مع حلول شهر رمضان تنتعش بداخل أرواحنا مشاعر الإنابة والخضوع والافتقار إلى المولى عزَّ وجلَّ، تولَد بداخلنا الرغبة في التوبة والقرب منه، بالرغم من أنه شهر كسائر الشهور، لكنه يتميز عنها بروحانياته، والتي نفتقر إليها وننتظرها من العام إلى العام، مع ازدحام أوقاتنا بالعديد من الأمور: الأشغال.. والأزواج.. والأولاد.. وغيرها، مع أننا نجد فيها ما يسعدنا وما يشقينا، فهكذا الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وإنما أوقات لك وأخرى عليك.

 

نعيش هذه الحياة ونتقبَّلها بحلوها ومرِّها، في حين أن هناك حياةً أخرى لا تعرف معنى للشقاء أو الحزن أو الكدر.. إنها حياة القلوب العامرة بحب الله، والقرب منه.. تلك القلوب التي أبت أن تعيش كسائر القلوب، تنتظر اليوم تلو الآخر دون تجديد، لكنها نسجت من حياتها التقليدية ثوب الحياة الربانية، حياة العابدين العاملين والمخلصين في أعمالهم.

 

ما أجمل أن يعيش الإنسان وهو يستشعر معيَّة الله في كل أحواله وفي كل أوقاته، عندما يقوم بأشغاله يتذكَّر المولى عزَّ وجلَّ فيدفعه ذلك إلى إتقان عمله وإتمامه على أكمل وجه يرضي ربه.

 

وعندما يستشعر الزوجان تلك المعية فلا يظلم أحدهما الآخر، ويحيان كما أراد الله لهما الحياة في طاعة له، يعين أحدهما الآخر على عبادة الله وإخلاص النية له، ويربيان أولادهما على حب الله وطاعته والتضحية من أجله.

 

ما أجملها من حياة يرتقي فيها الإنسان بنفسه بمشاعره بكل ما يملك، يحيا لا يعرف للحقد أو الأنانية أو الكره أو القسوة مكانًا بداخل قلبه، ولم لا وقد ملأ قلبه بأعظم ما في الوجود.. إنه حب الله عز وجل، وكما قيل:

رباه إني قد طلبت رضاكا                        فاشرح فؤادي دائمًا لهواكا

واغفر ذنوبي ما ارتكبت مطاوعًا                   شيطانًا اختصم الهدى وعصاكا

أصبحت من ثقل الذنوب محمَّلا                     ما لا أطيق مناديًا إياكا

إني وإن كثرت ذنوبي واثقٌ                         أن لن يخيب سؤال من ناداكا

كم من ذنوب للعباد غفرتها                          أنت الغفور ولا غفور سواكا

 

والآن.. لم يبقَ سوى أن نعاهد الله أن نجعل من شهر رمضان المقبل هذا بدايةً لحياة جديدة تُبنى على طاعته والإخلاص له، فما أعده الله لعباده يستحق منا بذل كل ما في وسعنا حتى نحظى بمنتهى اللذة، وهي النظر إلى وجهه الكريم، ومرافقة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.