قبل أن أجلس أتابع الحلقات الثلاث الأولى من مسلسل الجماعة، طرأ على ذهني عدة أسئلة وهي لماذا أنتج هذا العمل في هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا حشد له هذا العدد الضخم من كبار نجوم السينما المصرية كضيوف شرف أمثال أحمد حلمي- منة شلبي؟ ولكن بمجرد أن جلست وتعايشت مع الأحداث- وتحديدًا في الحلقات الثلاثة الأولى- أصبت بخيبة أمل وصدمة مروعة.

 

أعتقد أن وحيد حامد أراد أن يسجل من خلال هذا العمل أكثر من هدف على المستوى السياسي والاجتماعي، فالمسلسل لا يتعدى سوى خلطة أمنية خالية من الدراما أو من المعايير الدرامية المتعارف عليها، مكونات هذه الخلطة هي مجموعة من الملفات والقضايا، جميعها يراد بها تأكيد منهج العنف وتوجهات الجماعة من خلال التنظيم المسلح، وهو ما أظهره السيناريو في قضية طلبة الأزهر والاستعراض الذي قام به هؤلاء الطلبة تحت شعار صامدون صامدون؛ حيث جاءت هذه المشاهد- كما شاهدناها- أشبه بفيلم تسجيلي بعيدة كل البعد عن النسيج الدرامي.

 

أضف إلى ذلك الافتعال الشديد والمبالغ فيه في طريقة استجواب الطلبة بنيابة أمن الدولة العليا، وهذا يخالف الحقيقة تمامًا؛ حيث حاول وحيد حامد إقناعنا بأن وكيل نيابة أمن الدولة (أشرف- الممثل الشاب حسن الرداد) يلعب دور المحايد والناصح والمنصف في آنٍ واحد والباحث عن الحقيقة وكأن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ظهر فجأةً ولم يسمع به من قبل!.

 

والغريب أن وحيد حامد لم يوفق هذه المرة في أن يلعب على الأحبال الشائكة؛ حيث دفع بقضية غسيل الأموال الشهيرة التي تعرَّض لها عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين لتأتي المعالجة الدرامية لهذه القضية ساذجةً ومباشرةً وسطحيةً دون تمهيد للدفع بها فأحيانًا المقدمات لا تؤدي إلى نتائج.

 

في نفس الوقت حاول المؤلف أن يحقق نوعًا من التوازن بين حالة من الهجوم الشرس على جماعة الإخوان المسلمين وتأكيد صفة الفساد للحزب الحاكم، ولكن المأثورات التي جاءت على لسان (المستشار عبد الله كساب- الفنان عزت العلايلي) لم تفلح في إقناعنا بأن الكاتب وحيد حامد قد اقترب بصدق من الفساد الذي يغلف النظام على كافة الأصعدة والمستويات.

 

وقد فرض هذا العمل كمًّا هائلاً من علامات الاستفهام لم تتسلل لوعيي فقط بل خيمت على كل متابع متخصص يشاهد "الجماعة"؛ حيث حشدت للعمل ميزانية ضخمة لم تتوفر في إنتاج درامي على مدار تاريخ الدراما التليفزيونية، وهو ما يرسخ الاعتقاد بأن الجهة الإنتاجية الوحيدة القادرة على أن تنفق على مسلسل الجماعة بالصورة التي ظهر عليها تتجاوز حد كونها مجرد شركة إنتاج فني لتكون هي الدولة نفسها بينما تبقى شركة الباتروس مجرد ظل لاتحاد الإذاعة والتليفزيون الذي لا يريد الظهور في الصورة!!.

 

ومن حسن الحظ أن الحلقات الثلاث الأولى حملت إجابات وحيد حامد على كثير من الأسئلة ومنها حول المستهدفات من وراء هذا المسلسل ومنها:

 

- أن هذا العمل قد تم إنتاجه وإذاعته خلال شهر رمضان بهذه الصورة لضرب الجماعة قبيل انتخابات مجلس الشعب.

 

- خلق حالة من الفزع والهلع في نفوس البسطاء لتأكيد أن هذه الجماعة جماعة عنف وإرهاب.

 

- تأصيل الخوف والفزع في نفوس الشباب الذي ينضم لهذه الجماعة المحظورة من وجهة نظر النظام، بعد أن تم القبض عليهم وإحالتهم إلى نيابة أمن الدولة العليا بتفاصيل درامية تحمل مباركة الدولة التي وافقت على خروج هذا العمل بهذه الصورة.

 

ولذا تدفع مشاهدة المسلسل إلى اليقين بأنه سيجعل المشاهد يبحث في هذه الجماعة وتوجهاتها سواء كان معها أو ضدها أو حتى لم يسمع عنها من قبل ليتعرف على منهجها وتاريخها.. ولذا فستبقى أماني الكاتب وحيد حامد وما وراءه من حشود إنتاجية ضخمة في بث الخوف والفزع في نفوس المشاهد ضد الإخوان مجرد أمنيات تقتلها ركاكة المعالجة والتوجيه المفضوح، وهو ما يؤكد أن الخلطات الأمنية لا تنتج دراما ولا تصنع فنًا.

-------------

* صحفي وسيناريست وناقد