ماذا يريد وحيد حامد؟

"أنا عايز مصر بدون إخوان" تلك المقولة وردت في الحلقة قُبيل الأخيرة من المسلسل على لسان إبراهيم عبد الهادي (رياض الخولي)، لتلخص ما يريده وحيد حامد، وما يريده مَن كلفوه بهذا العمل، وما يريده الصهاينة والأمريكان والقوى المناولة للإسلام والمسلمين في الداخل والخارج.

 

ومن أجل هذا قام وحيد بتزوير التاريخ، وإلصاق كل نقيصة بالإخوان ومؤسس جماعتهم، والانحياز ضدهم بشكل فجٍّ بتزييف الوقائع، وقلب الحقائق، وتلفيق الأحداث وتحريفها، وتجاهل الأحداث التاريخية أو حذفها إذا كانت تصب في صالح الإخوان.

 

لقد داس هذا المؤلف العلماني على كل الأعراف المهنية والأخلاقية ليتهم زورًا جماعة الإخوان بالمتاجرة بالدين، والتكسب من الدعوة، وطمس جهادهم، واتهامهم بالعنف وعمالتهم لجهات عديدة داخلية وخارجية، علاوة على تشويه رموزها وعلى رأسهم مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا.

 

وقد خالف وحيد القانون، وتجاهل أسرة الإمام كمصدر مهم قبل كتابة أحداث المسلسل، مخالفًا بذلك شروط الرقابة على المصنفات الفنية، فلقد طالب الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا بالإطلاع على السيناريو؛ لضمان حياديته إلا أن المؤلف رفض ذلك رفضًا قاطعًا كدليل على تردده وخوفه، وادعى أنه لا يعرض أعماله الفنية على أحد، في حين أرسل حلقات إلى وزير الإعلام ليقرأها، راجع حواره مع "المصري اليوم": 7/8/2010م.

 

إذًا عَرَضَ سيناريو المسلسل على وزير الإعلام وعدم عرضه على ورثه البنا يعني ببساطة أن النية كانت مبيتةً لإنتاج مسلسل علماني حكومي مشترك؛ لتشويه الإخوان، وسحب البساط من تحت أرجلهم قُبيل الانتخابات التشريعية، التي سوف تُعقد في نوفمبر المقبل، والتي تمثل رعبًا للنظام الذي فشل في كلِّ شيء، وباتت تسد أذنيه هتافات الوقفات الاحتجاجية، مظاهرات الفقراء، ممن لا يجدون قوت يومهم.

 

لقد اشترى التليفزيون المصري المسلسل قبل الانتهاء من تصويره بمبلغ 22 مليون جنيه، دفعها وزير الإعلام من أموال دافعي الضرائب، واعترف وحيد في حوار له مع مجلة "روز اليوسف" يوم 28/8/2010م، أن كامل أبو علي صاحب الشركة المنتجة قد تقدَّم للوزير بعد فشل المسلسل وعجزه في تسويقه بمذكرة لزيادة المبلغ.

 

وللعجب فإن تصريح الرقابة على المسلسل قد جاء خاليًا من أي ملاحظات، بالرغم من كونه يمثِّل أجرأ عملية سطو وتزوير لتاريخ مصر، وأكثر الأعمال الفنية تشويهًا لزعيم هو في الحقيقة أكبر وأشهر زعماء مصر التاريخيين.

 

المسلسل بين نقد الإخوان ونقد الحزب الحاكم

وقد يقول قائل: إن المؤلف قد انتقد الحزب الحاكم كما انتقد الإخوان، فكيف إذًا يقال إن الحزب هو الذي تكفَّل بإنتاج المسلسل؟ وما الفائدة التي سوف تعود عليه من إنتاج مسلسل يتعرض لسلبياته قُبيل الانتخابات البرلمانية؟.

 

وأترك الإجابة عن هذا السؤال للأستاذ طارق الشناوي: صدق وحيد الذي يقول في مقاله المنشور بجريدة "الدستور" بتاريخ 25 أغسطس 2010م، يلعب وحيد حامد دراميًّا عند انتقاده للدولة في تلك المساحة التي نراها مسموحًا بها في برامج "مصر النهاردة" "البيت بيتك" سابقًا، إنه هامش متفق عليه، مقنن بمعايير يضعها ويقودها وزير الإعلام، ويبدو الأمر وكأنه اتفاق بين الأطراف جميعًا على أن الهدف هو ضرب المحظورة.

 

ولا غضاضة في نظري أن يلطخ الحزب الحاكم في سبيل توصيل رسالة ناجحة تشوه الإخوان وتعطل حركتهم، وتجعلهم ينشغلون لسنوات في تحسين صورتهم والرد على التهم والشبهات التي أثارها المسلسل.

 

ثم منذ متى وهذا الحزب يخشى النقد أو يعمل حسابًا لتاريخ أو سمعة، بل يؤكد أن قيام المؤلف يعرض مظاهر فساد الحزب الحاكم مقصودة في ذاتها كرسالة تحذيرية للمشاهد تؤكد أن البديل لهذا الفساد هو الإخوان، والمتابع للمسلسل يتأكد من هذا الرأي من خلال مَشَاهد نطق أبطالها بهذا الأمر صراحة، فضابط أمن الدولة في حواره مع بهجت السواح (خيرت الشاطر) يقول له: "عملي مع نظام فاسد أفضل من عملي مع جماعة فاشية"، ويقول المستشار كساب (عزت العلايلي) في مشهد آخر: "الحكومات تصنع آلام الناس والإخوان يتاجروا بيها"، ومعلوم أن الذي يتاجر بالآلام أشد في الذنب والإثم من صانعه.

 

عمل سياسي لإرضاء دوائر داخلية وخارجية

لقد حاول وحيد الإفلات بجريمته لكنه فشل، ولم تنفعه الحكومة التي أطلقت يده في كل شيء، ودعمته بكل ما تستطيع، وهو من فرط غروره لم يلتفت لنصائح الناصحين، واعتمد على مهارته الفنية والدرامية والإمكانيات المادية الكبيرة (المسلسل تكلف 50 مليون جنيه)، لكن كل ذلك لم ينفعه، ويأتي المسلسل بما لا يشتهي المتفرج، فلا المراجع نجحت في الوصول إلى الدقة التاريخية المطلوبة، ولا موهبة المؤلف أفلحت في تشويق العمل، ولا الشيخ الأزهري أو فريق المتخصصين في اللغة بصرفها ونحوها نجحوا في مراجعة الفكر أو اللغة التي أجراها المؤلف على لسان البنا وشيوخ المسلسل، وكأن المشاهد هو آخر من اهتم به المؤلف، إذ يبدو وضع هذا المسلسل لا من أجل المشاهد الحقيقي، ولكن من أجل دوائر أخرى خارجية أو داخلية يريد أن تصل إليها تلك المعاني والأفكار التي حشدها في مسلسله (ثروت الخرباوي "المصور": 1/9/2010م).

 

لا مجال بالتالي في هذا المسلسل للفن الخالص أو الدراما المجردة كما يدعي وحيد، فهو عمل سياسي في المقام الأول، لا يجد من يدافع عنه سوى بعض الأقلام الحكومية أعضاء لجنة السياسات، وطائفة أخرى من أصدقاء وحيد العلمانيين.

 

يقول طارق الشناوي (الدستور: 11/9/2010م) مسلسل الجماعة هو مسلسل الدولة.. هذه هي الحقيقة، إنه سلاحها في مواجهة ما دأبت أن تصفه بالمحظورة، ومن حقِّ وحيد حامد أن تتوافق آراؤه مع الدولة، فهو يعبِّر عن قناعاته التي هي أيضًا قناعات الدولة.. ولكن هذا لا ينفي أن هناك حماسًا عارمًا من النظام لاحتضان المسلسل.

 

ويقول سليمان جودة (المصري اليوم: 17/8/2010م) أنس الفقي دفع 21 مليون في مسلسل الجماعة؛ لعرضه على القناة الأولى، فليس هناك شك في أن الهدف من وراء عرض عمل من هذا النوع إنما هو هدف سياسي بالدرجة الأولى، ولا مجال هنا للفن الخالص أو الدراما المجردة.

 

وتقول الكاتبة الصحفية حنان كمال (جريدة "الشروق": 14/8/2010م) نقلاً عن (الألمانية): وحيد حامد قدَّم صورة سلبية عن الإخوان لا فرق بين إنتاج المسلسل عن طريق أمن الدولة وتليفزيون الدولة، إن انحياز الكاتب ضد الإخوان في الحلقات الأولى فجٌّ، وربما يخلق تعاطفًا مع الإخوان، خاصة أنه يقدِّم ضابط أمن الدولة بصيغة إيجابية نعلم أنها مزيفة.

 

وتقول وكالة "رويترز" 20/8/2010م، تحت عنوان: مسلسل الجماعة مليء بالأكاذيب.. فما زالت الجماعة تتمتع بشعبية كبيرة بين الفقراء والمعدمين، وأضافت "أن الحكومة لن تسمح أبدًا بظهور مسلسل يتعلق بالجماعة إلا إذا كان سيصب في صالح النظام على حساب الإخوان.

 

لقد أدى التعاون المشبوه بين وحيد والسلطة إلى تغييب أصول وقواعد العمل الفني، والإطاحة بأخلاقيات الكتابة التاريخية بالعبث في نيات الشخصيات التاريخية، والمبالغة والإسراف في نقدهم، والتحيز ضدهم والابتذال وعدم المنطقية.

 

يقول الدكتور جمال شقرا أستاذ التاريخ الحديث (المصري اليوم: 24/8/2010م) تحت عنوان: تعددت الأخطاء والتاريخ واحد: هناك تفاصيل تاريخية لم يوثقها المؤلف.. المؤلف بنى موضوعه بناءً سياسيًّا، ووضع حسابات وتوازنات، ولم يبنه بناءً تاريخيًّا.

 

مسلسل فاشل.. فنيًّا وتسويقيًّا

لم ينجح وحيد حامد في تحقيق هدفه من المسلسل، ولم ينجح بالتالي من كلفوه بهذا العمل في تحقيق أغراضهم، بل لا نبالغ إذا قلنا: إن السحر قد انقلب على الساحر، الأمر الذي جعل وحيد يفقد أعصابه فيسب الإخوان، ويصفهم بأبشع الصفات، ويصب اللعنات على الجميع، على من تخلوا عنه تارة لا أدري من هم، وعلى الصحفيين تارة أخرى- فقطع جريدة الدستور؛ لأنها نشرت استطلاعًا للرأي يؤكد أن المسلسل لا يحظى بنسبة مشاهدة، وليس له ترتيب ضمن المسلسلات الناجحة- وعلى الإخوان تارات عديدة.

 

ففي حوار له بروز اليوسف 28/8/2010م يقول وأنا أريد (دكر) من جماعات الإخوان يقول أنا تم تعذيبي في أمن الدولة.. ويضيف وأنا لم أكن أعرف أن نسبة كبيرة من الإخوان ضلالية ولا يقولون الحق.

 

وفي موضع آخر يسأله المحرر: يقال أيضًا إن المسلسل أعطى شرعية للجماعة، وجعل الحديث عنها علنيًّا بعد أن كانت محظورة، ردَّ بقوله: "ردي على هذا الكلام لفظ قبيح لا أستطيع ذكره هنا، ولكن يمكن أن أصف هذا الكلام بأنه كلام قوادين".

 

وفي موضع ثالث يقول: وأنا كنت متوقعًا منذ البداية أن يكون هناك الرأي والرأي الآخر، لكن لم أجد من الإخوان غير السفالات.

 

وفي حواره مع جريدة الشروق 12/9/2010م يقول: "الإخوان فضلوا أن يلعبوا دور الغجرية، وأريد أن أقول للإخوان اختشوا أفضل لكم".

 

وأخيرًا قدَّم بلاغًا لنيابة شمال الجيزة يتهم سيف الإسلام البنا بسبِّه وقذفه؛ حيث ادعى أن سيف صرَّح بأن وحيد حامد كافرٌ، ولا يحترم الدين الإسلامي، ولا حتى الديانة المسيحية، وهو ما أنكره سيف الإسلام جملةً وتفصيلاً.

 

ورغم محاولات الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بإصدار الأوامر لكتائبها الإعلامية بمساندة وحيد بمدح المسلسل وكاتبه، والطعن في الإخوان، وتشويهم في المقابل، وبإرغام المعلنين على حشد إعلاناتهم في فترت عرض المسلسل، إلا أنه ظلَّ خارج قائمة اهتمام المشاهدين للأخطاء الفنية التي حظى بنسبة كبيرة منها، وللانحياز الأعمى لكاتب المسلسل ضد الإخوان.

 

في استطلاع رأي لشركة (tns) المتخصصة الدستور 23/8/2010م تحت عنوان: مسلسل الجماعة خارج قائمة اهتمام المشاهدين، جاء في الخبر أن تلك الشركة المتخصصة في قياس واستطلاعات المشاهدة للقنوات التليفزيونية أجرت دراسةً حول أعلى القنوات مشاهدة أرضيًّا وفضائيًّا، وحول أعلى المسلسلات مشاهدة.

 

وقد خرج مسلسل الجماعة من قائمة أعلى 15 مسلسلاً من حيث نسبة المشاهدة، وأضافت الصحفية دعاء سلطان الغريب أن مسلسل الجماعة لم يظهر في أي من محاور الاستطلاع"، وهو المسلسل الذي راهن التليفزيون المصري عليه في اجتذاب أعلى نسبة مشاهدة.

 

وفي دراسة لأحد المعاهد الفرنسية نشرتها الدستور في اليوم نفسه 23/8/2010م اختفى أيضًا مسلسل الجماعة من قائمة الأعمال الأكثر مشاهدةً.

 

انتقادات فنية عديدة

وقد تعرض المسلسل للعديد من الانتقادات الفنية، ووصف بالفشل في مرات كثيرة، وأنه صب في النهاية في صالح الإخوان المسلمين حسب تقرير (الأسوشيتد برس) الذي نشرته (الأهرام) في 4/9/2010م وجاء فيه: يرى البعض أن المسلسل أفضل من قراءة 20 كتابًا عن جماعة الإخوان المسلمين، وقد نقلت الوكالة عن أشرف الشريف أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية قوله: إن المسلسل له تأثير عكسي، مضيفًا أن ما فعله المسلسل هو تحويل ديناصور إلى ظاهرة سياسية حياتية، مستطردًا: الجماعة لم تعد محظورة كما تصر الحكومة، ولكنها الآن دخلت كل بيت ومقهى وشارع في مصر.

 

بدا المسلسل مرتبكًا غير مترابط، فالأحداث التاريخية يتم الخروج منها بطريقة مبتورة؛ لتكال للإخوان وصلة من الشتم والطعن، أما التشويق كما يقول الأستاذ ثروت الخرباوي (المصور: 1/9/2010م): فإنني أكاد أقسم أن (قفلة) كل حلقة لا تشجع على متابعة الحلقة التالية، فكل حلقة تصلح بذاتها لكي تكون وحدة واحدة تنفصل عن باقي المسلسل بحيث لو أخطأ المخرج يومًا ووضع حلقة مكان حلقة فإنه لن ينتبه أحد لهذا الخلط، فالبناء الدرامي مضطرب ومرتبك والأحداث لا رابط بينها.

 

وهذا المعنى يؤكده الأستاذ خالد كساب (الدستور: 23/8/2010م) حيث يقول: بداية المسلسل متعثرة دراميًّا يتحدث فيها الأبطال مع بعضهم البعض، وكأنهم يتحدثون في أحد البرامج الحوارية بطريقة أقرب إلى قراءة مقال صحفي.. ويظل الملمح الرئيسي للمسلسل هو توتر الدراما ومباشرتها لدرجة السذاجة في المشاهد التي يفترض أنها تحدث في زمننا الحالي.

 

انحياز أعمى

إن الانحياز الأعمى من المؤلف ضد الإخوان أفسد المسلسل كما ذكرت فنيًّا وتسويقيًّا لدرجة أن جميع القنوات الفضائية لم تقبل شراءه، باستثناء قنوات التليفزيون التي كانت تعرض الحلقة الواحدة حوالي عشر مرات في اليوم الواحد، وقناة (القاهرة والناس) التي ندم صاحبها هذه الصفقة الخاسرة، ففي حوار له (روز اليوسف: 21/8/2010م) اعترف بأنه اشترى المسلسل لعرضه في قناته بـ3.5 مليون دولار، وشكا من قلة الإعلانات، ومن امتناع القنوات الخاصة عن شراء المسلسل الذي تتولى قناته تسويقه، ولما سألته المحررة عن السبب قال لها بمرارة: اسألي أنت أصحاب هذه القنوات.

 

يقول الدكتور رفعت السعيد، مؤكدًا فشل المسلسل، ومشفقًا على صديقه ورفيق دربه وحيد (روز اليوسف: 28/8/2010م): " قدرة وحيد حامد على التأليف الدرامي الممتاز، وتمتعه بحس وطني تقدمي ليبرالي، إلا أن ذلك لم يمنع من تعرضه لأكثر من مأزق، مثل عرض المسلسل في شهر رمضان، الذي يتميز فيه المصريون بانتشار الروحانيات والوازع الديني؛ ما يجعلهم يتعاطفون مع (مجاذيب السيدة)، ويتعاملون معهم على أساس من الاحترام العميق وهو شيء إيجابي بالنسبة للإخوان في هذا المسلسل الذي يصورهم بأنهم متدينون".

 

وفي موضع آخر يقول: "أما المأزق الثالث، فهو أنه يأتي في إطار المعركة الانتخابية المقبلة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى خدمة الجماعة؛ لأنه يركز على المقولات الدينية لديهم، والتي تؤثر في العامة، وفي المقابل بعض الإيحاءات والإيماءات البسيطة لانتقاد الجماعة، والتي لن يفهمها سوى النخبة والمثقفين".

 

مسلسل أمن الدولة

لقد كثر اللغط حول المسلسل، واتهم مؤلفه صراحةً بأنه يتلقى تعليماته اليومية من أمن الدولة، وأن ضباطًا يحضرون التصوير "راجع مقال نوارة نجم" (الدستور: 27/8/2010)، وقد أكد البعض أن التأخير في إذاعة الحلقة 22 عن موعدها كان بسبب اعتراض جهاز أمن الدولة على بعض المشاهد، وليس كما ادعى وحيد بأن انقطاع الكهرباء وعدم الانتهاء من المونتاج هو السبب.

 

وهناك تأكيدات أخرى بأن التليفزيون اكتفى بعرض 28 حلقة من المسلسل، بعدما طالبت جهات أمنية بذلك، بعد تعاطف أغلبية المشاهدين مع الإمام المؤسس، الذي لو عرضت مشاهد قتله وجنازته لسببت حرجًا بالغًا للجميع، ولكسبت الجماعة تعاطفًا أكثر مما حصلت عليه.

 

ولعل الشعور العام بعدم حيادية المؤلف وبإظهار ضباط أمن الدولة بمظهر الملائكة في الحلقات الأولى من المسلسل هي التي صرفت المشاهد العادي عن متابعته وتكوين رأي مفاده أن هذا العمل تافه، وما يعرض فيه كذب وافتراء.. أما المثقفون والنخبة فلا يختلفون في أن سقوط المسلسل يكمن في افتقاده المصداقية، وتزويره التاريخ، وتجنيه المبالغ فيه على الإخوان، وفي سطحيته، واستهانة المؤلف بعقول المشاهدين.

 

يقول د. عمرو الشوبكي (المصري اليوم: 19/8/2010م): المسلسل انحاز بشكل كامل وأعمى لجهاز أمن الدولة ووزارة الداخلية، بصورة تشعرك أن التحقيقات التي تجري مع عناصر الإخوان تجريها أجهزة الأمن في سويسرا أو السويد وليس حتى في فرنسا أو أمريكا، وأنه لو قررت وزارة الداخلية أن تقوم بعمل مسلسل للإشادة برجالها لما قدمتهم بنفس الصورة التي قدَّمها مسلسل الجماعة الذي قضى على مصداقيته.

 

ويقول الشوبكي أيضًا (المصري اليوم: 26/8/2010م): الحقيقة وبعد 12 حلقة من مسلسل الجماعة فإننا بالتأكيد أمام عمل فني له رؤيته السياسية المنحازة في بعض الجوانب، وأمام سرد لبعض الوقائع غير الصحيحة.

 

ويقول الدكتور حسن نافعة (المصري اليوم: 8/9/2010م) وحين يَقْبَل كاتب أن يقوم آخرون بتوظيف أفكاره؛ لتحقيق أهداف قد لا تتفق بالضرورة مع أهدافه الأصلية، يصبح جزءًا من صراع أكبر منه، وعليه أن يقبل بنتائجه.

 

ليس لدي تفسير للأسباب التي دفعت وحيد حامد لكتابة مسلسل عن جماعة سياسية متجذرة في مصر عمرها أكثر من 80 عامًا، ولأن تاريخها أكبر من أن يحيط به مسلسل، فمن الطبيعي أن يكون انتقائيًّا، وأن يركز على أحداث أو فترات بعينها، قد لا تكون هي الأهم موضوعيًّا، خصوصًا حين يكتب بروح عدائية واضحة، ويعكس موقفًا سلبيًّا مسبقًا.

 

وربما كان أخطر ما فيه أنه قدَّم الجماعة للمشاهد وكأنها فصيل حركي يقوم على تكفير الحاكم ومقاومته بالعنف، وبالتالي لا تختلف كثيرًا عن تنظيمات "الجهاد" أو "الجماعة الإسلامية" أو "القاعدة"، كما قدَّم حسن البنا كشخصية سيكوباتية لا علاقة لها بسمات شخصيته الحقيقية، بينما قدَّم العاملين في أجهزة الأمن وكأنهم ملائكة الرحمة، وتلك أخطاء فادحة أدت إلى نتائج معاكسة تمامًا لما كان يستهدفه المسلسل، أو تستهدفه الدولة من الترويج له، بدليل تضاعف مبيعات كتب الإخوان، خاصة رسائل حسن البنا، والتي يقال إنها حققت أرقامًا قياسية بعد المسلسل.

 

أما د. وحيد عبد المجيد (المصري اليوم: 4/9/2010م) فيقول: لو أن صانعي مسلسل الجماعة وعلى رأسهم الأستاذ وحيد حامد تابعوا ردود الفعل التي أثارها على الإنترنت لهالهم التعاطف مع مؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا في كثير من الأوساط، ولكن ما سيدهشهم هو أن بنات لسن من تنظيم الأخوات ولا من قريبات قادة أو أعضاء في جماعة الإخوان أعجبن به.

 

أما رسالة المسلسل التي تحاول إبراز الجانب المظلم والعنيف في مواقف البنا وممارساته، فهي لا تصل إلا إلى القليل من متابعي الحلقات؛ لأنها أكثر تعقيدًا من أن يدرك البسطاء والبسيطات مغزاها.