومحاولة جمع شمل المعارضة على كلمة سواء، وحشد الشعب من أجل التغيير، ويتحمل الإخوان في سبيل ذلك الاعتقالات والمحاكمات العسكرية والظلم والتشويه من النظام الفاسد وأذنابه، وجهاد الإخوان في سبيل الإصلاح مشكور من الشرفاء.. ولكن نخشى من قيام الانتهازيين بسرقة جهودهم؛ لذا ننبه الإخوان "خذوا حذركم".
---------
* أهم المراجع:
1- أحمد حمروش: ثورة 23 يوليو، المجلد الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1993م.
2- أنور السادات: البحث عن الذات، الطبعة الثانية، المكتب المصري الحديث، أكتوبر1978م.
3- المضبطة الرسمية لمحاضر جلسات محكمة الشعب، الجزء الثالث، ص 490.
4- حسين أحمد حمودة: أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين، ط2، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1987م.
5- ريتشارد ميتشيل: الإخوان المسلمون، ترجمة عبد السلام رضوان، ط2، مكتبة مدبولي، 1985م.
6- صلاح نصر: ثورة يوليو بين المسير المصير، مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر1980م.
7- عبد المنعم عبد الرءوف: مذكرات بعنوان "أرغمت فاروق على التنازل عن العرش"، ط1، الزهراء للإعلام العربي، 1988م.
8- عبد الرءوف أحمد عمرو"دكتور": تاريخ العلاقات المصرية الأمريكية 1939م، 1957م.
9- فريد عبد الخالق: الإخوان المسلمون في ميزان الحق، ط1، الأهرام للطبع والنشر،1992م.
10- محمد الطويل: لعبة الأمم وعبد الناصر، الطبعة الأولى، المكتب المصري الحديث، القاهرة 1986م.
11- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
12- محمود فوزي: ثوَّار يوليو يتحدثون، الزهراء للإعلام العربي، ط1، 1988م.
------------
** باحث في تاريخ الجماعات الإسلامية والمسيحية-