الصورة غير متاحة

عبد العزيز محمد

لا شك أنه كان بإمكان المؤلف وحيد حامد من خلال مسلسله "الجماعة" أن يكون له شأن وقدر كبير؛ ولكن فقد فرصًا كبيرةً ضاعت منه ولم يستثمرها:

الفرصة الأولى: كان بإمكان وحيد حامد أن يصبح واحدًا من أعظم مؤلفي وكاتبي التاريخ في العصر الحديث إذا تحرَّى الدقة والموضوعية والشفافية وسرد الحقائق، لا اصطناع المواقف والأكاذيب وتعمد التشويه الذي ملأ به مسلسله "الجماعة"، وذلك بطبيعة الحال؛ لأنه يكتب لأكبر جماعة عرفها العصر الحديث، وذلك لما لها من أثر قوي في صياغة تاريخ حقبة من أصعب الحقب التي مرت بها مصر والعالم الإسلامي في عشرينيات القرن الماضي وإلى الآن، وكان لها أثرها في نهضة مصر والأمة الإسلامية، وذلك على يد مؤسسها الإمام البنا من خلال تمسكه بثوابت هذا الدين "الإسلام" عقائد وأخلاقًا وعبادات، ووضوح رؤيته في بناء نهضة هذه الأمة من جديد على ثوابت الإسلام وأصوله.

 

الفرصة الثانية: وهي أن اسم وحيد حامد كان سيظل يُذكر بالخير ما ذكر اسم جماعة الإخوان المسلمين.

 

الفرصة الثالثة: وهي فرصة لعودة وحيد حامد إلى حظيرة الإسلام ومبادئه التي تدعو إلى شمولية الإسلام، وأنه لا يمكن فصل السياسة عن الدين، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام)، ﴿ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)﴾ (النحل).

 

﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)﴾ (البقرة).

 

ويقول الإمام حسن البنا: الإسلام نظام شامل، يتناول مظاهر الحياة جميعًا؛ فهو: دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء.

 

وهذا المفهوم الذي يدعو إليه الإسلام مناوئ لمفهوم ومبادئ العلمانية التي يعتقدها وحيد حامد، وينادي بها ومن وراءه، ويحاول إظهار أن الخلط بين الدين والسياسة عيبٌ يجب التخلص منه والفصل بينهما من خلال المسلسل؛ لذلك كانت دعوتنا هي دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هي دعوة شمولية الإسلام.

 

الفرصة الرابعة: فرصة أن يكون آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر؛ بأن يقول للحاكم الظالم الفاسد "لا" وينال ثواب المجاهدين، ويشير رسول صلى الله عليه وسلم في حديثه إلى ذلك‏:‏ ‏"‏أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"‏، وفي حديث آخر‏:‏ ‏"‏إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له‏:‏ أنت ظالم، فقد تُودِّع منهم‏"‏‏؛‏ فإنه من الصعب على النفس السوية أن تخوض في أعراض الناس، وتشوه سيرتهم وتاريخهم مثلما فُعل مع الإمام البنا في هذا المسلسل الذي أجمع كل المنصفين وغيرهم من المسلمين على "أنه ملهم موهوب، أعاد للإسلام مكانته وهيبته ويدافع عن الإسلام ويحرص عليه".

 

الفرصة الخامسة: ألا وهي كسب ود واحترام الشعب المصري الذي يحب ويؤيد الإخوان المسلمين وجهادهم لنصرة الإسلام والحق ومقاومة الظلم والظالمين ورفعة أوطاننا الإسلامية والعربية.

 

فهل يدرك وحيد حامد ما فاته من فرص كثيرة كانت كفيلة بإسعاده في الدنيا والآخرة، وليعي من على شاكلته الدرس حتى لا تفوتهم الفرص ويستثمروها قبل فوات الأوان.. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾ )يوسف).