في الدراما نعرف شخصية البطل الضد أو المضاد، ويعنى بها شخصية بطل العمل الدرامي عندما تكون شخصية غير مرغوب فيها أو منفرة أو شريرة.
وتقع حيلة وحيد حامد الدرامية الأساسية في هذه النقطة؛ إذ إنه يستدعي كل خبرته الدرامية في تشويه تاريخ الرجل (الشيخ حسن البنا) والعبث بنواياه من كل عملٍ يؤديه وتحريف حواراته وسلوكياته على نحو ينفر المتفرج البسيط.. سبق أن شرحت كثيرًا من تلك الحيل الدرامية في عديد من مشاهد المسلسل لكن الأمر ما زال يتصاعد في الحلقات حتى يجعله يتهم من الآخرين في هذه الحلقة بالهوس حسب مصطلح الطب النفسي؛ وذلك على لسان أحد كبار العلماء، ولا يقتصر الأمر على تشويه شخصية الرجل بل على إنكار إنجازه في تحريض كبار علماء الأزهر نحو عمل كبير.. فكيف سارت الألاعيب والحيل في هذه الحلقة؟
أولاً في لقائه مع الشيخ محب الدين الخطيب يشكو إليه الشاب حسن البنا من ضيق ذات اليد وقلة رزق والده بعد انتقاله للقاهرة فيبشره محب الدين الخطيب بأن له علاقات مع المملكة السعودية، وأن المملكة تنفق على نصرة الإسلام وأنها ستمول تحقيق والده لكتاب فتح الباري الضخم (رشوة سياسية)، وهنا تنفرج أسارير الشيخ البنا (بداية التمويل وشراء الجماعة).
طبعًا الأستاذ وحيد يلعب على جهل الناس بالتاريخ، فالسعودية في عشرينيات القرن العشرين كانت لا تزال فقيرةً جدًّا وبدون نفط ولا تزال تتلقى المعونات من الحكومة المصرية وما زالت حينها التكية المصرية في المدن المقدسة تفتح أبوابها للناس كما تهدي الحكومة المصرية لباس الكعبة الحريري كل عام للمملكة، لكن السيد وحيد ظن فينا كمشاهدين السذاجة والغفلة ففضل أن يسير وراء تحقيق أهدافه بتشويه شخصية المؤسس حسن البنا بأي طريقة.
صدقوني.. أنني أتساءل أحيانًا هل وحيد حامد هو مَن كتب هذا المسلسل الساذج فعلاً أو هو المسئول عن جميع ما كتب فيه؟ الله أعلم.. لكن ما يدهشني أن اسمه وضع على تتر المسلسل كالمشرف العام على إنتاجه؛ مما يعني أنه ليس تأليفًا فقط بل تدخل حتى في فنيات الإخراج وتنفيذ المشاهد؛ أي سبق إصرار وترصد على تحقيق الأهداف المرصودة.
في مشهد الحوار مع الشيخ الدجوي ثم الانتقال إلى منزل الشيخ محمد سعد يذكر البنا أنه تكلم بقوة وغضب وأن بعض الحضور ردوا عليه بقسوة، وهنا تأتي فرصة وحيد لتخيل كل ما لذ وطاب من وصمات نفسية سيئة فمن قائل له إنه يتكلم برعونة وحماقة ومن قائل بأنه يردد كلامًا كالأسطوانة، ثم في منزل الشيخ محمد سعد يصفه أحدهم بما يسميه الطب النفسي بالهوس، وهكذا تحول الشيخ المعمم إلى طبيب نفسي يحلل شخصية البنا ويجدها مصابة بمرض الهوس (وهنا يقول وحيد: هذا هو شيخكم).
لكن الحقيقة أن الأكثر إجحافًا من وصف البنا بالجنون (ومعلش؛ هكذا وصف الأفضل من قبل: الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم)، كانت في إنكار المسلسل لإنجاز الشاب البنا من هذا اللقاء الذي انتهى بوضع قائمة من وجهاء مصر وعلمائها للاتصال بهم أجمعين وتكوين نخبة للعمل للإسلام ورفع شأنه العليل من خلال إصدار المجلات والجرائد وتأسيس الجمعيات التي تأوي الشباب وتنشيط حركة الوعظ والإرشاد ثم تحوَّل الأمر بعد ذلك بينما الأستاذ البنا في الإسماعيلية إلى تأسيس جمعية الشبان المسلمين.
كان هذا الإنجاز نتيجة حماسة الشيخ البنا أمام الشيخ الدجوي وتأثره أخيرًا مع الحاضرين بمنطقه وقناعتهم به لدرجة الانطلاق في العمل الذي حدد، أما كيف انتهى اللقاء كما وصفه الأستاذ وحيد أو البروفسير وحيد بعد تحليله النفسي لشخصية البنا والوصول إلى نوعية المرض الذي كان يعانيه، فقد انتهى بسخرية أحد الحاضرين منه بعد أن قال إن مطلبه إصدار مجلة (هكذا فقط) فقال له: "يعني كل هذه الغاغة عشان مجلة، اعمله مجلة يا شيخ دجوي"، ويخرج البنا من اللقاء فاشلاً محبطًا وزيادة على ذلك افتضح مرضه النفسي.
انظروا ماذا تصنع الدراما الفاسدة؟
حوارات مصطنعة
أخبرني بعض المتابعين لمسلسل الجماعة أنهم لم تعد لديهم الرغبة في مشاهدة هذا العمل فبصرف النظر عن التشويه والهجوم والسباب سواءً لمؤسس الجماعة أو قياداتها أو شبابها وكل ذلك كان متوقعًا من وحيد حامد، إلا أن الأحداث بطيئة والحوار متكلف ومصنوع وغير منطقي في حالات عديدة وهناك إحساس بالرتابة والملل.
الحقيقة كل مَن يحس بهذه المشاعر معذور ومدفوع إليها فللكتابة الأدبية كما للأعمال الدرامية أصول يجب أن تراعى، وإذا اختلت أو ضعفت أو تغيب بعضها ساء العمل وفقد جاذبيته ثم يفقد إقناعه ثم أخيرًا قد يستنفد صبر المشاهدين على متابعة بعض مشاهده ويسبب نفورهم منه، وسأقوم مع حضراتكم باستعراض أهم السلبيات التي لا يجب تواجدها في العمل الأدبي أو الدرامي بصفة عامة لتحظى بالقبول والجاذبية، ولكي نفهم لماذا هذا العمل يستنفد صبرنا على متابعته على الرغم من أننا كنا قد حصّنا أنفسنا بتوقع شتى أنواع الهجوم والإساءة في المسلسل.
على كاتب الأدب أن يتحرى ألا يقع في الأخطاء التالية حتى تكون كتاباته مقروءة ومقنعة ومؤثرة وجدانيًّا:
1- المبالغة والإسراف: فلا يبالغ في وصف سلوك أو مشاعر أو مظاهر أو صفات جسمية أو نفسية سواءً جيدة أو ذميمة على نحو يجاوز المعقول.
2- التحيز وعدم الموضوعية: كأن يأخذ رأيًّا مسبقًا تجاه شخص أو طائفة من الناس يتناولهم في كتابه ولا يدع مجال للقارئ منذ الصفحة الأولى للتفكير أو الخيار.
3- السطحية: كأن يعالج قضية يدور حولها جدل بأحكام عامة وسريعة بدون مبررات منطقية أو حجج ودون تحليل أو بناء للأحداث يعتمد على المنطق والمسلمات الاجتماعية والتاريخية.
4- عدم المصداقية: كأن يكتب على عكس الحقائق الثابتة دينية كانت أو علمية أو تاريخية أو اجتماعية. فالذي يكتب قصة عن جبن الإسكندر مثلاً سيحدث النفور والإعراض بعد عدة أسطر منها.
5- الغرابة وعدم الواقعية: كأن يكتب عن مجتمع معين بأخلاقيات وقيم مجتمع آخر أو يكتب مثلاً عن مشكلة اجتماعية معينة لا تخص المجتمع الذي يقص عنه أو يكتب عن شخصية تاريخية بملابسات وظروف زمن آخر.
6- التفكك والتشظي في بنية العمل: وذلك عندما يضعف الارتباط بين الأحداث والشخصيات.
7- عدم المنطقية. وذلك عندما تتصاعد الأحداث أو يتصرف الأشخاص بعكس ما يفترضه المنطق في ظروف مشابهة أو في بيئة مقاربة أو على عكس تفكير القارئ وتوقعاته في سيره مع الأحداث.
8- الدعائية: وهو أن يتوجه الكاتب بعمله من أجل دعاية لصالح جهة ما سياسية أو عقائدية أو ضدها وبصورة ظاهرة ومباشرة.
9- الخطابية والمباشرة: وهو أن يفصح الكاتب بصورة مباشرة عن أفكاره وآرائه على لسان الشخصيات أو الراوي دون أن تظهرها الأحداث أو يبلورها البناء الدرامي.
10- العقم والجمود: وهو عندما ينتهي العمل من حيث بدأ دون تطور على الشخصيات أو القضايا المعالجة.
11- القولبة وتنميط الشخصيات: تمامًا كبدايات العمل الدرامي حيث تمثل شخصية الخير المحض وتمثل شخصية الشر المحض. وهنا لا يجهد الكاتب نفسه في إبراز ايجابيات وسلبيات الشخصيات التي يتعامل معها بل يأخذ منها مواقف مسبقة ويضعها في قوالب نفسية أو سلوكية لا تحيد عنها.
12- الفقر وعدم التنوع: وهو ما يخص زمن العمل ومكانه وشخصياته.
13- الابتذال والفجاجة: وهو عندما يبالغ الكاتب مثلاً في إبراز واقعية طبقة أو فئة منحطة أو عندما تنحط لغته أو تصوراته. وكذلك عندما يتصادم مع مشاعر الناس وقيمهم وتصوراتهم.
14- التكرار والإسهاب: ويحدث عندما يتبنى الكاتب رؤية أو موضوعًا يحرص على إبرازه والتكلم فيه بصورة مكررة على لسان عديد من شخصياته.
15- عدم الأصالة والتقليد: ويحدث عندما يتوقف الكاتب عن الإبداع ويقوم بتكرار موضوعات أو قصص سابقة وإعادتها بصورة معدلة.
16- الإفراط في التعميم أو التفصيل: كأن يعطي معلومات عامة وغير كافية عن شخصية في عمله أو العكس عندما يضيع أغلب العمل في الكلام عن تفاصيل صغيرة وغير هامة في حياة شخصية ما.
وفي الحلقة التاسعة يمثل وحيد حامد الشيخ البنا بأمير الدهاء، وعلى خلاف جذري مما ورد بمذكرات الدعوة والداعية يدعو الشيخ البنا الشيخ الذي كان يجادله بالمسجد إلى داره ويقدم له مائدة عامرة بالطيور والطعام فيلتهمها الشيخ الأزهري كليث ضارٍ ولا ينتبه للكتب التي يقدمها له الشيخ البنا الذي يبتسم ابتسامة واسعة لصديقه المندهش من فظاعة ما يفعل البنا وهو ما يجعله يعلن له بالمسجد "أنت اشتريت الرجل بعشوة".
لم ينتبه وحيد أنه يهيل الوسخ على رجال الأزهر وهو يكتب هذه المحرفات المشوهة وما كان يهمه مثل هذه الأمور في سبيل اغتيال الشيخ معنويًّا بعد أن اكتشف الجميع أن اغتياله جسديًّا لم يكن كافيًا. في هذا المشهد نكتشف كثيرًا من عيوب الدراما: المبالغة والابتذال والسطحية والدعائية وعدم المنطقية وضياع المصداقية (فالبنا رجل معاصر معروف وكل ما عرف عنه من عموم الناس ضد كل ما ذهب وحيد).
في مشهد آخر تستمر فرية وحيد بأن السعودية تشتري البنا عن طريق محب الدين الخطيب الذي يكون واسطة لتدفق الأموال إلى والده لتحقيق كتاب فتح الباري وتقع هنا كل معظم العيوب التي وقعت في المشهد السابق بالإضافة إلى التكرار والإسهاب والتي تجعل الناس ينفصلون شعوريًّا عن المسلسل. ولكن وقبل أن ينتهي المشهد وفي لقطة بوليسية يخبر الخطيب والد البنا بأنه يعد مفاجأة للشيخ البنا ستسعده كل سعادة. فهل أراد الكاتب أن يقول بأن ذهاب بعض الناس للبنا ليعرضوا عليه ولاءهم في الجزء الأخير من الحلقة كان ترتيبًا من المخابرات السعودية أم ننتظر مفاجأة من عيار أثقل؟!!
في مشهد أسطوري غريب يجلس البنا على منبر مسجد صغير بينما الناس وقوف أمامه يرفعون واحدًا تلو الآخر أيديهم اليمنى بجوار وجوههم على طريقة القسم الأمريكي ثم يبايعون البنا وقد اكتست ملامحه بكبرياء وغرور ثم يتقدمون نحوه منحنين يقبلون يده دون اعتراض منه بل إقرار ورضا.
ويأتي هذا المشهد بعد مشهد تمهيدي في عقب الزيارة المفاجأة التي قام بها ستة نفر من الناس له في داره يطلبون قبولهم في عمل معه فيطلب منهم السمع والطاعة ثم بلهجة أكثر جدية يذكرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينصح فيه الناس بضرب عنق مَن يخرج على أميرهم.
بالطبع لم يكن هذا موضع لحديث رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن وحيد أراد أن يبث جوًّا مرعبًا يستكمله بملامح البنا ولهجته النارية ونظراته الحادة فلم يبال أن يبث حديثًا في غير موضعه، وليت الأمر اقتصر من وحيد على الإساءة لرجال الأزهر. هنا تتكرر معظم عيوب الدراما مرة أخرى، فالهدف عند وحيد يستوجب التضحيات حتى بتاريخه ككاتب دراما.
بعد أن تشكل بنية الجماعة الأولى يتوجه كادر الكاميرا على وجه مرشد الجماعة المعاصر والذي شبه بالأستاذ مهدي عاكف شكلاً لكن بأي لهجة! وأي لغة! وأي علامات نفسية على وجهه تطلق الشرر والنار وتسخر وتستخف بمن أمامه ولو كان رئيس تحرير صحيفة جاء ليغتنم من أموال الإخوان من خلال الإعلانات أو عن طريق شراء آلاف الأعداد من صحيفته ويجاريه مرشد الإخوان ويشتريه. لا عقل ولا منطق ولا دراما أصلاً. فالممثل يبدو كأنه واقع تحت ضغط المخرج أن يقدم دور رئيس عصابة أو زعيم مافيا.
ويسبح المسلسل ضد العقل والمنطق والتاريخ والحقيقة مرة أخرى ليجعل طالب الطب المنتمي للإخوان يعترف لأبيه أنه انتهازي يريد رغد الحياة ولذلك شارك في التدريبات العسكرية للإخوان!!!!!!! أي منطق.. وأي عقلية.. الغرابة أن الطالب لم يصرح بذلك لوكيل النيابة ليتبرأ خوفًا من أن يفضح نفسه كما يخبر أباه لكنه يعترف بذلك بمنتهى البساطة والصراحة والسلاسة لأبيه.. حتى لو كان انتهازيًّا، ألم يكن أدعى لدموع الندم على غرور وخطأ ووهمية ما وقع فيه، أما شخصية وحيد فعلى صغر سنها حددت هويتها بالانتهازية ووضعت يدها بثبات على نقطة ضعفها ومرض نفسها وبالطبع شخصية لا تنتمي لكوكبنا البشري. فحتى الشيطان يحاول أن يبرأ نفسه وليس أعز على الإنسان من أهله ليبرئ نفسه أمامهم. هنا تقع الخطابية والمباشرة والدعائية جنبًا إلى جنب مع عدم المنطقية واللا مصداقية والابتذال والمبالغة وتفكك البناء الدرامي. ومن هنا يجد المشاهد نفسه نافرًا عن هذا المسلسل شاعرًا بالملل والضجر إذا ما حاول صبرًا أن يتابعه لكن لا أظن أن الكثيرين سيستطيعون.
مَن يسرق المصريين؟
يذهب أشرف مع والدته إلى منزل المستشار كساب لخطبة حفيدته، وفي الحوار بين الوالدة والمستشار يتم تذكر كل شيء كان جميلاً بمصر؛ العلاقات الاجتماعية والأمان في الشارع والاجتماع العائلي، والاحترام السائد بين الناس، ورقي حفلات أم كلثوم.. إلخ، ثم يتساءل المستشار كساب مَن سرق البهجة من المصريين؟ ويزيد على ذلك أنه لو كان في المنصة قاضٍ لحكم بالإعدام على مَن فعل ذلك؟
هذا الكلام يدفعني لطرح سؤال بريء.. ما علاقات مسلسل يتكلم عن جماعة الإخوان بسرقة البهجة من المصريين؟ ثم لماذا يُدخل وحيد حامد كلامًا عن أحكام الإعدام المستحقة لمَن أساء لحياة المصريين؟ كان مَن الواضح أنه يرمي إلى الإسلاميين، لكن الناس في بر مصر يا سيد وحيد يعلمون تمامًا من سرق البهجة من المصريين، بل من سرقوا مصر كلها.
فالبهجة لا توجد حيث يوجد الفقر والجهل والتخلف وإهدار آدمية الإنسان في أقسام الشرطة، بل وفي المؤسسات الخدمية التي هي من المفترض أنها قائمة على خدمته لا تعذيبه.
أم تذهب بي الظنون قليلاً وبعض الظن واجب كما أن بعضه إثم، هل الكلام عن أحكام الإعدام وارتباطها بسعادة المصريين له علاقة بتسويغ أحكام الإعدام في العصر الناصري الذي من المفترض أن تتعرض له بعض الحلقات القادمة؟
فوحيد حامد في هذا المسلسل يراهن على التأثير على عواطف الجماهير بعيدًا عن مخاطبة العقل الذي لن يقبل ما يثيرونه من ترهات.
على أي حال، عندما سرقت البهجة من المصريين، كان جل إن لم يكن كل أفراد جماعة الإخوان المسلمين داخل المعتقلات على امتداد العصر الناصري السعيد، وليخرج من بقي من الإخوان يطلون على الدنيا من جديد واهنين شائخين في منتصف السبعينيات، وليجدوا مصر وقد امتلأت بالشباب المسلم الملتزم، فمن سرق البهجة من المصريين ليتحول شبابها للبحث عنها من أصل تاريخهم وتراثهم مرة ثانية؟
لقد سُرقت البهجة وهم داخل المعتقلات في الاستضافة الكريمة لأجهزة الدولة الأمنية بكل ما عرف عنها من رقة ولطف ودماثة أخلاق كما بين السيد وحيد في المسلسل.
في ذات الحلقة يذهب الأستاذ البنا ليستأجر غرفة من كُتاب الشيخ علي الشريف ومعه أحد تابعيه وعلى امتداد الجلسة كانت إشارات يد الشيخ البنا الخفية والسرية من تحت المكتب لمرافقه تحتل كادر الكاميرا، لماذا؟ لأن السيد وحيد المشرف العام على إنتاج المسلسل يريد أن يُظهر العقلية التآمرية والنفسية المريبة التي تعشق العمل السري مع أن كل شيء في هذه الفترة كان علنيًا جهريًا ولم يلجأ الإخوان للعمل السري إلا بعد ملاحقتهم في العهد الناصري، كما كان هناك الجهاز الخاص، وليس السري كما يحلو للبعض أن يسميه، والذي أنشئ كجهاز مقاومة للاحتلال العسكري الكامن على أرض مصر، وكان يقوم بأعمال مقاومة عسكرية ضد الاحتلال البريطاني، وجهاز كذلك لا بد طبعًا أن يكون سريًّا حماية للمجاهدين المقاومين، أما ما عدا ذلك فلم تتبنى الجماعة نهجًا سريًّا، فلماذا الحرص على صورة أن البنا كان يسعى لتكوين جماعة سرية أو إظهاره كمدبر لعمل سري، بينما هو أنشأ شُعبًا ظاهرة فوق الأرض، فوق كل مكان من أرض مصر، ألم يكن تكلفًا وعدم منطقية عندما جعل المؤلف شخصية الأستاذ البنا تطلب من متابعيه أن يلتقوا بالزاوية الصغيرة حتى لا يراهم أحد، ولا يعرفون ماذا سيفعلون، فلم تكن السرية طابعًا في هذه المرحلة أبدًا، وهذه من تكلفات وحيد حامد العديدة.
يستمر المؤلف في تكرار ممل يضرب على وثاقة العلاقة بين الحكومة السعودية والأستاذ البنا؛ حيث يتوسط محب الدين الخطيب لكي يعمل البنا مدرسًا بمكة، وفي الحقيقة أنه تمت مقابلة للشيخ البنا مع حافظ بك وهبة بغرض نشر التعليم في المملكة السعودية، ورآها البنا فرصة لنشر رسالته خارج مصر، وبخاصة الانطلاق من مكة، ويقول كما كتب هو في مذكراته أنه قال لحافظ بك مستشار الملك عبد العزيز أنه لا يريد أن يُعامل هناك إداريًّا كموظف بل كصاحب رسالة، وكان ذلك هو شرطه للسفر للمملكة، لكن وحيد لا يذكر ذلك بل يكتفي بأن البنا اشترط ألا يعامل إداريًّا كموظف، هكذا فقط وكأنه يتحلل من التكاليف ويسعى للراحة وساق كلامه دون ذكر آخره "لأنه يريد أن يعامل كصاحب رسالة" وهكذا على طريقة "لا تقربوا الصلاة" ثم يختلق وحيد كلامًا على لسان حافظ بك يقوله للخطيب: "أنا لا أريد حسن البنا لشخصه بل لجماعته" أي إن الجماعة سيستغلها السعوديون ويوظفونها فيما بعد مع أن الجماعة في هذا الوقت لم تكن تتجاوز عدد مؤسسيها، ولم يكن عُرف أمرها أو اشتهرت حتى داخل الإسماعيلية.
المهم نعود ونتذكر سؤال بداية الحلقة من سرق البهجة من حياة المصريين؟ وكأن وحيد يريد أن يجيب إنهم هم السعوديون الذين حولوا مصر لمجتمع سلفي عن طريق استغلال الإخوان، هل يرى السيد وحيد أن الشعب المصري يمكن أن يستوعب إجابتين لسؤال واحد؛ فالشعب يعرف من سرق مصر والمصريين، ومن حرَّم عليهم السعادة والبهجة، وهو شيء يحتاج إلى سلطة وإعلام وقوة وأسباب وتَمَكُّن، بالإضافة إلى ذمم واسعة يمكنها من ابتلاع القطارات.. بل.. والعبارات.