ما أعظم أن توصف بالمحظور رغم سطوع ضوئك كالشمس الوهاج، فلا ينكر منصف ما ارتقى به الإخوان المسلمون طيلة 100 سنة من تاريخ البشرية، وبرغم قلة عدد السنين، إلا أن المقياس الذي تقاس به جماعة مثل الإخوان مقياس رباني لا يستطيع أحد منا أن يفصله عن البشر مهما حدث لها من معوقات.
لقد حفظت هذه الأمة عن النبي حديثه الشريف.. "إن الله يبعث على رأس كل مائة عام مَن يُجدد لها دينها" (رواه أبو داود)، ولما سقطت الأمة بجسدها المترهل في براثن الإلحاد والفكر الغربي واللهو، أصبح حالها لا يُبشِّر بخير، ولقد أذن المولى عز وجل ببزوغ نجم حركة إسلامية تمثل الإسلام الحقيقي بشموله ووسطيته وعمق نظرته، فأخرج لنا جماعة الإخوان على يد مُلهم رباني عام 1929م اسمه حسن البنا الساعاتي، امتدت حركته بعد ذلك لتشمل العالمين العربي والعالمي بوجودها في 100 دولة وأكثر، فالجماعة لا يلزمها مسلسل حتى تقول للجميع إننا هنا موجودون بدعمكم وثقتكم فينا، وبفضل ربانية الدعوة.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الرائع (أمتنا بين قرنين): ولقد عملت الحركة على تكوين جيلٍ أو أجيالٍ جديدة تُحسن الفهم السليم للإسلام بعد حملات تضليل وغزو فكري واستعمار ثقافي يورث العقل المسلم- وتحسن الإيمان به هدفًا للأمة، ومرجعًا لها، تهتدي به إذا ضلَّت وتحتكم إليه إذا اختلفت، فجاءت حركة (الإخوان المسلمون) تقوِّم ما اعوجَّ، وتُزكِّي منها ما دُنِّس، وتحسن العمل والجهاد معًا، وأن تكون كلمة الله هي العليا والحاكمة الشرعية الحاكمة في كل الأمور.
شهداء الجماعة.. هل نسيهم وحيد حامد؟
بعد أن استشهد مؤسسها الإمام البنا استشهد من بعده رجال مخلصون من أبنائها على سبيل المثال وليس الحصر (عبد القادر عودة- محمد فرغلي- يوسف طلعت- سيد قطب- كمال السنانيري وآخرهم الشهيد أكرم زهيري)، ومع هذا كله بقيت الدعوة ماضية إلى حيث يأمرها المولى عز وجل، وعلى الرغم مما أصابها من تعويق وأخَّر سيرها- بقيت حية قوية لم تهن، متحركة لم تتوقف، آملة لم تيأس؛ لأن جذورها طيبة وثمارها أطيب.
ولكن يبدو أن الجانب الآخر المتربص المتوجس يخشى أن تقوى شوكة الإخوان وتزداد صلابةً وتتسع حركتها وتقوى فقاموا بصرف ملايين الجنيهات على المسلسل حتى لا تصبح الجماعة هي الحاكمة في البلاد وعلى العباد، ويخيب ظن المتربصين في دور السينما أن يتحول إلى دور عبادة، وفساتين السهرة والسواريه فيصبح قطعتين تلبسان في الرأس (الطرحة) وعلى الجسد (الجلباب) أو ينصرفوا فيجدوا الآثار المترامية الأطراف في مصر إلى رمال تباع للبناءين بالأجولة، ومن ثم تغلق المسارح ويصبح التلفزيون طيلة 24 ساعة آياتٍ من الذكر الحكيم وقليل من التواشيح، هذا ما يحلمون به أن يحدث، وهو غير صحيح، إن الناظر إلى أحوال الإخوان أفرادًا وجماعةً، ومَن يقترب منهم ويتعامل معهم يجدهم مصريين حتى النخاع في المقام الأول، مثقفين، طالبي علم، أولاد بلد.
آثار دعوة الإخوان في الشارع المصري
إن الشعب المصري بطبيعته يميل إلى الوسطية والاعتدال في كل الأمور، فلا يرضى مثلاً أن تتعرى له زوجة أو ابنة أو أخت، وإن حدث فذلك نشاز عن الوضع الحالي في مصر، لقد أوجدت جماعة الإخوان المسلمين في مصر نوعًا من الميزان الحساس الذي يقاس عليه الفعل ورد الفعل.. أتذكر في عام 1990 عندما قمنا بتوزيع (الحجاب) على السيدات اللاتي أردن أن يلبسن الحجاب ولكن ضيق اليد منعهن من إتمام الأمر، توجَّه عددٌ منهن إلى زنقة الستات وميدان الساعة الشهير بالإسكندرية، وقاموا بشراء أقمشة، ثم قاموا بحياكة آلاف من (الخمارات)، ومن ثَمَّ توزيعه على السيدات عقب صلاة الجمعة، وكان مشهدًا لا يوصف؛ حيث ارتدى معظم النساء الحجاب في مشهد أطلق عليه الإخوان سرب الملائكة من روعة جمال السيدات في لباس الحجاب!!
أتذكر أيضًا بعد أن قرر الإخوان عمل أول صلاة العيد في الخلاء، وكنا في نفس تلك الأيام من الشهر الفضيل قام الإخوان بتوزيع مطبوع بعنوان (أهلاً بالعيد) مصحوبًا بكلمة في صلاة العيد بالخلاء، واحضر سجادة الصلاة وهدايا للأطفال؛ حيث تجمع آلاف من المصلين مكبرين وفرحين بصلاة العيد في الخلاء، وقد كانوا يصلون في المساجد وينصرفون ودمتم.
ولم تقف آثار دعوة الإخوان الطيبة عند هذا الحد فقط للعوام، بل اهتمَّت بالمثقف المصري وأصدرت مطبوعاتٍ تحمل اسم الإخوان من مجلات ومطبوعات وجرائد وضعت فيها خيرة الكتاب والأدباء والمفكرين يتناقشون ويتحاورون فيما بينهم.
وأيضًا اهتمت بالجانب الإنساني والآدمي للمصري الفقير؛ حيث إنها كانت من أوائل مَن قاموا بما سمى بعد ذلك (شنطة الخير) ثم تحوَّلت إلى (شنطة رمضان) ثم تحوَّلت إلى مشاريع من الشنط المدرسية والأعياد والمواسم المتلاحقة، والتي لا يقوى البيت المصري على تحملها.
وأتذكر أيضًا موقفًا جديرًا بالذكر أول مرة أسمع فيها اسم الإخوان المسلمين عندما هدم بيت قديم على أصحابه في أحد الأزقة، ووجدت شبابًا متطوعين في عمر الزهور قاموا بإنشاء ثلاث خيام متوسطة الحجم لأهالي المنزل المهدوم كتب عليها (الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) إهداء من الإخوان المسلمين بنفس الشعار الموجود حتى الآن، ولا أريد أن أنسى كمًّا من الإنجازات التي أظهرتها حركة الإخوان في مصر منها النقابات المهنية منذ عام 1987م، والتي كانت مهملةً ومنهوبةً، وكذلك انطلاق حملات نصرة فلسطين لأنها قضية كل عربي مسلم كانت على عاتق وكاهل الإخوان المسلمين والتي استطاعت أن تشرك جميع طوائف الشعب المصري في الحفاظ على أن القضية هي قضية كل عربي مسلم إلى يوم الدين حتى تحرر.
مَن المستفيد من التشويه؟
لقد رأيتُ أجيالاً من المفكرين الكبار في مصر، سلَّموا عقولهم لأفكار دنيوية قد أخذتهم إلى حيث الدعوة، من هذه الأفكار، فكرة (كارل ماركس) في الفلسفة الجدلية المادية، والصراع الطبقي، وكانت الفكرة الأولى هي: الفكرة الليبرالية التي تتبنَّى الفلسفة الفردية وحرية الفرد السياسية، بالرغم من الانقسام الذي كان يسود مصر في العقود الماضية بين التيار اليساري والليبرالي، إلا أن هناك مَن قال من المفكرين إن وسطية الإسلام هي التي بقيت بعد زوال الفكر اليساري الشيوعي المبني على القهر، وكذلك الليبرالي المبني على الحرية الفردية والتي هدمت أكثر مما بنت.
لذا كان وجود الإخوان في هذه الأزمة حقًّا أصيلاً في تميز الإخوان بمرحلة سُميت بمرحلة الدفاع عن الإسلام، فكل ما تميز به الإسلام من أحكام وتعاليم يجب أن يوضع في المقام الأول عند الإخوان، لهذا سعوا إلى إنصاف المرأة وحقها في الميراث، وحقها في التزين الداخلي في بيتها، وعدم إظهار ذلك خارجه، وكذلك قضية (الربا)، وأن الحكومات التي كانت تقوم على الفوائد والربا حدث لها الانهيار (الأزمة الاقتصادية الأخيرة) وغيرها.
والسؤال: لماذا تشويه الإخوان المسلمين بحجة أنهم يقودون الوطن بالإسلام إلى الرجعية والتخلف، برغم المظاهر الواضحة للجميع من انهيار حالات متقارنة من الأفكار التي انتهت بوفاة مؤسسها راجع كتاب (الإسلام وأصول الحكم).
وإذا كنت لا تصدق راجع أفكار هؤلاء قبل وبعد تحولهم بفكرة الإسلام صدقًا منهم د. منصور فهمي، د. إسماعيل مظهر، د. مصطفى محمود، كلهم تحولوا من الماركسية والليبرالية إلى صفاء ونقاء الإسلام بمفهومه الشمولي، وكان لحركة الإخوان المسلمين الدور الأكبر في هذا التحول. راجع كتاب (من هنا نبدأ) لخالد محمد خالد.
لقد أحدثت جماعة الإخوان المسلمين نوعًا من الصحوة في السنين الماضية: صحوة في العقود والأفكار، صحوة في القلوب والمشاعر، صحوة في العزائم والإرادات، صحوة في السلوك والالتزام، صحوة في الجهاد والغيرة، صحوة في الكفاح المشروع، صحوة في النساء المسلمات، ولكل واحدة من الصحوات جذور وثوابت تنصف بها جماعة الإخوان المسلمين.
إن كل ما يطلبه الإخوان من الحكام أن يتركوا الفرد للاختيار، وهو حق من حقوق الإنسان كفلته المواثيق والدساتير المحلية والدولية.
لماذا حسن البنا؟!
الناظر إلى إستراتيجية الرجل القرآني حسن البنا؛ الذي جسَّد بدعوته شمولية الإسلام وتوازنه وربانيته وواقعيته، يجعل كثيرًا من أولي الأرباب يحارون في فهم هذا الرجل المتواضع البسيط، فلا يصدقون أنه قام ببناء حركة من على المقاهي، وبنى مجتمعًا من العمال، والحقيقة أنه الوحيد الذي ربط الفكر بالحركة والعلم بالعمل والتربية والجهاد، كما جمع بين نقاء السلفية والصوفية السنيَّة، ودعا إلى الإسلام عقيدةً ونظامًا ودينًا ودولةً وعبادةً وقيادةً (1368هـ- 1949م)؛ لذا فقد أثمرت هذه الدعوة وانتشرت رسائله وتلاميذه في العالم أجمع، فكان هذا الملهم غذاءً ووقودًا للصحوة الإسلامية تاريخًا لا ينسى، وواقعً لا يُتجاهل، ورمزًا لا يندثر.
فليهنأ أصحاب القلوب الرحيمة بما يعتقدون، وليأخذوا منا ما نقوله عن تراثنا لا من غيرنا، نحن لا نقف عند أي فرد يريد أن يكتب عنا أو يصنع تاريخًا مزيفًا، فالأحرى به أن يقرأ التاريخ جيدًا عن الإخوان حتى يعلم ماذا يريدون.
رحم الله الإمام البنا فهو القائل: "كونوا كالشجر، يرميه الناس بالحجر، فينزل إليهم بالثمر".