تأبى بعض الوكالات التي تدعي استقلاليتها، والتي ثبت أكثر من مرة كذب رواياتها، أو تحويرها، أو حتى تأليفها، تأبى إلا أن تصبغ صفات البطولة على كل منبطح متنازل بائع لفلسطيني وقضيتها، خاصة عندما يتعلق الأمر برموز أوسلو ومخازيها، والتي كان آخرها لقاء عبّاس في نيويورك مساء أمس مع قادة الجالية اليهودية واللوبي الصهيوني هناك، لجعل من عبّاس بطلاً لا يشق له غبار، ولتصف آيات الترحيب والتصفيق والتهليل بوصول البطل العظيم عبّاس، وإن كنا لا نشكك في هذه الجزئية تحديدًا لأن عبّاس ومن معه خادمهم الأمين، والمنفذ لأوامرهم، ولذلك حق لهم أن يصفقوا له بعد أن جرّم وحقّر وحارب كل ما يمت لكرامة شعبنا بصلة.

 

نقلت الوكالة المستقلة جدًّا جدًّا في إطار تغطيتها الدائمة والمتواصلة لبطولات عصابة أوسلو ما يلي (حرفيًّا): "وبعد كلمة الرئيس صفق قادة يهود العالم له وبدأت جولة صعبة وشديدة من الأسئلة التي أجاب عليها أبو مازن.. ومن أبرز نقاط اللقاء:

- قادة اليهود ألحوا وأصروا على سؤال حول يهودية الدولة ورد الرئيس عليهم: إذا أردتم أن تطلقوا على أنفسكم إسرائيل اليهودية الإمبراطورية العظمى أفعلوا ذلك ولماذا تسألوننا عن رأينا؟

 

- حول الأمن قال الرئيس أعرف أن هذه العقدة ملازمة لإسرائيل، ونحن نقولها علنًا أعطونا دولة وسنضمن لكم أمنًّا لم تروه في حياتكم، وسنقوم بكل ما يلزم.

 

- حول المفاوضات أكد أبو مازن أن القيادة الفلسطينية جاهزة لإنهاء جميع الملفات خلال عام وإقامة دولة تحفظ أمنها وأمن جيرانها، وموافق على دولة غير مسلحة حتى لا تخاف إسرائيل.

 

- حول إذا كان يعترف بالمحرقة التي نفذها هتلر ضد اليهود قال إن قتل إنسان بريء واحد جريمة وسواء قتل هتلر 6 ملايين يهودي أو يهودي واحد، فالمسالة ليست رياضيات وإنما موقف".

 

إلى هنا انتهى الوصف البطولي المجتزأ، والمضلل لتلك الوكالة الحيادية- لكن ما لم تقله الوكالة ورئاسة تحريرها أن عبّاس قدم المزيد من التنازلات والمخازي في هذا اللقاء، وانتقل خطوة جديدة في مستنقع السقوط السياسي، مما أثار دهشة من صفقوا له، واضطر كبيرهم لإصدار بيان، يشرح فيه إعجاب الدبابير حسب وصف الوكالة بعبّاس وتنازلاته الجديدة، وإليكم ما قاله بحسب ما نُشر: "نقلت منظمة يهودية أمريكية عن محمود عباس إقراره بالتعاون الأمني مع إسرائيل لمنع وقوع هجمات ضدها تنطلق من الضفة الغربية، وقال عباس- وفق بيان للمنظمة- في لقائه مع قادة خمسين منظمة يهودية أمريكية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة إن "أمن إسرائيل هو أمننا".

 

وأضاف عباس وفقًا لبيان أصدره مركز دانييل أبراهام للسلام في الشرق الأوسط الذي استضاف اللقاء، "إذا سألتموني لماذا لم تقع حتى الآن على مدى ثلاث أو أربع سنوات أي هجمات من الضفة الغربية؟ فإنني سأقول لكم إن السبب هو قرارنا التعاون مع الجانب الإسرائيلي، ونحن نمنع أي طرف من القيام بأي شيء ضد إسرائيل لأن أمن إسرائيل هو أمننا".

 

وردًّا على سؤال بشأن ما إذا كان عباس على استعداد للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، قال الرئيس الفلسطيني- طبقًا للمنظمة اليهودية- إنه إذا أراد الشعب الإسرائيلي أن يسمى نفسه بما يشاء فهو حر في ذلك.

 

وفي هذا السياق قال زفيكا كريجر نائب رئيس مركز دانييل أبراهام للسلام في الشرق الأوسط لـ(الجزيرة) إن "أحد الحضور سأل عباس عن موقفه إذا ما قام الكنيست الإسرائيلي بتبني تسمية دولة إسرائيل اليهودية كما هو الحال مع دولة إيران الإسلامية أو جمهورية مصر العربية فهل يعترف الفلسطينيون بإسرائيل بهذه الصفة؟، كان ردّه نعم".

 

واعتبر كريجر هذا التصريح لعباس بمثابة تطور وصفه بالمثير في موقفه أو توضيح لموقفه بشأن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية.

 

وأشار كريجر إلى أن أكثر ملاحظات عباس طمأنة في اللقاء كانت عندما سئل "إذا لم يقم الإسرائيليون بتمديد تجميد الاستيطان وهو ما صرح به رئيس الوزراء (بنيامين) نتنياهو حتى الآن، فإن عباس قال إنه لن يقوم بالضرورة بمغادرة الطاولة (المفاوضات)".

 

ووصف نائب رئيس مركز دانييل أبراهام عباس بأنه "قام بعمل رائع في شرح لماذا قضية المستوطنات قضية هامة بالنسبة له".

 

هل يستطيع عبّاس أو أي ممن رافقوه نفي أو تكذيب ما جاء في البيان، خاصة أن اللقاء بالضرورة مسجّل بالصوت والصورة؟ وهل تستطيع الوكالة المستقلة جدًّا نشر النص الكامل للّقاء دون تحريف أو اجتزاء لتكذيب ما جاء في البيان؟ نجيب ودون انتظار رد- لن يستطيعوا ولن يجرؤوا لأن المخازي باتت أكبر من أن يتم التعتيم عليها.

 

بقي أن نقول إنه في الوقت الذي كان عبّاس مجتمعًا فيه بقادة الجالية اليهودية وزعماء الصهيونية، كانت القدس وحي سلوان تحديدًا تشهد جولة مواجهة جديدة سقط فيها شهداء وجرحى، وملحمة كرامة وعزة، لا يعرفها أمثاله من الذين يعتبرون أمن المجرمين من أمنهم، وأمن ومقاومة شعبهم ضربًا من العبثية والحقارة!

 

نكتفي بهذا القدر

لا نامت أعين الجبناء

--------------------

[email protected]