لم يكن الإمام الشهيد حسن البنا شخصيةً عاديةً، بل كان شخصية جاذبة لكل مَن يتعامل معه، وسواء أحبَّه أو كرهه إلا أنه في النهاية لا بد أن يعجب به، وفي هذه السطور نستعرض مقتطفات مما قاله القادة والمسئولون الذين عاصروا أو التقوا الإمام البنا، سواء في مقالات كتبوها في ذكرى استشهاد الإمام البنا، أو في مناسبات أخرى:

كتب علي ماهر رئيس مجلس الوزراء يقول: "عادت بي الذاكرة إلى عام 1935م، حين زارني الفقيد الكريم مع بعض أصدقائه بمناسبة انتقاله بجماعته من الإسماعيلية إلى القاهرة، متحدثًا في بعض الشئون العامة، وكان حديثه يشرح صدري وأسلوبه يشهد بموفور الثقافة الإسلامية والبصر بشئون الأمم العربية، وبراعة المنطق وقوة الحجة، وكان إلى ذلك شديد الإيمان بأنه يؤدي رسالة إنسانية سامية، دعائمها الإخاء والمحبة والسلام بين سكان البلاد جميعًا.

 

وفي مارس سنة 1939م بارحت لندن بالطائرة، إثر مؤتمر فلسطين، ووصلت القاهرة في مستهل الهزيع الأخير من ليلة لا أنساها، رأيت فيها جموع الإخوان تملأ فضاء محطة العاصمة، وتموج بهم أرصفتها، وسمعت نداءهم: "الله أكبر ولله الحمد" يدوي عاليًا، فيأخذ طريقه إلى القلوب، ويملأ النفوس إيمانًا بالله، وتجردًا، للمثل العليا".

 

وفي مقال تحت عنوان "الداعية الموفق" للسيد اللواء محمد صالح حرب باشا الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين، قال: "واستطاع- عليه الرحمة- أن يوقد جذوة الفكرة الإسلامية في صدور الآلاف من الشباب، فأقبلوا على الدين وعكفوا على القرآن وتعلقوا بأسباب الثقافة الإسلامية، وكان لهم في ميدانها جهود وجولات استطاع أن يرد غربة الإسلام بين هؤلاء الجاهلين به إلى معرفة وأنس، وبذل في سبيل ذلك من علمه وجهاده ووقته ونفسه وأعصابه وراحته ما لا تستطيعه إلا العصبة المجتمعة من أقوياء الرجال..".

 

 الصورة غير متاحة

محمد نجيب مع أسرة الإمام حسن البنا

وفي كلمة الزعيم محمد نجيب عن حسن البنا عقب نجاح الثورة، قال: "من الناس من يعيش لنفسه، لا يُفكِّر إلا فيها، ولا يعمل إلا لها، فإذا مات لم يأبه به أحد، ولم يحس بحرارة فقده مواطن، ومن الناس من يعيش لأمته واهبًا لها حياته حاضرًا فيها آماله، مضحيًا في سبيلها بكل عزيزٍ غالٍ، وهؤلاء إذا ماتوا خلت منهم العيون وامتلأت بذكرهم القلوب، والإمام الشهيد حسن البنا، أحد أولئك الذين لا يدرك البلى ذكراهم، ولا يرقى النسيان إلى منازلهم لأنه- رحمه الله- لم يعش في نفسه بل عاش في الناس ولم يعمل لصوالحه الخاصة، بل عمل للصالح العام.

 

وقال الرئيس جمال عبد الناصر في احتفال مجلس الثورة بذكرى استشهاد الإمام: "إنني أذكر هذه السنين والآمال التي كنا نعمل من أجل تحقيقها، أذكرها وأرى بينكم مَن يستطيع أن يذكر معي هذا التاريخ وهذه الأيام، ويذكر في نفس الوقت الآمال العظام التي كنا نتوخاها أحلامًا بعيدة، نعم أذكر في هذا الوقت، وفي هذا المكان، كيف كان حسن البنا يلتقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المبادئ العالية، والأهداف السامية، لا في سبيل الأشخاص ولا الأفراد ولا الدنيا".. ثم قال في نهاية كلمته: "وأشهد الله أني أعمل- إن كنت أعمل- لتنفيذ هذه المبادئ وأفنى فيها وأجاهد في سبيلها".

 

وقال صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة: "إن هذه الأخلاق العالية والصفات الحميدة قد اجتمعت وتمثلت في شخص أستاذ كبير، ورجل احترمَه وأجلَّه واعترف بفضله العالم الإسلامي كله، وقد أحبه الجميع من أجل المثل العليا التي عمل لها، والتي سنسير عليها إلى أن يتحقق لنا ما نريده من مجد وكرامة في أخوة حقيقية وإيمان أكيد، رعاكم الله ووحَّد بين قلوبكم وجمع بينكم على الخير".

 

وفي ذكرى استشهاده كتب المرحوم الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر، يقول: "إن الأستاذ البنا رجل مسلم غيور على دينه، يفهم الوسط الذي يعيش فيه، ويعرف مواضع الداء في جسم الأمة الإسلامية، ويفقه أسرار الإسلام وقد اتصل بالناس اتصالاً وثيقًا على اختلاف طبقاتهم، وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي، على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة".

 

 الصورة غير متاحة

الشيخ حسنين مخلوف

وتحدث الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية في الأربعينيات عن حسن البنا، وأشاد به وبمكانته بين الدعاة، فقال: "الشيخ حسن البنا أنزله الله منازل الأبرار، من أعظم الشخصيات الإسلامية في هذا العصر، بل هو الزعيم الإسلامي الذي جاهد في الله حق الجهاد، واتخذ لدعوة الحق منهاجًا صالحًا وسبيلاً واضحًا استمده من القرآن والسنة النبوية ومن روح التشريع الإسلامي، وقام بتنفيذه بحكمةٍ وسدادٍ وصبرٍ وعزمٍ، حتى انتشرت الدعوة الإسلامية في آفاق مصر وغيرها من بلاد الإسلام، واستظل برايتها خلق كثير".

 

وتحت عنوان "الإمام الشهيد يغزو الجامعات" كتب الأستاذ الدكتور محمد طه بدوي أستاذ القانون العام، يقول: "لقد كان الإمام الشهيد شمسًا وغيثًا وأملاً للجامعة بل للجامعات المصرية، فأنشأ مدرسته المثالية، وعلّم ألوفًا من إخوانه الفلسفة والمبادئ الإسلامية، فغزوا بعلومهم وأفكارهم وثورتهم كليات الجامعة، وإذا بنا نشهد جيلاً آخر هو جيل المجاهدين في سبيل الفكرة الإسلامية والوطن الإسلامي، ولم يعد يجرؤ أستاذ أن يتهجم بفلسفته على تراث الإسلام الغالي، ولم يستطع جامعي أن يُلوح للبشرية بنظام خير من النظام الإسلامي الذي وجد من تلامذة الإمام الشهيد".

 

ويقول الكاتب الصحفي الكبير كامل الشناوي بك: "لقد كان حسن البنا هو الزعيم الوحيد الذي آمن بالفكرة التي جاهد من أجلها، ولقد كان حسن البنا هو القائد الوحيد الذي تلمحه في صفوف الجنود".

 

وتحدث الصحفي المخضرم محمد التابعي عن حسن البنا وما دار بينهما من حوارات، استطاع من خلالها أن يتعرَّف على شخصية البنا عن قرب، فيصف البنا بقوله: "دائم الابتسام، فاره القامة، رحب الهيكل، يبدو قويًا كشجرة السنديان، في صوته عمق وعرض وطول، وللسانه سحر إذا تكلَّم يتكلم فيه بالألباب والأحاديث وأمجاد الجهاد الإسلامي".

 

وأرجع الشاعر والأديب علي الغاياتي كل ما بذل الإخوان من جهود إلى حسن البنا، فقال: "إذا صح ما قاله المغفور له الملك عبد الله الهاشمي من أن الإخوان المسلمين هم معجزة القرآن في هذا الزمان، فمما لا شك فيه أن مؤسس جماعتهم وراعي نهضتهم ومرشدهم العام المرحوم الأستاذ حسن البنا هو رب هذه المعجزة، فمن علمه وهديه، ونشاطه وروحه، وإيمانه وإسلامه، استمدت هذه الجماعة ما سمت به من عظيم الصفات، وما قامت به من جليل الأعمال".

 

ويشير الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس إلى بعض جوانب شخصية البنا وإخوانه، ويوضح كيف أن البنا فتح باب الاجتهاد وأعاد إليه رونقه وصفاءه بعد أن ران عليه غبار الجمود، وأشار إلى تضحية الإخوان في سبيل الدعوة، وأن شخصية حسن البنا قد مُلئت قلوب جميع المصريين بحبه على اختلاف دينهم، فكان- رحمه الله- ودودًا باشًا يحب كل من يلقاه ولم يفرِّق بين مسلم ومسيحي؛ لذلك فقد كان المسيحيون يحبونه؛

 

ففي كلمة للزعيم الوطني المسيحي مكرم عبيد باشا، قال: وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حي لدينا جميعًا في ذكراه، بل كيف لا يحيا ويخلد في حياته رجل استوحى في الدين هدي ربه، ففي ذكره حياة له ولكم، ومن ذا الذي يقول بهذا هو مكرم عبيد صديقه المسيحي الذي عرف أخاه المسلم الكريم الصدق والصداقة معًا..".

 

ويشير أستاذ الصحافة العربية والمصرية مصطفى أمين إلى أشد ما أعجبه في الإمام البنا فيقول: "إيمانه بفكرته، كان يؤمن بها بطريقة عجيبة، ويرى أن المستقبل لها، وقد انعكس ذلك على سلوكه، فكان له قدرة فائقة على إقناع الغير بذلك. أعجبني كذلك في حسن البنا أن إيمانه بفكرته لم يكن عاطفيًّا فقط بل كان محسوب الخطوات مدروسًا، ولم يكن متعجلاً رغم حماسه الشديد لما يؤمن به".

------------

* من كتاب "قالوا عن الإمام حسن البنا"